180 - وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الخازن المسلم الأمين الذي ينفذ ما أمر به فيعطيه كاملا موفرا طيبة به نفسه فيدفعه إلى الذي أمر له به أحد المتصدقين متفق عليه .
وفي رواية الذي يعطي ما أمر به وضبطوا المتصدقين بفتح القاف مع كسر النون على التثنية وعكسه على الجمع وكلاهما صحيح
الشَّرْحُ
قال المؤلف رحمه الله تعالى فيما نقله عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الخازن المسلم الأمين الذي ينفذ ما أمر به فيعطه كاملا موفرا طيبة به نفسه فيدفعه إلى الذي أمر به أحد المتصدقين متفق عليه الخازن مبتدأ وأحد المتصدقين خبر يعني أن الخازن الذي جمع هذه الأوصاف الأربعة المسلم الأمين الذي ينفذ ما أمر به طيبة بها نفسه فهو مسلم احترازا من الكافر فالخازن إذا كان كافرا وإن كان أمينا وينفذ ما أمر به ليس له أجر لأن الكفار لا أجر لهم في الآخرة فيما عملوا من الخير قال الله تعالى وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا وقال تعالى { ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } أما إذا عمل خيرا ثم أسلم فإنه يسلم على ما أسلف من خير ويعطى أجره الوصف الثاني: الأمين يعني الذي أدى ما أؤتمن عليه فحفظ المال ولم يفسده ولم يغز فيه ولم يتعد فيه الوصف الثالث الذي ينفذ ما أمر به يعني يفعله لأن من الناس من يكون أمينا لكنه متكاسل فهذا أمين ومنفذ يفعل ما أمر به فيجمع بين القوة والأمانة الوصف الرابع أن تكون طيبة به نفسه إذا نفذ وأعطى ما أمر به أعطاه وهو طيبة به نفسه يعني لا يمن على المعطي أو يظهر أن له فضلا عليه بل يعطيه طيبة به نفسه هذا يكون أحد المتصدقين مع أنه لم يدفع من ماله فلسا واحدا مثال ذلك إذا كان عند رجل مال وكان أمين الصندوق صندوق المال مسلما أمينا ينفذ ما أمره به ويعطيه صاحبه طيبة به نفسه فإذا قال لهم صاحب الصندوق يا فلان أعط هذا الفقير عشرة آلاف ريال فأعطاه على الوصف الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم إنه يكون كالذي تصدق بعشرة آلاف ريال من غير أن ينقص من أجر المتصدق شيئا ولكنه فضل من الله عز وجل ففي هذا الحديث دليل على فضل الأمانة وعلى فضل التنفيذ فيما وكل فيه وعدم التفريط فيه ودليل على أن التعاون على البر والتقوى يكتب لمن أعان مثل ما يكتب لمن فعل وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء
باب النصيحة
قال تعالى { إنما المؤمنون إخوة } وقال تعالى إخبارا عن نوح صلى الله عليه وسلم { وأنصح لكم } وعن هود صلى الله عليه وسلم { وأنا لكم ناصح أمين }
الشَّرْحُ
قال المؤلف رحمه الله تعالى باب النصيحة النصيحة هي بذل النصح للغير والنصح معناه أن الشخص يحب لأخيه الخير ويدعوه إليه ويبينه له ويرغبه فيه وقد جعل النبي الدين النصيحة فقال الدين النصيحة ثلاث مرات قالوا لمن يا رسول الله ؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم وضد النصيحة المكر والغش والخيانة والخديعة ثم صدر المؤلف هذا الباب بثلاث آيات الآية الأولى: قوله تعالى إنما المؤمنون إخوة وإذا ثبتت هذه الجملة بالمؤمن أي إذا تحققت فيهم واتصفوا بها فإنه لابد أن تكون هذه الإخوة مثمرة للنصيحة والواجب على المؤمنين أن يكونوا كما قال الله عز وجل { إنما المؤمنون إخوة } وهم إخوة في الدين، والأخوة في الدين أقوى من الأخوة في النسب بل إن الأخوة في النسب مع عدم الدين ليست بشيء ولهذا قال الله تعالى عز وجل لنوح لما قال { إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق } قال تعالى { إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح } أما المؤمنين فإنهم وإن تباعدت أقطارهم وتباينت لغاتهم فإنهم إخوة مهما كان والأخ لابد أن يكون ناصحا لأخيه مبديا له الخير مبينا ذلك له داعيا له أما الآية الثانية فهي قول نوح وهو أول الرسل يقول لقومه حين دعاهم إلى الله تعالى { وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون } يعني لست بغاش لكم ولا خادع ولا غادر ولكني ناصح أما الآية الثالثة فقول الله تعالى عن هود { وأنا لكم ناصح أمين } وعلى كل حال يجب على المرء أن يكون لإخوانه من الناصحين مبديا لهم الخير داعيا لهم إليه حتى يحقق بذلك الأخوة الإيمانية .
وأما الأحاديث
181 - فالأول عن أبي رقية تميم بن أوس الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الدين النصيحة قلنا لمن ؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم رواه مسلم
الشَّرْحُ
ذكر المؤلف رحمه الله تعالى في باب النصيحة ثلاثة أحاديث الحديث الأول عن تميم بن أوس الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الدين النصيحة الدين النصيحة الدين النصيحة كررها ثلاثا صلى الله عليه وسلم لأجل أن ينتبه المخاطب والسامع حتى يتلقى ما يقول النبي بانتباه قلنا لمن يا رسول الله ؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم خمسة أشياء هي محل النصيحة والنصيحة لله عز وجل تكون بالإخلاص لله تعالى والتعبد له محبة وتعظيما لأن الله عز وجل يتعبد له العبد محبة فيقوم بأوامره طلبا للوصول إلى محبته عز وجل وتعظيما فينتهي عند محارمه خوفا منه سبحانه وتعالى ومن النصيحة لله أن يكون الإنسان دائما ذاكرا لربه بقلبه ولسانه وجوارحه أما القلب فإنه لا حدود لذكره والإنسان يستطيع أن يذكر الله بقلبه على كل حال وفي كل ما يشاء وفي كل ما يسمع لأن في كل شيء لله تعالى آية تدل على وحدانيته وعظمته وسلطانه يفكر في خلق السماوات والأرض يفكر في الليل والنهار يفكر في آيات الله من الشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وغير ذلك فيحدث هذا ذكرا لله عز وجل في قلبه .
من النصيحة لله أن تكون غيرته لله فيغار لله عز وجل إذا انتهكت محارمه كما كان النبي صلى الله عليه وسلم هكذا فإنه عليه الصلاة والسلام كان لا ينتقم لنفسه أبدا مهما قال الناس فيه لا ينتقم لنفسه ولكنه إذا انتهكت محارم الله صار أشد الناس انتقاما ممن ينتهك حرمات الله تعالى فيغار الإنسان على ربه فلا يسمع أحدا يسب الله أو يشتم الله أو يستهزئ بالله إلا غار من ذلك حتى إذا كان له أن يقتل قتله لأن هذا من النصيحة لله عز وجل ومن النصيحة لله أن يذب عن دين الله تعالى الذي شرعه لعباده فيبطل كيد الكائدين ويرد على الملحدين الذين يعرضون الدين وكأنه قيود تقيد الناس عن حرياتهم والحقيقة أنها قيود حرية لأن الإنسان يتقيد لله عز وجل وبالله وفي دين الله من لم يتقيد بهذا تقيد للشيطان وفي خطوات الشيطان لأن النفس همامة دائما فلا تسكن نفس أحد أبدا بل لابد أن تكون لها همم في أي شيء إما في خير وإما في شر وما أحسن قول ابن القيم رحمه الله في النونية حيث قال
هربوا من الرق الذي خلقوا له ...
وبلوا برق النفس والشيطان
هربوا من الرق الذي خلقوا له ما هو الرق الذي خلقنا له عبادة الله قال تعالى وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون لكنهم هربوا من هذا الرق الذي هو كمال الحرية وكمال السعادة إلى رق النفس والشيطان .
والنفس نعوذ بالله من شرها تسترق الإنسان وتملي عليه الهوى فيكون خاضعا لهواها وإذا غلب الهوى زال العقل وكما قال الشاعر
سكران سكر هوى وسكر مدامة ...
فمتى إفاقة من به سكران ؟
يصف شخصا يشرب الخمر والعياذ بالله فيقول إنه فيه سكران سكر الهوى وسكر المدامة فمتى إفاقة من به سكران ؟ وواضح أن هذا لا ترجى له إفاقة فالحاصل أن الإنسان يتعبد لله عز وجل لا للنفس ولا للشيطان حتى يتحرر من القيود التي تضره ولا تنفعه ومن النصيحة لله عز وجل أن يكون باثا دين الله في عباد الله لأن هذا مقام الرسل كلهم فهم دعاة إلى الله يدعون الناس إلى الله عز وجل كما قال الله تعالى عنهم { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة } وقوله تعالى { فمنهم } أي من الأمة التي بعث فيها الرسول نسأل الله تعالى أن يهدينا وإياكم صراطه المستقيم ثم قال صلى الله عليه وسلم ولكتابه يعني أيضا من الدين النصيحة لكتاب الله عز وجل وهذا يشمل كتاب الله الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم والذي أنزل من قبل والنصيحة لهذه الكتب بتصديق أخبارها أي أن ما أخبرت به يجب أن نصدقه أما بالنسبة للقرآن فظاهر لأن القرآن ولله الحمد نقل بالتواتر من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا وإلى أن يرفعه الله عز وجل في آخر الزمان يقرأه الصغير والكبير وأما الكتب السابقة فإنها قد حرفت وغيرت وبدلت لكن ما صح منها فإنه يجب تصديق خبره واعتقاد صحة حكمه لكننا لسنا متعبدين بأحكام الكتب السابقة إلا بدليل من شرعنا ومن النصيحة لكتاب الله أن يدافع الإنسان عنه يدافع من حرفه تحريفا لفظيا , تحريفا معنويا أو من زعم أن فيه نقصا أو أن فيه زيادة فالرافضة مثلا يدعون أن القرآن فيه نقص وأن القرآن الذي نزل على محمد أكثر من هذا الموجود بين أيدي المسلمين فخالفوا بذلك إجماع المسلمين والقرآن ولله الحمد لم ينقص منه شيء ومن زعم أنه قد نقص منه شيء فقد كذب قوله تعالى { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } فالله عز وجل تكفل بحفظه ومن ادعى أنه قد نقص حرفا واحدا اختزل منه فقد كذب الله عز وجل فعليه أن يتوب ويرجع إلى الله من هذه الردة ومن النصيحة لكتاب الله أن ينشر الإنسان معناه بين المسلمين المعنى الصحيح الموافق لظاهره بحيث لا يكون فيه تحريف ولا تغيير فإذا جلس مجلسا فإن من الخير والنصيحة لكتاب الله أن يأتي بآية من كتاب الله عز وجل يبينها للناس ويوضح معناها ولا سيما الآيات التي تكثر قراءتها بين المسلمين مثل الفاتحة فإن الفاتحة كما نعلم جميعا ركن من أركان الصلاة في كل ركعة للإمام والمأموم والمنفرد فيحتاج الناس إلى معرفتها فإذا فسرها بين يدي الناس وبينها لهم فإن هذا من النصيحة لكتاب الله عز وجل ومن النصيحة لكتاب الله أن تؤمن بأن الله تعالى تكلم بهذا القرآن حقيقة وأنه كلامه عز وجل الحرف والمعنى ليس الكلام الحروف دون المعاني ولا المعاني دون الحروف بل إنه كلام الله لفظا ومعنى تكلم به وتلقاه منه جبريل ثم نزل به على محمد صلى الله عليه وسلم وقد قال الله تعالى وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين وتأمل كيف قال على قلبك مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم يسمعه بأذنيه ولكن الأذن إن لم يصل مسموعها إلى القلب فإنه لا يستقر في النفس فلا يستقر في النفس إلا ما وصل إلى القلب عن طريق الأذن أو عن طريق الرؤيا بالعين أو المس باليد أو الشم بالأنف أو الذوق بالفم فالمهم القرار وهو القلب ولهذا قال { على قلبك لتكون من المنذرين } وعلى هذا فليس من النصيحة الخوض في الكلام على القرآن هل هو كلام الله حقيقة أو ليس بكلام الله حقيقة أو أن يقول إنه خلق من مخلوقات الله أو ما أشبه ذلك بل من النصيحة أن تؤمن بأنه كلام الله حقا اللفظ والمعنى ومن النصيحة لكتاب الله تعالى أن يقوم الإنسان باحترام هذا القرآن العظيم فمن ذلك أن لا يمس القرآن إلا وهو طاهر من الحدثين الأصغر والأكبر لقول النبي صلى الله عليه وسلم لا يمس القرآن إلا طاهر أو من وراء حائل لأن من مسه من وراء حائل فإنه لم يمسه في الواقع وينبغي لا على سبيل الوجوب أن لا يقرأ القرآن ولو عن ظهر قلب إلا متطهرا لأن هذا من احترام القرآن ومن النصيحة لكتاب الله عز وجل أن لا تضعه في موضع يمتهن فيه ويكون وضعه فيه امتهانا له كمحل القاذورات وما أشبه ذلك ولهذا يجب الحذر مما يصنعه بعض الصبيان إذا انتهوا من الدروس في مدارسهم ألقوا مقرراتهم والتي من بينها الأجزاء من المصحف في الطرقات وفي الزبالة أو ما أشبه ذلك والعياذ بالله وأما وضع المصحف على الأرض الطاهرة الطيبة فإن هذا لا بأس به ولا حرج فيه لأن هذه ليس فيه امتهان للقرآن ولا إهانة له وهو يقع كثيرا من الناس إذا كان يصلي ويقرأ من المصحف وأراد السجود يضعه بين يديه فهذا لا يعد امتهانا ولا إهانة للمصحف فلا بأس به والله أعلم وأما الثالثة فقال النبي ولرسوله والنصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تتضمن أشياء الأول الإيمان التام برسالته وأن الله تعالى أرسله إلى جميع الخلق عربهم وعجمهم بل إنسهم وجنهم قال الله تعالى { وأرسلناك للناس رسولا } وقال تعالى { تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا } وقال تعالى { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين والآيات في هذه كثيرة فيؤمن بأن محمدا رسول الله إلى جميع الخلق من جن وإنس ومن النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تصديق خبره وأنه صادق مصدوق صادق فيما يخبر به مصدوق فيما أخبر به من الوحي فما كذب ولا كذب صلى الله عليه وسلم ومن النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم صدق الاتباع له بحيث لا تتجاوز شريعته ولا تنقص عنها فتجعله إمامك في جميع العبادات فإن الرسول صلى الله عليه وسلم هو إمام هذه الأمة وهو متبوعها ولا يحل لأحد أن يتبع سواه إلا إن كان واسطة بينه وبين الرسول بحيث يكون عنده من علم السنة ما ليس عندك فحينئذ لا حرج أن تتبع هذا الرجل بشرط أن تكون معتقدا بأنه واسطة بينك وبين الشريعة لا أنه مستقل لأنه لا أحد يستقل بالتشريع إلا الرسول أما من سواه فهو مبلغ عن الرسول كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم بلغوا عني ولو آية ومن النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذب عن شريعته وحمايتها فالذب عنها بأن لا ينتقصها أحد والذب عنها بأن لا يزيد فيها أحد ما ليس منها فتحارب أهل البدع القولية والفعلية والعقدية لأن البدع كلها باب واحد كلها حقل واحد كلها ضلالة كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم كل بدعة ضلالة لا يستثنى من هذا بدعة قولية ولا فعلية ولا عقدية كل ما خالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء به في العقيدة أو القول أو في العمل فهو بدعة فمن النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحارب أهل البدع بمثل ما يحاربون به السنة إن حاربوا بالقول فبالقول وإن حاربوا بالفعل فبالفعل جزاء وفاقا لأن هذا من النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومن النصيحة للنبي احترام أصحابه وتعظيمهم ومحبتهم لأن صحب الإنسان لا شك أنهم خاصته من الناس وأخص به ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم خير القرون لأنهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن سب الصحابة أو أبغضهم أو لمزهم أو أشار إلى شي يبهتهم فيه فإنه لم ينصح للرسول صلى الله عليه وسلم وإن زعم أنه ناصح للرسول فهو كاذب كيف تسب أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وتبغضهم وأنت تحب الرسول وتنصح له وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل فإذا كان أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يسبهم الساب المفتري الكذاب فإنه في الحقيقة قد سب الرسول صلى الله عليه وسلم ولم ينصح به بل هو في الحقيقة قدح في الشريعة لأن حملة الشريعة إلينا هم الصحابة فإذا كانوا أهلا للسب والقدح لم يوثق بالشريعة لأن نقلتها أهل ذم وقدح بل إن سب الصحابة سب لله عز وجل نسأل الله العافية وقدح في حكمته أن يختار لنبيه صلى الله عليه وسلم ولحمل دينه من هم أهل للذم والقدح إذن من النصيحة للرسول صلى الله عليه وسلم محبة أصحابه واحترامهم وتعظيمهم فهذا من الدين فصار النصح لرسول الله صلى الله عليه وسلم يتضمن هذه الأمور كلها الرابع قال ولأئمة المسلمين الأئمة جمع إمام والمراد بالإمام من يقتدي به ويؤتمر بأمره وينقسم إلى قسمين إمامة في الدين وإمامة في السلطة .
فالإمامة في الدين هي بيدي العلماء فالعلماء هم أئمة الدين الذين يقودون الناس لكتاب الله ويهدونهم إليه ويدلونهم على شريعة الله قال الله تبارك وتعالى في دعاء عباد الرحمن } ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما { فهؤلاء ما سألوا الله إمامة السلطة والإمارة بل سألوا الله إمامة الدين لأن عباد الرحمن لا يريدون السلطة على الناس ولا يطلبون الإمارة بل قد قال الرسول صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه لا تسأل الإمارة فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها وإن أوتيتها عن غير مسألة أعنت عليها لكنهم يسألون إمامة الدين التي قال الله عنها } وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون { فقال } أئمة يهدون بأمرنا { والنصح لأئمة المسلمين أي إمامة الدين والعلم هو أن الإنسان يحرص على تلقي ما عندهم من العلم فإنهم الواسطة بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين أمته فيحرص على تلقي العلم عنهم بكل وسيلة والوسائل في وقتنا ولله الحمد كثرت من كتابة وتسجيل وتلق وغير ذلك فالوسائل والحمد لله كثيرة فليحرص على تلقي العلم من العلماء وليكن تلقيه على وجه التأني لا على وجه التسرع لأن الإنسان إذا تسرع في تلقي العلم فربما يتلقاه على غير ما ألقاه إليه شيخه وقد أدب الله النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأدب فقال تعالى } لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه { لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبادر جبريل إذا ألقى عليه القرآن فيقرأ فقال الله تعالى } لا تحرك به لسانك لتعجل به { يعني اسكت لا تحرك اللسان ولا سرا حتى ينته جبريل من القراءة ثم بعد ذلك اقرأه } ثم إن علينا بيانه { وتكفل الرب عز وجل ببيانه يعني أنك لن تنساه مع أن المتوقع أن الإنسان إذا سكت حتى ينتهي الملقي من إلقائه ربما ينسى بعض الجمل لكن قال الله عز وجل } ثم إن علينا بيانه { ومن النصح أيضا لعلماء المسلمين أن لا يتتبع الإنسان عوراتهم وزلاتهم وما يخطئون فيه لأنهم غير معصومين قد يزلون وقد يخطئون وكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ولا سيما من يتلقى العلم فإنه يجب أن يكون أبلغ الناس في تحمل الأخطاء التي يخطئ بها شيخه وينبهه عليها فكم من إنسان انتفع من تلاميذه ينبهونه على بعض الشيء على الخطأ أو على الخطأ العلمي وعلى أخطاء كثيرة لأن الإنسان بشر لكن الشيء المهم أن لا يكون حريصا على تلقي الزلات فإنه جاء في الحديث يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل في قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عورة أخيه فضحه الله ولو في بيت أمه هذا وهم مسلمون عامة فكيف بالعلماء ؟ إن الذين يلتقطون زلات العلماء ليشيعوها ليسوا مسيئين للعلماء شخصيا وحسب بل مسيئون للعلماء شخصيا مسيئون إلى علمهم الذي يحملونه ومسيئون إلى الشريعة التي تتلقى من جهتهم لأن العلماء إذا لم يثق الناس فيهم وإذا اطلعوا على عوراتهم التي قد لا تكون عورات إلا على حسب نظر هذا المغرض فإنهم تقل ثقتهم بالعلماء وبما عندهم من العلم فيكون في هذا جناية على الشرع الذي يحملونه من سنة الرسول عليه الصلاة والسلام لذلك من نصيحتك لأئمة المسلمين من أهل العلم أن تدافع عن عوراتهم وأن تسترها ما استطعت وأن لا تسكت بل نبه العالم وابحث معه واسأله ربما ينقل عنه أشياء غير صحيحة وقد نقل عنا وعن غيرنا أشياء غير صحيحة لكن نسأل الله العافية إذا كان لهم هوى وأحبوا شيئا وعرفوا أحدا من أهل العلم يقبل الناس قوله نسبوه لهذا العالم ثم إذا سألت نفس الذي إليه القول قال أبدا ما قلت كذا وقد يخطئ السائل مثلا في صيغة السؤال فيجيب العالم على قدر السؤال ويفهمه السائل على حسب ما في نفسه هو فيحصل الخطأ وقد يجيب العالم بالصواب بعد فهم السؤال لكن يفهمه السائل على غير وجهه فيخطئ في النقل وعلى كل حال من النصيحة لأئمة المسلمين في العلم والدين أن لا يتتبع الإنسان عوراتهم بل يلتمس العذر لهم لا مانع من أن يتصل بهم فإذا أراد التأكد من شيء سمعه ويرى أنه خطأ فإذا اتصل به ربما بين له وربما يشرح له شيئا لا يعرفه ويظن أنه أخطأ فيه وربما قد خفي عليه شيء فتنبه أنت وتكون مشكورا على هذا وقد قال أول إمام في الدين والسلطة في هذه الأمة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم أبو بكر رضي الله عنه حيث خطب أول خطبة قال للناس وهو يخاطبهم يتحدث عن نفسه إن اعوججت فأقيموني وذلك لأن الإنسان بشر فقوم أخاك ولا سيما أهل العلم لأن العالم خطره عظيم الخطر الزللي والخطر الرفيع لأن كلمة الخطر تكون للعلو والنزول فهو خطره عظيم إن أصاب هدى الله على يده خلقا كثيرا وإن أخطأ ضل على يده خلق كثير فزلة العالم من أعظم الزلات ولهذا أقول يجب أن نحمي أعراض علمائنا وأن ندافع عنهم ونلتمس العذر لأخطائهم ولا يمنع هذا أن نتصل بهم وأن نسألهم وأن نبحث معهم وأن نناقشهم حتى نكون مخلصين ناصحين لأئمة المسلمين النوع الثاني من أئمة المسلمين أئمة السلطة وهم الأمراء والأمراء في الغالب أكثر خطأ من العلماء لأنه لسلطته قد تأخذه العزة بالإثم فيريد أن يفرض سلطته على الصواب والخطأ فالغالب من أئمة المسلمين في السلطة وهم الأمراء أن الخطأ فيهم أكثر من العلماء إلا ما شاء الله .
والنصيحة لهم هي أن تكف عن مساوئهم وأن لا تنشرها بين الناس وأن نبذل لهم النصيحة ما استطعنا بالمباشرة إذا كنا نستطيع أن نباشرهم أو بالكتابة إذا كنا لا نستطيع أو بالاتصال بمن يتصل بهم إذا كنا لا نستطيع الكتابة لأنه أحيانا ما يستطيع الإنسان لهم الكتابة ولو كتب لم تصل إلى المسئول فيتصل بأحد يتصل بالمسئول وينبهه فهذا من النصح أما نشر مساوئهم فليس به عدوان شخصي عليهم فقط بل هو عدوان شخصي عليهم وعلى الأمة جميعا لأن الأمة إذا امتلأت صدورها من الحقد على ولاة أمورها عصت الولاة ونابذتهم وحينئذ تحصل الفوضى ويسود الخوف ويزول الأمن فإذا بقيت هيبة ولاة الأمور في الصدور صار لهم هيبة وحميت أوامرهم ونظمهم التي لا تخالف الشريعة فالمهم أن أئمة المسلمين تشمل النوعين أئمة الدين وهم العلماء وأئمة السلطان وهم الأمراء وإن شئت فقل أئمة البيان وأئمة السلطان أئمة البيان وهم العلماء الذين يبينون للناس وأئمة السلطان وهم الأمراء الذين ينفذون شريعة الله بقوة السلطان إذن أئمة المسلمين سواء العلم والبيان أو أئمة القوة والسلطان يجب علينا أن نناصحهم وأن نحرص على بذل النصيحة لهم في الدفاع عنهم وستر معايبهم وعلى أن نكون معهم إذا أخطأوا في بيان ذلك الخطأ لهم بيننا وبينهم لأنه ربما نعتقد أن هذا العالم مخطئ أو أن هذا الأمير مخطئ وإذا ناقشناه تبين لنا أنه غير مخطئ كما يقع هذا كثيرا كذلك أيضا ربما تنقل لنا هذه الأشياء عن العالم أو عن الأمير على غير وجهها إما لسوء القصد من الناقل لأن بعض الناس والعياذ بالله يحب تشهير السوء بالعلماء وبالأمراء فيكون سيئ القصد ينقل عليهم ما لم يقولوا وينسب إليهم ما لا يفعلون فلابد إذا سمعنا عن عالم أو عن أمير ما نرى أنه أخطأ لابد في تمام النصيحة من الاتصال به ومناقشته وبيان الأمر وتبينه حتى نكون على بصيرة أما آخر الحديث فيقول وعامتهم يعني النصح لعامة المسلمين وقدم الأئمة على العامة لأن الأئمة إذا صلحوا صلحت العامة فإذا صلح الأمراء صلحت العامة وإذا صلح العلماء صلحت العامة لذلك بدأ بهم وليعلم أن أئمة المسلمين لا يراد بهم الأئمة الذين لهم الإمامة العظمى ولكن يراد به ما هو أعم فكل من له إمرة ولو في مدرسة فإنه يعتبر من أئمة المسلمين إذا نوصح وصلح صلح من تحت يده والنصيحة لعامة المسلمين بأن تحب لهم ما تحب لنفسك وأن ترشدهم إلى الخير وأن تهديهم إلى الحق إذا ضلوا عنه وأن تذكرهم به إذا نسوه وأن تجعلهم بمنزلة الإخوة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال المسلم أخو المسلم وقال المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وقال مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر فأنت إذا أحسست بألم في أطراف شيء من أعضائك فإن هذا الألم يسري على جميع البدن كذلك ينبغي أن تكون للمسلمين هكذا إذا اشتكى أحد من المسلمين فكأنما الأمر يرجع إليك أنت .
وليعلم أن النصيحة هي مخاطبة الإنسان سرا بينك وبينه لأنك إذا نصحته سرا بينك وبينه أثرت في نفسه وعلم أنك ناصح لكن إذا تكلمت أمام الناس عليه فإنه قد تأخذه العزة بالإثم فلا يقبل النصيحة وقد يظن أنك إنما تريد الانتقام منه وتوبيخه وحط منزلته بين الناس فلا يقبل لكن إذا كان السر بينك وبينه صار لها ميزان كبير عنده وقيمة وقبل منك .
}
182 - الثاني عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم متفق عليه