(1/98)
29- وسئل الشيخ: بماذا تنصح من يريد طلب العلم الشرعي ولكنه بعيد عن العلماء مع العلم بأن لديه مجموعة كتب منها الأصول والمختصرات؟
فأجاب بقوله: أنصحه بأن يثابر على طلب العلم ويستعين بالله - عز وجل - ثم بأهل العلم؛ لأن تلقي الإنسان العلم على يدي العالم يختصر له الزمن بدلا من أن يذهب ليراجع عدة كتب وتختلف عليه الآراء، ولست أقول كمن يقول: إنه لا يمكن إدراك العلم إلا على عالم أو على شيخ فهذا ليس بصحيح؛ لأن الواقع يكذبه لكن دراستك على الشيخ تُنَوِّر لك الطريق وتختصره.
30- سئل الشيخ: أنا طالب علم وأهلي عندهم ظروف مادية، فقال لي والدي: اعمل علينا أفضل لك من طلب العلم فهل أترك دراستي للعلم؟ وهل العمل على الأهل أفضل أم لا ؟
فأجاب فضيلته: بقوله: لا شك أن طلب العلم أفضل، اللهم إلا في حالة الضرورة إلا أنه يمكنه أن يجمع بينهما ولا سيما أن الحالة الاقتصادية - والحمد لله - أن أكثر الناس قد أوسع الله عليهم فيمكن أن تقوم بحاجة أهلك فتتزوج امرأة يكون عندها بعض المؤنة وتكون مستمرًا في طلب العلم.
31- وسئل فضيلة الشيخ: أنا طالب في الجامعة وكل دراستي نظريات غربية تنافي الشرع ، فيما رأيكم إذا علمت أنني أنوي نقد مثل هذه النظريات ونفع الأمة الإسلامية في دراستي الحالية وبعد تخرجي؟
فأجاب بقوله: أقول هذا لا شك أنه من الجهاد في سبيل الله، أن يدرس الإنسان هذه النظريات المخالفة للإسلام حتى يرد عليها عن علم. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ وقد أرسله إلى اليمن: "إنك ستأتي قومًا من أهل الكتاب" 1 فأخبره بحالهم كي يستعد لهم، وكذلك العلماء الذين درسوا هذه الأمور كشيخ الإسلام ابن تيمية درس من العلوم والنظريات الفلسفية وغيرها ما يستطيع أن يرد به على أصحابها. فإذا
ـــــــ
1 متفق عليه: رواه البخاري 1395, 1458, 4347. ومسلم 19.
(1/99)
كنت تتعلم هذه الأمور للرد، وأنت واثق أن لديك المقدرة والحصانة على الرد بحيث لا تتأثر بها، بأن يكون لديك علم شرعي راسخ، ويكون لديك عبادة وتقوى فأرجو إن شاء الله تعالى أن يكون هذا خيرًا لك ونفعًا للمسلمين، وأما إذا كنت ترد عليها بشيء غير مقبول أو ليس لديك دليل، فلا تنتهج هذا الطريق وكذلك إذا كنت تعرف نفسك أنك لست على يقين كامل وثبات راسخ فأنا أشير عليك أن تدع هذه الأمور ؛ لأنها خطيرة، ولا ينبغي للإنسان أن يتعرض للبلاء مع الخوف منه.
32- وسئل فضيلته: أنا طالب أحب أن آخذ درجات عالية ومعدلا ممتازًا وأنا مع ذلك نيتي طيبة فما رأيك في الفرح بالدرجات العالية والغضب من الدرجات الضعيفة، هل في هذا خدش للإخلاص ؟
فأجاب بقوله: الظاهر إن شاء الله أنه ليس في هذا خدش للإخلاص؛لأن هذا أمر طبيعي أن الإنسان يُسر بالحسنة ويُساء بالسيئة ، والله تعالى بين أن الأشياء التي لا تلائم المرء سماها سيئة فلا بد أن تسؤه وكذلك الحسنة لا بد أن تسره.
فهذا لا يؤثر على إخلاصك إذا كان الأمر كما قلت عندك نية طيبة، أما إذا كان همك هو الدرجات أو الشهادة فهذا شيء آخر، فها هو عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لما ألقى النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه مسألة قال: "أن في الشجر شجرة تشبه المؤمن" فجعل الصحابة رضي الله عنهم يخوضون في أشجار البوادي قال ابن عمر: فوقع في قلبي أنها النخلة ولكني كنت صغيرًا فما أحببت أن أتكلم1.
وعمر رضي الله عنه - قال لابنه: وددت أنك قلتها ، وهذا يدل على أن فرح الإنسان بنجاح وما أشبه ذلك لا يضر.
33- وسئل الشيخ - غفر الله له -: ما رأي فضيلتكم في تعلم طالب العلم اللغة الإنجليزية لا سيما في سبيل استخدامها في الدعوة إلى الله ؟
ـــــــ
1 متفق عليه رواه البخاري 61,62, 131. ومسلم 2811.
(1/100)
فأجاب بقوله: رأينا في تعلم اللغة الإنجليزية أنها وسيلة لا شك، وتكون وسيلة طيبة إذا كانت الأهداف طيبة، وتكون رديئة إذا كانت الأهداف رديئة، لكن الشيء الذي يجب اجتنابه أن تتخذ بديلا عن اللغة العربية، فإن هذا لا يجوز، وقد سمعنا بعض السفهاء يتكلم بها بدلا من اللغة العربية، حتى إن بعض السفهاء المغرمين الذين أعتبرهم أذنابًا لغيرهم كانوا يعلمون أولادهم تحية غير المسلمين يعلمونهم أن يقولوا باي باي عند الوداع وما أشبه ذلك.
لأن إبدال اللغة العربية التي هي لغة القرآن وأشرف اللغات بهذه اللغة محرم وقد صح عن السلف النهي عن رطانة الأعاجم وهم من سوى العرب. أما استعمالها وسيلة للدعوة فإنه لا شك أن يكون واجبًا أحيانًا، وأنا لم أتعلمها وأتمنى أنني كنت تعلمتها ووجدت في بعض الأحيان أني أضطر إليها حتى المترجم لا يمكن أن يعبر عما في قلبي تماما.
وأذكر لكم قصة حديث في مسجد المطار بجدة مع رجال التوعية الإسلامية نتحدث بعد صلاة الفجر عن مذهب التيجاني وأنه مذهب باطل وكفر بالإسلام وجعلت أتكلم بما أعلم عنه فجاءني رجل فقال: أريد أن تأذن لي أن أترجم بلغة الهوسا. فقلت: لا مانع فترجم فدخل رجل مسرع فقال: هذا الرجل الذي يترجم عنك يمدح التيجانية فدهشت وقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، فلو كنت أعلم مثل هذه اللغة ما كنت أحتاج إلى مثل هؤلاء الذين يخدعون، فالحاصل أن معرفة لغة من تخاطب لا شك أنا مهمة في إيصال المعلومات قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: 4].
34- وسئل حفظه الله تعالى: أنا متخصص في علم الكيمياء وأتابع البحوث والدراسات التي تصدر في هذا المجال لكي أستفيد وأفيد من ذلك في أي مجال أعمل به سواء مدرسة أو مصنعًا مع العلم بأن ذلك يشغلني عن طلب العلم الشرعي فكيف أوفق بينهما؟
فأجاب بقوله: أرى أن التوفيق بين العلمين يمكن بحيث تركز على العلم الشرعي ويكون هو الأصل لديك، ويكون طلب العلم الآخر على سبيل
(1/101)
الفضول ، ثم مع ذلك تمارس هذا العلم الثاني من أجل مصلحة تعود عليك وعلى أمتك بالخير مثل أن تستدل بدراسة هذا العلم على كمال حكمة الله - عز وجل - وربط الأسباب بمسبباتها وما إلى ذلك مما يعرفه غيرنا ولا نعرفه في هذه العلوم، فأنا أقول: استمر في طلب العلم الشرعي واطلب الآخر لكن اجعل الأهم والمركز عليه هو العلم الشرعي.
35- سئل فضيلة الشيخ: أي كتب تفسير القرآن تنصح بقراءتها؟ وحفظ القرآن، إذا حفظ الإنسان ونسي فهل هناك وعيد فيه؟ وكيف يحفظ الإنسان ويحافظ على ما حفظ؟
فأجاب بقوله: القرآن وعلومه متنوعة، وكل مفسر يفُسر القرآن يتناول طرفًا من هذه العلوم ولا يمكن أن يكون تفسيرًا واحدًا يتناول القرآن من جميع الجوانب. فمن العلماء من ركز في تفسيره على التفسير الأثري - أي على ما يؤثر عن الصحابة والتابعين - كابن جرير وابن كثير. ومنهم من ركَّز على التفسير النظري كالزمخشري وغيره ولكن أنا أرى أن يفسر الآية هو بنفسه أولا - أي يكرر في نفسه أن هذا هو معنى الآية - ثم بعد ذلك يراجع ما كتبه العلماء فيها؛ لأن هذا يفيده أن يكون قويًّا في التفسير غير عالة على غيره، وكلام الله -عز وجل - منذ بُعث الرسول صلى الله عليه وسلم إلى اليوم {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}.
وإن كان يجب الرجوع إلى تفسير الصحابة؛ لأنهم أدرى الناس بمعانيه، ثم إلى كتب المفسرين التابعين، لكن مع ذلك لا أحد يستوعب كلام الله عز وجل. فالذي أرى أن الطريقة المثلى أن يكرر الإنسان تفسير الآية في نفسه، ثم بعد ذلك يراجع كلام المفسرين فإذا وجده مطابقًا فهذا مما يُمكنه من تفسير القرآن وييسره له وإن وجده مخالفًا رجع إلى الصواب.
وأما حفظ القرآن فطريقة حفظه تختلف من شخص لآخر، بعض الناس يحفظ القرآن آية آية بمعنى أنه يحفظ آية يقرأها أولا ثم يرددها ثانيًا وثالثًا حتى يحفظها ثم يحفظ التي بعدها ثم يكمل ثمن أو ربع الجزء أو ما أشبه ذلك، وبعض الناس يقرأ إلى الثمن جميعًا ويردده حتى يحفظه ومثل هذا لا يمكن أن نحكم
(1/102)
عليه بقاعدة عامة فنقول للإنسان: استعمل ما تراه مناسبًا لك في حفظ القرآن.
لكن المهم أن يكون عندك علم لما حفظت متى أردت الرجوع إليه، وأحسن ما رأيت في العلم أن الإنسان إذا حفظ شيئًا اليوم يقرأه مبكرًا الصباح التالي ، فإن هذا يعين كثيرًا على حفظ ما حفظه في اليوم الأول ، هذا شيء فعلته أنا فإن هذا يعين على الحفظ الجيد.
أما الوعيد على من ينسى ، قال الإمام أحمد: ما أشد ما ورد فيه أي من حفظ آية ونسيها ، والمراد بذلك من أعرض عنها حتى تركها، وأما من نسيها لسبب طبيعي أو لأسباب كانت واجبة أشغلته فإن هذا لا يلحق به إثم {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286].
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى بأصحابه فنسي آية فذكره أحد الصحابة بها بعد الصلاة فقال: "هلا كنت ذكرتني بها" 1.
فالإنسان الذي ينساه تهاونًا به وإعراضًا عنه لا شك أنه خاسر وأنه مستحق الإثم، وأما الذي ينساه لشيء واجب عليه أوجبه الله - سبحانه وتعالى عليه أو نسيانًا طبيعيًّا فهذا لا يلحقه شيء.
36- سئل فضيلة الشيخ رعاه الله تعالى: عن كتاب فقه السنة ؟
فأجاب بقوله: لا شك أنه من خير الكتب ؛ لأن فيه مسائل كثيرة مقرونة بالأدلة، لكنه لا يسلم من الأخطاء، وكما قال ابن رجب رحمه الله في مقدمة القواعد الفقهية، قال يأبي الله العصمة لكتاب غير كتابه ولكن المنصف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه الكتاب لا شك أنه نافع لكن لا أرى أن يقتنيه إلا طالب علم يميز بين الصحيح والضعيف ؛ لأن به مسائل ضعيفة كثيرة. ومن ذلك القول باستحباب صلاة التسبيح2.
ـــــــ
1 سبق تخريجه.
2 فيها خلاف بين العلماء بين من يقول إنها بدعة ومن يقول أنها جائزة وصحح حديثا الشيخ الألباني وإن كنت أرى أنها مستحبة.
(1/103)
فإن صلاة التسبيح هذه قال عنها شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - إن حديثها كذب، وقال: إنها لا يستحبها أحد من الأئمة، ولما سئل عنها الإمام أحمد نفض يده كالمُنكِر لها.
وبالتالي فغير طالب العلم يجب أن يراجع بلده فيما يراه مخالفا عما كان فيه ولا يعتمد عليه.
37- وسئل حفظه الله تعالى: في هذا الزمن يجرى تسمية بعض العلوم التجريبية بالعلم حتى إن المدارس الثانوية سمت بعلمي وأدبي، فهل هذا صحيح؟ إضافة لذلك إن هذا التقسيم في المدارس يعلق بأذان الطلاب مما يؤثر عليهم مستقبلا؟
فأجاب بقوله: هذا التقسيم إلى علمي وأدبي هو اصطلاح ولا مشاحّة في الاصطلاح؛ لأنهم يرون أن المواد العلمية هي ما يتعلق بعلم الكون والأحياء والنباتات وما أشبه ذلك ، ولكن الذي يجب أن نفهمه أن هذا ليس هو العلم الذي حثّ عليه وأثني على طالبيه، فإن العلم الذي أثنى الله على أصحابه، والذي أصحابه هم أهل خشية الله، إنما هو علم الشريعة فقط، وأما العلوم الأخرى فإنها إن كانت نافعة فإنها تكون مطلوبة لا لذاتها ولكن لما يُرجى فيها من نفع ، وأما إذا كانت ضارة وجب اجتنابها، وأما إذا كانت غير نافعة ولا ضارة فإن الإنسان لا ينبغي أن يضيع وقته فيها.
38- وسئل أعلى الله درجته في المهديين: هل يعذر الشخص بعدم طلبه للعلم بسبب انشغاله بدراسته التي ليس بها طلب للعلم الشرعي أو بسبب عمله أو غير ذلك؟
فأجاب فضيلته: بقوله: طلب العلم الشرعي فرض كفاية إذا قام به من يكفي صار في حق الآخرين سنة، وقد يكون واجبًا على الإنسان عينًا أي فرض عين كما لو أراد الإنسان أن يتعبد الله بعبادة فإنه يجب عليه أن يعرف كيف يتعبد لله بهذه العبادة.
وعلى هذا ، فهذا الذي يشغله عن طلب العلم الشرعي حاجة أهله أو غير ذلك
(1/104)
من الصوارف مع محافظة على ما يجب الحفاظ عليه من العبادة نقول: إن هذا معذور ولا حرج عليه ولكن ينبغي أن يتعلم من العلم الشرعي بقدر ما يستطيع.
39- سئل فضيلة الشيخ: ما المقصود بالعلماء في قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} ؟
فأجاب بقوله: المقصود بهم العلماء الذين يوصلهم علمهم إلى خشية الله، وليس المراد بالعلماء من علموا شيئًا من أسرار الكون كأن يعلموا شيئًا من أسرار الفلك وما أشبه ذلك أو ما يسمى بالإعجاز العلمي، فالإعجاز العلمي في الحقيقة لا ننكره، لا ننكر أن في القران أشياء ظهر بيانها في الأزمنة المتأخرة لكن غالى بعض الناس في الإعجاز العلمي حتى رأينا من جعل القرآن كأنه كتاب رياضة وهذا خطأ، فنقول: إن المغالاة في إثبات الإعجاز العلمي لا ينبغي لأن هذه قد تكون مبنية على نظريات والنظريات تختلف، فإذا جعلنا القرآن دالا على هذه النظرية ثم تبين بعد أن هذه النظرية خطأ ، معنى ذلك أن دلالة القرآن صارت خاطئة، وهذه مسألة خطيرة جدًّا.
والآن يا إخواني: اعتنى في الكتاب والسنة ببيان ما ينفع الناس من العبادات والمعاملات ولهذا بيَّن دقيقها وجليلها حتى آداب الأكل والجلوس والدخول وغيرها.
لكن علم الكون هل جاء على سبيل التفصيل؟ ولذلك فأنا أخشى من انهماك الناس في الإعجاز العلمي أن يشتغلوا به عما هو أهم، إن الشيء الأهم هو تحقيق العبادة ؛ لأن القرآن نزل بهذا، قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات : 56].
أما علماء الكون الذين وصلوا إلى ما وصلوا إليه فننظر إن اهتدوا بما وصلوا إليه من العلم واتقوا الله عز وجل وأخذوا بالإسلام صاروا من علماء المسلمين الذين يخشون الله، وإن بقوا على كفرهم وقالوا: إن هذا الكون له محدث ، فإن هذا لا يعدو أن يكونوا قد خرجوا من كلامهم الأول إلى كلام لا يستفيدون منه، فكل يعلم أن لهذا
(1/105)
الكون محدثًا؛ لأن هذا الكون إما أن يحدث نفسه، وإما أن يحدث صدفة، وإما أن يحدثه خالق وهو الله عز وجل فكونه يحدث نفسه مستحيل ؛ لأن الشيء لا يخلق نفسه؛ لأنه قبل وجوده معدوم فكيف يكون خالقًا ؟!
ولا يمكن أن تُوجد صدفة؛ لأن كل حادث لا بد له من محدث، ولأن وجوده على هذا النظام البديع، والتناسق المتآلف، والارتباط الملتحم بين الأسباب ومسبباتها، وبين الكائنات بعضها مع بعض يمنع منعًا باتًّا أن يكون وجوده صدفة؛ إذ الموجود صدفة ليس على نظام في أصل وجوده فكيف يكون منتظمًا حال بقائه وتطوره؟ !
وإذا لم يمكن أن توجد هذه المخلوقات نفسها بنفسها ، ولا أن تُوجد صدفة تعين أن يكون لها مُوجد وهو الله رب العالمين.
40- سئل الشيخ غفر الله له -: هل تعليم الطالب الرياضيات إذا كان الشخص ينوي بها وجه الله له أجر أم لا ؟
فأجاب فضيلته: بقوله: إذا كانت هذه الرياضيات مما تنفع المسلمين في معاشهم ونوى الشخص بذلك نفع الناس بها فإنه يؤجر على نيته، ولكنها ليست كالعلوم الشرعية ؛ فإنها إذا كانت من المباحات تكون وسيلة؛ لأن القاعدة الشرعية أن المباح قسم واسع فقد يكون حرامًا وقد يكون مكروهًا وقد يكون مستحبًا وقد يكون واجبًا.
ونقول مثلا: إن الأصل في البيع الحلال، ولكن قد يكون مكروهًا، فإذا أراد شخص أن يشتري منك شيئًا ينقذ به حياته مثل الطعام والشراب فما حكم البيع؟ الحكم واجب، وشخص آخر أراد أن يشتري منك عنبًا ليجعله خمرًا فهذا البيع حرام، وشخص آخر أراد أن يشتري ماء ليتوضأ به وليس عنده ماء فالشراء واجب ؛ فعلى هذا نقول: إن المباح إذا كان وسيلة لأمر مشروع كان مشروعًا وإذا كان ذريعة
(1/106)
لأمر محرّم كان حرامًا.
41- وسئل فضيلة الشيخ: بعض الشباب يريدون أن يتعلموا الطب وبعض العلوم الأخرى ولكن هناك عوائق مثل الاختلاط والسفر إلى بلاد الخارج فما الحل؟ وما نصيحتكم لهؤلاء الشباب؟
فأجاب فضيلته: بقوله: نصيحتي لهؤلاء أن يتعلموا الطب ؛ لأننا في بلادنا في حاجة شديدة إليه، وأما مسألة الاختلاط فإنه هنا في بلادنا والحمد لله يمكن أن يتقي الإنسان ذلك بقدر الاستطاعة.
وأما السفر إلى بلاد الكفار فلا أرى جواز السفر إلا بشروط :
الأول: أن يكون عند الإنسان علم يدفع به الشبهات ؛ لأن هناك في بلاد الكفار يُوردون على أبناء المسلمين الشبهات حتى يردوهم عن دينهم.
الثاني: أن يكون عند الإنسان دين يدفع به الشهوات، فلا يذهب إلى هناك وهو ضعيف الدين فتغلبه الشهوات فتدفع به إلى الهلاك.
الثالث: أن يكون محتاجًا إلى السفر بحيث لا يوجد هذا التخصص في بلاد الإسلام.
فهذه الشروط الثلاثة إذا تحققت فليذهب، فإن تخلف واحد منها فلا يسافر؛ لأن المحافظة على الدين أهم من المحافظة على غيره .
42- سئل فضيلته الشيخ حفظه الله تعالى: من الملاحظ انصرف كثير من طلاب العلم عن إتقان قواعد اللغة العربية مع أهميتها فما تعليقكم ؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم، فهم اللغة العربية مهم سواء في قواعد الإعراب أو قواعد البلاغة، كلها مهمة ولكن بناء على أننا -والحمد الله - عرب فإنه يمكننا أن نتعلم دون أن نعرف قواعد اللغة العربية، لكن من الكمال أن يتعلم الإنسان قواعد اللغة العربية، فأنا أحث على تعلُّم اللغة العربية في جميع قواعدها.
43- سئل فضيلة الشيخ: أيهما أفضل: التفرغ للدعوة إلى الله عز وجل أم التفرغ لطلب العلم؟
(1/107)
فأجاب قائلا: طلب العلم أفضل وأولى، وبإمكان طالب العلم أن يدعو وهو يطلب العلم، ولا يمكن أن يقوم بالدعوة إلى الله وهو على غير علم، قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} [يوسف: 108].
http://madrasato-mohammed.com/outaymin/pg_055_0009.htm