الجواب الرابع: عن مفهوم الاَية جواب أبي ثور وهو أغرب من قول داود من وجوه، وذلك أنه يقول: فإذا أحصن فإن عليهن نصف ما على المحصنات المزوجات وهو الرجم، وهو لا ينصف فيجب أن ترجم الأمة المحصنة إذا زنت، وأما قبل الإحصان فيجب جلدها خمسين، فأخطأ في فهم الاَية، وخالف الجمهور في الحكم، بل قد قال أبو عبد الله الشافعي رحمه الله: ولم يختلف المسلمون في أن لا رجم على مملوك في الزنا، وذلك لأن الاَية دلت على أن عليهن نصف ما على المحصنات من العذاب، والألف واللام في المحصنات للعهد، وهن المحصنات المذكورات في أول الاَية: {ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات} والمراد بهن الحرائر فقط من غير تعرض لتزويج غيره، وقوله: {نصف ما على المحصنات من العذاب} يدل على أن المراد من العذاب الذي يمكن تنصيفه وهو الجلد لا الرجم، والله أعلم. وقد روى أحمد نصاً في رد مذهب أبي ثور من رواية الحسن بن سعيد عن أبيه: إن صفيّة كانت قد زنت برجل من الحمس، فولدت غلاماً، فادعاه الزاني، فاختصما إلى عثمان، فرفعهما إلى علي بن أبي طالب، فقال علي: أقضي فيهما بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم : الولد للفراش، وللعاهر الحجر، وجلدهما خمسين خمسين، وقيل: بل المراد من المفهوم التنبيه بالأعلى على الأدنى أي إن الإماء على النصف من الحرائر في الحد وإن كن محصنات وليس عليهن رجم أصلاً لا قبل النكاح ولا بعده، وإنما عليهن الجلد في الحالتين بالسنة، قال ذلك صاحب الإفصاح، وذكر هذا عن الشافعي فيما رواه ابن عبد الحكم عنه، وقد ذكره البيهقي في كتاب السنن والاَثار، وهو بعيد من لفظ الاَية، لأنا إنما استفدنا تنصيف الحد من الاَية لا من سواها فكيف يفهم منها التنصيف فيما عداها وقال: بل أريد بأنها في حال الإحصان لا يقيم الحد عليها إلا الإمام ولا يجوز لسيدها إقامة الحد عليها والحالة هذه وهو قول في مذهب أحمد رحمه الله، فأما قبل الإحصان فله ذلك، والحد في كلا الموضعين نصف حد الحرة، وهذا أيضاً بعيد لأنه ليس في لفظ الاَية ما يدل عليه، ولولا هذه لم ندر ما حكم الإماء في التنصيف، ولوجب دخولهن في عموم الاَية في تكميل الحد مائة، أو رجمهن كما ثبت في الدليل عليه، وقد تقدم عن علي أنه قال: أيها الناس أقيموا الحد على أرقائكم من أحصن منهم ومن لم يحصن، وعموم الأحاديث المتقدمة ليس فيها تفصيل بين المزوجة وغيرها لحديث أبي هريرة الذي احتج به الجمهور: «إذا زنت أمة أحدكم، فتبين زناها، فليجلدها الحد، ولا يثرب عليها» ملخص الاَية: أنها إذا زنت أقوال: أحدها تجلد خمسين قبل الإحصان وبعده. وهل تنفى ؟ فيه ثلاثة أقوال: أحدها إنها تنفى عنه. والثاني لا تنفى عنه مطلقاً والثالث أنها تنفى نصف سنة وهو نصف نفي الحرة، وهذا الخلاف في مذهب الشافعي، وأما أبو حنيفة فعنده أن النفي تعزير ليس من تمام الحد، وإنما هو رأي الإمام إن شاء فعله وإن شاء تركه في حق الرجال والنساء، وعند مالك أن النفي إنما هو على الرجال وأما النساء فلا، لأن ذلك مضاد لصيانتهن وما ورد شيء من النفي في الرجال ولا النساء. نعم حديث عبادة وحديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قضى فيمن زنى ولم يحصن بنفي عام وبإقامة الحد عليه، رواه البخاري وذلك مخصوص بالمعنى وهو أن المقصود من النفي الصون، وذلك مفقود في نفي النساء، والله أعلم. والثاني أن الأمة إذا زنت تجلد خمسين بعد الإحصان وتضرب تأديباً غير محدود بعدد محصور، وقد تقدم ما رواه ابن جرير عن سعيد بن جبير أنها لا تضرب قبل الإحصان، وإن أراد نفيه فيكون مذهباً بالتأويل وإلا فهو كالقول الثاني. القول الاَخر أنها تجلد قبل الإحصان مائة، وبعده خمسين، كما هو المشهور عن داود وأضعف الأقوال: أنها تجلد قبل الإحصان خمسين، وترجم بعده، وهو قول أبي ثور وهو ضعيف أيضاً، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب. وقوله تعالى: {ذلك لمن خشي العنت منكم} أي إنما يباح نكاح الإماء بالشروط المتقدمة لمن خاف على نفسه الوقوع في الزنا، وشق عليه الصبر عن الجماع، وعنت بسبب ذلك كله، فله حينئذ أن يتزوج بالأمة، وإن ترك تزوجها وجاهد نفسه في الكف عن الزنا فهو خير له لأنه إذا تزوجها جاء أولاده أرقاء لسيدها إلا أن يكون الزوج عربيّاً، فلا تكون أولاده منها أرقاء في قول قديم للشافعي، ولهذا قال {وأن تصبروا خير لكم والله غفور رحيم} ومن هذه الاَية الكريمة، استدل جمهور العلماء في جواز نكاح الإماء على أنه لا بد من عدم الطول لنكاح الحرائر ومن خوف العنت لما في نكاحهن من مفسدة رق الأولاد، ولما فيهن من الدناءة في العدول عن الحرائر إليهن، وخالف الجمهور أبو حنيفة وأصحابه في اشتراط الأمرين، فقالوا: متى لم يكن الرجل مزوجاً بحرة، جاز له نكاح الأمة المؤمنة والكتابية أيضاً سواء كان واجداً لطول حرة أم لا، وسواء خاف العنت أم لا، وعمدتهم فيما ذهبواإليه قوله تعالى: {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} أي العفائف وهو يعم الحرائر والإماء، وهذه الاَية عامة وهذه أيضاً ظاهرة في الدلالة على ما قاله الجمهور، والله أعلم