كما قال الله { وهو الذي يتوفاكم بالليل }
لكنها ليست وفاة تامة تفارق فيه الروح الجسد مفارقة تامة لكن مفارقة لها نوع اتصال بالبدن ثم يبعث الله النائم من نومه فيحس بأنه قد حي حياة جديدة ولكن أثر هذا يظهر قبل أن توجد هذه الأنوار الكهربائية لما كان الناس إذا غشيهم الليل أحسوا بالظلمة وأحسوا بالوحشة وأحسوا بالسكون فإذا انبلج الصبح أحسوا بالإسفار والنور والانشراح فيجدون لذة لإدبار الليل وإقبال النهار أما اليوم فقد أصبحت الليالي والأيام كأنها في النهار فلا تجد اللذة التي كنا نجدها من قبل لكن مع ذلك يحس الإنسان إذا استيقظ من نومه فكأنما استيقظ إلى حياة جديدة وهذه من رحمة الله وحكمته وكذلك نؤمن بأن الله سميع بصير يسمع كل ما نقول وإن كان خفيا قال الله تبارك وتعالى { أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون } وقال الله عز وجل { يعلم السر وأخفى } أي أخفى من السر وهو ما يكنه الإنسان في نفسه كما قال الله تعالى { ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه } أي ما تحدث به نفسه يعلمه الله وإن كان لم يظهر للعباد وهو عز وجل بصير دبيب النمل الأسود على الصخرة السوداء في ظلمة الليل لا يخفى عليه فإذا آمنت بعلم الله وقدرته وسمعه وبصره أوجب لك ذلك أن تراعي ربك عز وجل وأن لا تسمعه إلا ما يرضى به وأن لا تفعل إلا ما يرضى به لأنك إن تكلمت سمعك وإن فعلت رآك فأنت تخشى ربك وتخاف من ربك أن يراك حيث نهاك أو يفقدك حيث أمرك وكذلك تخشى من ربك أن تسمعه ما لا يرضاه وأن تسكت عما أمرك به كذلك إذا آمنت بتمام قدرة الله فإنك تسأله كلما تريده مما لا يكون فيه اعتداء في الدعاء ولا تقل إن هذا بعيد ولا يمكن كل شيء ممكن على قدرة الله فها هو موسى عليه السلام لما وصل إلى البحر الأحمر هاربا من فرعون وقومه أمره الله أن يضرب البحر بعصاه فضربه فانفلق أثنى عشر طريقا كان الماء بين هذه الطرق كالجبال وفي لحظة يبس البحر وصاروا يمشون كأنما يمشون على صحراء لم يصبها الماء أبدا بقدرة الله سبحانه وتعالى ويذكر أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لما كان يفتح بلاد فارس ووصل إلى دجلة النهر المعروف في العراق عبر الفرس النهر مشرقين وكسروا الجسور وأغرقوا السفن لئلا يعبر إليهم المسلمون فاستشار رضي الله عنه الصحابة وفي النهاية قرروا أن يعبروا النهر فعبروا النهر يمشون على سطح الماء بخيلهم وإبلهم ورجلهم لم يمسهم سوء فمن الذي أمسك هذا البحر حتى صار كالصفاء كالحجر يسير عليه الجند من غير أن يغرقوا إنه هو الله عز وجل الذي على كل شيء قدير وكذلك جرى للعلاء بن الحضرمي رضي الله عنه حينما غزا البحرين واعترض لهم البحر دعا الله سبحانه فعبروا على سطح الماء من غير أن يمسهم سوء وآيات الله كثيرة فكل ما أخبرك الله به في كتابه أو أخبر به رسوله عليه الصلاة والسلام أو شاهده الناس من خوارق العادات فإن الإيمان به من الإيمان بالله لأنه إيمان بقدرة الله سبحانه وتعالى ومن الإيمان بالله عز وجل أن تعلم أنه يراك فإن لم تكن تراه فإنه يراك وهذه مسألة يغفل عنها كثير من الناس تجده يتعبد لله وكأن العبادة أمر يفعله على سبيل العادة لا يفعلها كأنه يشاهد ربه عز وجل وهذا نقص في الإيمان ونقص في العمل ومن الإيمان بالله أن تؤمن بأن الحكم لله العلي الكبير الحكم الكوني والشرعي كله لله لا حاكم إلا الله سبحانه وتعالى وبيده بكل شيء كما قال الله { قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير } فكم من ملك سلب ملكه بين عشية وضحاها وكم من إنسان عادي صار ملكا بين عشية وضحاها لأن الأمر بيد الله وكم من إنسان عزيز يرى أنه غالب لكل أحد فيكون أذل عباد الله بين عشية وضحاها وكم من إنسان ذليل يكون عزيزا بين عشية وضحاها لأن الملك والحكم لله سبحانه وتعالى وكذلك الحكم الشرعي لله ليس لأحد فالله تعالى هو الذي يحلل ويحرم ويوجب وليس أحد من الخلق له الفضل في ذلك الإيجاب والتحليل والتحريم لله ولهذا نهى الله عباده أن يصفوا شيئا بالحلال والحرام بدون إذن فقال الله تبارك وتعالى { ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع قليل ولهم عذاب أليم } فالحاصل أن الإيمان بالله بابه واسع جدا ولو ذهب الإنسان يتكلم عليه لبقى أياما كثيرة ولكن الإشارة تغني عن طويل العبارة وقوله صلى الله عليه وسلم وملائكته والملائكة هم عالم غيبي خلقهم الله سبحانه وتعالى من نور وجعل لهم أعمالا خاصة كل منهم يعمل بما أمره الله به وقد قال الله في ملائكة النار { عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون } فهم ليس عندهم استكبار عن الأمر ولا عجز عنه يفعلون ما أمروا به ويقدرون عليه بخلاف البشر البشر قد يستكبرون عن الأمر وقد يعجزون عنه أما الملائكة فخلقوا لتنفيذ أمر الله سواء في العبادات المتعلقة بهم أو في مصالح الخلق فمثلا جبريل أشرف الملائكة موكل بالوحي ينزل به من الله على رسله وأنبيائه فهو موكل بأشرف شيء ينتفع به الخلق والعباد وهو ذو قوة أمين مطاع بين الملائكة ولهذا كان أشرف الملائكة كما أن محمدا صلى الله عليه وسلم أشرف الرسل قال سبحانه وتعالى { علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى } يعني علم النبي صلى الله عليه وسلم القرآن شديد القوى أي ذو القوى الشديدة وهو جبريل { ذو مرة } أي ذو هيئة حسنة { فاستوى } أي كمل وعلا وهو بالأفق الأعلى وقال عز وجل { إنه لقول رسول كريم } أي جبريل { ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين } ومن هؤلاء أيضا من وكلوا بمصالح الخلق من جهة أخرى في حياة الأرض والنبات مثل ميكائيل فإن ميكائيل موكل بالقطر أي المطر والنبات وفيهما حياة الأبدان حياة الناس والبهائم فالأول جبريل موكل بما فيه حياة القلوب وهو الوحي وهذا موكل بما فيه حياة الأبدان وهو القطر والنبات ومنهم إسرافيل وهو أحد حملة العرش العظام وهو موكل بالنفح في الصور وهو قرن عظيم دائرة كما بين السماء والأرض فإذا سمعه الناس سمعوا صوتا لا عهد لهم به صوتا مزعجا فيفزعون ثم يصعقون أي يموتون من شدة هذا الصوت ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون تطاير الأرواح من هذا القرن ثم ترجع كل روح إلى بدنها الذي تعمره في الدنيا لا تخطئه شعرة بأمر الله عز وجل فكل هؤلاء الثلاثة موكلون بما فيه الحياة فجبريل موكل بحياة القلوب وميكائيل بما فيه من حياة النبات والأرض وإسرافيل بما فيه حياة الأبدان ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يثنى على الله بربوبيته لهؤلاء الملائكة الثلاثة في افتتاح صلاة الليل فكان يقول في افتتاح صلاة الليل بدل سبحانك اللهم وبحمدك يقول اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنه إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ومنهم من وكل بقبض الأرواح وهو ملك الموت وله أعوان يساعدونه على ذلك وينزلون بالكفن والحنوط للروح التي تخرج من الجسد إن كان من أهل الإيمان جعلنا الله منهم فإنهم ينزلون بكفن من الجنة وحنوط من الجنة وإن كانوا من أهل النيران نزلوا بحنوط من النار وكفن من النار ثم يجلسون عند المحتضر الذي حضر أجله ويخرجون روحه حتى تبلغ الحلقوم فإذا بلغت الحلقوم استلها ملك الموت ثم أعطاها إياها فوضعوها في الحنوط والكفن الملائكة تكفن وتحنط الروح والبشر يكفنون ويحنطون البدن انظر إلى عناية الله بالآدمي ملائكة يكفنون روحه وبشر يكفنون بدنه ولهذا قال الله عز وجل { حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون } لا يفرطون في حفظها ولا يفرطون فيها ملك الموت أعطاه الله قدرة على قبض الأرواح في مشارق الأرض ومغاربها يقبضها ولو ماتوا في لحظة واحدة ولا تستغرب لأن الملائكة لا يقاسون بالبشر لأن الله أعطاهم قدرة عظيمة أشد من الجن الجن أقوى من البشر والملائكة أقوى من الجن انظر قصة سليمان حيث قال { يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين قال عفريت من الجن } عفريت قوي شديد { أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين } أين مكان العرش ؟ جـ: في اليمن وسليمان في الشام مسيرة شهر بينهما وكان سليمان عادة يقوم من مقامه في ساعة معينة فـ { قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك } الثاني أسرع من الأول أي مدة بصرك ما ترده إلا وقد جاءك { فلما رآه } حالا رآه { مستقرا عنده } قال العلماء إن هذا الذي عنده من الكتاب دعا الله باسمه الأعظم فحملت الملائكة العرش من اليمن إلى الشام في هذه اللحظة إذا فالملائكة أقوى من الجن فلا تستغرب أن يموت الناس في مشارق الأرض ومغربها وأن يقبض أرواحهم ملك واحد كما قال الله { قل يتوفاكم ملك الموت الذي كل بكم ثم إلى ربكم ترجعون } إذا قال الله لهذا الملك اقبض روح كل من مات هل يمكن أن يقول لا ؟ لا يمكن لأنهم لا يعصون الله ما أمرهم ولهذا لما قال الله للقلم اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة القلم جماد فهل كتب أم لا ؟ جـ: كتب ما هو كائن إلى يوم القيامة فالله عز وجل إذا أمر لا يمكن أن يعصى إلا المردة من الجن أو من بني آدم أما الملائكة فلا يعصون الله والملك الخامس مالك الموكل بالنار وهو خازنها وقد ذكره الله في قوله عن أهل النار { ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون } ما معنى ليقض علينا ؟ جـ: يعني ليمتنا ويهلكنا ويرحنا مما نحن فيه قال إنكم ماكثون السادس خازن الجنة وورد في بعض الآثار أن اسمه ( رضوان ) وهذا وكل بالجنة كما أن مالكا وكل بالنار فمن علمنا اسمه من الملائكة آمنا به باسمه ومن لم نعلم باسمه آمنا به على سبيل الإجمال آمنا بعمله الذي نعلمه وبوصفه وبكل ما جاء به الكتاب والسنة من أوصاف هؤلاء الملائكة نحن قلنا إن الملائكة عالم غيبي فهل يمكن أن يروا ؟ جـ: الجواب نعم قد يرون إما على صورتهم التي خلقوا عليها وإما على صورة من أراد الله أن يكون على صورته