612 - وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا، ونعله حسنة ؟ قال: إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس رواه مسلم . بطر الحق: دفعه ورده على قائله غمط الناس: احتقارهم .
613 - وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أن رجلا أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله فقال: كل بيمينك قال: لا أستطيع قال: لا استطعت ما منعه إلا الكبر قال: فما رفعها إلى فيه رواه مسلم . ذكر الحافظ النووي - رحمه الله - في باب تحريم الكبر والعجب عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر وهذا الحديث من أحاديث الوعيد التي يطلقها الرسول صلى الله عليه وسلم تنفيرا عن الشي وإن كانت تحتاج إلى تفصيل حسب الأدلة الشرعية . فالذي في قلبه كبر، إما أن يكون كبرا عن الحق وكراهة له، فهذا كافر مخلد في النار ولا يدخل الجنة، لقول الله تعالى: ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط وأعمالهم ولا يحبط العمل إلا بالكفر لقوله تعالى: { ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } وأما إذا كان كبرا على الخلق وتعاظما على الخلق، لكنه لم يستكبر عن عبادة الله فهذا لا يدخل الجنة دخولا كاملا مطلقا لم يسبق بعذاب بل لابد من عذاب على ما حصل من كبره وعلوائه على الخلق ثم إذا طهر دخل الجنة ولما حدث النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث قال رجل يا رسول الله: الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة يعني فهل هذا من الكبر ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله جميل يحب الجمال جميل في ذاته جميل في أفعاله جميل في صفاته كل ما يصدر عن الله عز وجل فإنه جميل وليس بقبيح بل حسن تستحسنه العقول السليمة، وتستسيغه النفوس . وقوله: يحب الجمال أي يحب التجمل بمعنى أنه يحب أن يتجمل الإنسان في ثيابه وفي نعله وفي بدنه وفي جميع شؤونه لأن التجمل يجذب القلوب إلى الإنسان ويحببه إلى الناس بخلاف التشوه الذي يكون فيه الإنسان قبيحا في شعره أو في ثوبه أو في لباسه فلهذا قال: إن الله جميل يحب الجمال أي يحب أن يتجمل الإنسان . وأما الجمال الخلقي الذي من الله عز وجل فهذا إلى الله سبحانه وتعالى، ليس للإنسان فيه حيلة وليس له فيه كسب، وإنما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ما للإنسان فيه كسب وهو التجمل . أما الحديث الثاني فهو حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أن رجلا أكل عند النبي صلى الله عليه وسلم بيده اليسرى فقال: كل بيمينك قال: لا أستطيع ما منعه إلا الكبر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا استطعت لأن الرسول صلى الله عليه وسلم عرف أنه متكبر، فقال لا استطعت أي دعا عليه بأن الله تعالى يصيبه بأمر لا يستطيع معه رفع يده اليمنى إلى فمه، فلما قال النبي صلى الله عليه وسلم له ذلك أجاب الله دعوته فلم يرفعها إلى فمه بعد ذلك صارت والعياذ بالله قائمة كالعصا، لا يستطيع رفعها لأنه استكبر على دين الله عز وجل . وفي هذا دليل على وجوب الأكل باليمين والشرب باليمين، وأن الأكل باليسار حرام، يأثم عليه الإنسان وكذلك الشرب باليسار حرام، يأثم عليه الإنسان لأنه إذا فعل ذلك أي أكل بشماله أو شرب بشماله شابه الشيطان وأولياء الشيطان قال النبي عليه الصلاة والسلام: لا يأكل أحدكم بشماله ولا يشرب بشماله فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله وإذا نظرنا الآن إلى الكفار وجدنا أنهم يأكلون بيسارهم ويشربون بيسارهم وعلى هذا فالذي يأكل بشماله أو يشرب بشماله متشبه بالشيطان وأولياء الشيطان . ويجب على من رآه أن ينكر عليه، لكن بالتي هي أحسن إما أن يعرض إذا كان يخشى أن يخجل صاحبه أو أن يستنكف ويستكبر فيقول: من الناس من يأكل بشماله أو يشرب بشماله وهذا حرام ولا يجوز . أو إذا معه طالب علم سأل طالب العلم وقال له . ما تقول فيمن يأكل بالشمال ويشرب بالشمال حتى ينتبه الآخر . فإن انتبه فهذا المطلوب، وإن لم ينتبه قيل له - ولو سرا - لا تأكل بشمالك ولا تشرب بشمالك، حتى يعلم دين الله تعالى وشرعه . يوجد بعض المترفين يأكل باليمين ويشرب باليمين، إلا إذا شرب وهو يأكل فإنه يشرب بالشمال يدعى أنه لو شرب باليمين لوث الكأس فيقال له: المسألة ليست هينة وليست على سبيل الاستحباب حتى تقول الأمر هين، بل أنت إذا شربت بالشمال فأنت عاص لأنه محرم والمحرم لا يجوز إلا للضرورة ولا ضرورة للشرب بالشمال خوفا من أن يتلوث الكأس بالطعام . ثم إنه يمكن أن تمسكه بين الإبهام والسبابة من أسفله وحينئذ لا يتلوث والإنسان الذي يريد الخير والحق يسهل عليه فعله، أما المعاند أو المترف أو الذي يقلد أعداء الله من الشيطان وأوليائه فهذا له شأن آخر .
الشَّرْحُ
614 -