61 - الثاني عن أبي ذر جندب بن جنادة وأبي عبد الرحمن معاذ بن جبل رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن رواه الترمذي وقال حديث حسن
الشَّرْحُ
هذا الحديث من أحاديث الأربعين النووية للمؤلف رحمه الله وفيها أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بثلاث وصايا عظيمة الوصية الأولى قال اتق الله حيثما كنت وتقوى الله هي اجتناب المحارم وفعل الأوامر هذه هي التقوى أن تفعل ما أمرك الله به إخلاصا لله واتباعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأن تترك ما نهى الله عنه امتثالا لنهي الله عز وجل وتنزها عن محارم الله مثاله تقوم بما أوجب الله عليك في أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين وهي الصلاة فتأتي بها كلمة بشروطها وأركانها وواجباتها وتكملها بالمكملات فمن أخل بشيء من شروط الصلاة أو واجباتها فإنه لم يتق الله بل نقص من تقواه ما نقص من المأمور في الزكاة تقوى الله فيها أن تحصي جميع أموالك التي فيها الزكاة وتخرج زكاتك طيبة بها نفسك من غير بخل ولا تقتير ولا تأخير فمن لم يفعل فإنه لم يتق الله في الصيام تأتي بالصوم كما أمرت مجتنبا فيه اللغو والرفث والصخب والغيبة والنميمة وغير ذلك مما ينقص الصوم ويزيل روح الصوم ومعناه الحقيقي وهو الصوم عما حرم الله عز وجل وهكذا بقية الواجبات تقوم بها طاعة لله وامتثالا لأمره وإخلاصا له واتباعا لرسوله وكذلك في المنهيات تترك ما نهى الله عنه امتثالا لنهي الله عز وجل حيث نهاك فانتهي الوصية الثانية أتبع السيئة الحسنة تمحها أي إذا عملت سيئة فاتبعها بحسنة فإن الحسنات يذهبن السيئات ومن الحسنات بعد السيئات أن تتوب إلى الله من السيئات فإن التوبة من أفضل الحسنات كما قال الله عز وجل إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين وقال الله تعالى { وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون } وكذلك الأعمال الصالحة تكفر السيئات كما ما قال النبي عليه الصلاة والسلام الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهن ما اجتنبت الكبائر وقال العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما فالحسنات يذهبن السيئات الوصية الثالثة خالق الناس بخلق حسن والوصيتان الأوليان في معاملة الخالق والثالثة في معاملة الخلق أن تعاملهم بخلق حسن تحمد عليه ولا تذم فيه وذلك بطلاقة الوجه وصدق القول وحسن المخاطبة وغير ذلك من الأخلاق الحسنة وقد جاءت النصوص الكثيرة في فضل الخلق الحسن حتى قال النبي عليه الصلاة والسلام أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وأخبر أن أولى الناس به صلى الله عليه وسلم وأقربهم منه منزلة يوم القيامة أحاسنهم أخلاقا فالأخلاق الحسنة مع كونها مسلكا حسنا في المجتمع ويكون صاحبها محبوبا إلى الناس هي فيها أجر عظيم يناله الإنسان في يوم القيامة فاحفظ هذه الوصايا الثلاث من النبي صلى الله عليه وسلم والله الموفق
62 - الثالث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقال يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح وفي رواية غير الترمذي احفظ الله تجده أمامك تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا
الشَّرْحُ
قوله كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم أي راكبا معه قوله فقال لي يا غلام احفظ الله يحفظك قال له يا غلام لأن ابن عباس رضي الله عنهما كان صغيرا فإن النبي صلى الله عليه وسلم توفى وقد ناهز الاحتلام يعني من الخامسة عشرة إلى السادسة عشرة أو أقل فكان راكبا خلف الرسول صلى الله عليه وسلم فوجه إليه هذا النداء يا غلام احفظ الله يحفظك كلمة جليلة عظيمة احفظ الله وذلك بحفظ شرعه ودينه بأن تمتثل لأوامره وتجتنب نواهيه وكذلك بأن تتعلم من دينه ما تقوم به عبادتك ومعاملاتك وتدعو به إلى الله عز وجل لأن كل هذا من حفظ الله الله سبحانه وتعالى نفسه ليس بحاجة إلى أحد حتى يحفظه ولكن المراد حفظ دينه وشريعته كما قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم وليس المعنى تنصرون ذات الله لأن الله سبحانه وتعالى غني عن كل أحد ولهذا قال في آية أخرى { ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم } ولا يعجزونه { وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض } إذا احفظ الله يحفظك جملة تدل على أن الإنسان كلما حفظ دين الله حفظه الله ولكن حفظه في ماذا ؟ جـ: حفظه في بدنه وحفظه في ماله وأهله وفي دينه وهذا أهم الأشياء وهو أن يسلمك من الزيغ والضلال لأن الإنسان كلما اهتدى زاده الله هدى { والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم } وكلما ضل والعياذ بالله فإنه يزداد ضلالا كما جاء في الحديث إن الإنسان إذا أذنب صار في قلبه نكتة سوداء فإن تاب محيت وإن أذنب ثانية انضم إليها نكتة ثانية وثالثة ورابعة حتى يطبع على قلبه نسأل الله العافية إذا يحفظك في دينك وفي بدنك ومالك وأهلك وقوله احفظ الله تجده تجاهك وفي لفظ آخر تجده أمامك احفظ الله أيضا بحفظ شريعته بالقيام بأمره واجتناب نهيه تجده تجاهك وأمامك ومعناهما واحد يعين تجد الله أمامك يدلك على كل خير ويذود عنك كل شر ولاسيما إذا حفظت الله بالاستعانة به فإن الإنسان إذا استعان بالله وتوكل على الله كان الله حسبه وكافيه ومن كان الله حسبه فإنه لا يحتاج إلى أحد بعد الله قال الله { يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين } أي وحسب من اتبعك من المؤمنين { وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله } فإذا كان الله حسب الإنسان أي كافيه فإنه لن يناله سوء ولهذا قال احفظ الله تجده تجاهك أو تجده أمامك ثم قال له إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله أي لا تعتمد على أحد مخلوق مثلا إنسان فقير ليس عنده مال يسأل الله يقول اللهم ارزقني اللهم هيء لي رزقا فيأتيه الرزق من حيث لا يحتسب لكن لو سأل الناس فربما يعطونه أو يمنعونه ولهذا جاء في الحديث لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب ثم يبيعه لكان خيرا له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه فكذلك أنت إذا سألت فاسأل الله قل اللهم ارزقني اللهم أغنني بفضل عمن سواك وما أشبهه من الكلمات التي تتجه بها إلى الله عز وجل وكذلك أيضا إذا استعنت فاستعن بالله الاستعانة طلب العون فلا تطلب العون من أي إنسان إلا للضرورة القصوى ومع ذلك إذا اضطررت إلى الاستعانة بالمخلوق فاجعل ذلك وسيلة وسببا لا ركنا تعتمد عليه اجعل الركن الأصيل هو الله عز وجل وفي هاتين الجملتين دليل على أنه من نقص التوحيد أن الإنسان يسأل غير الله ولهذا تكره المسألة لغير الله عز وجل في قليل أو كثير والله سبحانه إذا أراد عونك يسر لك العون سواء كان أسباب معلومة أو غير معلومة قد يعينك الله بسبب غير معلوم لك فيدفع عنك من الشر ما لا طاقة لأحد به وقد يعينك الله على يد أحد من الخلق يسخره لك ويذلله لك حتى يعينك ولكن مع ذلك لا يجوز لك إذا أعانك الله على يد أحد أن تنسى المسبب وهو الله عز وجل كما يفعله بعض الجهلة الآن لما استعانت الدولة بالكفار وما علموا أنهم أعداء لهم سواء أعانوهم أم لا هم أعداء لكم إلى يوم القيامة ولا يجوز لأحد أن يواليهم أو يناصرهم أو يدعو لهم كما سمعنا من بعض العامة الجهال يقول سوف نضحي لفلان وفلان من الكفرة والعياذ بالله ونسمي أبناءنا بأسمائهم نسأل الله العافية وندعو لهم هم لولا أن الله سخرهم وذللهم لكم ما نفعوكم بشيء النافع الضار هو الله وهو الذي يسرهم وسخرهم ليعينوكم ويدافعوا عنكم وهو من تسخير الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين أن يسخر لهم كفارا يذودون عنهم كما جاء في الحديث إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر فيجب علينا أن لا ننسى فضل الله الذي سخرهم لنا ويجب علينا أن ننبه العامة إذا سمعنا أحدا يركن إليهم ويقول هم الذين نصرونا مائة بالمائة وهم الأول والآخر فيجب علينا أن نبين لهم أن هذا خلل في التوحيد والله أعلم وقوله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك فبين النبي عليه الصلاة والسلام في هذه الجملة أن الأمة لو اجتمعت كلها على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك فإذا وقع منهم نفع لك فاعلم أنه من الله لأنه هو الذي كتبه فلم يقل النبي صلى الله عليه وسلم لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك بل قال لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك فالناس بلا شك ينفع بعضهم بعضا ويساعد بعضهم بعضا لكن كل هذا مما كتبه الله للإنسان فالفضل لله فيه أولا عز وجل هو الذي سخر لك من ينفعك ويحسن إليك ويزيل كربتك وكذلك بالعكس لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك والإيمان بهذا يستلزم أن يكون الإنسان متعلقا بربه ومتكلا عليه لا يهتم بأحد لأنه يعلم أنه لو اجتمع كل الخلق على أن يضروه بشيء لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه وحينئذ يعلق رجاءه بالله ويعتصم به ولا يهمه الخلق ولو اجتمعوا عليه ولهذا نجد الناس في سلف هذه الأمة لما اعتمدوا على الله وتوكلوا عليه لم يضرهم كيد الكائدين ولا حسد الحاسدين { وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط } ثم قال عليه الصلاة والسلام رفعت الأقلام وجفت الصحف يعني أن ما كتبه الله فقد انتهى ورفع والصحف جفت من المداد ولم يبق مراجعة فما أصابك لم يكن ليخطئك كما في اللفظ الثاني وما أخطأك لم يكن ليصيبك وفي اللفظ الثاني قال واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا يعني اعلم علم يقين أن النصر مع الصبر فإذا صبرت وفعلت ما أمرك الله به من وسائل النصر فإن الله تعالى ينصرك والصبر هنا يشمل الصبر على طاعة الله وعن معصيته وعلى أقداره المؤلمة لأن العدو يصيب الإنسان من كل جهة فقد يشعر الإنسان أنه لن يطيق عدوه فيستحسر ويدع الجهاد وقد يشرع في الجهاد ولكن إذا أصابه الأذى استحسر وتوقف وقد يستمر ولكنه يصيبه الألم من عدوه فهذا أيضا يجب أن يصبر عليه قال الله { إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله } وقال تعالى { ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليما حكيما } فإذا صبر الإنسان وصابر ورابط فإن الله سبحانه ينصره وقوله واعلم أن الفرج مع الكرب كلما اكتربت الأمور وضاقت فإن الفرج قريب لأن الله عز وجل يقول في كتابه { أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون } فكلما اشتدت الأمور فانتظر الفرج من الله سبحانه وتعالى وقوله { وإن مع العسر يسرا } فكل عسر فبعده يسر بل أن العسر محفوف بيسرين يسر سابق ويسر لاحق قال الله تعالى { ورفعنا لك ذكرك فإن مع العسر يسرا } وقال ابن عباس رضي الله عنهما لن يغلب عسر يسرين فهذا الحديث الذي أوصى به عبد الله بن عباس ينبغي للإنسان أن يكون على ذكر له دائما وأن يعتمد على هذه الوصايا النافعة التي أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما والله الموفق
63 - الرابع عن أنس رضي الله عنه قال إنكم لتعملون أعمالا هي أدق في أعينكم من الشعر كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات رواه البخاري وقال الموبقات المهلكات
64 - الخامس عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله تعالى يغار وغيرة الله تعالى أن يأتي المرء ما حرم الله عليه متفق عليه والغيرة بفتح الغين وأصلها الأنفة
الشَّرْحُ
أنس بن مالك من المعمرين فبقى بعد النبي صلى الله عليه وسلم حوالي تسعين سنة فتغيرت الأمور في عهده رضي الله عنه واختلفت أحوال الناس وصاروا يتهاونون في بعض الأمور العظيمة في عهد الصحابة رضي الله عنهم مثل صلاة الجماعة فقد كان الصحابة رضي الله عنهم لا يتخلف أحد عنها إلا منافق أو مريض معذور ولكن الناس تهاونوا بها ولم يكونوا على ما كان عليه الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بل إن الناس في عهدنا صاروا يتهاونون بالصلاة نفسها لا بصلاة الجماعة فقط فلا يصلون أو يصلون ويتركون أو يؤخرون الصلاة عن وقتها كل هذه أعمال يسيرة عند بعض الناس لكنها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة كانت تعد من الموبقات كذلك أيضا الغش في عهد الصلاة والسلام قال من غش فليس مني لكن انظر إلى الناس اليوم تجد أن الغش عندهم أهون من كثير من الأشياء بل إن بعضهم والعياذ بالله يعد الغش من الشطارة في البيع والشراء والعقود ويرى أن هذا من باب الحذق والذكاء نسأل الله العافية مع أن النبي صلى الله عليه وسلم تبرأ من الإنسان الذي يغش الناس ومن ذلك الكذب وهو من الأشياء العظيمة في عهد الصحابة رضي الله عنهم فيرونه من الموبقات لكنه عند كثير من الناس يعده أمرا هينا فتجده يكذب ولا يبالي بالكذب مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا وربما يكذب في أمور أخطر فيجحد ما عليه للناس أو يدعي ما ليس له ويحاكمهم عند القاضي ويحلف على ذلك فيكون والعياذ بالله ممن يلقى الله وهو عليه غضبان إلى غير ذلك من المسائل التي يعدها الصحابة من المهلكات ولكن الناس اختلفوا فصارت في أعينهم أدق من الشعر وذلك أنه كلما قوي الإيمان عظمت المعصية عند الإنسان وكلما ضعف الإيمان خفت المعصية في قلب الإنسان ورآها أمرا هينا يتهاون ويتكاسل عن الواجب ولا يبال لأنه ضعيف الإيمان قال المؤلف رحمه الله تعالى فيما نقله عن أبي هريرة إن الله تعالى يغار وغيرة الله تعالى أن يأتي المرء ما حرم الله قوله محارمه أي محارم الله الغيرة صفة حقيقية ثابتة لله عز وجل ولكنها ليست كغيرتنا بل هي أعظم وأجل والله سبحانه بحكمته أوجب على العباد أشياء وحرم عليهم أشياء وأحل لهم أشياء فما أوجبه عليهم فهو خير لهم في دينهم ودنياهم وفي حاضرهم ومستقبلهم وما حرمه عليهم فإنه شر لهم في دينهم ودنياهم وحاضرهم ومستقبلهم فإذا حرم الله على عباده أشياء فإنه عز وجل يغار أن يأتي الإنسان محارمه وكيف يأتي الإنسان محارم ربه والله إنما حرمها من أجل مصلحة العبد أما الله فلا يضره أن يعصي الإنسان ربه لكن يغار كيف يعلم الإنسان أن الله سبحانه حكيم ورحيم ولا يحرم على عباده شيئا بخلا منه عليهم به ولكن من أجل مصلحتهم ثم يأتي العبد فيتقدم فيعصى الله عز وجل ولاسيما في الزنى فإنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمتهلأن الزنى فاحشة والزنى طريق سافل جدا ومن ثم حرم الله على عباده الزنى وجميع وسائل الزنى كما قال الله سبحانه ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا فإذا زنا العبد والعياذ بالله فإن الله يغار غيرة أشد وأعظم من غيرته على ما دونه من المحارم ومن باب أولى وأشد اللواط وهو إتيان الذكر الذكر فإن هذا أعظم وأعظم ولهذا جعله الله تعالى أشد في الفحش من الزنى فقال لوط لقومه { أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين } قال هنا { الفاحشة } وفي الزنى قال { الفاحشة } أي فاحشة من الفواحش أما اللواط فجعله الفاحشة العظمى نسأل الله العافية وكذلك أيضا السرقة وشرب الخمر وكل المحارم يغار الله منها لكن بعض المحارم تكون أشد غيرة من بعض حسب الجرم والمضار التي تترتب على ذلك وفي هذا الحديث إثبات الغيرة لله تعالى وسبيل أهل السنة والجماعة فيه وفي غيره من أحاديث الصفات وآيات الصفات أنهم يثبتونها لله سبحانه على الوجه اللائق به يقولون إن الله يغار لكن ليست كغيرة المخلوق وإن الله يفرح ولكن ليس كفرح المخلوق وإن الله له من الصفات الكاملة ما يليق به ولا تشبهه صفات المخلوقين والله الموفق
65 - السادس عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول إن ثلاثة من بني إسرائيل أبرص وأقرع وأعمى أراد الله أن يبتليهم فبعث إليهم ملكا فأتى الأبرص فقال أي شيء أحب إليك ؟ قال لون حسن وجلد حسن ويذهب عني الذي قد قذرني الناس فمسحه فذهب عنه قذره وأعطي لونا حسنا قال فأي المال أحب إليك ؟ قال الإبل أو قال البقر شك الراوي فأعطي ناقة عشراء فقال بارك الله لك فيها فأتى الأقرع فقال: أي شيء أحب إليك ؟ قال شعر حسن ويذهب عني هذا الذي قذرني الناس فمسحه عنه وأعطي شعرا حسنا قال فأي المال أحب إليك ؟ قال البقر فأعطي بقرة حاملا وقال بارك الله لك فيها فأتى الأعمى فقال أي شيء أحب إليك قال أن يرد الله إلي بصري فأبصر الناس فمسحه فرد الله إليه بصره قال فأي المال أحب إليك ؟ قال الغنم فأعطي شاة والدا فأنتج هذان وولد هذا فكان لهذا واد من الإبل ولهذا واد من البقر ولهذا واد من الغنم ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته فقال رجل مسكين قد انقطعت بي الحبال في سفري فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال بعيرا أتبلغ به في سفري فقال الحقوق كثيرة فقال كأني أعرفك ألم تكن أبرص يقذرك الناس فقيرا فأعطاك الله فقال إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر فقال إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت وأتى الأقرع في صورته وهيئته فقال له مثل ما قال لهذا ورد عليه مثل ما رد هذا فقال إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت وأتى الأعمى في صورته وهيئته فقال رجل مسكين وابن سبيل انقطعت بي الحبال في سفري فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك أسألك بالذي رد عليك بصرك شاة أتبلغ بها في سفري ؟ فقال قد كنت أعمى فرد الله إلي بصري فخذ ما شئت ودع ما شئت فوالله ما أجهدك اليوم بشيء أخذته لله عز وجل فقال أمسك مالك فإنما ابتليتم فقد رضي الله عنك وسخط على صاحبيك متفق عليه والناقة العشراء بضم العين وبالمد هي الحامل قوله أنتج وفي رواية فنتج معناه تولى نتاجها والناتج للناقة كالقابلة للمرأة وقوله ولد هذا هو بتشديد اللام أي تولى ولادتها وهو بمعنى أنتج في الناقة فالمولد والناتج والقابلة بمعنى لكن هذا للحيوان وذاك لغيره وقوله انقطعت بي الحبال هو بالحاء المهملة والباء الموحدة أي الأسباب وقوله لا أجهدك معناه لا أشق عليك في رد شيء تأخذه أو تطلبه من مالي وفي رواية البخاري لا أحمدك بالحاء المهملة والميم ومعناه لا أحمدك بترك شيء تحتاج إليه كما قالوا ليس على طول الحياة ندم أي على فوات طولها
الشَّرْحُ
قوله ثلاثة من بني إسرائيل وإسرائيل هو إسحاق بن إبراهيم عليه الصلاة والسلام أخو إسماعيل ومن ذرية إسرائيل موسى وهارون وعيسى وجميع بني إسرائيل كلهم من ذرية إسحاق عليه الصلاة والسلام وإسماعيل أخو إسحاق فهم والعرب أبناء عم وقد جاءت أخبار كثيرة عن بني إسرائيل وهي ثلاثة أقسام الأول ما جاء في القرآن والثاني ما جاء في صحيح السنة والثالث ما جاء عن أخبارهم وعن علمائهم فأما الأول والثاني فلا شك في أنه حق ولا شك في قبوله مثل قوله تعالى ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله ومن السنة مثل هذا الحديث الذي رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأما ما روى عن أخبارهم وعلمائهم فإنه ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول: ما شهد الشرع ببطلانه، فهذا باطل يجب رده وهذا يقع كثيرا فيما نقل من الإسرائيليات في تفسير القرآن فإنه ينقل في تفسير القرآن كثير من الأخبار الإسرائيلية التي يشهد الشرع ببطلانها والثاني: ما شهد الشرع بصدقه، فهذا يقبل لا لأنه من أخبار بني إسرائيل ولكن لأن الشرع شهد بصدقه وأنه حق والثالث: ما لم يكن في الشرع تصديقه ولا تكذيبه: فهذا يتوقف فيه لا يصدقون ولا يكذبون، لأننا إن صدقناهم فقد يكون باطلا فيكون قد صدقناهم بباطل، وإن كذبناهم فقد يكون حقا فقد كذبناهم بحق، ولهذا نتوقف فيه ولا حرج من التحديث به، فيما ينفع في ترغيب أو ترهيب .
ذكر النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث أن ثلاثة من بني إسرائيل ابتلاهم الله عز وجل بعاهات في أبدانهم، أحدهم أبرص، والثاني أقرع ليس على رأسه شعر، والثالث أعمى لا يبصر، فأراد الله سبحانه أن يبتليهم ويختبرهم لأن الله سبحانه يبتلي العبد بما شاء يبلوه هل يصبر أو يضجر إذا كان ابتلاه بضراء وهل يشكر أو يقتر إذا كان قد ابتلاه بسراء فبعث الله إليهم ملكا من الملائكة وأتاهم يسألهم أي شيء أحب إليهم فبدأ بالأبرص فقال: أي شيء أحب إليك ؟ قال: لون حسن وجلد حسن ويذهب عني الذي قذرني الناس به، لأن أهم شيء عند الإنسان أن يكون معافى من العاهات ولاسيما العاهات المكروهة عند الناس فمسحه الملك فبرأ بإذن الله وزال عنه البرص وأعطى لونا حسنا وجلدا حسنا ثم قال له: أي المال أحب إليك ؟ قال: الإبل أو قال البقر والظاهر أنه قال: الإبل لأنه في قصة الأقرع أعطى البقر، فأعطاه ناقة عشراء، وقال له: بارك الله لك فيها فذهب عنه البقر، وذهب عنه العيب البدني ودعا له الملك بأن يبارك الله له في هذه الناقة .
ثم أتى الأقرع وقال: أي شيء أحب إليك ؟ قال: شعر حسن ويذهب عني الذي قذرني الناس به، فمسحه فأعطى شعرا حسنا وقيل له أي المال أحب إليك ؟ قال: البقر فأعطى بقرة حاملا، وقال له: بارك الله لك فيها أما الأعمى فجاءه الملك فقال له: أي شيء أحب إليك ؟ قال: أن يرد الله علي بصري فأبصر به الناس وتأمل قول الأعمى هذا .
فإنه لم يسأل إلا بصرا يبصر به الناس فقط، أما الأبرص والأقرع فإن كل واحد منهما تمنى شيئا أكبر من الحاجة لأن الأبرص قال: جلدا حسنا ولونا حسنا ذاك قال: شعرا حسنا فليس مجرد جلد أو شعر أو لون بل تمنيا شيئا أكبر أما هذا فإن عنده زهدا لذا لم يسأل إلا بصرا يبصر به فقط ثم سأله: أي المال أحب إليك ؟ قال الغنم وهذا من زهده فلم يتمن الإبل ولا البقر بل الغنم ونسبة الغنم للبقر والإبل قليلة فأعطاه شاه والدا وقال: بارك الله لك فيها فبارك الله للأول في إبله والثاني في بقره وللثالث في غنمه وصار لكل واحد منهما واد مما أعطي .
ثم إن الملك أتى الأبرص في صورته وهيئته، صورته البدنية وهيئته الرثة، ولباسه لباس الفقير وقال له إني رجل فقير وابن سبيل، قد انقطعت بي الحال في سفري فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك فتوسل إليه بذكر حاله أنه فقير وأنه ابن سبيل أي: مسافر وأن الحبال أي: الأسباب التي توصله إلى أهله قد انقطعت به وأنه لا بلاغ له إلا بالله ثم به وقال له اسألك بالذي أعطاك الجلد الحسن والمال بعيرا أتبلغ به في سفري لكنه قال: الحقوق كثيرة، وبخل بذلك مع أن له واديا من الإبل لكنه قال: الحقوق كثيرة وهو فيما يظهر والله أعلم أنه لا يؤدي شيئا منها ؛ لأن هذا أحق من يكون لأنه مسافر وفقير وانقطع به الحبال ومن أحق ما يكون استحقاقا للمال .
ومع ذلك اعتذر له فذكره بما كان عليه من قبل فقال له: قد كنت أعرفك، ألم تكن أبرص يقذرك الناس فقيرا فأعطاك الله المال وأعطاك اللون الحسن والجلد الحسن ولكنه قال والعياذ بالله إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر وأنكر نعمة الله فقال له الملك إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت أي: إن كنت كاذبا فيما تقول فصيرك الله إلى ما كنت من الفقر والبرص والذي يظهر أن الله استجاب دعاء الملك وإن كان دعاء مشروطا كان كاذبا بلا شك فإذا تحقق الشرط تحقق المشروط وأتى الأقرع فقال له مثلما قال الأبرص ورد عليه مثلما رد عليه الأبرص، فقال إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت وأتى الأعمى وذكره بنعمة الله عليه فقال له: قد كنت أعمى فرد الله علي بصري وكنت فقيرا فأعطاني الله المالفأقر بنعمة الله عليه فخذ ما شئت ودع ما شئت من الغنم فوالله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله أي: لا أمنعك ولا أشق عليك بالمنع بشيء أخذته لله عز وجل انظر إلى الشكر والاعتراف بالنعمة فقال له الملك: أمسك عليك مالك إنما ابتليتم فقد رضي الله عنك وأسخط على صاحبيك وهذا يدل على أن القصة كانت مشهورة بين الناس ولهذا قال: سخط على صاحبيك فأمسك ماله وبقى قد أنعم الله عليه بالبصر وأما الآخران فإن الظاهر أن الله ردهما إلى ما كانا عليه من الفقر والعاهة والعياذ بالله وفي هذا دليل: على أن شكر نعمة الله على العبد من أسباب بقاء النعمة وزيادتها كما قال تعالى { وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد } وفي قصتهم آيات من آيات الله عز وجل: منها: إثبات الملائكة والملائكة هم عالم غيبي خلقهم الله عز وجل من نور وجعل لهم قوة في تنفيذ أمر الله وجعل لهم إرادة في طاعة الله فهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ومنها: أن الملائكة قد يكونون على صورة بني آدم، فإن الملك أتى لهؤلاء الثلاثة في المرة الثانية بصورة وهيئة ومنها: أيضا يتكيفون بصورة الشخص المعين كما جاء إلى الأبرص والأقرع والأعمى في المرة الثانية بصورة وهيئة ومنها: أيضا أنه يجوز الاختبار للإنسان في أن يأتي الشخص على هيئة معينة ليختبره فإن هذا الملك جاء على صورة الإنسان المحتاج المصاب بالعاهة ليرق له هؤلاء الثلاثة مع أن الملك فيما يبدو والعلم عند الله لا يصاب في الأصل بالعاهات ولكن الله سبحانه وتعالى جعلهم يأتون على هذه الصورة من أجل الاختبار ومنها: أن الملك مسح الأقرع والأبرص والأعمى مسحة واحدة فأزال الله عيبهم بهذه المسحة ؛ لأن الله إذا أراد شيئا قال له: كن فيكون ولو شاء الله لأذهب عنهم العاهة، ولكن الله جعل هذا سببا للابتلاء والامتحان ومنها: أن الله قد يبارك للإنسان بالمال حتى ينتج منه الشيء الكثير، فإن هؤلاء النفر الثلاثة صار لواحد واد من الإبل وللثاني واد من البقر وللثالث واد من الغنم وهذا من بركة الله عز وجل وقد دعا الملك لكل واحد منهم بالبركة ومنها: تفاوت بني آدم في شكر نعمة الله نفع عباد الله فإن الأبرص والأقرع وقد أعطاهم الله المال الأهم والأكبر، ولكن جحدا نعمة الله قالا: إنما ورثنا هذا المال كابرا عن كابر، وهم كذبة في ذلك فإنهم كانوا فقراء وأعطاهم الله المال أما الأعمى فقد شكر نعمة الله واعترف بالفضل ولذلك وفق وهداه الله وقال للملك خذ ما شئت ودع ما شئت ومنها أيضا: إثبات الرضا والسخط لله سبحانه وتعالى وهما من الصفات التي يجب أن نثبتها لربنا سبحانه وتعالى ؛ لأنه وصف نفسه بها ففي القرآن الكريم: الرضا { رضي الله عنهم ورضوا عنه } وفي القرآن { أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون } وفي القرآن الكريم: الغضب { وغضب الله عليه ولعنه } وهذه الصفات وأمثالها يؤمن بها أهل السنة والجماعة بأنها ثابتة لله على وجه الحقيقة لكنها لا تشبه صفات المخلوقين كما أن الله لا يشبه المخلوقين فكذلك صفاته لا تشبه صفات المخلوقين ومن فوائد هذا الحديث: أن في بني إسرائيل من العجب والآيات ما جعل النبي صلى الله عليه وسلم ينقل لنا من أخبارهم حتى نتعظ، ومثل هذا الحديث قصة النفر الثلاثة الذين لجأوا إلى غار فانطبقت عليهم صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار وعجزوا عن زحزحتها وتوسل كل واحد منهم إلى الله بصالح عمله فالنبي عليه الصلاة والسلام يقص علينا من أنباء بني إسرائيل ما يكون فيه الموعظة والعبرة، فعلينا أن نأخذ من هذا الحديث عبرة بأن الإنسان إذا شكر نعمة الله واعترف لله بالفضل، وأدى ما يجب عليه في ماله فإن ذلك من أسباب البقاء والبركة في ماله، والله الموفق
66 - السابع: عن أبي يعلى شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني رواه الترمذي وقال حديث حسن قال الترمذي وغيره من العلماء: معنى دان نفسه حاسبها
الشَّرْحُ
قوله الكيس معناه الرجل الذي يغتنم الفرص ويتخذ لنفسه الحيطة حتى لا تفوت عليه الأيام والليالي فيضيع وقوله من دان نفسه أي: من حاسبها ونظر ماذا فعل من المأمورات وماذا ترك من المنهيات هل قام بما أمر به وهل ترك ما نهى عنه ؟ إذا ما رأى من نفسه تفريطا في الواجب استدركه إذا أمكن استدراكه وقام به أو بدله وإذا رأى من نفسه انتهاكا لمحرم أقلع عنه وندم وتاب واستغفر وقوله عمل لما بعد الموت يعني عمل للآخرة لأن ما بعد الموت فإنه من الآخرة وهذا هو الحق والحزم أن الإنسان يعمل لما بعد الموت لأنه في هذه الدنيا مار بها مرورا والمآل هو ما بعد الموت فإذا فرط ومضت عليه الأيام وأضاعها في غير ما ينفعه في الآخرة فليس بكيس الكيس هو الذي يعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وصار لا يهتم إلا بأمور الدنيا فيتبع نفسه هواها في التفريط في الأوامر وفعل النواهي ثم يتمنى على الله الأماني فيقول: الله غفور رحيم وسوف أتوب إلى الله في المستقبل وسوف أصلح من حالي إذا كبرت وما أشبهه من الأماني الكاذبة التي يمليها الشيطان عليه فربما يدركها وربما لا يدركها ففي هذا الحديث: الحث على انتهاز الفرص وعلى أن لا يضيع الإنسان من وقته فرصة إلا فيما يرضي الله عز وجل وأن يدع الكسل والتهاون والتمني فإن التمني لا يفيد شيئا كما قال الحسن البصري رحمه الله ( ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن الإيمان ما وقر في القلب وصدقته الأعمال ) فعلينا أيها الإخوة أن ننتهز الفرصة في كل ما يقرب إلى الله من فعل الأوامر واجتناب النواهي حتى إذا قدمنا على الله كنا على أكمل ما يكون من حال نسأل الله أن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته
67 - الثامن: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه حديث حسن رواه الترمذي وغيره
68 - التاسع: عن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يسأل الرجل فيم ضرب امرأته رواه أبو داود وغيره
الشَّرْحُ
إسلام المرء هو استسلامه لله عز وجل ظاهرا وباطنا فأما باطنا فاستسلام العبد لربه بإصلاح عقيدته وإصلاح قلبه وذلك بأن يكون مؤمنا بكل ما يجب الإيمان به على ما سبق في حديث جبريل وأما الاستسلام ظاهرا فهو إصلاح عمله الظاهر كأقواله بلسانه وأفعاله بجوارحه والناس يختلفون في الإسلام اختلافا ظاهرا كثيرا كما أن الناس يختلفون في أشكالهم وصورهم منهم الطويل ومنهم القصير ومنهم الضخم ومنهم من هم دون ذلك ومنهم القبيح ومنهم الجميل فيختلفون اختلافا ظاهرا فكذلك يختلفون في إسلامهم لله عز وجل حتى قال الله في كتابه لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى وإذا كان الناس يختلفون في الإسلام فإن مما يزيد في حسن إسلام المرء أن يدع ما لا يعنيه فمثلا: إذا كان هناك عمل وترددت هل تفعل أو لا تفعل انظر هل هو من الأمور الهامة في دينك ودنياك فافعله وإلا فاتركه السلامة أسلم كذلك أيضا ما تتدخل في أمور الناس إذا كان هذا لا يهمك وهذا خلاف ما يفعله بعض الناس اليوم من حرصه على اطلاعه على أعراض الناس وأحوالهم ويجد اثنين يتكلمان فيحاول أن يتقرب منهما حتى يسمع ما يقولان ويجد شخصا جاء من جهة الجهات فتراه يبعث وربما يبادر الشخص نفسه ويقول له: من أين جئت وماذا قال لك فلان وماذا قلت له وما أشبهه في أمور لا تعنيه ولا تهمه فالأمور التي لا تعنيك اتركها فإن هذا من حسن إسلامك وهو أيضا فيه راحة للإنسان فكون الإنسان لا يهمه إلا نفسه هذا هو الراحة أما الذي يتتبع أحوال الناس فإنه سوف يتعب تعبا عظيما ويفوت على نفسه خيرا كثيرا مع أنه لا يستفيد شيئا فأنت اجعل دأبك دأب نفسك وهمك هم نفسك وانظر إلى ما ينفعك فافعله والذي لا ينفعك اتركه وليس من حسن إسلامك أن تبحث عن أشياء لا تهمك ولو أننا مشينا على هذا وصار الإنسان دأبه دأب نفسه ولا ينظر إلى غيره لحصل خيرا كثيرا أما بعض الناس تجده مشغولا بشوؤن غيره فيما لا فائدة فيه فيضيع أوقاته ويشغل قلبه ويشتت فكره وتضيع عليه مصالح كثيرة وتجد الرجل الدؤوب الذي ليس له هم إلا نفسه وما يعنيه تجده ينتج ويثمر ويحصل ويكون في راحة فكرية وقلبية وبدنية ولذا يعد هذا الحديث من جوامع كلم النبي لله فإذا أردت شيئا فعلا أو تركا انظر هل يهمك أو لا ؟ إن كان لا يهمك اتركه واسترح منه وإن كان يهمك فاشتغل به بحسبه فعلي كل حال كل إنسان عاقل كما جاء في الحديث السابق الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت فكل إنسان عاقل يحرص أن يعمل لما بعد الموت ويحاسب نفسه على أعمالها والله الموفق
التاسع: عن عمر - رضي الله عنه - عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (( لا يسأل الرجل فيما ضرب امرأته)) رواه آبو داود وغيره (1)
الشَّرْحُ
تساهل المؤلف - رحمه الله- في هذا الحديث حيث قال: (( رواه أبو داود وغيره))، لأن الغير يشمل جميع من خرج الأحاديث، وان كان مثل هذه الصيغة لا يذكر الأعلى، فمثلا إذا قيل : ((رواه أبو داود وغيره)) فيعني ذلك أنه لم يروه البخاري ولا مسلم ولا من هو اعلي من أبي داود، و إنما رواه أبو داود وغيره ممن هو دونه. ومعني الحديث: إن الرجل المتقي الله - عز وجل - الذي انتهي به الأمر إلى آخر المراتب الثلاث التي أشار الله إليها في قوله { وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً } (النساء: من الآية34)، فالضرب آخر المراتب، فقد يضرب الرجل زوجته علي أمر يستحيا من ذكره، فإذا علم تقوي الرجل لله - عز وجل - وضرب امرأته فانه لا يسال، هذا إن صح الحديث، ولكن الحديث ضعيف. أما من كان سيئ العشرة فهذا يسال فيم ضرب امرأته، لأنه ليس عنده من تقوي الله تعالى ما يردعه عن ظلمها وضربها، حيث لا تستحق أن تضرب. والله الموفق
__________
(1) هذا الحديث لم يعلق عليه فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى في الجامع اثناء قراءة كتاب(( رياض الصالحين)) لهذا عرض الشيخ فهد بن ناصر السليمان جزاه الله خيرا على فضيلته رحمه الله تعالى ان يشرح هذا الحديث لخفاء معناه على كثير من الناس فاملى عليه رحمه الله تعالى ما هو مدون اعلاه و ذلك من فضل الله تعالى.
__________
هذا الحديث والتعليق عليه من الشيخ والحاشية ، ليس في نسخة موقع جامع الحديث النبوي
http://www.sonnhonline.com/Montaka/index.aspxواستدركته من النسخة التي على موقع الشيخ ابن عثيمين
http://www.ibnothaimeen.com/all/books/article_18015.shtmlباب التقوى