1604 - وعن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: كنت اضرب غلاما لي بالسوط، فسمعت صوتا من خلفي: اعلم أبا مسعود فلم أفهم الصوت من الغضب، فلما دنا مني إذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يقول: اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام فقلت: لا أضرب مملوكا بعده أبدا وفي رواية: فسقط السوط من يدي من هيبته وفي رواية: فقلت: يا رسول الله هو حر لوجه الله تعالى فقال: أما لو لم تفعل، للفحتك النار، أو لمستك النار .
رواه مسلم بهذه الروايات .
1605 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من ضرب غلاما له حدا لم يأته، أو لطمه، فإن كفارته أن يعتقه رواه مسلم .
1606 - وعن هشام بن حكيم بن حزام رضي الله عنهما أنه مر بالشام على أناس من الأنباط، وقد أقيموا في الشمس، وصب على رؤوسهم الزيت، فقال: ما هذا ؟ قيل: يعذبون في الخراج، وفي رواية: حبسوا في الجزية .
فقال هشام: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا فدخل على الأمير، فحدثه، فأمر بهم فخلوا .
رواه مسلم .
الأنباط: الفلاحون من العجم .
1607 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا موسوم الوجه، فأنكر ذلك ؟ فقال: والله لا أسمه إلا أقصى شيء من الوجه، وأمر بحماره، فكوي في جاعرتيه، فهو أول من كوى الجاعرتين رواه مسلم .
الجاعرتان: ناحيتا الوركين حول الدبر .
1608 - وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: مر عليه حمار قد وسم في وجهه فقال: لعن الله الذي وسمه رواه مسلم .
وفي رواية لمسلم أيضا: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضرب في الوجه، وعن الوسم في الوجه .
:
الشَّرْحُ
هذه الأحاديث التي ساقها النووي رحمه الله في كتابه رياض الصالحين في باب النهي عن تعذيب الحيوان والرقيق والولد وغيرهم ممن يؤدبهم الإنسان، وذلك أن المقصود بالتأديب هو الإصلاح وليس المقصود بالتأديب الإيلام والإيجاع، ولذلك لا يجوز للإنسان أن يضرب الولد ما دام يمكن أن يتأدب بدون الضرب، فإذا لم يتأت الأدب إلا بالضرب فله أن يضرب، وإذا ضرب فإنه يضرب ضربا غير مبرح، واذكروا قول الله عز وجل في النساء: واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فجعل الضرب في المرتبة الثالثة، والمقصود من الضرب هو التأديب لا أن يصل إلى حد الإيلام والإيجاع .
وذكر المؤلف أحاديث، منها حديث أبي مسعود البدري رضي الله عنه أنه كان يضرب غلاما له، فسمع صوتا من الخلف يقول: أبا مسعود ولم يفقه ما يقول من شدة الغضب، فإذا الذي يتكلم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أبا مسعود ألم تعلم أن الله أقدر عليك من قدرتك على هذا الغلام ؟ يعني تذكر قدرة الله عز وجل، فإنه أقدر عليك من قدرتك على هذا الغلام، وإلى هذا يشير الله عز وجل في الآية التي ذكرناها { فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا } فلما رأى أنه النبي صلى الله عليه وسلم وذكره بهذه الموعظة العظيمة أن الله أقدر عليه من قدرته على هذا العبد، سقطت العصا من يده هيبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أعتقه، أعتق العبد، وهذا من حسن فهمه رضي الله عنه لأن الله تعالى يقول: { إن الحسنات يذهبن السيئات } فبدلاً من أنه أساء إلى هذا العبد أحسن إليه بالعتق، لهذا أرشد النبي إلى هذا بأن من ضرب عبده أو لطمه فإن كفارة ذلك أن يعتقه، لأن الحسنات يذهبن السيئات .
ثم ذكر حديث هشام بن حكيم بن حزام رضي الله عنه، في قصة المحبوسين في الخراج، المحبوسين في الخراج وهم الأنباط، وسموا أنباطا لأنهم يستنبطون الماء أي يستخرجونه، وهم فلاليح فلاحون في الشام عليهم خراج، وكأنهم لم يؤدوه، فعاقبهم الأمير هذه العقوبة العظيمة، جعلهم في الشمس في الحر الشديد وصب على رؤوسهم الزيت، لأن الزيت تشتد حرارته مع الشمس، وهذا عذاب عظيم مؤلم موجع، فدخل هشام رضي الله عنه إلى الأمير فأخبره ففك الأمير أسرهم وأطلقهم، وفي هذا دليل على حسن سيرة السلف رضي الله عنهم في مناصحة الحكام وأنهم يتقدمون إلى الحاكم وينصحونه، فإن اهتدى فهذا المطلوب، وإن لم يهتد برأت ذمة الناصح وصارت المسئولية على الحاكم لكن الحكام الذين يخافون الله عز وجل إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا، اتعظ هذا الحاكم وأمر بإطلاقهم، فدل هذا على أن التعذيب الذي يصل إلى هذا الحد أنه لا يجوز .
وكذلك أيضا من الأحاديث التي ذكرها المؤلف الوسم في الوجه، وسم الحيوانات في الوجه حرام من كبائر الذنوب ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن من فعل هذا، والوسم هو عبارة عن كي يكوي الحيوان ليكون علامة، ولهذا هو مشتق من السمة، وهي العلامة، يتخذ أهل المواشي علامة لهم، كل قبيلة لها وسم معين إما شرطتان أو شرطة مربعة أو دائرة أو هلال، المهم أن كل قبيلة لها وسم معين، والوسم هذا يحفظ الماشية إذا وجدت ضالة يعني ضائعة عرف الناس أنها لهؤلاء القبيلة فذكروها لهم، وكذلك أيضا هي قرينة في مسألة الدعوى، لو أن إنسان وجد بهيمة عليها وسم في يد إنسان وادعى أنها له فإن هذه قرينة تدل على صدق دعواه ترجح بها دعوى المدعي، وهي من الأمور الثابتة بالسنة فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسم إبل الصدقة وكذلك الخلفاء من بعدهم، لكن الوسم لا يجوز أن يكون في الوجه، لأن الوجه لا يضرب ولا يوسم ولا يقطع، هو جمال البهيمة، أين يكون الوسم ؟ في الرقبة، يكون في العضد، يكون في الفخذ، يكون في أي موضع من الجسم إلا الوجه، وفي هذا دليل على أن الإنسان إذا رأى شيئا مما يلعن فاعله فقال: اللهم العن من فعل هذا فلا إثم عليه، لو وجدنا بهيمة موسومة في الوجه وقلنا اللهم العن من وسمها فلا بأس، لكن ما نقول فلان ابن فلان، تقول اللهم العن من وسمها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ومثل ذلك إذا رأينا قذرا في الشارع يعني غائطا وجدناه في الشارع، لنا أن نقول: لعن الله من تغوط هاهنا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اتقوا الملاعن الثلاثة: البراز في المواني وقارعة الطريق والظل وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى وجعلنا هداة مهتدين من عبادة الصالحين المصلحين
باب تحريم التعذيب بالنار في كل حيوان حتى النملة ونحوها
1609 -