337 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس رواه البخاري واليمين الغموس التي يحلفها كاذبا عامدا سميت غموسا لأنها تغمس الحالف في الإثم
338 - وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من الكبائر شتم الرجل والديه قالوا يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه قال نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه متفق عليه وفي رواية إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه قيل يا رسول الله كيف يلعن الرجل والديه قال يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه
339 - وعن أبي محمد جبير بن مطعم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يدخل الجنة قاطع قال سفيان في روايته يعني قاطع رحم متفق عليه
340 - وعن أبي عيسى المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله تعالى حرم عليكم عقوق الأمهات ومنعا وهات ووأد البنات وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال متفق عليه قوله منعا معناه منع ما وجب عليه وهات طلب ما ليس له ووأد البنات معناه دفنهن في الحياة وقيل وقال معناه الحديث بكل ما يسمعه فيقول قيل كذا وقال فلان كذا مما لا يعلم صحته ولا يظنها وكفى المرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع وإضاعة المال تبذيره وصرفه في غير الوجوه المأذون فيها من مقاصد الآخرة والدنيا وترك حفظه مع إمكان الحفظ وكثرة السؤال الإلحاح فيما لا حاجة إليه وفي الباب أحاديث سبقت في الباب قبله كحديث وأقطع من قطعك وحديث من قطعني قطعه الله
الشَّرْحُ
هذه الأحاديث كلها تدل على تحريم قطيعة الرحم وعقوق الوالدين وقد سبق لها نظائر ومما فيه زيادة عما سبق حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من الكبائر شتم الرجل والديه يعني سبهما ولعنهما كما جاء ذلك في رواية أخرى لعن الله من لعن والديه قالوا يا رسول الله كيف يشتم الرجل والديه لأن هذا أمر مستغرب وأمر بعيد قال نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه وذلك تحذير من أن يكون الإنسان سببا في شتم والديه بأن يأتي إلى الشخص فيشتم والدي الشخص فيقابله الشخص الآخر بالمثل ويشتم والديه ولا يعني ذلك أنه يجوز للثاني أن يشتم والدي الرجل لأنه لا تزر وازرة وزر أخرى ولكنه في العادة والطبيعة أن الإنسان يجازي غيره بمثل ما فعل به فإذا سبه سبه وذلك كما قال تعالى ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم لذلك لما كان سببا في سب والديه كان عليه إثم ذلك ثم ذكر المؤلف حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله تعالى حرم عليكم عقوق الأمهات ومنعا وهات ووأد البنات الشاهد من هذا الحديث قوله عقوق الأمهات وهو قطع ما يجب لهن من البر أما وأد البنات فهو دفنهن أحياء وذلك لأنهم في الجاهلية كانوا يكرهون البنات ويعيبون بقاء البنت عند الرجل ويقولون إن بقاء البنت عند الرجل مسبة له فكانوا والعياذ بالله يأتون بالبنت فيحفرون لها حفرة ويدفنونها وهي حية قال الله تعالى { وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت } فحرم الله ذلك وهو لا شك من أكبر الكبائر وإذا كان قتل الأجنبي المؤمن سببا للخلود في النار كما قال تعالى { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما } فالقرابة أشد وأشد ومنعا وهات يعني أن يكون الإنسان جموعا منوعا يمنع ما يجب عليه بذله من المال ويطلب ما ليس له فهات يعني أعطوني المال ومنعا أي يمنع ما يجب عليه فإن هذا أيضا مما حرمه الله عز وجل لأنه لا يجوز للإنسان أن يمنع ما يجب عليه بذله من المال ولا يجوز أن يسأل ما لا يستحق فكلاهما حرام ولهذا قال إن الله تعالى حرم عليكم عقوق الأمهات ومنعا وهات وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال كره وحرم ليس بينهما فرق لأن الكراهة في لسان الشارع معناها التحريم ولكن هذا والله أعلم من باب اختلاف التعبير فقط كره لكم قيل وقال يعني نقل الكلام وكثرة ما يتكلم الإنسان ويثرثر به وأن يكون ليس له هم إلا الكلام في الناس قالوا كذا وقيل كذا ولاسيما إذا كان هذا في أعراض أهل العلم وأعراض ولاة الأمور فإنه سيكون أشد وأشد كراهة عند الله عز وجل والإنسان المؤمن هو الذي لا يقول إلا خيرا كما قال النبي عليه الصلاة والسلام من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت وكثرة السؤال يحتمل أن يكون المراد السؤال عن العلم ويحتمل أن يكون المراد السؤال عن المال أما الأول وهو كثرة السؤال عن العلم فهذا إنما يكره إذا كان الإنسان لا يريد إلا إعنات المسئول والإشقاق عليه وإدخال السآمة والملل عليه أما إذا كان يريد العلم فإنه لا ينهي عن ذلك ولا يكره ذلك وقد كان عبد الله بن عباس رضي الله عنهما كثير السؤال فقد قيل له بم أدركت العلم قال أدركت العلم بلسان سؤول وقلب عقول وبدن غير ملول لكن إذا كان قصد السائل الإشقاق على المسئول والإعنات عليه وإلحاق السآمة به أو تلقط زلاته لعله يزل فيكون في ذلك قدح فيه فإن هذا هو المكروه وأما الثاني وهو سؤال المال فإن كثرة السؤال قد تلحق الإنسان بأصحاب الشح والطمع ولهذا لا يجوز للإنسان سؤال المال إلا عند الحاجة أو إذا كان يرى أن المسئول يمن عليه أن يسأله كما لو كان صديقا لك قوي الصداقة قريبا جدا فسألته حاجة وأنت تعرف أنه يكون بذلك ممنونا فهذا لا بأس به أما إذا كان الأمر على خلاف ذلك فلا يجوز أن تسأل إلا عند الضرورة وإما إضاعة المال فهو بذل الإنسان له في غير لا دينية ولا دنيوية لأن الله تعالى قال { ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما } فالمال قيام للناس تقوم به مصالح دينهم ودنياهم فإذا بذله الإنسان في غير ذلك فهذا إضاعة له وأقبح من ذلك أن يبذله في محرم فيرتكب في هذا محظورين المحظور الأول إضاعة المال والمحظور الثاني ارتكاب المحرم فالأموال يجب أن يحافظ عليها الإنسان وألا يضعها وألا يبذلها إلا فيما فيه مصلحة له دينية أو دنيوية
42- باب بر أصدقاء الأب والأم والأقارب والزوجة وسائر من يندب إكرامه