106 - الثاني عشر: عن أبي فراس ربيعة بن كعب الأسلمي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أهل الصفة رضي الله عنه قال: كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فآتيه بوضوئه، وحاجته فقال: سلني فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة .
فقال: أو غير ذلك ؟ قلت: هو ذاك .
قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود رواه مسلم .
الشَّرْحُ
قال المؤلف - رحمه الله تعالى - فيما نقل عن ربيعة بن مالك الأسلمي رضي الله عنه، وكان خادماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم والذين يخدمون النبي صلى الله عليه وسلم من الأحرار عدد، منهم: ربيعة بن مالك، ومنهم: ابن مسعود، ولهم الشرف بخدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من أهل الصفة، وأهل الصفة رجال مهاجرون هاجروا إلى المدينة وليس لهم مأوى، فوطنهم النبي عليه الصلاة والسلام في صفة في المسجد النبوي، وكانوا أحياناً يبلغون الثمانين، وأحياناً دون ذلك، وكان الصحابة رضي الله عنهما يأتونهم بالطعام واللبن وغيره مما يتصدقون به عليهم .
فكان ربيعة بن مالك رضي الله عنه يخدم النبي صلى الله عليه وسلم وكان يأتيه بوضوئه وحاجته، الوضوء بالفتح: الماء الذي يتوضأ به، والوضوء بالضم: فعل الوضوء، وأما الحاجة فلم يبينها، ولكن المراد كل ما يحتاجه النبي عليه الصلاة والسلام يأتي به إليه .
فقال له ذات يوم: سل، من أجل أن يكافئه النبي عليه الصلاة والسلام على خدمته إياه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أكرم الخلق، وكان يقول: من صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فأراد أن يكافئه، فقال له: سل، يعني اسأل ما بدا لك، وقد يتوقع الإنسان أن هذا الرجل سيسأل مالاً، ولكن همته كانت عالية، قال: أسألك مرافقتك في الجنة كما كنت، يعني كأنه يقول كما كنت مرافقاً لك في الدنيا أسألك مرافقتك في الجنة، فقال: أو غير ذلك ؟ يعني أو تسأل غير ذلك مما يمكن أن أقوم به، قال: هو ذاك، يعني لا أسأل إلا ذاك قال النبي صلى الله عليه وسلم: فأعني على نفسك بكثرة السجود .
وهذا هو الشاهد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: أعني على نفسك بكثرة السجود، وكثرة السجود تستلزم كثرة الركوع، وكثرة الركوع تستلزم كثرة القيام، لأن كل صلاة في كل ركعة منها ركوع وسجودان .
فإذا كثر السجود كثر الركوع وكثر القيام، وذكر السجود دون غيره لأن السجود أفضل هيئة للمصلي، فإن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، وإن كان المصلي قريباً من الله قائماً كان أو راكعاً أو ساجداً أو قاعداً، لكن أقرب ما يكون من ربه وهو ساجد .
وفي هذا: دليل على فضل السجود، واختلف أهل العلم هل الأفضل إطالة القيام أم إطالة الركوع والسجود ؟ فمنهم من قال: الأفضل إطالة القيام، ومنهم من قال: الأفضل إطالة الركوع والسجود، والصحيح: أن الأفضل أن تكون الصلاة متناسبة، وإلا فإن القيام بلا شك أطول من الركوع والسجود في حد ذاته، لكن ينبغي إذا أطال القيام أن يطيل الركوع والسجود، وإذا قصر القيام أن يقصر الركوع والسجود .
وفي هذا: دليل على أن الصلاة مهما أكثر منها فهو خير إلا أنه يستثنى من ذلك أوقات النهي، وأوقات النهي هي من طلوع الفجر إلى ارتفاع الشمس مقدار رمح، وعند قيامها في منتصف النهار حتى تزول، ومن صلاة العصر إلى الغروب، فإن هذه الأوقات الثلاثة لا يجوز للإنسان أن يصلي فيها صلاة تطوع، إلا إذا كان لها سبب، كتحية المسجد، وسنة الوضوء، وما أشبه ذلك .
وفي الحديث: دليل على جواز استخدام الرجل الحر، وأن ذلك لا يعد من المسألة المذمومة، فلو أنك قلت لشخص من الناس ممن يقومون بخدمتك: أعطني كذا .
أعطني كذا، فلا بأس، وكذلك لو قلت لصاحب المنزل أعطني ماءً، صب لي فنجان قهوة فلا بأس، لأن هذا لا يعد من السؤال المذموم، بل هذا من تمام الضيافة، وقد جرت العادة بمثله .
وفيه: دليل أيضاً على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يملك أن يدخل أحداً الجنة، ولهذا لم يضمن لهذا الرجل أن يعطيه مطلوبه، ولكنه قال له: فأعني على نفسك بكثرة السجود فإذا قام بكثرة السجود التي أوصاه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه حرى بأن يكون مرافقاً للرسول صلى الله عليه وسلم في الجنة .