منتدى الأصدقاء
{وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }يونس25
And God calls to the House of Peace and guides whom He wills to a Straight Path} Younis 25
نحن سعداء للمشاركة في (منتدى الأصدقاء)
We are pleased to join in ( Forum Friends )
يشرفنا تسجيلك
We are honored register you
إدارة المنتدى
Management of Forum

منتدى الأصدقاء
{وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }يونس25
And God calls to the House of Peace and guides whom He wills to a Straight Path} Younis 25
نحن سعداء للمشاركة في (منتدى الأصدقاء)
We are pleased to join in ( Forum Friends )
يشرفنا تسجيلك
We are honored register you
إدارة المنتدى
Management of Forum

منتدى الأصدقاء
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى الأصدقاء
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

( أهلا وسهلا بكم في منتدى الأصدقاء Welcome to the forum Friends >> الرجاء تسجيل الدخول للتعرف على فضائل الأعمال التي يحبها الله Please log in to learn about the virtues of Business loved by God

المواضيع الأخيرة
» تعديل شاشة الكمبيوتر - الوضع الصحيح من المصنع - LG
خواطر--يتبع—45   يقول تعالى: لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (87) I_icon_minitimeالأحد نوفمبر 05, 2017 2:53 pm من طرف abubaker

»  إن كلمة “الله” هي علم على واجب الوجود. --- آية الكرسي
خواطر--يتبع—45   يقول تعالى: لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (87) I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 4:44 am من طرف abubaker

»  إن كلمة “الله” هي علم على واجب الوجود. --- آية الكرسي
خواطر--يتبع—45   يقول تعالى: لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (87) I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 4:44 am من طرف abubaker

»  إن كلمة “الله” هي علم على واجب الوجود -- آية الكرسي -- تابع ----
خواطر--يتبع—45   يقول تعالى: لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (87) I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 4:33 am من طرف abubaker

»  وكلمة (الله) عَلَمٌ على واجب الوجود؛ مَطمورة فيه كُلُّ صفات الكمال؛ / الرعد - ؛ فشاءتْ رحمتُه سبحانه أنْ سَهَّل لنا أن نفتتح أيَّ عمل باسمه الجامع لكل صفات الجمال والكمال (بسم الله الرحمن الرحيم). ولذلك يُسَمُّونه (عَلَمٌ على واجب الوجود).
خواطر--يتبع—45   يقول تعالى: لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (87) I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 4:18 am من طرف abubaker

» أما أسماء الله فحسنى؛ لأنها بلغتْ القمة في الكمال، ولأن الأسماء والصفات التي تنطبق عليها موجودة في الخالق الأعلى سبحانه
خواطر--يتبع—45   يقول تعالى: لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (87) I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 4:06 am من طرف abubaker

» وكلمة(اللهُ) عَلَم على واجب الوجود بكل صفات الكمال له - طه
خواطر--يتبع—45   يقول تعالى: لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (87) I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 3:57 am من طرف abubaker

» فاعمل لوجهه يكْفك كل الأوجه وتريح نفسك أن تتنازعك قوى شتى ومختلفة، ويُغنيك عن كل غنى.
خواطر--يتبع—45   يقول تعالى: لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (87) I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 3:51 am من طرف abubaker

» أتدرون ما هذان الكتابان فريق في الجنة وفريق في السعير
خواطر--يتبع—45   يقول تعالى: لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (87) I_icon_minitimeالثلاثاء يوليو 18, 2017 3:21 pm من طرف abubaker

ازرار التصفُّح
 البوابة
 الرئيسية
 قائمة الاعضاء
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 بحـث
التبادل الاعلاني

 

 خواطر--يتبع—45 يقول تعالى: لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (87)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
abubaker

abubaker


ذكر
عدد المساهمات : 18649
تاريخ التسجيل : 23/12/2010
العمر : 74
الدولـة : jordan

خواطر--يتبع—45   يقول تعالى: لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (87) Empty
مُساهمةموضوع: خواطر--يتبع—45 يقول تعالى: لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (87)   خواطر--يتبع—45   يقول تعالى: لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (87) I_icon_minitimeالخميس أغسطس 20, 2015 9:31 am

ثم يقول تعالى: {لاَّ يَمْلِكُونَ الشفاعة إِلاَّ مَنِ اتخذ}

(15/9190)

لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (87)

الكافر حين يباشر العذاب يطمع أول ما يطمع في أن يشفعَ له مبعوده، ويُخرجه ممَّا هو فيه لكِنْ هيهات، ألم تقرأ قول الحق تبارك وتعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُواْ مِن دُونِ الله مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إلى يَوْمِ القيامة وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ الناس كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف: 56] .
لذلك يقول تعالى عن هؤلاء يوم القيامة: {لاَّ يَمْلِكُونَ الشفاعة} [مريم: 87] لأن الشفاعة لا تكون إلا لمن أخذ الإذن بها {إِلاَّ مَنِ اتخذ عِندَ الرحمن عَهْداً} [مريم: 87] .
والعهد الذي تأخذه على الله بالشفاعة أنْ تُقدِّم من الحسنات ما يسع تكاليفك أنت، ثم تزيد عليها ما يؤهلُك لأن تشفع للآخرين، والخير لا يضيع عند الله، فما زاد عن التكليف فهو في رصيدك في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة، ولا يهمل مثقال ذرة.

(15/9190)

وعلى المؤمن مهما كان مُسْرفاً على نفسه ساعةَ يرى إنساناً مُقبلاً على الله مُستزيداً من الطاعات أنْ يدعوَ له بالمزيد، وأن يفرح به؛ لأن فائض طاعاته لعله يعود عليك، ولعلك تحتاج شفاعته في يوم من الأيام. أما مَنْ يحلو لهم الاستهزاء والسخرية من أهل الطاعات، كما أخبر الحق تبارك وتعالى:
{إِنَّ الذين أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ الذين آمَنُواْ يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ وَإِذَا انقلبوا إلى أَهْلِهِمُ انقلبوا فَكِهِينَ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قالوا إِنَّ هؤلاء لَضَالُّونَ} [المطفيين: 2932] .
فكيف ستقابل أهل الطاعات، وتطمع في شفاعتهم بعدما كان منك؟ فإنْ لم تكُنْ طائعاً فلا أقلَّ من أنْ تحب الطائعين وتتمسح بهم، فهذه في حَدِّ ذاتها حسنةٌ لك ترجو نفعها يوم القيامة.
وما أشبه الشفاعة في الآخرة بما حدث بيننا من شفاعة في الدنيا، فحين يستعصي عليك قضاءُ مصلحة يقولون لك: اذهب إلى فلان وسوف يقضيها لك. وفعلاً يذهب معك فلان هذا، ويقضي لك حاجتك، فلماذا قُضِيتْ على يديه هو؟ لا بُد أن له عند صاحب الحاجة هذه أياديَ لا يستطيع معها أنْ يرد له طلباً.
إذن: لا بُدَّ لمن يشفع أن يكون له رصيد من الطاعات يسمح له بالشفاعة، وإذا تأملت لوجدت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أول مَنْ قدّم رصيداً إيمانياً وسع تكليفه وتكليف أمته، ألم يخبر عنه ربه بقوله: {يُؤْمِنُ بالله وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: 61] لذلك وجبت له الشفاعة، وأُذِن له فيها.

(15/9191)

والحق تبارك وتعالى لا يغفل الرصيد في خَلقه أبداً، فكل ما قدَّمت من طاعات فوق ما كلَّفك الله به مُدَّخَر لك، حتى إن الإنسان إذا اتُّهِم ظلماً، وعُوقِب على عمل لم يرتكبه فإن الله يدَّخرها له ويستر عليه ما ارتكبه فعلاً فلا يُعاقب عليه.
فالعهد إذن في قوله تعالى: {إِلاَّ مَنِ اتخذ عِندَ الرحمن عَهْداً} [مريم: 87] أن تدخل مع ربك في مقام الإحسان، ولا يدخل هذا المقام إلا مَنْ أدَّى ما عليه من تكليف، وإلا فكيف تكون مُحسِناً وأنت مٌقصِّر في مقام الإيمان؟
وأقرأ إنْ شئت قول الله تعالى: {إِنَّ المتقين فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ} [الذاريات: 1516] ما العلة؟ {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُواْ قَلِيلاً مِّن الليل مَا يَهْجَعُونَ وبالأسحار هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وفي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ والمحروم} [الذاريات: 1619] .
فالمحسن مَنْ يُؤدِّي من الطاعات فوق ما فرض الله عليه، ومن جنس ما فرض، فالله تعالى لم يُكلِّفنا بقيام الليل والاستغفار بالأسحار، ولم يفرض علينا صدقة للسائل والمحروم، ولا بُدَّ أنْ نُفرِّق هنا بين (حق) و (حق معلوم) هنا قال (حق) فقط؛ لأن الكلام عن الصدقة أما الحق المعلوم ففي الزكاة.
ثم يقول الحق سبحانه: {وَقَالُواْ اتخذ الرحمن}

(15/9192)

وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88)

هذا الكلام منهم عبث وافتراء؛ لأنه متى كان اتخاذ هذا الولد؟

(15/9192)

في أيِّ قَرْن من القرون من ميلاد المسيح عليه السلام؟ إن هذه المقولة لم تأْتِ إلا بعد ثلاثمائة سنة من ميلاد المسيح، فما الموقف قبلها؟ وما الذي زاد في مُلْك الله بعد أنْ جاء هذا الولد؟
الشمس هي الشمس، والنجوم هي النجوم، والهواء هو الهواء، إذن: موضوعية اتخاذ الولد هذه عبث؛ لأنه لم يَزِدْ شيء في المْلك على يد هذا الولد، ولم تكن عند الله تعالى صفة مُعطلة اكتملتْ بمجىء الولد؛ لأن الصفات الكمالية لله تعالى موجودة قبل أنْ يخلق أيَّ شيء.
فهو سبحانه وتعالى خالق قبل أن يَخْلق، ورازق قبل أنْ يَرزُق، ومُحْيٍ قبل أنْ يحيى، ومميت قبل أن يميت. فالبصفات أوجد هذه الأشياء، فصفات الكمال فيه سبحانه موجودة قبل متعلقاتها.
وضربنا لذلك مثلاً ولله المثل الأعلى بالشاعر الذي قال قصيدة. وقلنا: إنه قال القصيدة لأنه شاعر بدايةً، ولولا أنه شاعر ما قالها.
لذلك يرد الحق سبحانه على هذا الافتراء بقوله: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً} [الكهف: 5] .
وهنا يرد عليهم بقوله: {لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً}

(15/9193)

لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89)

والإدّ: المتناهي في النكْر والفظاعة، وهو الأمر المستبشع، من: آده الأمر. أي: أثقله ولم يَقْو عليه، ومنه قوله تعالى في آية الكرسي: {وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا} [البقرة: 255] أي: لا يثقل عليه.

(15/9193)

لكن، لماذا جعل هذا الأمر إدّاً ومنكراً فظيعا؟
قالوا: لأن اتخاذ الولد له مقاصد، فالولد يُتخذ ليكون لك عِزْوة وقوة؛ أو ليكون امتداداً لكل بعد موتك، والحق سبحانه وتعالى هو العزيز، الذي لا يحتاج إلى أحد، وهو الباقي الدائم الذي لا يحتاج إلى امتداد.
إذن: فاتخاذ الولد بالنسبة لله تعالى لا عِلةَ له، كما أن اتخاذ الولد لله تعالى ينفي سواسية العبودية له سبحانه.
ولذلك يقول الحق سبحانه: {تَكَادُ السماوات يَتَفَطَّرْنَ}

(15/9194)

تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90)

أي: فلسنا نحن فحسْب الذين ننكر هذا الأمر، بل الجماد غير المكلف أيضاً ينكره، فالسموات بقوتها وعظمها تتفطر أي: تتشقق، وتكاد تكون مِزَعاً لهوْلِ ما قيل، تقرب أن تنفطر لكن لماذا لم تنفطر بالفعل؟ لم تنفطر؛ لأن الله يمسكها: {إِنَّ الله يُمْسِكُ السماوات والأرض أَن تَزُولاَ} [فاطر: 41] .
وفي الحديث القدسي: «قالت السماء يا رب ائذن لي أنْ أسقط كِسَفاً على ابن آدم، فقد طَعِم خيرك ومنع شكرك، وقالت الأرض: يارب ائذن لي أن أخسف بابن آدم فقد طعم خيرك ومنع شكرك، وقالت الجبال: يا رب ائذن لي أن أخِرَّ على ابن آدم فقد طعم خيرك ومنع شكرك. وقالت البحار: يا ربّ ائذن لي أن أُغرق ابن

(15/9194)

آدم فقد طعم خيرك ومنع شكرك. فقال لهم: دعوني وخلقي لو خلقتموهم لرحمتموهم، فإن تابوا إليَّ فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم» .
فما العِلَّة في أن السماء تقرب أن تنفطر، والأرض تقرب أن تنشق، والجبال تقرب أن تخِرَّ؟

(15/9195)

أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91)

هذه هي العلة والحيثية التي من أجلها يكاد الكونُ كلُّه أن يتزلزل، ويثور غاضباً لهذه المقولة الشنيعة.
ثم يعقب الحق سبحانه فيقول: {وَمَا يَنبَغِي للرحمن أَن يَتَّخِذَ} .

(15/9195)

وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92)

وعلينا هنا أنْ نُفرق بين نَفْي الحدث ونفي انبغاء الحدث، فمثلاً في قول الحق تبارك وتعالى في شأن نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشعر وَمَا يَنبَغِي لَهُ} [يس: 69] فنفى عنه قَوْل الشعر، ونفي عنه انبغاء ذلك له، فقد يظن ظانٌّ أن النبي لا يستطيع أن يقول شعراً، أو أن أدوات الشعر من اللغة ورِقَّة الإحساس غير متوافرة لديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، لكن رسول الله قادر على قَوْل الشعر إنْ أراد، فهو قادر على الحدث، إلا أنه لا ينبغي له.
كذلك في قوله تعالى: {وَمَا يَنبَغِي للرحمن أَن يَتَّخِذَ وَلَداً} [مريم: 92] فإنْ أراد سبحانه وتعالى أن يكون له ولد لَكانَ ذلك، كما جاء في قوله تبارك وتعالى: {قُلْ إِن كَانَ للرحمن وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين} [الزخرف: 81] .

(15/9195)

أي: إن كان له سبحانه ولد فعلى العَيْن والرأس، إنما هذه مسألة ما أرادها الحق سبحانه، وما تنبغي له، فكيف أدَّعي أنا أن لله ولداً هكذا من عندي؟
وما حاجته تعالى للولد، وقد قال في الآية بعدها: {إِن كُلُّ مَن فِي السماوات والأرض}

(15/9196)

إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93)

ذلك لأن الخالق تبارك وتعالى خلق الإنسان، وجعل له منطقة اختيار يفعل أو لا يفعل، يؤمن أو لا يؤمن، وكذلك جعل فيه منطقة قَهْر، فالكافر الذي أَلِف الكفر، وتعوَّد عليه، وتمرد على الطاعة والإيمان، هل يستطيع أنْ يتمرّد مثلاً على المرض أو يتمرَّد على الموت، أو على الفقر؟
إذن: فأنت مُختار في شيء وعَبْد في أشياء، كما أن منطقة الاختيار هذه لك في الدنيا، وليست لك في الآخرة. وسبق أنْ فرَّقنا بين العباد والعبيد، فالجميع: المؤمن والكافر عبيد لله تعالى، أما العباد فهم الذين تنازلوا عن اختيارهم ومرادهم لمراد ربهم، فجاءت كُلُّ تصرفاتهم وفقاً لما يريده الله.
وهؤلاء الذين قال الله فيهم: {وَعِبَادُ الرحمن الذين يَمْشُونَ على الأرض هَوْناً} [الفرقان: 63] .
ومعنى: {إِلاَّ آتِي الرحمن عَبْداً} [مريم: 93] أي: في الآخرة، حيث تُلْغَى منطقة الاختيار، ولا يستطيع أحد الخروج عن مراد الله تعالى، ويسلب الملك من الجميع، فيقول تعالى: {لِّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار} [غافر: 16] .

(15/9196)

وهو سبحانه القادر على العطاء، القادر على السلب: {تُؤْتِي الملك مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ الملك مِمَّنْ تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ} [آل عمران: 26] .
ثم يقول الحق سبحانه: {لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ}

(15/9197)

لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94)

الإحصاء: هو العَدُّ، وكانوا قديماً يستخدمون الحصَى أو النوى في العَدِّ، لكن النوى فرع ملكية النخل، فقد لا يتوفر للجميع؛ لذلك كانوا يستخدمون الحصَى، ومنه كلمة الإحصاء.
ثم يقول الحق تبارك وتعالى: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ القيامة}

(15/9197)

وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95)

أي. وحده، ليس معه أهل أو أولاد أو عِزْوة، كما قال تعالى: {يَوْمَ يَفِرُّ المرء مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وصاحبته وَبَنِيهِ لِكُلِّ امرىء مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس: 3437] .
فكل مشغول بحاله، ذاهل عن أقرب الناس إليه: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ} [الحج: 2] .
وتأمَّل قوله: {آتِيهِ} [مريم: 95] فالعبد هو الذي يأتي بنفسه مُخْتاراً لا يُؤْتَى به، فكأن الجميع منضبط على وقت معلوم، إذا جاء يُهْرَع الجميع طواعيةً إلى الله عَزَّ وَجَلَّ.
ثم يقول رب العزة سبحانه: {إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ}

(15/9197)

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96)

وُداً: مودة ومحبة تقوم على الإيمان، وتقود إلى شدة التعلّق، وقد جعل الحق تبارك وتعالى كَوْنه أسباباً لهذه المحبة والمودة، كأنْ ترى إنساناً يُحبك ويتودّد إليك، فساعةَ تراه مُقبلاً عليك تقوم له وتبشُّ في وجهه، وتُفسِح له في المجلس، ثم تسأل عنه إنْ غاب، وتعوده إنْ مرض، وتشاركه الأفراح وتواسيه في الأحزان وتؤازره عند الشدائد، فهذه المودة ناشئة عن حُبٍّ ومودة سابقة.
وقد تنشأ المودة بسبب القرابة أو المصالح المتبادلة أو الصداقة، فهذه أسباب المودة في الدنيا بين الخَلْق جميعاً مؤمنهم وكافرهم، أمّا هنا: {سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرحمن وُدّاً} [مريم: 96] .
أي: بدون سبب من أسباب المودة هذه، مودة بدون قرابة، وبدون مصالح مشتركة أو صداقة، وهذه المودة بين الذين آمنوا، كأنْ ترى شخصاً لأول مرة فتشعر نحوه بارتياح كأنك تعرفه، وتقول له: إني أحبك لله.
هذه محبة جعلها الله بين المؤمنين، فضلاً منه سبحانه وتكرُّماً، لا بسبب من أسباب المودة المعروفة.
لذلك قال هرم بن حَيَّان رَحِمَهُ اللَّهُ: إن الحق تبارك وتعالى حين يرى عبده المؤمن قد أقبل عليه بقلبه وأسكنه فيه، وأبعد عن قلبه الأغيار، وسلَّم قلبه وهو أسمى ما يملك من مستودعات العقائد وينبوع الصالحات وقدَّمه لربه إلا فتح له قلوب المؤمنين جميعاً.

(15/9198)

كما جاء في الحديث القدسي:
«ما أقبل عليَّ عبد بقلبه إلا أقلبتُ عليه بقلوب المؤمنين جميعاً» أي: بالمودة والرحمة دون أسباب.
وفي الحديث القدسي: «إن الله إذا أحب عبداً نادى في السماء: إنني أحببتُ فلاناً فأحبُّوه، وينادي حبريل في الأرض: إن الله أحبَّ فلاناً فأحبوه. ويوضع له القبول في الأرض» .
فيحبه كل مَنْ رآه عطية من الله وفضلاً، دون سبب من أسباب المودة، وإنْ كنتَ قد تبرعتَ لله تعالى بما تملك وهو قلبك مستودع العقائد وينبوع الصالحات كلها، فإنه تعالى وهب لك ما يملك من قلوب الناس جميعاً، فهي في يده تعالى يُوجِّهها كيف يشاء.
وقد علَّمنا ربنا تبارك وتعالى في قوله: {وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ} [النساء: 86] أن نرد الجميل بأحسن منه، فإنْ لم نقدر على الأحسن فلا أقلَّ من الرد بالمثل، فإنْ كان هذا عطاء العبد، فما بالك بعطاء الرب؟
ومن ذلك ما جاء في الحديث الشريف: «من يسَّر على معسر يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» .

(15/9199)

والعَوْن يقتضي مُعيناً ومُعَاناً، ولا بُدّ أن يكون المعين أقوى من المعان، فيفيض عليه من فضل ما عنده: صحة، أو قدرة، أو غنىً، أو علماً.
وإعانةُ العبد لأخيه محدودة بقدراته وإمكاناته، أمّا معونة الله لعبده فغير محدودة؛ لأنها تناسب قدرة وإمكانات الحق تبارك وتعالى.
وهكذا عوَّدنا ربنا تبارك وتعالى حين نُضحِّي بالقليل أنْ يعطينا الكثير وبلا حدود، فضلاً من الله وكرماً. ألم تَرَ أن الحسنة عنده تعالى بعشر أمثالها، وتضاعف إلى سبعمائة ضعف؟ أليست هذه تجارة مع الله رابحة، كما قال سبحانه: {ياأيها الذين آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ على تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الصف: 10] .
وقال عنها: {تِجَارَةً لَّن تَبُورَ} [فاطر: 29] .
وكأن الحق تبارك وتعالى يريد منا المحبة المتبادلة التي تربط بين قلوبنا وتُؤلّف بيننا، ثم يمنحنا سبحانه الثمن.
إذن: العملية الإيمانية لا تظن أنها إيثار، بل الإيمان أثره، وأنت حين تتصدق بكذا إنما تأمل ما عند الله من مضاعفة الأجر، فالإيمان إذن أنانية عالية.
والحق سبحانه وتعالى يريد منا أنْ نعودَ على غيرنا بفضل ما نملك، كما جاء في الحديث: «مَنْ كان عنده فضل مال فليعُدْ به على مَنْ لا مالَ له ... » .
واعلم أن الله سيُعوِّضك خيراً مما أعطيْتَ. ومثال ذلك ولله المثل الأعلى: هَبْ أن عندك ولدين، أعطيتَ لكل منهما مصروفة،

(15/9200)

فالأول اشترى به حلوى أكل منها، وأعطى رفاقه، والآخر بدّد مصروفه فيما لا يُجدي من ألعاب أو خلافه، فأيهما تعطي بعد ذلك؟ كذلك الحق سبحانه يعاملنا هذه المعاملة.
ويقول الحق سبحانه: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ}

(15/9201)

فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا (97)

الفاء هنا تفيد: ترتيب شيء على شيء فابحث في الجملة بعدها عن هذا الترتيب، فالمعنى: بشِّر المتقين، وأنذر القوم اللُّد لأننا يسرنا لك القرآن.
ويسَّرنا القرآن: أي: طوعناه لك حِفْظاً وأداءً وإلقاء معانٍ، فأنت تُوظِّفه في المهمة التي نزل من أجلها.
وتيسير القرآن ورد في آيات كثيرة، كقوله تعالى في سورة القمر: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرآن لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [القمر: 17] .
والمتأمل في تيسير القرآن يجد العجائب في أسلوبه، فترى الآية تأتي في سورة بنص، وتأتي في نفس السياق في سورة أخرى بنص آخر، فالمسألة إذن ليست (أكلاشيه) ثابت، وليست عملية ميكانيكية صماء، إنه كلام رب.
خُذْ مثلاً قوله تعالى:
{كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ} [المدثر: 5455] .

(15/9201)

وفي آية آخرى: {إِنَّ هذه تَذْكِرَةٌ فَمَن شَآءَ اتخذ إلى رَبِّهِ سَبِيلاً} [الإنسان: 29] .
مرة يقول: {إِنَّ هذه تَذْكِرَةٌ} [الإنسان: 29] ومرة يقول: {كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ} [عبس: 11] .
ونقف هنا أمام ملحظ دقيق في سورة (الرحمن) حيث يقول الحق تبارك وتعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46] ثم يأتي الحديث عنهما: فيهما كذا، فيهما كذا إلى أنْ يصلَ إلى قاصرات الطرف فيقول: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطرف} [الرحمن: 56] .
وكذلك في: {وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} [الرحمن: 62] فيهما كذا وفيهما كذا إلى أنْ يصلَ إلى الحور العين فيقول: {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} [الرحمن: 70] .
ولك أنْ تتساءل: الحديث هنا عن الجنتين، فلماذا عدل السياق عن (فيهما) إلى (فيهن) في هذه النعمة بالذات؟
قالوا: لأن نعيم الجنة مشترك، يصح أنْ يشترك فيه الجميع إلا في نعمة الحور العين، فلها خصوصيتها، فكأن الحق تبارك وتعالى يحترم مشاعر الغَيْرة عند الرجال، ففي هذه المسألة يكون لكل منها جنته الخاصة التي لا يشاركه فيها أحد.
لذلك «لما رأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الجنة رأى فيها قصراً فابتعد عنه، فلما سُئِل عن ذلك صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال:» إنه لعمر، وأنا أعرف غَيْرة عمر «.

(15/9202)

فإلى هذه الدرجة تكون غيرة المؤمن، وإلى هذه الدرجة تكون دِقَّة التعبير في القرآن الكريم.
ولولا أن الله تعالى أنزل القرآن ويسَّره لَمَا حفظه أحد فالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كان ينزل عليه الآيات، وحِين يسري عنه يمليها على الصحابة، ويظل يقرؤها كما هي، ولولا أن الله قال له: {سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تنسى} [الأعلى: 6] ما تيسّر له ذلك.
ونحن في حفْظنا لكتاب الله تعالى نجد العجائب أيضاً، فالصبي في سنِّ السابعة يستطيع حفْظ القرآن وتجويده، فإنْ غفل عنه بعد ذلك تَفلَّتَ منه، على خلاف ما لو حفظ نصاً من النصوص في هذه السن يظل عالقاً بذهنه.
إذن: مسألة حفظ القرآن ليست مجرد استذكار حافظة، بل معونة حافظ، فإن كنت على وُدًّ وأُلْفة بكتاب الله ظلَّ معك، وإنْ تركته وجفوْته تفلَّتَ منك، كما جاء في الحديث الشريف:
«تعاهدوا القرآن، فو الذي نفسي بيده لَهُو أشدُّ تفصّياً من الإبل في عُقَلها» .
ذلك؛ لأن حروف القرآن ليست مجرد حرف له رسم ومنطوق، إنما حروف القرآن ملائكة تُصفّ، فتكون كلمة، وتكون آية، فإنْ وددتَ الحرف، وودتَ الكلمة والآية، ودَّتْك الملائكة، وتراصتْ عند قراءتك.

(15/9203)

ومن العجائب في تيسير حفظ القرآن أنك إنْ أعلمتَ عقلك في القراءة تتخبّط فيها وتخطىء، فإنْ أعدتَ القراءة هكذا على السليقة كما حفظت تتابعت معك الآيات وطاوعتك.
وتلحظ هنا أن القرآن لم يأْتِ باللفظ الصريح، إنما جاء بضمير الغيبة في {يَسَّرْنَاهُ} [مريم: 97] لأن الهاء هنا لا يمكن أن تعود إلا على القرآن، كما في قوله تعالى: {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] فضمير الغيبة هنا لا يعود إلا على الله تعالى.
وقوله: {بِلِسَانِكَ} [مريم: 97] أي: بلغتك، فجعلناه قرآنا عربياً في أمة عربية؛ ليفهموا عنك البلاغ عن الله في البشارة والنذارة، ولو جاءهم بلغة أخرى لقالوا كما حكى القرآن عنهم.
{وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِيّاً لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُءَاعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} [فصلت: 44] .
وقول الحق سبحانه وتعالى: {وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً} [مريم: 97] .
والإنذار: التحذير من شَرِّ سيقع في المستقبل، واللَّدَد: عُنْف الخصومة، وشراسة العداوة، نقول: فلان عنده لَدَد أي: يبالغ في الخصومة، ولا يخضع للحجة والإقناع، ومهما حاولتَ معه يُصِرُّ على خصومته.
ويُنهي الحق سبحانه سورة مريم بقوله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ}

(15/9204)

وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (98)

الحق تبارك وتعالى يُسرِّي عن نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ما يلاقي من عنت في سبيل دعوته، كأنه يقول له: إياك أنْ ينالَ منك بُغْض القوم لك وكُرههم لمنهج الله، إياك أنْ تتضاءلَ أمام جبروتهم في عنادك، فهؤلاء ليسوا أعزَّ من سابقيهم من المكذبين، الذين أهلكهم الله، إنما أستبقى هؤلاء لأن لهم مهمة معك.
وسبق أن أوضحنا أن الذين نجوْا من القتل من الكفار في بعض الغزوات، وحزن المسلمون لنجاتهم، كان منهم فيما بَعْد سيف الله المسلول خالد بن الوليد.
يقول تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ} [مريم: 98] .
كم: خبرية تفيد الكثرة، من قرن: من أمة {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِّنْ أَحَدٍ} [مريم: 98] لأننا أخذناهم فلم نُبق منهم أثراً يحس.
ووسائل الحِسَّ أو الإدراك كما هو معروف: العين للرؤية، والأذن للسمع، والأنف للشمّ، واللسان للتذوق، واليد للمس، فبأيّ آداة من أدوات الحسّ لا تجد لهم أثراً.
وقوله: {أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً} [مريم: 98] الركْز: الصوت الخفيّ، الذي لا تكاد تسمعه. وهذه سُنَّة الله في المكذبين من الأمم السابقة كما قال سبحانه: {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ والذين مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ} [الدخان: 37] .
أين عاد وثمود وإرم ذات العماد التي لم يُخلَق مثلها في البلاد؟

(15/9205)

وأين فرعون ذو الأوتاد؟ فكل جبار مهما عَلَتْ حضارته ما استطاع أنْ يُبقي هذه الحضارة؛ لأن الله تعالى أراد لها أنْ تزول، وهل كفار مكة أشدّ من كل هؤلاء؟
لذلك حين تسمع هذا السؤال: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً} [مريم: 98] لا يسَعْك إلاَّ أنْ تُجيب: لا أحسُّ منهم من أحد، ولا أسمع لهم ركزاً.

(15/9206)

طه (1)

تكلمنا كثيراً عن الحروف المقطَّعة في بدايات السور، ولا مانع هنا أنْ نشير إلى ما ورد في (طه) ، فالبعض يرى أنها حروف متصلة، وهي اسم من أسماء الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وآخرون يروْنَ أنها حروف مُقطّعة مثل (الم) ومثل (يس) فهي حروف مُقطّعة، إلا أنها صادفتْ اسماً من الأسماء كما في (ن) حرف وهو اسم للحوت: {وَذَا النون إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً} [الأنبياء: 87] و (ق) حرف، وهو اسم لجبل اسمه جبل قاف.
إذن: لا مانع أن تدل هذه الحروف على اسم من الأسماء،

(15/9209)

فتكون (طه) اسماً من أسماء الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ خاصة، وأن بعدها: {مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ القرآن لتشقى} [طه: 2] .
لكن تلاحظ هنا مفارقة، حيث نطق الطاء والهاء بدون الهمزة، مع أنها حروف مقطعة مثل الف لام ميم، لكن لم ينطق الحرف كاملاً، لأنهم كانوا يستثقلون الهَمْز فيُخَفِّفونها، كما في ذئب يقولون: ذيب وفي بئر، يقولون: بير. وهذا النطق يُرجح القول بأنها اسم من أسماء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
وسبق أنْ أوضحنا أن فواتح السور بالحروف المقطّعة تختلف عن باقي آيات القرآن، فكُلُّ آيات القرآن من بدايته لنهايته بُنيَتْ على الوَصْل، وإنْ كان لك أن تقف؛ لذلك فكل المصاحف تُبنَى على الوَصْل في الآيات وفي السور، فتنطق آخر السورة على الوصل ببسم الله الرحمن الرحيم في السورة التي بعدها.
تقول: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً} [مريم: 98] (بسم الله الرحمن الرحيم) حتى في آخر سور القرآن ونهايته تقول: {مِنَ الجنة والناس} [الناس: 6] (بسم الله الرحمن الرحيم) مع أنها آخر كلمة في القرآن، وماذا سيقول بعدها؟ لكنها جاءت على الوَصْل إشارة إلى أن القرآن موصولٌ أوَّله بآخره، لا ينعزل بعضه عن بعض، فإياك أن تجفوَهُ، أو تظن أنك أنهيته؛ لأن نهايته موصولة ببدايته؛ فنقرأ {مِنَ الجنة والناس} {بِسمِ الله الرحمن الرَّحِيمِ} الحمدُ للهِ رب العالمين ... .

(15/9210)

إذن: فالقرآن كله في كل جملة وكل آية وكل سورة مبنيٌّ على الوَصْل، إلا في فواتح السور بالحروف المقطّعة تُبنَى على الوقف (ألف لام ميم) ، وهذا وجه من وجوه الإعجاز، وأن القرآن ليس ميكانيكا، بل كلام مُعْجِز من ربِّ العالمين.
لذلك، فالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أوضح استقلالية هذه الحروف بذاتها، فقال «تعلموا هذا القرآن، فإنكم تؤجرون بتلاوته، بكل حرف عشر حسنات، أما إني لا أقول الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف، بكل حرف عشر حسنات» .
يقول الحق سبحانة: {مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ القرآن}

(15/9211)

مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2)

الشقاء: هو التعب والنَّصَب والكدّ، فالحق سبحانه ينفي عن رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ التعب بسبب إنزال القرآن عليه، إذن: فما المقابل؟ المقابل: أنزلنا عليك القرآن لتسعد، تسعد أولاً بأن اصطفاك لأن تكون أَهْلاً لنزول القرآن عليك، وتسعد بأن تحمل نفسك أولاً على منهج الله وفِعْل الخير كل الخير.
فلماذا إذن جاءتْ كلمة {لتشقى} [طه: 2] ؟ .
هذا كلام الكفار أمثال أبي جهل، ومُطعِم بن عدي، والنضر بن الحارث، والوليد بن المغيرة حينما ذهبوا إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وقالوا له:

(15/9211)

لقد أشقيتَ نفسك بهذه الدعوة.
وقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «إن الله بعثني رحمة للعالمين» .
فقد بعث رسول الله ليسعد ويسعد معه قومه والناس أجمعين لا ليشقى ويُشقِي معه الناس. لكن من أين جاء الكفار بمسألة الشقاء هذه؟ المؤمن لو نظر إلى منهج الله الذي نزل به القرآن لوجده يتدخل في إراداته واختياراته، ويقف أمام شهواته، فيأمره بما يكره وما يشقُّ على نفسه، ويمنعه مما يألَف ومما يحب.
إذن: فمنهج الله ضد مرادات الاختيار، وهذا يُتعِب النفس ويشقُّ عليها إذا عُزِلَتْ الوسيلة عن غايتها، فنظرت إلى الدنيا والتكليف منفصلاً عن الآخرة والجزاء.
أمّا المؤمن فيقرن بين الوسيلة والغاية، ويتعب في الدنيا على أمل الثواب في الآخرة، فيسعد بمنهج الله، لا يشقى به أبداً. كالتلميذ الذي يتحمل مشقّة الدرس والتحصيل؛ لأنه يستحضر فَرْحة الفوز والنجاح آخر العام.
من هنا رأى هؤلاء الكفار في منهج الله مشقة وتعباً، لأنهم عزلوا الوسيلة عن غايتها؛ لذلك شعروا بالمشقة، في حين شعر المؤمنون بلذة العبادة ومتعة التكليف من الله، وهذه المسألة هي التي جعلتهم

(15/9212)

يتخذون آلهةً لا مطالبَ لها، ولا منهج، ولا تكليف، آلهة يعبدونها على هواهم، ويسيرون في ظلها على حَلِّ شعورهم.
لذلك أوضح القرآن أنهم مغفلون في هذه المسألة، فقال: {مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ القرآن لتشقى} [طه: 2] .
أو يكون الشقاء: تعرُّضه لِعُتاة قريش وصناديدها الذين سخروا منه، وآذوه وسلَّطوا عليه سفهاءهم وصبيانهم، يشتمونه ويرمونه بالحجارة، وهو صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يُشقِي نفسه بدعوتهم والحرص على هدايتهم.
والحق تبارك وتعالى ينفي الشقاء بهذا المعنى أيضاً: {مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ القرآن لتشقى} [طه: 2] أي: لتُشقي نفسك معهم، إنما أنزلناه لتبليغهم فحسب، وقد تكرر هذا المعنى في القرآن كثيراً في مثل قوله تعالى: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ على آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بهذا الحديث أَسَفاً} [الكهف: 6] وقوله: {إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ السمآء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء: 4] .
وسبق أنْ ضربنا لذلك مثلاً ولله المثَل الأعلى برجل عنده عبدان: ربط أحدهما إليه بحبل، وأطلق الآخر حُراً، فإذا ما دعاهما فاستجابا لأمره، فأيهما أطوع له، وأكثر احتراماً لأمره؟
لا شكَّ أنه الحر الطليق؛ لأنه جاء مختاراً، في حين كان قادراً على العصيان.
وكذلك ربك تبارك وتعالى يريد منك أن تأتيه حُراً مختاراً مؤمناً، وأنت قادر ألاَّ تؤمن.

(15/9213)

والبعض يحلو لهم نقد الإسلام واتهام الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، فيقولون: إن رسول الله يخطىء والله يُصوِّب له، ونتعجب: وما يضيركم أنتم؟ طالما أن ربه هو الذي يُصوِّب له، هل أنتم الذين صَوَّبتم لرسول الله!؟ ثم مَنْ أخبركم بخطأ رسول الله؟ أليس هو الذي أخبركم؟ أليس هذا من قوة أمانته في التبليغ ويجب أن تحمد له؟
إذن: فرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لا يستنكف أنْ يُربِّيه ربه؛ لذلك يقول: «إنما أنا بشر يَرِد عليَّ يعني من الحق فأقول: أنا لست كأحدكم، ويُؤخذ مني فأقول: ما أنا إلا بشر مثلكم» .
وقد تمحَّك هؤلاء كثيراً في قصة عبد الله بن أم مكتوم، حينما انشغل عنه رسول الله بكبار قريش، والمتأمل في هذه القصة يجد أن ابن أم مكتوم كان رجلاً مؤمناً جاء ليستفهم من رسول الله عن شيء، فالكلام معه ميسور وأمر سَهْل، أمّا هؤلاء فهم رؤوس الكفر وكبار القوم، ولديهم مع ذلك لَدَد في خصومتهم للإسلام، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يحرص على هدايتهم ويُرهِق نفسه في جدالهم أملاً في أنْ يهدي الله بهم مَنْ دونهم.
إذن: النبي في هذا الموقف اختار لنفسه الأصعب، وربه يعاتبه على ذلك، فهو عِتَاب لصالحه، له لا عليه.

(15/9214)

ثم يقول الحق سبحانه: {إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يخشى}

(15/9215)

إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3)

أي: ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى، وإنما أنزلناه (تذكرةً) أي تذكيراً (لمَنْ يَخْشَى) الخشية: خَوْف بمهابة؛ لأن الخوفَ قد يكون خوفاً دون مهابة، أمّا الخوف من الله فخوْف ومهابة معاً.

(15/9215)

تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4)

تنزيلاً: مصدر أي: أنزلناه تنزيلاً، وقد ورد في نزول القرآن: أنزلناه، ونزلناه ونزل، يقول تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القدر وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ القدر لَيْلَةُ القدر خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الملائكة والروح فِيهَا} [القدر: 14] .
لأن القرآن أخذ أدواراً عِدَّة في النزول، فقد كان في اللوح المحفوظ، فأراد الله له أن يباشر القرآن مهمته في الوجود، فأنزله من اللوح المحفوظ مرة واحدة إلى السماء الدنيا. فأنزله أي الله تعالى ثم تَنزَّل مُفرَّقاً حسْب الأحداث من السماء الدنيا على قلب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ والذي نزل به جبريل: {نَزَلَ بِهِ الروح الأمين} [الشعراء: 193] .
وقوله تعالى: {مِّمَّنْ خَلَقَ الأرض والسماوات العلى} [طه: 4] .
خَصَّ السموات والأرض، لأنها من أعظم خَلْق الله، وقد أعدهما الله ليستقبلا الإنسان، فالإنسان طرأ على كَوْن مُعَدٍّ جاهز لاستقباله، فكان عليه ساعة أنْ يرى هذا الكون المُعدَّ لخدمته بأرضه وسمائه، ولا قدرة له على تسيير شيء منها، كان عليه أن يُعمِلَ عقله،

(15/9215)

ويستدل بها على الموجد سبحانه وتعالى.
كأن الحق تبارك وتعالى يقول لك: إذا كان الخالق سبحانه قد أعدَّ لك الكون بما يُقيم حياتك المادية، أيترك حياتك المعنوية بدون عطاء؟
والخالق عَزَّ وَجَلَّ خلق هذا الكون بهندسة قيومية عادلة حكيمة تُوفِّر لخليفته في الأرض استبقاءَ حياته، وتعطيه كل ما يحتاج إليه بقدر دقيق، واستبقاء الحياة يحتاج إلى طعام وشراب وهواء، وقد أعطاها الله للإنسان بحكمة بالغة.
فالطعام يحتاجه الإنسان، ويستطيع أنْ يصبر عليه شهراً، دون أن يأكل، ويحتاج إلى الماء ولكن لا يستطيع أنْ يصبر عليه أكثر من عشرة أيام، ويحتاج إلى الهواء ولكن لا يصبر عليه لحظةً تستغرق عِدَّة أنفاس.
لذلك، فمن رحمته تعالى بعباده أنْ يمتلك بعضُ الناس القوتَ، فالوقت أمامك طويل لتحتالَ على كَسْبه، وقليلاً ما يملك أحدٌ الماءَ، أما الهواء الذي لا صَبْر لك عليه، فمن حكمة الله أنه لا يملكه أحد، وإلا لو منع أحد عنك الهواء لمُتَّ قبل أنْ يرضى عنك.
فمن حكمة الله أنْ خلق جسمك يستقبل مُقوِّمات استبقاء الحياة فترة من الزمن تتسع للحيلة وللعطف من الغير، وحين تأكل يأخذ الجسم ما يحتاجه على قَدْر الطاقة المبذولة، وما فاض يُختزَن في جسمك على شكل دُهْن يُغذِّي الجسم حين لا يتوفر الطعام.

(15/9216)

ومن عجائب قدرة الله أن هذه المادة الدُّهنية تتحول تلقائياً إلى أي مادة أخرى يحتاجها الجسم، فإن احتاج الحديد تتحول كيماوياً إلى الحديد، وإن احتاج الزرنيخ تتحول كيماوياً إلى زرنيخ، وهي في الواقع مادة واحدة، فمَنْ يقدر على هذه العملية غيره تعالى؟
وبعد أنْ أعطاك ما يستبقي حياتك من الطعام والشراب والهواء أعطاك ما يستبقي نوعك بالزواج والتناسل.
وقوله تعالى: {السماوات العلى} [طه: 4] العلا: جمع عُليا، كما نقول في جمع كبرى: كُبَر {إِنَّهَا لإِحْدَى الكبر} [المدثر: 35] .
وهكذا تكتمل مُقوِّمات التكوين العالي لخليفة الله في الأرض، فكما أعطاه ما يقيم حياته ونوعه بخَلْق السموات والأرض، أعطاه ما يُقيم معنوياته بنزول القرآن الذي يحرس حركاتنا من شراسة الشهوات، فالذي أنزل القرآن هو الذي خلق الأرض والسموات العلا.
والصفة البارزة في هذا التكوين العالي للإنسان هي صِفَة الرحمانية؛ لذلك قال بعدها: {الرحمن عَلَى العرش}

(15/9217)

الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)

فالآية السابقة أعطتْنا مظهراً من مظاهر العطف والرحمة، وهذه تعطينا مظهراً من مظاهر القَهْر والغَلَبة، واستواء الرحمن تبارك وتعالى على العرش يُؤخَذ في إطار.
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] .
وسبق أن تكلمنا في الصفات المشتركة بين الحق سبحانه وبين

(15/9217)

خَلْقه، فلَكَ سمعٌ وبصر، ولله سمع وبصر، لكن إياك أنْ تظن أن سمع الله كسمْعك، أو أن بصره كبصرك.
كذلك في مسألة الاستواء على العرش، فاللحقِّ سبحانه استواء على عرشه، لكنه ليس كاستوائك أنت على الكرسي مثلاً.
والعرش في عُرْف العرب هو سرير المْلك، وهل يجلس الملك على سريره ليباشر أمر مملكته ويدير شئونها إلا بعد أنْ يستتبَّ له الأمر؟
وكذلك الخالق جَلَّ وعلا خلق الكون بأرضه وسمائه، وخلق الخَلْق، وأنزل القرآن لينظم حياتهم، وبعد أن استتبَّ له الأمر لم يترك الكون هكذا يعمل ميكانيكياً، ولم ينعزل عن كَوْنه وعن خَلْقه؛ لأنهم في حاجة إلى قيوميته تعالى في خَلْقه.
ألم يقل الحق سبحانه في الحديث القدسي: «يا عبادي ناموا مِلْءَ جفونكم، لأنِّي قَيُّوم لا أنام» .
فكوْنُ الله ليس آلةً تعمل من تلقاء نفسها، وإنما هو قائم بقيوميته عليه لا يخرج عنها؛ لذلك كانت المعجزات التي تخرق نواميس الكون دليلاً على هذه القيومية.

(15/9218)

ثم يقول الحق سبحانه: {لَهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض}

(15/9219)

لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6)

الحق تبارك وتعالى يمتنُّ بما يملكه سبحانه في السموات وفي الأرض وما تحت الثرى، والله تعالى لا يمتنُّ إلا بملكية الشيء النفيس الذي يُنتفع به.
وكأنه سبحانه يلفت أنظار خَلْقه إلى ما في الكون من مُقوِّمات حياتهم المادية ليبحثوا عنها، ويستنبطوا ما ادَّخره لهم من أسرار وثروات في السموات والأرض، والناظر في حضارات الأمم يجد أنها جاءت إما حَفْريات الأرض، أو من أسرار الفضاء الأعلى في عصر الفضاء.
ولو فهم المسلمون هذه الآية منذ نزلت لَعلموا أن في الأرض وتحت الثرى وهو: (التراب) كنوزاً وثروات ما عرفوها إلا في العصر الحديث بعد الاكتشافات والحفريات، فوجدنا البترول والمعادن والأحجار الثمينة، كلها تحت الثَّرى مطمورةً تنتظر مَنْ يُنقِّب عنها وينتفع بها.
وقد أوضح العلماء أن هذه الثروات موزعة في أرض الله بالتساوي، بحيث لو أخذتَ قطاعاتٍ متساوية من أراض مختلفة لوجدتَ أن الثروات بها متساوية: هذه بها ماء، وهذه مزروعات، وهذه معادن، وهذه بترول وهكذا. فهي أشبه بالبطيخة حين تقسمها إلى قِطع متساوية من السطح إلى المركز.
لذلك يقول تعالى: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} [الحجر: 21] .

(15/9219)

إذن: فالخير موجود ينتظر القَدَر ليظهر لنا وننتفع به.
ثم يقول تبارك وتعالى: {وَإِن تَجْهَرْ بالقول}

(15/9220)

وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7)

الحق سبحانه وتعالى حينما يطلب من رسوله أن يذكر يريد منه أن يُذكِّر تذكيراً مرتبطاً بنيته، لا ليقطع العَتْب عنه نفسه، فالمسألة ليست جهراً بالتذكير.
وإذا كان تعالى يقول لرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: إنني سأحرس سرك كما أحرس علانيتك، وأن الجهر عندي مثل السر، بل وأخفى من السر، وهو صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مؤتمن على الرسالة فإنه تعالى يقول أيضاً لأمته: إياكم أن تقولوا كلاماً ظاهره فيه الرحمة، ونيتكم غير مستقرة عليه؛ لأن الله كما يعلم الجهر يعلم السر، وما هو أخفى من السر.
وتكلمنا عن الجهر، وهو أن تُسمع مَنْ يريد أن يسمع، والسر: أن تخصَّ واحداً بأن تضع في أذنه كلاماً لا تحب أن يشيع عند الناس، وتهمس في أذنه بأنك المأمون على هذا الكلام، وأنت ترتاح نفسياً حينما تُلقِي بسرِّك إلى مَنْ تثق فيه، وتأمن أَلاَّ يذيعه، وهناك في حياة كل منا أمور تضيق النفس بها، فلا بُدَّ لك أن تُنفِّسَ عن نفسك، كما قال الشاعر:
وَلاَ بُدَّ مِنْ شَكْوَى إِلَى ذِي مُرُوءَةٍ ... يوَاسِيكَ أَوْ يُسْلِيكَ أَوْ يتوجَّعُ
فأنت إذن في حاجة لمَنْ يسمع منك ليريحك، ويُنفِّس عنك، ولا يفضحك بما أسررْتَ إليه.

(15/9220)

ومعنى {وَأَخْفَى} [طه: 7] أي: أَخْفى من السر، فإنْ كان سِرُّك قد خرج من فمك إلى أذن سامعك، فهناك ما هو أَخْفَى من السر، أي: ما احتفظتَ به لنفسك ولم تتفوَّه به لأحد.
لذلك يقول تعالى: {وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ اجهروا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور} [الملك: 13] أي: مكنوناتها قبل أن تصير كلاماً.
وقال أيضاً: {وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} [ق: 16] فوسوسة النفس، وذات الصدور هي الأَخْفى من السر، فلديْنَا إذن جَهْر، وسِرٌّ، وأخفى من السر، لكن بعض العارفين يقول: وهناك في علم الله ما هو أخْفى من الأَخفى، فما هو؟ يقول: إنه تعالى يعلم ما سيكون في النفس قبل أن يكون.
وبعد ذلك جاء الحق سبحانه بالكلمة التي بعث عليها الرسل جميعاً: {الله لا إله إِلاَّ هُوَ}

(15/9221)

اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (Cool

هذه الكلمة (لا إله إلا هو) هي قمة العقيدة، وقال عنها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «خير ما قلته أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله» .
وما دام لا إله إلا الله، فهو سبحانه المؤْتَمن عليك، فليس هناك إله آخر يُعقِّب عليه، فاعمل لوجهه يكْفك كل الأوجه وتريح نفسك أن تتنازعك قوى شتى ومختلفة، ويُغنيك عن كل غنى.
«وحينما دخل أعرابي على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وهو يتكلم مع أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه

(15/9221)

لم يفهم من كلامهما شيئاً، فقال: يا رسول الله أنا لا أُحسن دندنتك ولا دندنة أبي بكر، أنا لا أعرف إلا: لا إله إلا الله محمد رسول الله. فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:» حَوْلَها ندندن يا أخا العرب «.
فهي الأساس والمركز الذي يدور حوله الإسلام.
وكلمة (اللهُ) عَلَم على واجب الوجود بكل صفات الكمال له، فهو الله الموجود، الله القادر، الله العالم، الله الحيّ، الله المحيي، الله الضار. فكل هذه صفات له سبحانه، لكن هذه الصفات لما بلغتْ حَدَّ الكمال فيه تعالى أصبحتْ كالاسم العَلَم، بحيث إذا أُطلِق الخالق لا ينصرف إلا له، والرازق لا ينصرف إلا له.
وقد يشترك الخلْق مع الخالق في بعض الصفات، كما في قوله تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ القسمة أُوْلُواْ القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم} [النساء: 8] .
فالإنسان أيضاً يرزق، لكن رزقه من باطن رزق الله، فهو سبحانه الرازق الأعلى، ومن بَحْره يغترف الجميع.
وكما في قوله تعالى: {فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين} [المؤمنون: 14] وقال تعالى: {وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً} [العنكبوت: 17] .
ومعنى ذلك أن هناك خالقين غيره سبحانه، ومعنى الخَلْق:

(15/9222)

الإيجاد من عدم، فالذي جاء بالرمل وصنع منه كوباً فهو خالق للكوب، فأنت أوجدتَ شيئاً من عدم، والله تعالى أوجد شيئاً من عدم، ولكنك أوجدت من موجود الله قبل أن توجد أنتَ، فهو إذن أحسن الخالقين في حين لم يضِنّ عليك ربك بأنْ ينصفك ويسميك خالقاً. وهذا يوجب عليك أنْ تنصفه سبحانه وتقول {أَحْسَنُ الخالقين} [المؤمنون: 14] .
وأيضاً، فإن الله تعالى إذا احترم إيجادك لمعدوم فسمَّاك خالقاً له، ولم يَضِنّ عليك فأعطاك صفة من صفاته إنما أخبرك أنه أحسن الخالقين؛ لأنك تُوجِد معدوماً يظل على إيجادك ويجمد على هذه الحالة، لكن الخالق سبحانه وتعالى يُوجِد معدوماً ويمنحه الحياة، ويجعله يتلقى بمثله ويُنجب، فهل يستطيع الإنسان الذي أوجد كوباً أن يجعل منه ذكراً وأنثى ينتجان لنا الأكواب؟ {وهل يكبر الكوب الصغير، أو يتألم إنْ كُسِر مثلاً؟}
إذن: فالخالق سبحانه هو أحسن الخالقين، وكذلك هو خير الرازقين، وخَيْر الوارثين، وخَيْر الماكرين.
وقوله تعالى: {لَهُ الأسمآء الحسنى} [طه: 8] الحُسْنى: صيغة تفضيل للمؤنث مثل: كُبْرى، تقابل «أحسن» للمذكر. إذن: فهناك أسماء حسنة هي أسماء الخَلْق، أما أسماء الله فحسنى؛ لأنها بلغتْ القمة في الكمال، ولأن الأسماء والصفات التي تنطبق عليها موجودة في الخالق الأعلى سبحانه، فحين تقول في أسماء الله تعالى (الرازق) فهي الصفة الحُسْنى لا الحسنة.

(15/9223)

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://abubaker.jordanforum.net
 
خواطر--يتبع—45 يقول تعالى: لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (87)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» خواطر--يتبع—23-- ثم يقول تعالى عن الإفسادة الثانية لبني إسرائيل: {فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخرة لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ المسجد كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً} [الإسراء: 7]
» {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا(78)}
» خواطر--يتبع—10-- ثم يقول تعالى: {حتى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ. .} [الإسراء: 34]
» خواطر--يتبع—44 ثم يقول تعالى: {حتى إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ إِمَّا العذاب وَإِمَّا الساعة} [مريم: 75] .
» خواطر--يتبع—15-- ثم يقول تعالى: {وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً} [الإسراء: 52] الظن: خبر راجح؛ لأنهم مذبذبون في قضية البعث لا يقين عندهم بها.

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الأصدقاء :: ;"> >>> خواطر دينية <<<
 ::  قسم إيمانيات وأخرى ( إيمانيات ومعاني وغير ذلك )
-
انتقل الى: