شرح رياض الصالحين
كتاب الفضائل ..الجزء الأول
كتاب الفضائل
كتاب الفضائل ..الجزء الأول
باب فضل قراءة القرآن
الشَّرْحُ
قال المؤلف رحمه الله تعالى في كتابه رياض الصالحين كتاب الفضائل الفضائل جمع فضيلة ثم بدأ بفرائض كتاب الله عز وجل فقال باب فضل قراءة القرآن والقرآن الذي بين أيدينا هو كلام الله عز وجل تكلم به سبحانه وتعالى حقيقة كلاما سمعه جبريل ثم تلاه جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى وإنه لتزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين وقال نزل به على قلبك لأن القلب هو محل الوعي والإدراك والفقه لتكون من المنذرين وقال الله تبارك وتعالى { لا تحرك به لسانك لتعجل به } وكان النبي صلى الله عليه وسلم من شدة حرصه على القرآن كان يبادر جبريل وجبريل يقرأ عليه يلقنه فيبادره القراءة فقال الله تعالى { لا تحرك به لسانك لتعجل به } يعني اسكت حتى يقرأ جبريل { إن علينا جمعه وقرءانه فإذا قرأنه فاتبع قرءانه } يعني قرأه جبريل الذي رسول رب العالمين إلى محمد صلى الله عليه وسلم { فإذا قرأنه فاتبع قرءانه } يعني أقرأه بعده { ثم إن علينا بيانه } يعني لا تقاطع جبريل في القراءة فهذا القرآن تكلم الله به جل وعلا وهو يتكلم به سبحانه وتعالى إذا أراد أن ينزله كما قال تعالى { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها } وهذه الجملة جملة ماضية يعني أنها فعل ماض { قد سمع } يدل على تقدم كلام هذه المرأة وعلى تأخر كلام الله في قصتها وشأنها { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله يسمع تحاوركما أن الله سميع بصير } وقال تعالى { وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال } هذا في أحد يقول إذ غدوت من أهلك إذا فالغدو سابق المؤمنين على كلام الله تعالى هذا والله جل وعلا يتكلم متى شاء بما شاء كيف شاء ولا يحل لنا أن نقول إن كلام الله تعالى ككلامنا يعني أن صوته في القرآن كأصواتنا كلا لكنه يتكلم بالحروف التي نتكلم بها فهذا القرآن الذي بين أيدينا هو الحروف التي نكون منها كلامنا وهو كلام الله عز وجل المعنى واللفظ كله كلام الله هذا هو ما دل عليه الكتاب والسنة وإجماع السلف وأئمة أهل السنة أن القرآن كلام الله وأنه منزل من عنده وأن الله تكلم به حقيقة وأنه تلقاه عنه جبريل ثم نزل به على قلب النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى { إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين } فهو أمين أعني جبريل عليه الصلاة والسلام نزل به على أمين البشر جبريل أمين الملائكة ومحمد أمين البشر وكلاهما أمين على وحي الله عز وجل هذا القرآن له فضائل عظيمة فضائل عامة وفضائل في آيات وسور خاصة مثلا الفاتحة هي السبع المثاني وهي أم الكتاب آية الكرسي هي أعظم آية في كتاب الله وهلم جرا هناك آيات أو سور لها فضل خاصة أما القرآن عموما فله أيضا فضائل عامة وهذا يوجب علينا أن نحرص غاية الحرص على تلاوة كتاب الله عز وجل ليلا ونهارا لأن الإنسان إذا تلا كلام الله صار له بكل حرف بكل حرف عشر حسنات الحرف الواحد من الكلمة له فيه عشر حسنات فمثلا ( قل ) فيها عشرون حسنة لأنها حرفان القاف واللام ( أعوذ ) هذه أربعة أحرف فيها أربعون حسنة وهذا ثواب عظيم لا يتصور الإنسان إذا قرأ هذا الكتاب العزيز العظيم الذي { لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد } وينبغي إذا قرأ القرآن أن يترسل فيه وألا يتعجل عجلة توجب سقوط بعض الحروف فإن بعض الناس يهذه هذا حتى يسقط بعض الحروف هذا ما تلاه كما أنزل لابد من بيان الحروف لكن التجويد المصطلح عليه في كتب التجويد ليس بواجب لكنه من كمال تحسين الصوت الواجب ألا تسقط حرفا من الحروف ولا شدة من الشدات وأما قواعد التجويد المعروفة فهي من باب التحسين والتكميل وليست من باب الواجبات ولهذا يضعف القول بأن التجويد واجب وأن من لم يجود القرآن آثم فإن هذا قول ضعيف جدا بل يقال القرآن أمره ولله الحمد بين واضح لا تسقط حرفا من حروفه وأما مراعاة قواعد التجويد فليست بواجبة لكنها من باب تحسين الصوت بالقرآن واعلم أن القرآن أول ما نزل نزل على سبعة أحرف لأن الناس عرب من قبائل متعددة ولهجات مختلفة وأنتم تعرفون أن الواحد إذا أراد أن يتكلم بلهجة غيره يصعب عليه ويشق عليه فكان من رحمة الله عز وجل أن جعل القرآن على سبعة أحرف كل يقرأ بلهجته بقي على هذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كله وفي عهد أبي بكر وفي عهد عمر في عهد عثمان صار الناس يقرءون على لهجاتهم فصار في هذا اختلاف واللغة القرشية كانت غلبت على جميع اللهجات بعد أن تطور اللسان وصارت الدولة كل خلفائها من قريش غلبت اللغة القرشية غلب حرف قريش على جميع اللهجات فلما خاف أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه أن يختلف الناس في كلام الله وأن تؤدي هذه الأحرف السبعة إلى شقاق ونزاع أمر رضي الله عنه أن يوحد القرآن على حرف واحد ألا وهو حرف قريش أي لغة قريش فجمع القرآن على حرف واحد على لغة قريش وهو الذي نقرأ به الآن ثم أمر بسائر المصاحف فأحرقت لئلا تبقى فيفتتن الناس بها فكان في ذلك مصلحة عظيمة وفضيلة لأمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه لا توصف فنسأل الله تعالى أن يجزيه عن المسلمين خيرا وأحث نفسي وإياكم على تلاوة كتاب الله لا تتركوا القرآن ولو في الشهر مرة تقرؤه كله أو مرتين أو أربعة أو عشر مرات وهذا أدنى ما يكون من الكمال أن تقرأه كل ثلاثة أيام هذا أفضل ما يكون وإن رأيت أنه لا يتيسر لك إلا في الأسبوع مرة أو كل عشرة أيام مرة أو في الأسبوعين مرة أو في ثلاثة أسابيع مرة أو في الشهر مرة المهم لا تهجر القرآن لأنه كلام الله عز وجل ولا يزيدك إلا نورا في القلب وبصيرة في العلم والله الموفق
991 - عن أبي أمامة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه رواه مسلم
992 - وعن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يؤتي يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما رواه مسلم
الشَّرْحُ
قال النووي رحمه الله في كتاب رياض الصالحين كتاب الفضائل باب فضل قراءة القرآن عن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال اقرءوا القرآن فأمر بقراءة القرآن وأطلق فهي مستحبة كل وقت وعلى كل حال إلا إذا كان الإنسان على حاجة يعني يبول أو يتغوط فلا يقرأ القرآن لأن القرآن معظم محترم فلا يقرأ في هذه الحال وكلك إذا كان الإنسان مع أهله حال جماعه فإنه لا يقرأ القرآن لكنه يقول عند جماعة بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا قال النبي صلى الله عليه وسلم اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه إذا كان يوم القيامة جعل الله عز وجل ثواب هذا القرآن شيئا قائما بنفسه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه يشفع لهم عند الله سبحانه وتعالى فإن القرآن إذا تلاه الإنسان محتسبا فيه الأجر عند الله فله بكل حرف عشر حسنات ومثله حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن من قرأ القرآن وعمل به فإنه يأتي يوم القيامة يتقدمه سورة البقرة وآل عمران يحاجان عن صاحبهما يوم القيامة ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم قيد في هذا الحديث قراءة القرآن بالعمل به لأن الذين يقرءون القرآن ينقسمون إلى قسمين قسم لا يعمل به فلا يؤمنون بأخباره ولا يعملون بأحكامه هؤلاء يكون القرآن حجة عليهم وقسم آخر يؤمنون بأخباره ويصدقون بها ويعملون بأحكامه فهؤلاء يكون القرآن حجة لهم يحاج عنهم يوم القيامة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال القرآن حجة لك أو عليك وفي هذا دليل على أن أهم شيء في القرآن العمل به ويؤيد هذا قوله تعالى كتاب أنزلناه إليك مباركا ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب أي يتفهمون معانيها ويعملون بها وإنما أخر العمل عن التدبر لأنه لا يمكن العمل بلا تدبر إذا إن التدبر يحصل به العلم والعمل فرع عن العلم فالمهم أن هذا هو الفائدة من إنزال القرآن أن يتلى ويعمل به يؤمن بأخباره يعمل بأحكامه يمتثل أمره يجتنب نهيه فإذا كان يوم القيامة فإنه يحاج عن أصحابه وفي هذا دليل على أن الترتيب بين سورة البقرة وآل عمران والنساء هو ما في المصحف الآن يعني البقرة ثم آل عمران ثم النساء وأما حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ بالبقرة ثم النساء ثم بآل عمران فإن هذا نسخ في الترتيب الأخير حيث جعلت آل عمران قبل النساء ولهذا اتفق الصحابة رضي الله عنهم على أن آل عمران بعد سورة البقر فهي بينها وبين سورة النساء والله الموفق
993 - وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خيركم من تعلم القرآن وعلمه رواه البخاري
994 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران متفق عليه
الشَّرْحُ
قال المؤلف رحمه الله تعالى فيما نقله في كتابه رياض الصالحين باب فضل قراءة القرآن عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال خيركم من تعلم القرآن وعلمه الخطاب للأمة عامة فخير الناس من جمع بين هذين الوصفين من تعلم القرآن وعلم القرآن تعلمه من غيره وعلمه غيره والتعلم والتعليم يشمل التعلم اللفظي والمعنوي فمن حفظ القرآن يعني صار يعلم الناس التلاوة ويحفظهم إياه فهو داخل في التعليم وكذلك من تعلم القرآن على هذا الوجه فهو داخل في التعلم وبه نعرف فضيلة الحلق الموجودة الآن في كثير من البلاد ولله الحمد في المساجد حيث يتعلم الصبيان فيها كلام الله عز وجل فمن ساهم فيها بشيء فله أجر ومن أدخل أولاده فيها فله أجر ومن تبرع وعلم فيها فله أجر كلهم داخلون في قوله خيركم من تعلم القرآن وعلمه والنوع الثاني تعليم المعنى يعني تعليم التفسير أن الإنسان يجلس إلى الناس يعلمهم تفسير كلام الله عز وجل كيف يفسر القرآن والقرآن كما نعلم متشابه تجد في بعض الأحيان آيات تتكرر بلفظها مثل يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير هذه تكررت بلفظها في سورتين التوبة والتحريم وكذلك كثير من الآيات يتكرر فإذا علم الإنسان غيره كيف يفسر القرآن وأعطاه القواعد في ذلك فهذا من تعليم القرآن وليعلم أن القرآن الكريم ليس كغيره من الكتب من حيث التفسير يعني أنه لا يجوز للإنسان أن يفسر القرآن بهواه ويحمل الآيات على ما يريده هو كما يفعل أهل الإلحاد بآيات الله عز وجل من أهل التعطيل وغيرهم يحملون الآية على غير ما أراد الله مثلا يقول في قوله تعالى { وجاء ربك والملك صفا صفا } يقول وجاء أمر ربك هذا حرام لا يجوز لأن الذي يفسر القرآن إنما يشهد على الله أنه أراد كذا وهذه عظيمة وليست هينة لو كنت تفسر كلام عالم من العلماء لعد ذلك جناية إذا فسرته بما يريد أنت فكيف بكلام رب العالمين ولهذا جاء في الحديث من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار فالواجب أن الإنسان يتحرز من أن يقول معنى الآية كذا وكذا وهو لا يدري لكن إذا كان طالب علم وتكلم بمعنى الآية عند من هو أعلم منه على أساس أنه سيرشده إذا أخطأ فلا بأس ومن ذلك ما يلقى في الاختبارات مثل فسر الآية كذا وكذا ويكون الطالب ليس عنده في تلك الساعة استحضار لمعناها فهل يفسرها بما عنده نقول نعم لأن هذا يختبر وإذا أخطأ فعنده من سينبهه لكن يتحرى أخطاءه أما الإنسان الذي يفسر ليس على هذا الوجه وهو ليس عنده علم فإنه لا يجوز له أن يقدم على هذا لأن كلام الله ليس كغيره أما حديث عائشة رضي الله عنها ففيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة الماهر الذي يجيد القرآن يتقنه هذا مع السفرة الكرام البررة وهؤلاء السفرة الكرام البررة هم الملائكة كما قال تعالى { في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة } فالماهر مع الملائكة وأما الذي يتتعتع فيه يتهجاه وهو عليه شاق فله أجران الأول للتلاوة والثاني للتعب والمشقة ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة أجرك على قدر نصبك أي على قدر تعبك فالذي يتتعتع في القرآن ويشق عليه له أجران أجر التلاوة وأجر قراءة القرآن لكن الأول أفضل منه لأن الأول مرتبته عظيمة وفرق بين إنسان له مرتبة عالية وإنسان دون ذلك ولكن له أجر ونضرب مثلا لهذا والثواب ليس له نظير لكن لو أن رجلا له شرف وسيادة ومنزلة عالية في الناس لكن دراهمه قليلة وآخر وضيع بين الناس ليس له قيمة لكن دراهمه كثيرة الأول أفضل فالمهم أن الماهر بالقرآن المجيد فيه مع السفرة الكرام البررة وأما الذي يتلوه ويتتعتع فيه وهو عليه شاق فله أجران إذا تالي القرآن ليس بخاسر مهما كان والله الموفق
995 - وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها حلو ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر متفق عليه
الشَّرْحُ
هذا الحديث ساقه المؤلف رحمه الله في باب فضل قراءة القرآن في رياض الصالحين في بيان أحوال الناس بالنسبة للقرآن أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب أمثلة للمؤمن والمنافق المؤمن إما أن يكون قارئا للقرآن أو غير قارئ فإن كان قارئا له فمثله كمثل الأترجة يعني الثمرة ريحها طيب وطعمها طيب فهذا المؤمن الذي يقرأ القرآن لأن نفسه طيبة وقلب طيب وفيه خيره لغيره الجلسة معه خير وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل الجليس الصالح كمثل حامل المسك إما أن يبيعه أو تجد منه رائحة طيبة فالمؤمن الذي يقرأ القرآن كله خير في ذاته وفي غيره فهو كالأترجة لها رائحة طيبة ذكية وطعمها طيب أما المؤمن الذي لا يقرأ القرآن فهو كمثل التمرة طعمها حلو ولكن ليس لها رائحة ذكية كرائحة الأترجة ونفى النبي صلى الله عليه وسلم ريحها لأنه ليس بريح طيب وإن كان كل شيء له رائحة لكن ليست رائحتها ذكية لكنها حلوة طيبة هذا المؤمن الذي لا يقرأ القرآن إذا فالمؤمن القارئ للقرآن أفضل بكثير من الذي لا يقرأ القرآن ومعنى لا يقرؤه يعني لا يعرفه ولم يتعلمه ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة لها رائحة طيبة لكن طعمها مر لأن المنافق في ذاته خبيث لا خير فيه والمنافق هو الذي يظهر أنه مسلم ولكن قلبه كافر والعياذ بالله هو الذي قال الله فيه ومن الناس يقول آمنا بالله وباليوم الأخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله والذين آمنوا وما يخادعون إلا أنفسهم وما يشعرون في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون يوجد منافقون يقرءون القرآن قراءة طيبة مرتلة مجودة لكنهم منافقون والعياذ بالله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الخوارج يقرءون القرآن لا يتجاوز حناجرهم هؤلاء والعياذ بالله ضرب لهم النبي صلى الله عليه وسلم مثلا بالريحانة ريحها طيب وذلك لما معهم من القرآن وطعمها مر وذلك لخبث طويتهم وفساد نيتهم والمنافق الذي لا يقرأ القرآن ضرب النبي صلى الله عليه وسلم له مثلا بالحنظلة طعمها مر وليست لها ريح هذا المنافق الذي لا يقرأ القرآن لا خير فيه طعمه مر وليس معه قرآن ينتفع الناس به هذه أقسام الناس بالنسبة لكتاب الله عز وجل فاحرص أخي المسلم على أن تكون من المؤمنين الذين يقرءون القرآن ويتلونه حق تلاوته حتى تكون كمثل الأترجة ريحها طيب وطعمها حلو والله الموفق 996 - وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين رواه مسلم
الشَّرْحُ
قال المؤلف رحمه الله في كتابه رياض الصالحين في باب فضل قراءة القرآن فيما نقله عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين يعني معناه أن هذا القرآن يأخذه أناس يتلونه ويقرءونه فمنهم من يرفعه الله به في الدنيا والآخرة ومنهم من يضعهم الله به في الدنيا والآخرة فمن هذا ومن هذا من عمل بهذا القرآن تصديقا بأخباره وتنفيذا لأوامره واجتنابا لنواهيه واهتداء بهديه وتخلقا بما جاء به من أخلاق وكلها أخلاق فاضلة فإن الله تعالى يرفعه به في الدنيا والآخرة وذلك لأن هذا القرآن هو أصل العلم ومنبع العلم وكل العلم وقد قال الله تعالى يرفع الله الذين ءامنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات أما في الآخرة فيرفع الله به أقواما في جنات النعيم ويقال للقارئ اقرأ ورتل واصعد وله إلى منتهى قراءته صعود في الجنة إن شاء الله وأما الذين يضعهم الله به فقوم يقرءونه ويحسنون قراءته لكنهم يستكبرون عنه والعياذ بالله لا يصدقون بأخباره ولا يعملون بأحكامه يستكبرون عنه عملا ويجحدونه خبرا إذا جاءهم شيء من القرآن كقصص الأنبياء السابقين أو غيرهم أو عن اليوم الآخر أو ما أشبه ذلك صاروا والعياذ بالله يشككون في ذلك ولا يؤمنون بل { في قلوبهم مرض } مرتابون والعياذ بالله وربما يصل بهم الحال إلى الجحد مع أنهم يقرءون القرآن وفي الأحكام يستكبرون لا يأتمرون بأمره ولا ينتهون بنهيه هؤلاء والعياذ بالله يضعهم الله في الدنيا والآخرة ولابد أن يكون أمرهم خسارا حتى لو فرض أن الدنيا دانت لهم وتزخرفت فإن مآلهم إلى الخسار والعياذ بالله ولكن ربما يمهل لهم ويملي لهم وتنفتح عليهم الدنيا ولكنهم كلما انفتح عليهم شيء من زهرة الدنيا فإنهم لا يزدادون به إلا خسارا والعياذ بالله { ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون } يعني ربما يمهل الله سبحانه وتعالى للكافر الجاحد المستكبر وتزدان له الدنيا لكنه لا يزيده ذلك إلا خسارا وإنما في الآخرة والعياذ بالله فالحذر الحذر أن تكون من القسم الثاني يضعهم الله بهذا القرآن كن من القسم الأول الذين يرفعهم الله بالقرآن جعلنا الله وإياكم منهم
997 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا حسد إلا في اثنين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار متفق عليه والآناء الساعات
الشَّرْحُ
قال المؤلف رحمه الله في باب فضل القرآن في كتاب رياض الصالحين فيما نقله عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا حسد إلا في اثنتين الحسد قال العلماء إن معناه هنا هو الغبطة يعني لا شيء فيه غبطة إلا هاتين الاثنتين وذلك لأن الناس يغبط بعضهم بعضا في أمور الدنيا وفي أمور الآخرة فتجد مثلا بعض الناس يغبط هذا الرجل حين أعطاه الله المال والأولاد والأهل والقصور والسيارات وما أشبه ذلك يقول هذا هو الحظ هذا هو المغتبط وما أشبه ذلك يحسد يغبط بعض الناس على ما آتاه الله من الصحة وسلامة البنيان وغير ذلك يغبطه على أنه له شرف وجاه في قومه إن قال سمع وإن عمل اتبع فيقول هذا هو الحظ لكن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن الذي يغبط من حصل على هذين الاثنين الأولى آتاه الله تعالى الحكمة القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار آتاه الله القرآن حفظه وفهمه وعمل به آناء الليل والنهار يقوم به يفكر ماذا قال الله عز وجل عن الصلاة فيقول أقيموا الصلاة فيقيمها ماذا قال عن الزكاة فيقول { وءاتوا الزكاة } فيؤتيها ماذا قال عن الوالدين قال الله تعالى { واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا } وماذا قال عن صلة الأرحام { والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل } فيصل رحمه ماذا قال عن الجيران قال تعالى { والجار ذي القربى والجار الجنب } إلى آخره فتجده يقوم بالقرآن آناء الليل والنهار هذه هي الغبطة وهي الغنيمة وهي الحظ والثاني رجل آتاه الله المال يعني صار غنيا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار يعني في سبيل الله فيما يرضي الله عز وجل أي شيء يرضي الله ينفق ماله فيه بناء المساجد الصدقات على الفقراء إعانة المجاهدين إعانة الملهوفين وغير ذلك المهم لا يجد شيئا يقرب إلى الله إلا بذل ماله فيه ليلا ونهارا ليس ممسكا ولا مبذرا فيغلو ويزيد بل ينفقه لله وبالله وفي الله منفقا لله مستعينا به متمشيا على شرعه هذا هو الذي يغبط أما الذي عنده حظ من الدنيا يتمتع به كما تتمتع البهيمة بالعلف ثم يذهب عنها هذا ليس محسودا ولا يحسد على ذلك لأنه تالف أو متلوف عنه لكن الذي ينفق ماله في سبيل الله فهذا هو الذي يغبط وفي هذا دليل على أنه ينبغي للإنسان أن يقوم بالقرآن آناء الليل والنهار دائما يجعل أعماله كلها مبنية على القرآن يتمشى بهدي القرآن وأنه ينبغي لمن آتاه الله المال أن يؤدي حقه ويقوم بواجبه وينفقه حيث كان إنفاقه خيرا والله الموفق
998 - وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال كان رجل يقرأ سورة الكهف وعنده فرس مربوط بشطنين فتغشته سحابة فجعلت تدنو وجعل فرس ينفر منها فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك فقال تلك السكينة تنزلت للقرآن متفق عليه الشطن بفتح الشين المعجمة والطاء المهملة الحبل
الشَّرْحُ
ذكر المؤلف النووي رحمه الله في كتاب رياض الصالحين في باب فضل قراءة القرآن ما يدل على فضل قراءة القرآن من الأحاديث السابقة واللاحقة فمن ذلك حديث البراء بن عازب رضي الله عنه أن رجلا كان يقرأ في سورة الكهف وسورة الكهف هي التي بين الإسراء ومريم هذه السورة من فضائلها أن الإنسان إذا قرأها يوم الجمعة أضاء له ما بين الجمعتين وفيها قصص وعبر قصها الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم وكان هذا الرجل يقرأ القرآن فغشاه يعني غطاه شيء مثل الظلة كأنه غمامة كلما قرأ نزل كلما قرا نزل من فوق وجعلت الفرس وهي مربوطة بشطنين جعلت تميل تنفر من هذا الذي رأته فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم قال تلك السكينة نزلت لقراءة القرآن لأن السكينة تنزل عند قراءة القرآن إذا قرأه الإنسان بتمهل وتدبر فإن السكينة تنزل حتى تصل إلى قلب القارئ فينزل الله السكينة في قلبه وهذه القصة من كرامات الأولياء والأولياء لهم كرامات لكن ليس لكل ولي كرامة إنما يؤتى الله بعض أوليائه كرامة تثبيتا له وتصديقا لما كان عليه من الحق وهي يعني الكرامات أمور خارقة للعادة يعني لا يأتي على وفق العادة يجريها الله عز وجل على يدي بعض أوليائه تكريما له وتثبيتا له وتصديقا لما هو عليه من الحق وهي في نفس الوقت معجزة للرسول الذي يتبعه هذا الولي وقد ذكر العلماء رحمهم الله أن الخوارق ثلاثة أقسام 1 - قسم آيات للأنبياء 2 - وقسم كرامات للأولياء 3 - وقسم إهانات من الشياطين يجريها الله على خلاف العادة على أيدي الشياطين والعياذ بالله وعلامة ذلك أن الذي تحصل له هذه الخوارق إما أن يكون نبيا أو وليا للرحمن أو وليا للشيطان ومن المعلوم أنه بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن تكون كرامة معجزة أبدا لأن النبوة انقطعت وذاك رسول الله وخاتم النبيين بقيت الكرامات والأحوال الشيطانية والشعوذات والسحر وما أشبه ذلك الكرامات علامتها أن يجريها الله عز وجل على يد عبد صالح من أولياء الله وأولياء الله هم المؤمنون المتقون كما قال تعالى ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون فإذا أجرى شيء خارق للعادة على يد رجل صالح مؤمن تقي معروف بالخير قيل هذه كرامة القسم الثالث السحر والأحوال الشيطانية وهذه تجري على طواغيت وأولياء الشياطين الذين يدعون أنهم أولياء ويلعبون بعقول السفهاء وعقول العامة تجد الإنسان يكبر عمامته ويوسع كمه ويطيل لحيته ويعفر جبهته في الأرض ليظهر عليه أثر السجود وما أشبه ذلك من اللعب بعقول الناس ثم يستخدم الشياطين لأغراض خاصة فتقلب له البعير وربما تحمله في الهواء ويطير حتى إن بعضهم شوهد في أول يوم عرفة ثم حملته الشياطين حتى أدرك الناس في عرفة ..
.
هذا من زمان وهم يلعبون بعقول الناس هؤلاء شياطين وإن كانوا يفعلون هذا الشيء فإنه لا كرامة لهم والكرامات والإهانات ألف فيها العلماء كثيرا ومن أحسن ما ألف كتاب [ الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ] لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ذكر فيها أشياء كثيرة من كرامات الأولياء وأشياء أخرى من إهانات الأعداء يذكر أن ( مسيلمة الكذاب ) الذي خرج في اليمامة بالرياض وادعى أنه نبي أنه جاءه قوم فقالوا له إن عندنا بئرا غار ماؤها ولم يبق منه إلا قليل وطلبوا منه أن يأتي إليها لأجل أن يباركها كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا شكوا إليه قلة الماء يسر على يديه صلى الله عليه وسلم أن ينبع الماء من بين أصابعه فجاءوا إلى ( مسيلمة الكذاب ) فذهب إلى البئر يقولون إنه مج فيها مجة من الماء ولما مج فيها غار الماء الموجود فيها وكانوا يتوقعون أن الماء يكثر وينهمر فأراهم الله عز وجل آية لتكذيب هذا الرجل هذا لاشك أنه أمر خارق للعادة لأنه ليس من العادة أن الإنسان يمج الماء في بئر ليس فيها إلا ماء قليل ثم يغار هذا خلاف العادة لكن الله أجرى ذلك إهانة له فعلى كل حال إذا رأيت من شخص ما يكون خارقا للعادة فإن كان مؤمنا تقيا يعرف بالصلاح والاستقامة فهذا من كرامات الأولياء وإن لم يكن كذلك فهي أحوال شيطانية من الشياطين أو سحر يسحر أعين الناس لأن السحر قد يسحر الأعين حتى ترى المتحرك ساكنا والساكن متحركا فهاهم سحرة فرعون ألقوا حبالا عادية وعصيا في الأرض ثم سحروا أعين الناس حتى جعل الوادي كله حيات حتى موسى صلى الله عليه وسلم أوجس في نفسه خيفة فأوحى الله تعالى أن يلقى عصاه { فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين } حية عظيمة فجعلت تمشي على هذه الحبال والعصي تلقفها فعرفوا أنه صادق لأنه التهم كل سحر فالحاصل أن هذه الظلة التي حصلت للقارئ والذي كان يقرأ سورة الكهف هذه كرامة له وهي شهادة من الله عز وجل بالفعل على أن هذا القرآن حق تنزل السكينة لقراءته وتلاوته نسأل الله تعالى أن ينفعنا وإياكم به وأن يجعله حجة لنا وقائدا إلى جنات النعيم
999 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح
باب الأمر بتعهد القرآن والتحذير من تعريضه للنسيان
1002 - عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تعاهدوا هذا القرآن فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها متفق عليه