107 - الثالث عشر: عن أبي عبد الله - ويقال: أبو عبد الرحمن - ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: عليك بكثرة السجود، فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحط عنك بها خطيئة رواه مسلم .
108 - الرابع عشر: عن أبي صفوان عبد الله بن بسر الأسلمي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير الناس من طال عمره وحسن عمله رواه الترمذي، وقال: حديث حسن .
بسر: بضم الباء وبالسين المهملة .
الشَّرْحُ
قال المؤلف - رحمه الله تعالى - فيما نقله عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: عليك بكثرة السجود عليك يعني إلزم كثرة السجود، فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة وهذا كالحديث السابق حديث ربيعة بن مالك الأسلمي، أنه قال للنبي: أسألك مرافقتك في الجنة، فقال: فأعني على نفسك بكثرة السجود .
ففيه: دليل على أنه ينبغي للإنسان أن يكثر من السجود، وقد سبق لنا أن كثرة السجود تستلزم كثرة الركوع وكثرة القيام والقعود، لأن كل ركعة فيها سجودان وفيها ركوع واحد، ولا يمكن أن تسجد في الركعة الواحدة ثلاث سجدات أو أربعاً، إذن كثرة السجود تستلزم كثرة الركوع والقيام، والقعود .
ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم ماذا يحصل للإنسان من الأجر فيما إذا سجد وهو أنه يحصل له فائدتان عظيمتان: الفائدة الأولى: أن الله يرفعه بها درجة، يعني منزلة عنده وفي قلوب الناس، وكذلك في عملك الصالح يرفعك الله به درجة .
والثانية: يحط عنك بها خطيئة، والإنسان يحصل له الكمال بزوال ما يكره وحصول ما يحب، فرفع الدرجات مما يحبه الإنسان، والخطايا مما يكره الإنسان، فإذا رفع له درجة وحط عنه بها خطيئة، فقد حصل على مطلوبه ونجا من مرهوبه .
أما حديث عبد الله بن بسر، قال إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خير الناس من طال عمره وحسن عمله وهذا خير الناس لأن الإنسان كلما طال عمره في طاعة الله زاد قرباً إلى الله، وزاد رفعة في الآخرة، لأن كل عمل يعمله فيما زاد فيه عمره فهو يقربه إلى ربه عز وجل، فخير الناس من وفق لهذين الأمرين .
أما طول العمر فإنه من الله وليس للإنسان فيه تصرف، لأن الأعمار بيد الله عز وجل، وأما حسن العمل فإن بإمكان الإنسان أن يحسن عمله، لأن الله تعالى جعل له عقلاء وأنزل الكتب وأرسل الرسل وبين المحجة وأقام الحجة، فكل إنسان يستطيع أن يعمل عملاً صالحاً، على أن الإنسان إذا عمل عملاً صالحاً فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن بعض الأعمال الصالحة سبب لطول العمر وذلك مثل صلة الرحم .
قال النبي عليه الصلاة والسلام: من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه وصلة الرحم من أسباب طول العمر، فإذا كان خير الناس من طال عمره وحسن عمله، فإنه ينبغي للإنسان أن يسأل الله دائماً أن يجعله ممن طال عمره وحسن عمله، من أجل أن يكون من خير الناس .
وفي هذا: دليل على أن مجرد طول العمر ليس خيراً للإنسان إلا إذا حسن عمله، لأنه أحياناً يكون طول العمر شراً للإنسان وضرراً عليه، كما قال الله تبارك وتعالى: ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين، فهؤلاء الكفار يملي الله لهم - أي يمدهم بالرزق والعافية وطول العمر والبنين والزوجات - لا لخير لهم، ولكنه شر لهم والعياذ بالله، لأنهم سوف يزدادون بذلك إثماً .
ومن ثم كره بعض العلماء أن يدعى للإنسان بطول البقاء، قال لا تقل أطال الله بقاءك إلا مقيداً، قل: أطال الله بقاءك على طاعته، لأن طول البقاء قد يكون شراً للإنسان .
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن طال عمره، وحسن عمله، وحسنت خاتمته وعاقبته، إنه جواد كريم .