56 - الثالث: عن أبي سفيان صخر بن حرب رضي الله عنه في حديثه الطويل في قصة هرقل قال هرقل فماذا يأمركم يعني النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو سفيان قلت يقول اعبدوا الله وحده لا تشركوا به شيئاً واتركوا ما يقول آباؤكم ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة .
متفق عليه
الشَّرْحُ
قال المؤلف - رحمه الله تعالى فيما نقله عن أبي سفيان بن حرب، وكان أبو سفيان مشركاً لم يسلم إلا متأخرا وفيما بين صلح الحديبية وفتح مكة وصلح الحديبية كان في السنة السادسة من الهجرة وفتح مكة كان في السنة الثامنة من الهجرة .
قدم أبو سفيان ومعه جماعة من قريش إلى هرقل في الشام وهرقل كان ملك النصارى في ذلك الوقت وكان قد قرأ في التوراة والإنجيل وعرف الكتب السابقة وكان ملكاً ذكيا فلما سمع بهم أي بأبي سفيان ومن معه وهم قادمون من الحجاز دعا بهم وجعل يسألهم عن حال النبي صلى الله عليه وسلم وعن نسبه وعن أصحابه وعن توقيرهم له عن وفائه صلى الله عليه وسلم وكلما ذكر شيئاً أخبروه عرف أنه النبي أخبرت به الكتب السابقة، ولكنه والعياذ بالله شح بملكه فلم يسلم للحكمة التي أرادها الله عز وجل .
لكن سأل أبا سفيان عما كان يأمرهم به صلى الله عليه وسلم فأخبر بأنه يأمرهم أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئاً فلا يعبدوا غير الله لا ملكاً ولا رسوله ولا شجراً ولا حجراً، ولا شمساً ولا قمراً ولا غير ذلك فالعبادة لله وحده
لكن سأل أبا سفيان عما كان يأمرهم به صلى الله عليه وسلم فأخبر بأنه يأمرهم أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئاً فلا يعبدوا غير الله لا ملكاً ولا رسوله ولا شجراً ولا حجراً، ولا شمساً ولا قمراً ولا غير ذلك فالعبادة لله وحده وهذا الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم قد جاءت به الرسل كلهم قال الله وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون وقال الله تعالى { ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } أي اعبدوا الله واجتنبوا الشرك .
هذه دعوة الرسل فجاء النبي صلى الله عليه وسلم بما جاءت به الأنبياء من قبله .
ويقول اتركوا ما كان عليه آباؤكم انظر كيف الصدق بالحق كل ما كان عليه آباؤهم من عبادة الأصنام أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بتركه وأما ما كان عليه آباؤهم من الأخلاق الفاضلة فإنه لم يأمرهم بتركه كما قال الله تعالى { قل إن الله لا يأمر بالفحشاء } فالحاصل أن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر أمته الذين باشر دعوتهم أن يدعو ما كان عليه آباؤهم من الإشراك بالله .
وقوله وكان يأمرنا بالصلاة الصلاة صلة بين العبد وبين ربه وهي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين وبها يتميز المؤمن من الكافر فهي العهد التي بيننا وبين المشركين والكافرين كما قال النبي عليه الصلاة والسلام العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر أي كفر كفراً مخرجاً عن الملة .
لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فهذا حد فاصل بين المؤمنين وبين الكافرين .
ولقد أبعد النجعة من قال من العلماء أن المراد بالكفر هنا الكفر الأصغر كالذي في قوله صلى الله عليه وسلم اثنتان في الناس هما بهما كفر لأنه من تدبر الحديث علم أن هذا تأويل خاطئ وأن الصواب المتعين أن المراد بالكفر هنا الكفر الأكبر المخرج عن الملة لأن الفاصل بين الإيمان والكفر لابد أن يميز أحدهما الآخر وإلا لما صح أن يكون فاصلاً .
الحدود التي بين أرضين إحداهما لزيد والأخرى لعمرو فإن هذه الحدود فاصلة لا تدخل أرض أحدهما في الأخرى وكذلك الصلاة حد فاصل من كان خارجا منها فليس داخلا فيما وراءها .
إذا الصلاة بين سائر الأعمال إذا تركها الإنسان فهو كافر لو ترك الإنسان صيام رمضان وصار يأكل ويشرب بالنهار ولا يبالي لم نقل إنه كافر .
لكن لو ترك الصلاة قلنا إنه كافر ولو ترك الزكاة وصار لا يزكي لم نقل إنه كافر لكن لو ترك الصلاة قلنا إنه كافر ولو لم يحج مع قدرته على الحج لم نقل إنه كافر لكن لو ترك الصلاة قلنا إنه كافر .
قال عبد الله بن شقيق رحمه الله وهو من المشهورين من التابعين كان أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة .
إذا الصلاة التي كان الرسول عليه الصلاة والسلام يأمر بها إذا تركها الإنسان فهو كما لو ترك التوحيد أي يكون كافراً مشركاً والعياذ بالله وإلى هذا يشير حديث جابر الذي رواه مسلم عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة وقوله وكان يأمرنا بالصدق وهذا هو الشاهد من الحديث وهذا كقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } والصدق قسمان صدق مع الله وصدق مع عباد الله وضد الصدق الكذب وهو الإخبار بخلاف الواقع وهو من أخلاق المنافقين كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام آية المنافق ثلاث وذكر منها إذا حدث كذب وبعض الناس والعياذ بالله مبتلي بهذا المرض فلا يستأنس صدره إلا بالكذب .
إن حدثك بحديث إذا هو كاذب إن جلس في مجلس جعل يفتعل الأفاعيل ليضحك بها الناس .
وقوله العفاف أي العفة والعفة نوعان عفة عن شهوة الفرج وعفة عن شهوة البطن أما العفة الأولى فهي أن يبتعد الإنسان عما حرم عليه من الزنا ووسائله وذرائعه لأن الله عز وجل يقول { ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلاً } .
وأوجب على الزاني أن يجلد مائة جلدة ويطرد عن البلد سنة كاملة إن كان لم يتزوج من قبل أما إذا كان قد تزوج وجامع زوجته وزنى بعد ذلك فإنه يرجم رجماً بالحجارة حتى يموت كل هذا ردعا للناس عن أن يقعوا في هذه الفاحشة لأنها تفسد الأخلاق والأديان والأنساب وتوجد أمراضاً عظيمة ظهرت آثارها في هذا الزمن لما كثرت فاحشة الزنى والعياذ بالله .
ومنع الله كل ما يوصل إليه ويكون ذريعة له فمنع المرأة أن تخرج متبرجة فقال { وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } فأفضل مكان للمرأة أن تبقى في بيتها ولا تخرج إلا إذا دعت الحاجة أو الضرورة إلى ذلك فلتخرج كما أخبرها الرسول عليه الصلاة والسلام تفلة أي غير متطيبة ولا متبرجة .
كذلك أمر باحتجاب المرأة إذا خرجت عن كل ليس من محارمها والحجاب الشرعي هو أن تغطي المرأة جميع ما يكون النظر إليه ذريعة إلى الفاحشة وأهمه الوجه فإن الوجه يجب حجبه عن الرجال الأجانب أكثر مما يجب حجب الرأس وحجب الذراع وحجب القدم ولا عبرة بقول من يقول إنه يجوز كشف الوجه لأن قوله هذا فيه شيء من التناقض .
كيف يجوز للمرأة أن تكشف وجهها ويجب عليها عند هذا القائل أن تستر قدميها أيهما أعظم فتنة وأيهما أقرب إلى الزنى أن تكشف المرأة وجهها أو قدميها ؟ كل إنسان عاقل يفهم ما يقول إن الأقرب إلى الزنى والفتنة أن تكشف عن وجهها .
نسأل الله العافية ولا يجوز لأحد أن يمكن أهله من ذلك أبداً وعليه أن يتفقدهم سواء كانت الزوجة أو البنت أو الأخت أو الأم أو غير ذلك .
أما النوع الثاني من العفاف فهو العفاف عن شهوة البطن أي عن ما في أيدي الناس كما قال الله تعالى { يحسبهم الجاهل أغنياء عن التعفف } أي من التعفف عن سؤال الناس بحيث لا يسأل الإنسان أحداً شيئاً لأن السؤال مذلة والسائل يده دنيا سفلى والمعطي يده عليا فلا يجوز أن تسأل أحداً أي إلا ما لابد منه كما لو كان الإنسان مضطراً أو محتاجاً حاجة شبه ضرورية فحينئذ لا بأس أن يسأل .
أما بدون حاجة ملحة أو ضرورة فإن السؤال محرم، وقد وردت أحاديث في التحذير منه أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن السائل يأتي يوم القيامة وما في وجهه مزعة لحم قد ظهر منه العظم أمام الناس في هذا المقام العظيم المشهود .
ثم إن الصحابة رضي الله عنهم بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم على أن لا يسألوا الناس شيئاً حتى يكون سوط أحدهم يسقط من على راحلته ولا يقول لأحد ناولني السوط بل ينزل ويأخذ السوط .
والإنسان الذي أكرمه الله بالغنى والتعفف لا يعرف قدر السؤال إلا إذا ذل أمام المخلوق كيف تمد يدك إلى مخلوق وتقول له أعطني وأنت مثله وإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله وقوله الصلة هذا هو الخامس .
والصلة أن تصل ما أمر الله به أن يوصل من الأقارب الأدنى فالأدنى وأعلاهم الوالدان فإن صلة الوالدين بر وصلة والأقارب لهم من الصلة بقدر ما لهم من القرب فأخوك أوكد صلة من عمك وعمك أشد صلة من عم أبيك وعلى هذا فقس .
والصلة جاءت في الكتاب والسنة وغير مقيدة وكل ما جاء في الكتاب والسنة غير مقيد فإنه يحمل على العرف فما جرى العرف على أنه صلة فهو صلة .
وهذا يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والأزمان والأماكن مثلاً إذا كان قريبك مستغنياً عنك وصحيح البدن وتسمع عنه أنه لا يحتاج إلى شيء فهذا صلته لو تحددت بشهر أو شهر ونصف وما أشبه ذلك فإن هذه صلة بعرفنا .
وذلك لأن الناس والحمد لله قد استغنى بعضهم عن بعض وكل واحد منهم لا يشره على الآخر لكن لو كان هذا الرجل قريبا جداً كالأب والأم والأخ والعم فإنه يحتاج إلى صلة أكثر وكذلك لو كان فقيراً فإنه يحتاج إلى صلة أكثر وكذلك لو مرض فإنه يحتاج إلى صلة أكثر وهكذا .
المهم أن الصلة عندما جاءت في القرآن غير مقيدة فإنه يتبع في ذلك العرف ويختلف هذا باختلاف الأمور التي ذكرنا .
وقد وردت النصوص الكثيرة في الترغيب في وصلها والترهيب من قطعها .
57 - الرابع: عن أبي ثابت وقيل أبي سعيد وقيل أبي الوليد سهل بن حنيف وهو بدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من سأل الله تعالى الشهادة بصدق بلغه منازل الشهداء وإن مات على فراشه رواه مسلم
الشَّرْحُ
هذا الحديث ذكره المؤلف رحمه الله في باب الصدق والشاهد منه قوله من سأل الله تعالى الشهادة بصدق والشهادة مرتبة عليا بعد الصديقية كما قال الله سبحانه ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين منها الشهادة بأحكام الله عز وجل على عباد الله وهذه شهادة العلماء التي قال الله فيها { شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم } والشهادة أنواع كثيرة .