طلاقة القدرة في الكون - الأسباب وحدها .. لا
إذن فإطلاق الأسباب وحدها في الكون .. يؤدي إلى عبادة الفرد .. وإلى ظلم عظيم .. ويجعل الناس يعبدون الأسباب .. وينسون المسبب ويخضعون لمن في يده الملك والسلطان .. والجاه والمال .. ويتركون حكم الله .. لماذا ؟ لأن الأسباب هنا هي التي تعطي .. وهي التي تهب .. وما يهب ظاهرا يعبده الناس .. لأنه ظاهرا يعطي ويمنع .. ومن هنا كان لا بد من طلاقة القدرة لتصحيح المسيرة .. وتفيق الناس .. وتجعلهم يعلمون أن الله هو الذي أعطى الأسباب .. وأنه يستطيع كما أعطاها أن يأخذها .. وأن العبادة لله وحده .. وأن من ترك المسبب وعبد الأسباب ... فإنه قد ضل .. ونسي الله ولذلك فنحن نتعجب من إنسان يملك أمور الدنيا كلها من قوة وجاه ومال وسلطان .. ثم يأتي إنسان ضعيف لا حول ولا قوة فيقصيه عن ملكه ويبعده عن ماله . . ويصبح ذليلا طريدا .. تضيق عليه الأرض بما رحبت .. بعد أن كان يملك من أسباب القوة والملك ما يجعل الدنيا كلها تخضع له وتقترب إليه ونحن نرى كل يوم طلاقة القدرة في العالم كله من ملك يذهب .. وملك يجئ .. ومن صاحب سلطان أو مال .. يصبح فقيرا معدما أو مطرودا في ساعات .. ومن ذلك الذي كان يجلس على كرسي الوزارة .. ثم بعد ذلك بساعة نجده في السجن والقيود في يديه .. كل ذلك يحدث أمامنا ليذكرنا بطلاقة القدرة وقوة المشيئة .. ويؤكد لنا أن الأسباب التي أعطيت لأي بشر .. لتمكن له ملكا .. أو جاها .. أو سلطانا .. إنما هي أسباب معطاة من الله سبحانه وتعالى .. وليست باجتهاد هذا الشخص أو نابعة من ذاته .. أي تنبع من الإنسان نفسه لبقيت له .. ولم يستطع أحد أن يأخذها منه .. ولكن كونها تزول عنه وفي لحظات دليل على أن الله سبحانه وتعالى هو الذي وهبه هذه الأسباب وهو الذي أخذها منه ولا تقتصر طلاقة القدرة على قمة الأمور في الدنيا .. بل هي في أكبر الأشياء وفي أبسط الأشياء .. ولا تقتصر على فرد دون آخر .. بل يراها الجميع .. وكل منا صاح في يوم من الأيام – ربنا كبير - .. أو – ربنا موجود - .. أو – ربك يمهل ولا يهمل - وهو يرى طلاقة القدرة تتدخل لتنصر مظلوما ضعيفا على ظالم قوي .. أو تقتص من إنسان ارتكب جريمة وحسب أنه نجا من العقاب .. أو لتعيد حقا ضاع من صاحبه وحسب الناس أنه ضاع إلى الأبد .. أو لتزيل ظلما .. أو لتقعد جبارا كان يؤذي الناس لتجعله عاجزا عن رد الأذى عن نفسه .. تلك كلها طلاقة القدرة وكلمة – يا رب – التي تخرج من قلب مظلوم لا حول له ولا قوة يتبعها تدخل السماء لتزيل ظلما وتعيد حقا .. وتصحح الموازين في الأرض وإذا كانت طلاقة القدرة باقية في الكون .. فأساس بقائها أنها تذكرنا بالله سبحانه وتعالى .. فإذا وعدك ظالم بأخذ أسباب المال مقابل أن تفعل له ما يغضب الله فإن طلاقة القدرة تذكرك بأن الله يرزق من يشاء بغير حساب .. وإنك إذا عصيت هذا الظالم وأطعت الله .. فإن الله يعطيك من الرزق ما لا يخضع للأسباب . . ويفتح لك أبوابا ما كنت تدري عنها شيئا .. ومن حيث لا تعلم يأتيك الرزق الذي تريده .. وإذا طلب منك صاحب جاه أو سلطان أن تفعل ما يغضب الله فإن طلاقة القدرة تذكرك بأنك إذا أطعت الله أعطاك المنصب أو خيرا منه وأنه إذا كان هذا الإنسان يملك طلاقة القدرة التي تعطيك بلا حساب .. وبهذا تعرف جيدا أن من يغريك : هذا بماله .. وهذا بسلطانه .. هما سببان زائلان .. وأن طلاقة القدرة لا يهمها هذه الأسباب .. ولا تتقيد بها
طلاقة القدرة في الكون - يرزق من يشاء
الله سبحانه وتعالى خلق ما في الأرض جميعا .. وخلق لها الأسباب التي تتفاعل بها .. والقوانين التي تحكمها .. والله سبحانه وتعالى حين قال ( كــــــن ) .. تم الخلق في نفس اللحظة ولكن الأسباب تفاعلت في السماوات والأرض في ستة أيام .. وهي ستة أيام كأيام البشر لأن القرآن يخاطب الإنسان .. ومن هنا فإن كل ما يتحدث عنه موجه إلى القدر البشري .. والعقل البشري .. سواء كان ذلك حاضرا أم مستقبلا مما يخفى على عقولنا الآن ولكن هذه القوانين والأسباب لا يمكن أن تكون قيدا على طلاقة القدرة .. ذلك لأن الله سبحانه وتعالى لو قضى بالأسباب وحدها في الأرض .. لعبد الناس الأسباب .. ونسوا المسبب أو الخالق .. لذلك بقيت طلاقة القدرة لتلفت الناس إلى أن الذي خلق الأسباب لا تقيده هذه الأسباب في قدرته .. وإنه يفعل ما يشاء .. عندما يشاء .. وقتما يشاء .. لذلك نجد إنسانا آخر يعمل قليلا ومع ذلك فرزقه وفير وإنسانا ضعيفا ينتصر بقدرة الله على إنسان قوي ظلمه .. تلك ليست القاعدة .. فالقاعدة هي الأسباب .. ولكن طلاقة القدرة .. تأتي .. وتأتي بشكل ظاهر لتلفت الناس إلى قوة الله وقدرته إن هذا الحديث لا يعجب أناسا كثيرين من أولئك الذين تعلقوا بالحياة المادية .. ذلك لأنهم ينسبون إلى الإسلام أنه دين يحض على التخلف بسبب الإيمان بطلاقة القدرة .. ويقولون إن قول الله تعالى : ( يرزق من يشاء بغير حساب ) .. هو مدعاة لئلا يسعى الإنسان في الرزق .. فما دام الله يرزق .. مع ما يورثه للنفس من مشقة ومما تكره .. وقبل أن نجيب على هذا السؤال .. نطرح قضية هامة معاصرة .. تفيق هؤلاء الناس إلى صدق قول الله وتجعلهم يعرفون يقينا صدق الآية الكريمة : ( يرزق من يشاء بغير حساب ) .. هؤلاء الذين يطعنون الدين في هذه الآية .. يعبدون الأسباب ويتخذونها إلها .. فكل رزق مساو للعمل الذي يتم من أجله .. فأنت إذا علمت ليل نهار .. زاد رزقك .. وإذا عملت بضع ساعات مثلا قل رزقك .. وهكذا .. تلك هي القاعدة التي يتبعونها في أن كل رزق يجب أن يكون مساويا للعمل الذي يتم من أجله نقول لهم .. إن هذا قد يكون صحيحا كقاعدة عامة .. ولكنه لا ينفي قول الله تعالى : ( يرزق من يشاء بغير حساب ) .. ولنلاحظ في الآية الكريمة قول الله : ( من يشاء ) .. ولم يقل سبحانه وتعالى أرزق كل الناس بغير حساب .. بل لكل رزق معلوم على قدر ما أتاحه الله من علم وجهد له .. ولكن هناك المشيئة .. أو طلاقة القدرة .. تعطي بغير حساب .. أو بغير أسباب وإذا نظرنا إلى دول البترول .. تلك التي تملك القوة الحقيقة في المال أو في الرزق في العالم أجمع .. إذا نظرنا إليهم .. نجد أنهم أكثر الناس رزقا أو مالا .. بل هم قد فاقوا في الزرق تلك الأمم التي فاقتهم في العمل والعلم .. وأصبحت تتجه إليهم ليدعموها في الرزق .. فأمريكا وأوروبا الغربية من أكثر الدول عملا وعلما .. ولكنها في اقتصادها .. تحاول أن تجذب أموال دول البترول لتستثمر في بنوكها .. بل إن دول البترول تستطيع أن تفلس أكبر دول العالم كأمريكا وألمانيا الغربية واليابان .. إذا هي سحبت دعمها الاقتصادي لها .. وأوقفت مشترياتها منها إذن من الذي يملك القوة الاقتصادية الحقيقة في العالم .. إنها دول البترول .. فهي التي تملك المال أو الرزق حقيقة .. وهي التي تستطيع أن تتحكم ليس في رزقها فقط .. ولكن في اقتصاد العالم كله .. وذلك بشهادة كل الماديين وغير المؤمنين في العالم يرزق من يشاء .. بقي بعد ذلك الشق الثاني من السؤال .. وهو إذا كانت دول البترول قد وصلت إلى هذا المركز الذي يتحكم في اقتصاد العالم أجمع .. فلا بد أنها قدمت حسب النظرية المادية من العالم والعمل ما يفوق ما قدمته دول العالم أجمع .. ولكن هذا غير صحيح .. فهذه الدول تقدم علما وعملا .. بل إن اكتشافات البترول قامت بها شركات غربية من الدول التي تخضع الآن اقتصاديا لدول البترول .. أي أنه حتى العمل القليل الذي تم .. تم بواسطة خبراء .. جاءوا وبحثوا .. وآلات ومعدات تكنولوجية استوردت من دول أخرى .. فكيف يمكن تفسير ما هو حادث .. لو أن القاعدة على إطلاقها أن الأسباب هي التي توجد أكبر قوة اقتصادية في العالم .. وفي زمن قياسي .. لا يستطيع العمل والعلم خلاله أن يحدثا ذلك .. فلكي تتطور دولة .. أو عدة دول .. لتصبح أغنى دول العالم .. فإن ذلك يتطلب بجانب العمل والعلم فترة زمنية طويلة .. ولكن هنا .. لا الزمن .. ولا العلم .. ولا العمل تتناسب مع الرزق .. إذن من الذي أوجد هذا الرزق .. الله سبحانه وتعالى مصداقا للآية الكريمة : ( يرزق من يشاء بغير حساب ) هنا يجب أن يتوقف الحكم المادي الغربي الذي يأخذ الأسباب على إطلاقها .. والذي يطعن في الآية الكريمة : ( يرزق من يشاء بغير حساب ) .. ويدعي أنها لا تتمشى مع تطورات العصر .. وتقدم العلم ومقاييس الزمن .. نقول له قبل أن تتسرع في اتهامك .. تأمل في الكون .. تجد في كل مكان رزقا لمن يشاء الله بغير حساب .. هذا الرزق يلقي بالأسباب بعيدا .. لتأتي طلاقة القدرة وتعلن أن الله يفعل ما يشاء .. عندما يشاء .. وقتما يشاء .. وأنه إذا كانت الأسباب موجودة .. فإن طلاقة القدرة موجودة في الكون .. وأعتقد أنه لا أحد يستطيع أن يرد على هذا النقطة .. أو يدعي ظلما وبغير حق أن الآية الكريمة : ( يرزق من يشاء بغير حساب ) .. ليست حقيقة كونية . . موجودة منذ خلق الله الأرض .. وستظل إلى قيام الساعة .. ونحن نطلب من كل من يستطيع الرد على ذلك أن يتكلم نعود بعد هذا اللمحة إلى طلاقة القدرة .. لماذا أبقى الله سبحانه وتعالى طلاقة القدرة في الكون ولم يتركه يتفاعل بالأسباب وحدها ؟ الذي حدث .. أن الأسباب .. أو المعطيات المادية .. تعطينا ظاهر الحياة .. وتنظم سيرها العادي .. ولكن إبقاء هذه الأسباب وحدها فيه بعد عن الله سبحانه وتعالى .. ذلك أن الله قد مكن بعض خلقه من الأسباب في الأرض .. ليسير الكون وتمضي الحياة .. فهذا رئيس للدولة .. وهذا ميسر له أسباب النفوذ والسلطان .. وهذا ميسر له أسباب المال .. إلى آخر ما نراه في الدنيا كلها .. وجعل الله العطاء ظاهرا من الأسباب ليسير الكون .. ثم ماذا حدث .. جاء إلى الكون أناس ماديون .. يحاولون أن يضلوا عن سبيل الله بالأخذ بالأسباب وحدها .. فهذا يملك المال وهو يستطيع منحي ما أريد إذا فعلت له ما يطلب .. وهذا يملك الجاه والسلطان .. وهو يستطيع أن يعطيني منه ما أريد إذا فعلت له ما يطلب .. وهكذا ظاهر الحياة الدنيا هب أن هؤلاء الناس لا يخشون الله .. انهم طلبوا مني أن أفعل ما يغضب الله من أجل منصب .. أو جاه .. أو مال .. فماذا يكون الموقف .. لو كنت أعبد الأسباب وحدها لنفذت لهم ما يريدون .. لأصل إلى حاجتي .. أو ما أريد .. فإذا قال لي صاحب المال .. أو صاحب النفوذ والسلطان اقتل وسأعطيك كذا وكذا .. لفعلت ذلك بلا تردد .. إحساسا مني بأن عطاء الأسباب في يد هذا وحده .. وأن معصيته ستؤدي بي إلى التهلكة وتحرمني من مقومات الحياة .. وأن طاعته ستجعلني أعيش الحياة الرغدة التي أتمناها في الدنيا .. وبهذا .. وبغير ما نظر إلى ما قال الله افعل ولا تفعل .. انطلق أنا لأحقق هوى وشهوات .. ذلك الذي يملك المال أو الجاه أو السلطان .. ولو كانت تغضب الله .. وتمضي الأسباب لتؤدى إلى عبادة الفرد .. حيث يصبح الهوى الشخصي .. والغرض البشري .. هما الأساس في الحياة .. فيفسد الكون كله .. ولا تمضي الحياة وفقا لمنهج الله الذي يحمي الإنسان الضعيف من بطش القوى .. والمظلوم من قدرة الظالم .. ولكنها تكون حياة وفقا لهوى النفس .. فيصبح الذي يحكم هو شهوة الحاكم وليس دين الله هذه هي خطورة الأخذ بالأسباب وحدها .. وهي خطورة تعرض الكون كله للاختلال .. وتضيع موازين العدل .. وتكثر من البغي في الأرض والفساد .. وما من أمة عبدت الفرد إلا وانتشر فيها الظلم .. وعم فيها الإرهاب .. وضاع فيها الحق واستعبد فيها الإنسان .. تلك حقيقة تستطيع أن تدركها إذا نظرت إلى أي دولة نصب حاكمها نفسه إلها .. يعبد من دون الله في الأرض .. وهي حقيقة منذ بدء التاريخ في عهد فرعون حتى عصرنا هذا .. والله سبحانه وتعالى قد شدد العذاب على أولئك الذين يعاونون هذا الحاكم .. ويفعلون له ما تهوى نفسه ويغضبون الله سبحانه وتعالى .. فخص آل فرعون دون سائر خلقه بأنهم منذ ساعة أن توفاهم حتى يبعثهم يوم القيامة يعرضون على النار صباحا ومساء .. فقال سبحانه وتعالى : ( النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ) أي أنه لم يخصهم فقط بأشد العذاب يوم القيامة بل زادهم بالعرض على النار غدوا وعشيا إلى يوم البعث .. وتشديد العذاب هنا متناسب مع شدة المعصية .. فعبادة الفرد هي إطلاق للشهوات والظلم والإفساد
السلام
سلِم من الآفات ونحوها أي برئ ... وأسلم أي انقاد , وتطلق أيضا على من يعتنق الإسلام .. وأسلم أمره لله أي فوضه فيه , وسالم زيد أي صالحه ... وسلم بالأمر أي رضي به .. وسلم على القوم أي حياهم بتحية الإسلام . والإسلام هو الخضوع والرضا بالمسلم به . وتطلق أيضا على الدين الذي نزله الله عز وجل على نبيه محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم . والسلم أي الصلح وقد يراد بها الإسلام . والسلام اسم من أسماء الله الحسنى , وهو يعني في اللغة البراءة من العيوب والنقائص .. ويشمل في ثناياه معاني متعددة كالسكينة والأمان والاستقرار والهدوء وابن القيم رحمه الله له حول هذا الاسم من الأسماء الحسنى قول مأثور جاء فيه ما يأتي : الله جل وعلا أحق بهذا الاسم من كل مسمى به , لسلامته سبحانه من كل عيب ونقص من كل وجه ... فهو السلام الحق بكل اعتبار , والمخلوق أي المخلوق له سلام بالإضافة , فهو سبحانه سلام في ذاته من كل عيب ونقص يتخيله وهو , سلام في صفاته من كل عيب ونقص , وسلام في أفعاله من كل عيب ونقص وشر وظلم وفعل واقع على غير وجه الحكمة , بل هو السلام الحق من كل وجه وبكل اعتبار , فعلم أن استحقاقه تعالى لهذا الاسم أكمل من استحقاق كل ما يطلق عليه , وهذا هو حقيقة التنزيه الذي نزه به نفسه ونزه به رسوله .... فهو السلام من الصاحبة والولد , والسلام من النظير والكفء والسمي والمماثل , والسلام من الشريك .. ولذلك إذا نظرت إلى أفراد صفات كماله وجدت كل صفة سلاما مما يضاد كمالها , فحياته سلام من الموت ومن السنة والنوم , وكذلك قيوميته وقدرته سلام من التعب واللغوب , وعلمه سلام من عزوب شيء عنه أو عروض نسيان أو حاجة إلى تذكر وتفكر , وإرادته سلام من خروجها عن الحكمة والمصلحة , وكلماته سلام من الكذب والظلم بل تمت كلماته صدقا وعدلا , وغناه سلام من الحاجة إلى غيره بوجه ما , بل كل ما سواه محتاج إليه وهو غني عن كل ما سواه , وملكه سلام من منازع فيه أو مشارك أو معاون مظاهر أو شافع عنده بدون إذنه , والوهيته سلام من مشارك له فيها , بل هو الله الذي لا إله إلا هو , وحلمه وعفوه وصفحه ومغفرته وتجاوزه سلام من أن تكون عن حاجة منه أو ذل أو مصانعة كما يكون من غيره , بل هو محض جوده وإحسانه وكرمه . وكذلك عذابه وانتقامه وشدة بطشه وسرعة عقابه سلام من أن يكون ظلما , أو تشفيا , أو غلظة , أو قسوة , بل هو محض حكمته وعدله ووضعه الأشياء مواضعها , وهو مما يستحق عليه الحمد والثناء كما يستحق علي إحسانه , وثوابه , و نعمه , بل هو وضع الثواب موضع العقوبة لكان مناقضا لحكمته ولعزته , فوضعه العقوبة موضعها هو من عدله , وحكمته , وعزته , فهو سلام مما يتوهم أعداؤه الجاهلون به من خلاف حكمته .. وقضاؤه وقدره سلام من العبث والجور والظلم , ومن توهم وقوعه على خلاف الحكمة البالغة ... وشرعه ودينه سلام من التناقص والاختلاف والاضطراب وخلاف مصلحة العباد ورحمته والإحسان إليهم وخلاف حكمته أي شرعه ودينه مطابق لحكمته عز وجل بل شرع كله حكمة , ورحمة , ومصلحة وعدل , وكذلك عطاؤه سلام من كونه معارضة أو لحاجة إلى المعطي , ومنعه سلام من البخل وخوف الإملاق , بل عطاؤه إحسان محض لا لمعارضة ولا لحاجة , ومنعه عدل محض وحكمة لا يشوبه بخل ولا عجز .... واستواؤه وعلوه على عرشه سلام من أن يكون محتاجا إلى ما يحمله أو يستوي عليه , بل العرش محتاج إليه وحملته محتاجون إلى ما يحمله أو يستوي عليه , بل العرش محتاج إليه وحملته محتاجون إليه , فهو الغني عن العرش وعن حملته وعن كل ما سواه , فهو استواء وعلو لا يشوبه حصر ولا حاجة إلى عرش ولا غيره ولا إحاطة شيء به سبحانه وتعالى , بل كان سبحانه ولا عرش ولم يكن به حاجة إليه وهو الغني الحميد , بل استواؤه على عرش واستيلاؤه على خلقه من موجبات ملكه وقهره من غير حاجة إلى عرش ولا غيره بوجه ما ..... ونزوله كل ليلة إلى سماء الدنيا سلام مما يضاد علوه , وسلام مما يضاد غناه . وكمال سلام من كل ما يتوهم معطل أو مشبه , وسلام من أن يصير تحت شيء أو محصور في شيء , تعالى الله ربنا عن كل ما يضاد كماله .... وغناه وسمعه وبصره سلام من كل ما يتخيله مشبه أو يتقوله معطل وموالاته لأوليائه سلام من أن تكون عن ذلك كما ويوالي المخلوق المخلوق , بل هي موالاة رحمة , وخير , وإحسان , وير كما قال عز وجل : ( وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ) ..... فلم ينف أن يكون له ولي مطلقا بل نفي أن يكون له ولي من الذل .. وكذلك محبته لمحبيه وأوليائه سلام من عوارض محبة المخلوق للمخلوق من كونها محبة حاجة إليه أو تملق له أو انتفاع بقربه , وسلام مما يتقوله المعطلون فيها .. وكذلك ما أضافه إلى نفسه من اليد والوجه فإنه سلام عما يتخيله مشبه أو يتقوله معطل ... فتأمل كيف تضمن اسمه السلام كل ما نزه عنه تبارك وتعالى . وكم ممن حفظ هذا الاسم لا يدري ما تضمنه من هذه الأسرار والمعاني والله المستعان .... هذا ما جاء في حديث ابن القيم عن اسم الحق جل وعلا السلام . ولقد ذكرنا مرارا أن المتأمل لكون الله عز وجل لابد أن يلمس لكل صفة من صفات الحق تبارك وتعالى أثارا لا تحصى . والسلام اسم من أسماء الله الحسنى التي تمثل صفة من صفاته عز وجل , فإذا تأملت الكون ستجد أن السلام كامن في كل بقعة من بقاعه , فالكون يسير وفقا لنظام محكم وثابت لا يعتريه خلل ولا عطب .. الأرض التي نعيش عليها تدور بسرعة كبيرة حول نفسها .. وتدور في نفس الوقت حول الشمس بما يترتب على ذلك من تعاقب الليل و النهار وتعاقب فصول السنة .
ورغم هاتين الحركتين تجد أن الكون سلام من الأعطاب وسلام من الاضطرابات .. الشمس تحافظ على بعد ثابت من الأرض لا تتجاوزه بالنقص أو بالزيادة ... فلو اقتربت الشمس من الأرض لا حترقت كل الكائنات الحية .. ولو بعدت لتجمدت كل الكائنات من البرودة . الكواكب التي تدور في فلكها حول الشمس منها ما يمثل أضعاف أضعاف الكرة الأرضية من حيث الحجم والوزن .. فماذا لو خرجت إحدى هذه الكواكب عن مدراها فصدم الكرة الأرضية ؟ لا شك أنه سيصيب الأرض بدمار شامل .. وهب أن الأرض فقدت جاذبيتها للأجسام التي تعلوها ؟ ألن تتطاير تلك الأجسام إلى الفضاء الخارجي بلا ضابط ولا رابط وماذا لو ضعفت القشرة الأرضية أو تفككت ؟ ألن تسقط الكائنات الحية ضحايا للزلازل والبراكين ؟ إن الموجودات الكونية جميعها تؤدي عملها بلا توقف وبلا أعطال أو خلل , فالكون كله في سلام وأمان وسكينة واستقرار , وإن كان الحق جل وعلا يصيبنا ببعض الكوارث الطبيعية بين الحين والآخر , فإنها إصابة مقصودة ولحكمة الهية . فقد قلنا من قبل أن الحق تبارك وتعالى يريد بهذه الكوارث أن يجعلنا نذكره ونلجأ إليه لنطلب منه العون والنجاة . ويلاحظ أن هذه الكوارث تأتي في الغالب حين يكون هناك إعراض من الغالبية العظمى من الناس ... فتأتي الكارثة ليفيق الجميع من الغفوة , ويتذكر بعد النسيان . وقد تكون هذه الكوارث غضبا من الله عز وجل على من حلت بهم لتجعلهم عبرة للمؤمنين . وقد تكون تذكرة لنا بنعمة السلام الدائم الذي نعيش فيه ليل نهار دون أن نلتفت إليها فنقدم من الحمد والشكر لله ما يكافؤها .وقد غمرت صفة السلام الكون بعد بعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم , فقبل الرسالة المحمدية كان الناس يعيشون في الجاهلية الأولى , وكانوا جميعا يفتقدون الأمن والسلام بسبب أعمالهم . لقد كانوا يرتكبون كل المعاصي والجرائم بلا وازع من دين أو ضمير .. شرب الخمر .. السرقة .. الزنا .. خيانة الأمانة .. الكذب ,, النميمة .. الغيبة .. الربا وغيرها من المعاصي التي تجلب معها التناحر والحروب .
وحتى الأديان السابقة لم تقض على حالة الفوضى التي عاشتها البشرية قبل الإسلام .. فالدولة الرومانية كانت تعتنق المسيحية ورغم ذلك لم تختلف طبيعة الحياة فيها عنها لدى القبائل الوثنية . وقد قرأنا عن الحروب الطاحنة التي كانت تشنها هذه الامبراطورية لكي تغزو سائر الدول وتضمها تحت رايتها .. فلما جاء الإسلام بعقيدته القويمة وعباداته ومعاملاته حل السلام الحقيقي بين الناس وانحدرت نسبة الجرائم لتوشك على الانعدام في بعض الدول الإسلامية .
وقد انتقلت الحضارة الإسلامية إلى دول أوروبا لتنقلها من ظلمات الجهل إلى نور العلم .. وهذه حقائق يرصدها التاريخ الأوربي نفسه وليست مجرد افتراء بدافع الإحساس بالنقص كما يدعي البعض . بمجيء الإسلام اجتمع السلام الكوني مع السلام بين الناس فصار الكون كله سلاما في سلام .. ولا ينقص هذه الحقيقة وجود بعض الخلافات والحروب بين بعض الدول , فالنزاعات والحروب سنن كونية .. وإنما الفيصل في الأمر هو حجم هذه الخلافات والحروب وما ينجم عنها من إخلال بالسلام الكوني . والإسلام سمي بهذا الاسم لما فيه من إسلام الوجه لله سبحانه وتعالى والخضوع له وطاعته .. ولما فيه من نشر السلام بين الناس . إن العبادات في الإسلام بما فيها من تذكرة دائمة للإنسان بخالقه ولما فيها من تدريب على ضبط النفس وقمع الأهواء وبما يتخللها من إرشادات ونصائح كخطبة الجمعة وكالاستماع إلى تلاوة القرآن الكريم في الصلاة وخارج الصلاة .. كل هذه المعاني الكامنة في العبادات الإسلامية تهذب النفس البشرية وتجعل الإنسان في سلام داخلي مع نفسه ومع خالقه ومع الكون المحيط به وتجعله في سلام مع غيره من الناس .
والإسلام قد نظم أيضا القواعد التي تحكم المعاملات بين الناس .. هذه القواعد تغطي جميع صور التعاملات .. وبها من القواعد العامة ما يكفي لاستنباط قواعد تفصيلية لكل ما يستجد من وجوه التعامل ونذكر من هذه التعاملات البيوع , السلم , الشفعة , الاجارة , الرهن , العتق , الهبة , الوصية وغير ذلك كثير . وتتسم هذه القواعد بتحقيق العدل بين الناس والتوازن بين مصالحهم المتعارضة , مما يؤدي إلى القضاء على أسباب المشاكل بين الناس على مستوى الأفراد والدول .. فيقيهم شر الحروب الطاحنة وينشر بينهم السلام والود والأمان . وفضلا عن ذلك . وضع الإسلام عقوبات معينة لكل من يرتكب جريمة من الجرائم كالقتل والزنا والسرقة وشرب الخمر وغيرها من الجرائم المخلة بالأمن والسلام بين الناس . . فمن يرتكب أيا من هذه الجرائم يعاقب بالعقوبة المحددة لها فتكون رادعة له ولكل من تسول له نفسه ارتكاب هذه الجريمة .
إنه نظام محكم شيده الإسلام لتحقيق السلام بين الناس أفراد ودولا .. وبين الإنسان ونفسه .. وبينه وبين خالقه عز وجل . ولن يوصف بالإسلام والسلام إلا من سلم المسلمون من لسانه ويده , وكيف يوصف به من لم يسلم هو من نفسه ؟ ويقول سفيان بن عيينة رضي الله عنه : أوحش ما تكون الخلق , ثلاثة مواطن : يوم يولد فيرى نفسه خارجا مما كان فيه , أو يوم يموت فيرى قوما لم يكن عاينهم , ويوم يبعث فيرى نفسه في محشر عظيم . قال : فأكرم الله فيها يحيى فخص بالسلام فقال : ( وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا) كأنه أشار إلى أن الله عز وجل سلم يحيى عليه السلام من شر هذه المواطن الثلاثة وآمنة من خوفها . فعلى هذا إذا سلم المسلم على المسلم فقال : السلام عليكم .. فكأنه يعلمه بالسلامة من ناحيته ويؤمنه من شر وغائلته , كأنه يقول له : أنا مسلم لك غير حرب , وولى غير عدو . وقد أراد الحق سبحانه أن يكون الإسلام خاتما للأديان السابقة فقال : ( وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) وقال سبحانه : ( فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ) سورة الأنعام
والسلام نعمة من الله يكافئ بها رسله وعباده الصالحين .. كما قال جل وعلا : ( وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُـشْرَى قَالُواْ سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنيذٍ) وكما قال عز وجل : ( وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ) وكما قال سبحانه : ( َتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ* سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ) وكما قال وقوله الحق : ( وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ* سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ) وكما قال ربنا تبارك وتعالى : ( وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ* سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ) وكما قال سبحانه : ( وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ* سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ) وكما قال سبحانه : ( وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ* وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) وكما قال عز وجل : ( قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ) ولقد شاءت إرادة الحق جل وعلا ألا تكون الدنيا في سلام كامل لأنه لم يرد للدنيا أن تكون دار قرار .. ولكن الأمر يختلف في الآخرة حين يكافئ الله عز وجل عباده المؤمنين الطائعين بالجنة .. فقد شاء تبارك وتعالى أن تكون الجنة دار القرار .. دار النعيم الأبدي الذي لا يقطعه مثقال ذرة من شقاء دار السلام الكامل . فإذا كنا قد عانينا في الدنيا من الأمراض المختلفة فإننا سننعم في دار السلام إن شاء لنا المولى بالنجاة من النار بصحة دائمة لا يقطعها مرض حيث لا حكمة ولا مسوغ له حينئذ .. وإذا كنا قد تناحرنا وتحاربنا في الدنيا على متاع من متاعها فإننا سننعم في دار السلام بود لا يقطعه حسد أو حقد أو غل أو ضغينة .. ومن أين تأتينا هذه الآفات القلبية وليس في الجنة إنسان ينقصه شيء ... إن أقل أهل الجنة درجات سيكون لهم فيها ما تشتهي الأنفس وهو فيها خالدون . حين يلقى المؤمنون ربهم سيحيهم بتحية السلام . كما قال عز وجل : ( تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا ) وسوف تحييهم الملائكة بتحية السلام .. كما قال سبحانه : (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللّهُ الْمُتَّقِينَ*الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) وكما قال عز وجل : ( وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) وكما قال ربنا : (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ* هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ*مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ* ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ* لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ) وبعد أن يدخلوا الجنة سيكون السلام تحيتهم الدائمة من الحق جل وعلا وفي ذلك يقول عز وجل : ( خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ) .. اللهم أخرجنا من الدنيا بسلام ... وابعثنا يوم القيامة آمنين في سلام واجعلنا من الخالدين في دارك ... دار السلام .