حديث آخر : ـ قال الإمام أحمد: حدثنا سفيان عن فرات، عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد الغفاري، قال: أشرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة ونحن نتذاكر الساعة، فقال: «لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات: طلوع الشمس من مغربها، والدخان، والدابة، وخروج يأجوج ومأجوج، ونزول عيسى بن مريم والدجال، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، ونار تخرج من قعر عدن تسوق ـ أو تحشر ـ الناس تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا» وهكذا رواه مسلم وأهل السنن من حديث فرات القزاز به. ورواه مسلم أيضاً من رواية عبد العزيز بن رفيع عن أبي الطفيل، عن أبي سريحة، عن حذيفة بن أسيد الغفاري موقوفاً، والله أعلم، فهذه أحاديث متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من رواية أبي هريرة وابن مسعود وعثمان بن أبي العاص، وأبي أمامة والنواس بن سمعان وعبد الله بن عمرو بن العاص ومجمع بن جارية وأبي سريحة وحذيفة بن أسيد رضي الله عنهم، وفيها دلالة على صفة نزوله ومكانه من أنه بالشام بل بدمشق عند المنارة الشرقية، وأن ذلك يكون عند إقامة صلاة الصبح، وقد بنيت في هذه الأعصار في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة منارة للجامع الأموي بيضاء من حجارة منحوتة عوضاً عن المنارة التي هدمت بسبب الحريق المنسوب إلى صنيع النصارى ـ عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة ـ وكان أكثر عمارتها من أموالهم، وقويت الظنون أنها هي التي ينزل عليها المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، فيقتل الخنزير ويكسر الصليب ويضع الجزية، فلا يقبل إلا الإسلام كما تقدم في الصحيحين، وهذا إخبار من النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وتقرير وتشريع وتسويغ له على ذلك في ذلك الزمان، حيث تنزاح عللهم وترتفع شبههم من أنفسهم، ولهذا كلهم يدخلون في دين الإسلام متابعة لعيسى عليه السلام وعلى يديه، ولهذا قال تعالى: {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته} الاَية، وهذه الاَية كقوله: {وإنه لعلم للساعة} وقرىء (لعلم) بالتحريك أي أمارة ودليل على اقتراب الساعة، وذلك لأنه ينزل بعد خروج المسيح الدجال فيقتله الله على يديه، كما ثبت في الصحيح أن الله لم يخلق داء إلا أنزل له شفاء، ويبعث الله في أيامه يأجوج ومأجوج فيهلكهم الله تعالى ببركة دعائه، وقد قال تعالى: {حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون واقترب الوعد الحق} الاَية
صفة عيسى عليه السلام :
قد تقدم في حديث عبد الرحمن بن آدم عن أبي هريرة «فإذا رأيتموه فاعرفوه: رجل مربوع إلى الحمرة والبياض، عليه ثوبان ممصران، كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل»، وفي حديث النواس بن سمعان «فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعاً كفيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدر منه مثل جمان اللؤلؤ، لا يحل لكافر أن يجد ريح نفسه إلا مات، ونفسه ينتهي حيث انتهى طرفه»، وروى البخاري ومسلم من طريق الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ليلة أسري بي لقيت موسى» قال: فنعته فإذا رجل أحسبه، قال: «مضطرب رجل الرأس كأنه من رجال شنوءة» قال «ولقيت عيسى» فنعته النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ربعة أحمر كأنه خرج من ديماس» يعني الحمام، «ورأيت إبراهيم وأنا أشبه ولده به» الحديث، وروى البخاري من حديث مجاهد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «رأيت موسى وعيسى وإبراهيم، فأما عيسى فأحمر جعد عريض الصدر، وأما موسى فآدم جسيم سبط كأنه من رجال الزط»، وله ولمسلم من طريق موسى بن عقبة عن نافع، عن ابن عمر، ذكر النبي صلى الله عليه وسلم يوماً بين ظهراني الناس المسيح الدجال، فقال: «إن الله ليس بأعور ألا إن المسيح الدجال أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية، ولمسلم عنه مرفوعاً «وأراني اللهعند الكعبة في المنام، وإذا رجل آدم كأحسن ما ترى من أدم الرجال، تضرب لمته بين منكبيه، رجل الشعر، يقطر رأسه ماء، واضعاً يديه على منكبي رجلين وهو يطوف بالبيت، فقلت: من هذا ؟ قالوا: هو المسيح بن مريم، ثم رأيت وراءه رجلاً جعداً قططاً، أعور العين اليمنى، كأشبه من رأيت بابن قطن، واضعاً يديه على منكبي رجل يطوف بالبيت، فقلت: من هذا ؟ قالوا: المسيح الدجال» تابعه عبيد الله عن نافع
ثم رواه البخاري عن أحمد بن محمد المكي، عن إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، قال: لا والله ما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعيسى أحمر، ولكن قال: «بينما أنا نائم أطوف بالكعبة، فإذا رجل آدم سبط الشعر، يتهادى بين رجلين ينطف رأسه ماء ـ أو يهراق رأسه ماء ـ فقلت: من هذا ؟ فقالوا ابن مريم، فذهبت ألتفت، فإذا رجل أحمر جسيم، جعد الراس، أعور عينه اليمنى، كأن عينه عنبة طافية، قلت: من هذا ؟ قالو: الدجال، وأقرب الناس به شبهاً ابن قطن» قال الزهري: رجل من خزاعة هلك في الجاهلية، هذه كلها ألفاظ البخاري رحمه الله ، وقد تقدم في حديث عبد الرحمن بن آدم عن أبي هريرة أن عيسى عليه السلام يمكث في الأرض بعد نزوله أربعين سنة، ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون وفي حديث عبد الله بن عمر عند مسلم أنه يمكث سبع سنين فيحتمل ـ والله أعلم ـ أن يكون المراد بلبثه في الأرض أربعين سنة مجموع إقامته فيها قبل رفعه، وبعد نزوله، فإنه رفع وله ثلاث وثلاثون سنة، في الصحيح، وقد ورد ذلك في حديث في صفة أهل الجنة أنهم على صورة آدم وميلاد عيسى ثلاث وثلاثين سنة، وأما ما حكاه ابن عساكر عن بعضهم أنه رفع وله مائة وخمسون سنة فشاذ غريب بعيد. وذكر الحافظ أبو القاسم بن عساكر في ترجمة عيسى بن مريم من تاريخه عن بعض السلف أنه يدفن مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجرته، فالله أعلم. وقوله تعالى: {ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً} قال قتادة: يشهد عليهم أنه قد بلغهم الرسالة من الله وأقر بعبودية الله عز وجل، وهذا كقوله تعالى في آخر سورة المائدة {وإذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس ـ إلى قوله ـ العزيز الحكيم}