60 - وأما الأحاديث
فالأول عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال يا محمد أخبرني عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا قال صدقت فعجبنا له يسأله ويصدقه قال فأخبرني عن الإيمان قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره قال صدقت قال فأخبرني عن الإحسان قال أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك قال: فأخبرني عن الساعة قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل قال: فأخبرني عن أماراتها قال: أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان ثم انطلق فلبثت مليا ثم قال: يا عمر أتدري من السائل قلت: الله ورسوله أعلم قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم رواه مسلم
ومعنى تلد الأمة ربتها أي سيدتها ومعناه أن تكثر السراري حتى تلد الأمة السرية بنتا لسيدها وبنت السيد في معنى السيد وقيل غير ذلك والعالة الفقراء وقوله مليا أي زمنا طويلا وكان ذلك ثلاثا
الشَّرْحُ
قوله بينما هذه ظرف تدل على المفاجأة ولهذا تأتي بعدها إذ المفيدة المفاجأة وكان الصحابة رضي الله عنهما يجلسون عند النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لا يغيب عن أصحابه أو أهله إما في البيت في شؤون بيته صلوات الله وسلامه عليه يحلب الشاة ويرقع الثوب ويخصف النعل وإما مع أصحابه في المسجد وإما ذاهبا إلى عيادة مريض أو زيارة قريب أو غير ذلك من الأمور التي لا يمضي منها إلا وهو في طاعة الله عليه الصلاة والسلام
قد حفظ الوقت ليس مثلنا نضيع الأوقات والغريب أن أغلى شيء عند الإنسان هو الوقت
وهو أرخص شيء قال الله حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت
حتى لا يضيع علي الوقت
ما يقول لعلي أتمتع في المال أو أتمتع بالزوجة
أو أتمتع في المركوب أو أتمتع في القصور
بل يقول لعلي أعمل صالحا فيما تركت
مضى علي الوقت وما استفدت منه
هو أغلى شيء لكن هو أرخص شيء عندنا الآن
نمضي أوقاتا كثيرة بغير فائدة
بل نمضي أوقاتا كثيرة فيما يضر
ولست أتحدث عن رجل واحد
بل عن عموم المسلمين اليوم مع الأسف الشديد
أنهم في سهو ولهو وغفلة
ليسوا جادين في أمور دينهم
أكثرهم في غفلة وفي ترف
ينظرون ما يترف به أبدانهم
وإن أتلفوا أديانهم
فالرسول عليه الصلاة والسلام كان دائما في المصالح الخاصة أو العامة
فبينما الصحابة عنده جلوس إذ طلع عليهم رجل
شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر
لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد
وهذا غريب ليس مسافرا حتى نقول إنه غريب عن البلد
ولا يعرف فنقول إنه من أهل البلد فتعجبوا منه
ثم هذا الرجل الذي جاء نظيفا شديد بياض الثياب
شديد سواد الشعر
أي شاب لا يرى عليه أثر سفر
لأن المسافر لاسيما في ذلك الوقت يكون أشعث أغبر
لأنهم يمشون على الإبل أو على الأقدام والأرض
غير مسفلتة كلها غبار
لكن هذا لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد
فهو غريب ليس بغريب
حتى جاء وجلس إلى النبي عليه الصلاة والسلام
وهذا الرجل هو جبريل عليه الصلاة والسلام
أحد الملائكة العظام
بل هو أفضل الملائكة فيما نعلم لشرف عمله
لأنه يقوم بحمل الوحي
من الله إلى الرسل عليهم الصلاة والسلام فهو ملك عظيم
رآه النبي على صورته التي خلق عليها مرتين
مرة في الأرض ومرة في السماء
مرة في الأرض في غار حراء رآه وله ستمائة جناح
قد سد الأفق كل الأفق أمام الرسول لا يرى السماء
من فوق
لأن هذا الملك قد سد الأفق سبحان الله
لأن الله يقول في الملائكة
{ جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة }
لهم أجنحة يطيرون بها طيرانا سريعا
والمرة الثانية عند سدرة المنتهى
قال الله تبارك وتعالى
{ إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى
ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثم دنا فتدلى
فكان قاب قوسين أو أدنى } هذا في الأرض
دنا جبريل من فوق
فتدلى أي قرب إلى محمد صلى الله عليه وسلم
فأوحى إلى عبده الرسول ما أوحاه من وحي الله
الذي حمله إياه
أما الثانية
فقال { ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى }
فهذا جبريل
لكن الله جعل للملائكة قدرة
على أن يتشكلوا بغير أشكالهم الأصلية
فها هو قد جاء في صورة هذا الرجل
قوله حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فأسند ركبتيه إلى ركبتيه
أي أسند ركبة جبريل
إلى ركبة النبي صلى الله عليه وسلم
ووضع كفيه على فخذه
قال العلماء وضع كفيه على فخذي نفسه
لا على فخذي النبي صلى الله عليه وسلم
وذلك من كمال الأدب في جلسة المتعلم أمام المعلم
بأن يجلس بأدب واستعداد لما يسمع مما يقال
من الحديث
جلس هذه الجلسة
ثم قال يا محمد أخبرني عن الإسلام
ولم يقل يا رسول الله أخبرني صنيع
أهل البادية الأعراب
لأن الأعراب إذا جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم
يقولون يا محمد
أما الذين سمعوا أدب الله عز وجل لهم
فإنهم لا يقولون يا محمد وإنما يقولون يا رسول الله
لأن الله قال في كتابه
{ لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا }
وهذا يشمل دعاءه عند النداء باسمه
ويشمل دعاءه إذا أمر أو نهى
فلا نجعل أمره كأمر الناس إن شئنا امتثلنا
وإن شئنا تركنا
ولا نجعل نهيه كنهي الناس
إن شئنا تركنا وإن شئنا فعلنا
كذلك إذا دعوناه لا ندعوه كدعاء بعضنا بعضا
فنقول يا فلان يا فلان مثلما تنادي صاحبك
وإنما تقول يا رسول الله
لكن الأعراب لبعدهم عن العلم
وجعل أكثرهم ينادونه باسمه فيقولون يا محمد
قال أخبرني عن الإسلام أي ما هو الإسلام
فقال النبي صلى الله عليه وسلم
أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله
هذا الركن الأول
ةةةةةةةةةةة
الركن الأول
تشهد بلسانك نطقا وبقلبك إقرارا
أن لا إله إلا الله
لا إله إلا الله
يعني لا معبود بحق إلا الله سبحانه وتعالى
وألوهية الله فرع عن ربوبيته
لأن من تأله لله فقد أقر بالربوبية
إذ إن المعبود لابد أن يكون ربا
ولابد أن يكون كامل الصفات
ولهذا تجد الذين ينكرون صفات الله عز وجل
عندهم نقص عظيم في العبودية
لأنهم يعبدون لا شيء
فالرب لابد أن يكون كامل الصفات حتى يعبد
بمقتضى هذه الصفات
ولهذا قال الله تعالى
{ ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها }
أي تعبدوا له وتوسلوا بأسمائه إلى مطلوبكم
فالدعاء هنا يشمل دعاء المسألة ودعاء العبادة
المهم أنه قال
أن تشهدوا أن لا إله إلا الله
فلا إله من الخلق لا لملك مقرب ولا نبي مرسل
ولا شمس ولا قمر ولا شجر ولا حجر
ولا بر ولا بحر ولا ولي ولا صديق ولا شهيد
لا إله إلا والله وحده
لا إله إلا الله وحده
وهذه الكلمة أرسل الله بها جميع الرسل
فقال الله تعالى
{ وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه
أنه لا إله إلا أنا فاعبدون }
وقال تعالى
{ ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله
واجتنبوا الطاغوت }
أي ابتعدوا عن الشرك
هذه الكلمة إذا حققها الإنسان وقالها من قلبه
ملتزما بما تقتضيه من الإيمان والعمل الصالح
فإنه يدخل الجنة بها
قال النبي صلى الله عليه وسلم
من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة
جعلنا الله وإياكم منهم
وقوله وأن محمدا رسول الله
أي تشهد أن محمد بن عبد الله الهاشمي القرشي العربي
رسول الله ولم يذكر من سواه من الرسل
لأنه نسخ جميع الأديان
كل الأديان باطلة ببعثة الرسول عليه الصلاة والسلام
فدين اليهود باطل ودين النصارى باطل
غير مقبول عند الله
لقول الله تعالى
{ ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه
وهو في الآخرة من الخاسرين }
يتعبون في عباداتهم التي ابتدعوها تعبا عظيما
وينصبون نصبا عظيما
وكل هذا هباء لا ينفعهم بشيء
وقوله { وهو في الآخرة من الخاسرين }
فلو ربحوا في الدنيا ما ربحوا في الآخرة
لأن أديانهم باطلة
فالذين يدعون الآن من النصارى أنهم ينتسبوا
إلى عيسى ابن مريم هم كاذبون والمسيح برئ منهم
ولو جاء المسيح لقاتلهم
وسينزل في آخر الزمان ولا يقبل إلا الإسلام
فيكسر الصليب ويقتل الخنزير
ويضع الجزية
فلا يقبلها من أحد لا يقبل إلا الإسلام
وقوله وأن محمدا رسول الله إلى من
جـ: إلى الخلق كافة كما قال الله
{ تبارك الذي نزل الفرقان على عبده
ليكون للعالمين نذيرا }
للعالمين كلهم
وقال الله تعالى
لا إله إلا والله وحده
لا إله إلاالله وحده
{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ
مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ
فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ
وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }الأعراف158
{ }
فهو رسول إلى جميع الخلق
وقد أقسم صلى الله عليه وسلم
أنه لا يسمع به أحد يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن
بما جاء به إلا كان من أصحاب النار
ولذلك نحن نؤمن ونعتقد بأن جميع النصارى واليهود
وغيرهم من الكفرة كلهم من أصحاب النار
لأن هذا شهادة النبي عليه الصلاة والسلام
والجنة حرام عليهم لأنهم كفرة أعداء لله ولرسوله
أعداء لإبراهيم ونوح ومحمد وموسى وعيسى وجميع
الرسل ليسوا على شيء
قوله أن تشهد أن لا إله إلا الله
مع قوله وأن محمدا رسول الله
شرطي العبادة
شرطي العبادة
قوله أن تشهد أن لا إله إلا الله
مع قوله وأن محمدا رسول الله
هذان جمعا شرطي العبادة وهما الإخلاص لله
والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم
لأنه من قال لا إله إلا الله أخلص لله
ومن شهد أن محمدا رسول الله اتبع رسول الله
ولم يتبع سواه
ركنا واحدا من أركان الإسلام
ولهذا عد هذان ركنا واحدا من أركان الإسلام
لأنهما يعودان إلى شيء واحد
وهو تصحيح العبادات
تصحيح العبادات
لأن العبادات لا تصح إلا بمقتضى هاتين الشهادتين
شهادة أن لا إله إلا الله التي يكون بها الإخلاص
وأن محمدا رسول الله التي يكون بها الاتباع
وقوله وأن محمدا رسول الله
فإنه يجب أن تشهد بلسانك مقرا بقلبك
أن محمدا رسول الله
أرسله الله إلى العالمين جميعا رحمة بالعالمين
كما قال الله { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين }
وأن تؤمن بأنه خاتم النبيين كما قال الله تعالى
{ ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله
وخاتم النبيين }
فلا نبي بعده
ومن ادعى النبوة بعده فهو كافر كاذب ومن صدقه فهو
كافر
ويلزم من هذه الشهادة أن تتبعه في شريعته وفي سنته
وأن لا تبتدع في دينه ما ليس منه
ولهذا نقول إن أصحاب البدع الذين يبتدعون في شريعة
الرسول صلى الله عليه وسلم ما ليس منها إنهم لم يحققوا
شهادة أن محمدا رسول الله حتى وإن قالوا إننا نحبه
ونعظمه فإنهم لو أحبوه تمام المحبة وعظموه تمام
التعظيم ما تقدموا بين يديه ولا أدخلوا في شريعته ما
ليس منها
فالبدعة مضمونها حقيقة القدح برسول الله
صلى الله عليه وسلم
كأنما يقول هذا المبتدع إن الرسول صلى الله عليه وسلم
لم يكمل الدين ولا الشريعة لأن هناك دينا وشريعة ما
جاء بها
ثم في البدعة محذور آخر وهو عظيم جدا
وهو أن يتضمن تكذيب قول الله
{ اليوم أكملت لكم دينكم }
لأن الله إذا كان أكمل الدين فمعناه أنه لا دين بعدما جاء
به الرسول عليه الصلاة والسلام
وهؤلاء المبتدعون شرعوا في دين الله ما ليس منه
من تسبيحات وتهليلات وحركات وغير ذلك
فهم في الحقيقة مكذبون لمضمون قوله تعالى
{ اليوم أكملت لكم دينكم }
وكذلك قادحون برسول الله صلى الله عليه وسلم
متهمون إياه بأنه لم يكمل الشريعة للبشر وحاشاه من
ذلك
ومن تمام شهادة أن محمدا رسول الله أن تصدقه فيما
أخبر به فكل ما صح عنه وجب عليك أن تصدق به
وأن لا تعارض هذا بعقلك وتقديراتك وتصوراتك
لأنك لو لم تؤمن إلا بما صدق به عقلك لم تكن مؤمنا
حقيقة بل متبعا لهواك لا آخذا بهداك
الإنسان الذي يؤمن بالرسول عليه الصلاة والسلام حقا
يقول فيما صح عنه من الأخبار سمعنا وآمنا وصدقنا
أما أن يقول كيف يكون كذا كيف يكون كذا فهذا غير
مؤمن حقيقة
ولذلك يخشى على أولئك القوم الذي يحكمون عقولهم
فيما أخبر به الرسول عليه الصلاة والسلام
لأنهم إن كانوا لا يقبلون إلا بما شهدت به عقولهم
وعقولهم لا شك أنها قاصرة فإنهم لم يؤمنوا حقا
برسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يشهدوا أنه
رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجه الحقيقة
عندهم من ضعف
هذه الشهادة بمقدار ما عندهم من التشكك فيما أخبر به
كذلك من تحقيق شهادة أن محمدا رسول الله
أن لا تغلوا فيه
فتنزله بمنزلة أكبر من المنزلة التي أنزله الله إياها
مثل أولئك الذين يعتقدون
أن الرسول صلى الله عليه وسلم يكشف الضر
حتى أنهم عند قبره يسألون النبي صلى الله عليه وسلم
مباشرة أن يكشف الضر عنهم وأن يجلب النفع لهم
هذا غلو في الرسول وشرك بالله عز وجل
لا يقدح على ذلك أحد إلا الله سبحانه وتعالى
والنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته لا يملك لنفسه شيئا
أبدا حتى الصحابة لما أصابهم القحط في زمن
أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه
واستقوا في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام
ما جاءوا إلى القبر يسألون الرسول
أو يقولون ادعوا الله لنا أو اشفع لنا عند الله
حتى ينزل الغيث
قال عمر يدعو الله اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا
وإننا نتوسل إليك بعم نبينا ثم أمر العباس أن يقوم ويدعو
الله بإنزال الغيث لماذا
جـ -
لأن النبي صلى الله عليه وسلم ميت لا عمل له بعد
موته
هو الذي قال إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة
إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو
له
فالنبي صلى الله عليه وسلم بنفسه لا يملك شيئا أن يدعو
لك وهو في قبره أبدا
فمن أنزله فوق منزلته التي أنزله الله فإنه
لم يحقق شهادة أن محمدا عبده ورسوله
بل شهد أن محمدا رب مع الله نعوذ بالله
لأن معنى كونه رسولا أنه عبد لا يعبد
ورسول لا يكذب
نحن في صلاتنا كل يوم نقول
أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله
فهو عبد كغيره من العباد مربوب والله هو المعبود
وهو الرب
إذا نقول لهؤلاء الذين نجدهم يغلون
برسول الله صلى الله عليه وسلم وينزلونه فوق منزلته
التي أنزله الله
نقول لهم إنكم لم تحققوا لا شهادة أن لا إله إلا الله ولا
شهادة أن محمدا رسول الله فالمهم أن هاتين الشهادتين
عليهما كل الإسلام
لذلك لو أراد الإنسان أن يتكلم على ما يتعلق بهما
منطوقا ومفهوما ومضمونا وإشارة لاستغرق أياما
ولكن نحن أشرنا إشارة إلى ما يتعلق بهما
ونسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يحققهما
عقيدة وقولا وفعلا
ةةةةةةةةةةة
ةةةةةةةةةةةةةةةةةةةة
ةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةة
الركن الثاني إقام الصلاة
الصلاة سميت صلاة لأنها صلة بين العبد وبين الله
فإن الإنسان إذا قام يصلي فإنه يناجي ربه ويحاوره يأخذ معه ويرد كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
أن الله سبحانه قال
قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين
فإذا قال { الحمد لله رب العالمين } قال حمدني عبدي
فإذا قال { الرحمن الرحيم } قال أثنى علي عبدي
فإذا قال { مالك يوم الدين } قال مجدني عبدي
فإذا قال
{ إياك نعبد وإياك نستعين }
قال هذا بيني وبين عبدي نصفين
فإذا قال { اهدنا الصراط المستقيم }
قال الله هذا لعبدي ولعبدي ما سأل
فتأمل أخذ وإعطاء ومحاورة ومناجاة
بين الإنسان وبين ربه
ومع ذلك فالكثير منا في هذه المناجاة معرض بقلبه
تجده يتجول يمينا وشمالا
مع أنه يناجي من يعلم ما في الصدور عز وجل
وهذا من جهلنا وغفلتنا
فالواجب علينا
ونسأل الله أن يعيننا عليه أن تكون قلوبنا حاضرة
في حال الصلاة
حتى تبرأ ذمتنا وحتى ننتفع بها
لأن الفوائد المترتبة على الصلاة
إنما تكون على صلاة كاملة
ولهذا كلنا يقرأ قول الله عز وجل
{ وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر }
ومع ذلك يأتي الإنسان ويصلي
فلا يجد في قلبه إنكارا لمنكر أو عرفا لمعروف
زائدا عما دخل في الصلاة
يعني لا يتحرك القلب ولا يستفيد لأن الصلاة ناقصة
هذه الصلاة أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين
وقد فرضها الله عز وجل
على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم
بدون واسطة من الله إلى رسول الله
وفرضها عليه في أعلى مكان وصله بشر
وفرضها عليه في أشرف ليلة
كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم
وهي ليلة المعراج
وفرضها عليه خمسين صلاة في اليوم والليلة
وهذه أربعة أمور
أولا
لم يكن فرضها كفرض الصيام والحج
بل هو من الله مباشرة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام
ثانيا
من ناحية المكان فهو في أفضل مكان وصل إليه البشر
فلم تفرض على النبي وهو في الأرض
ثالثا
من ناحية الزمان في أشرف ليلة
كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم
وهي ليلة المعراج
رابعا
في الكمية لم تفرض صلاة واحدة بل خمسين صلاة
مما يدل على محبة الله لها
وأنه يحب من عبده أن يكون دائما مشغولا بها
ولكن الله جعل لكل شيء سببا
لما نزل الرسول عليه الصلاة والسلام مسلما لأمر الله
قانعا بفريضة الله
ومر بموسى وسأله موسى ماذا فرض الله على أمتك ؟
قال خمسين صلاة في اليوم والليلة
قال إن أمتك لا تطيق ذلك
إنني جربت الناس قبلك
وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة
اذهب إلى ربك واسأله أن يخفف عن أمتك
فذهب على الله وجعل يتردد بين موسى وبين الله
حتى جعلها الله خمسا
لكن الله بمنه وكرمه وله الحمد والفضل
قال هي خمس بالفعل وخمسون في الميزان
وليس هذا من قبيل الحسنة بعشر أمثالها
بل من قبيل الفعل الواحد يجزئ عن خمسين فعلا
فالخمس صلوات هذه عن خمسين صلاة
فكأنما صلينا خمسين صلاة
كل صلاة الحسنة بعشر أمثالها
لأنه لو كان هذا من باب مضاعفة الحسنات
لم يكن هناك فرق بين الصلوات وغيرها
لكن هذه خاصة
وهذا يدل على عظم هذه الصلوات
ولهذا فرضها الله على عباده
في اليوم والليلة خمس مرات لابد منها
لابد أن تكون مع الله خمس مرات في اليوم تناجيه
لو أن أحدا من الناس حصل له مقابلة بينه وبين الملك
خمس مرات باليوم لعد ذلك من مناقبه ولفرح بذلك
أنت تناجي ملك الملوك في اليوم
خمس مرات على الأقل فلماذا لا تفرح بهذا
أحمد الله على هذه النعمة وأقم الصلاة
وقول النبي صلى الله عليه وسلم وتقيم الصلاة
يعني تأتي بها قويمة سالمة بشروطها وأركانها وواجباتها
الشرط الأول
فمن أهم شروطها الوقت
لقول الله سبحانه
{ إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا }
وإذا كانت الصلوات خمسا فأوقاتها خمسة أو ثلاثة
خمسة لغير أهل الأعذار وثلاثة لأهل الأعذار
الذي يجوز لهم الجمع
فالظهر والعصر يكون وقتاهما وقتا واحدا
إذا جاز الجمع
والمغرب والعشاء يكون وقتاهما وقتا واحدا
إذا جاز الجمع
والفجر وقت واحد ولهذا فصلها الله عز وجل
{ أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل
وقرآن الفجر }
ولم يقل لدلوك الشمس إلى طلوع الشمس
بل قال إلى غسق الليل
وغسق الليل يكون عند منتصفه
لأن أشد ما يكون ظلمة في الليل منتصف الليل
لأن منتصف الليل
هو أبعد ما تكون الشمس عن النقطة
التي فيها هذا المنتصف
ولهذا كان القول الراجح أن الأوقات خمسة
كما يلي
1 –
الفجر من طلوع الفجر
الثاني وهو البياض المعترض في الأفق
إلى أن تطلع الشمس وهنا أنبه
فأقول إن التقويم تقويم أم القرى
فيه تقديم خمس دقائق في أذان الفجر على مدار السنة
فالذي يصلي أول ما يؤذن يعتبر أنه صلى قبل الوقت
وهذا شيء اختبرناه في الحساب الفلكي