أهوال يوم القيامة
النفخ في الصور ، قال تعالى :" و نفخ في الصور فصعق من في السموات و من في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون "
وقال تعالى :" إذا زلزلت الأرض زلزالها ........................"
فبعد النفخة الثانية يقوم الناس لرب العالمين فذلك البعث .
منهم من يخرج النور من وجهه و من أعضاء وضوئه ،
و منهم من نوره كالقمر ليلة البدر ،
و منهم من نوره يضيء كالشمس ،
و منهم من يقوم و عليه تاج من اللؤلؤ و الياقوت ، و منهم من يقوم بنور ضعيف باهت ،
و منهم من يقوم و يشعر بالظلمة تحيط به من كل جانب و لا يعرف أين يضع قدمه ،
و منهم من تحيط به ملائكة العذاب يفزعونه و يعذبونه .
و هكذا يساق الناس إلى أرض المحشر تحيط بهم الملائكة في سبعة صفوف ،
فمنهم من يذهب إلى أرض المحشر ماشيا و منهم راكبا و صنفا يمشي على وجهه .
" و جاء ربك و الملك صفا صفا ، و جيء يومئذ بجهنم .................. "
و كما أخبر المصطفى صلى الله عليه و سلم أنه يؤتي بجهنم و لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها ،
و عندما يؤتي بها و لها دوي ، و لها صوت مخيف
، فعندما ترى الخلائق ، تزمجر و تفور فتنفلت
من أيدي الملائكة ثم تقبل على الناس تريد أن تلتهم
فيأمرها الله سبحانه و تعالى قفي فتقف
و قيل تتراجع إلى الخلف مسيرة خمسمئة عام .
و ذلك قوله تعالى " إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا و زفيرا "
و قوله تعالى " سمعوا لها شهيقا و هي تفور "
و روى الترمذي حديثا قال عنه حسن صحيح غريب : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال " يخرج عنق من النار يوم القيامة لها عينان تبصران ، و أذنان تسمعان ، و لسان ينطق ، و يقول :
إني وكلت بثلاثة : بمن دعا مع الله إلها آخر ، و بكل جبار عنيد و بالمصورين "
و في ذلك اليوم الذي مقداره خمسين ألف سنة ، تدنوا الشمس من الرؤوس من حرارة الشمس و يسيل عرق الناس ، عرقا حارا
حتى يمتد في الأرض سبعين ذراعا بعد الخلائق ، و حتى لو أجريت المراكب في العرق لجرت ،
و العرق حسب عمل الإنسان ،
فمنهم من عرقه إلى كعبيه ،
و منهم من عرقه إلى أنصاف ساقيه ،
و منهم إلى وسطه ،
و منهم إلى كتفيه ،
و منهم من يلجمه العرق إلجاما
ذلك اليوم أيها الإخوة الذي قال عنه المولى جل و علا :" يأيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم ، يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت و تضع كل ذات حمل حملها و ترى الناس سكارى و ما هم بسكارى و لكن عذاب الله شديد "
فإن من شدة الفزع و الهول تنسى الأم ولدها ،
و تسقط الحامل ما في بطنها ،
و ترى الناس مذهولين كأنهم سكارى من الخوف
" يوما يجعل الولدان شيبا "
فالكفار و المنافقون في ذلك اليوم يحشرون عميانا سود الوجوه
قال تعالى :" و من أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا و نحشره يوم القيامة أعمى "
أما حال بعض العصاة و الغير التائبين ، و يفضحهم الله سبحانه و تعالى يوم القيامة .
فالمتكبرون يحشرون كالذر ( و هو النمل الصغير ) يهينهم الله يوم القيامة و يصغرهم حتى تطؤهم الخلائق بالأقدام لهوانهم و حقارتهم كما قال صلى الله عليه و سلم :" المتكبرون يوم القيامة كالذر تطؤهم الخلائق بالأقدام "
آكلو الربا : يحشرون يوم القيامة كالمجانين بسبب أكلهم الربا : قال تعالى :" الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ، ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا و أحل الله البيع و حرم الربا "
و يقال لهم يوم القيامة خذوا أسلحتكم فيقولون لماذا ؟ فيقال لهم حتى تحاربون الله سبحانه
فقد قال تعالى في الذين لا يتركون الربا " فأذنوا بحرب من الله و رسوله "
الذين يسألون الناس من غير حاجة _ و هم الذين يشحذون : يحشرون و ليس في وجوههم لحم بل عظام كالحة ، لا يوجد على وجوههم قطعة لحم ، العظام فقط .
روى البخاري و مسلم أن النبي صلى الله عليه و سلم قال :" لا يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة و ليس في وجهه مزعة لحم
"
مانعوا الزكاة : يعذبون بالمال الذي منعوا زكاته ، سواء كان نقدا أو إبلا أو بقرا أو غنما أو غير ذلك ، و الناس يشهدون عذابهم في الموقف
فالغنم مثلا الذي لم يؤدى زكاته يطؤون صاحبهم يوم القيامة و ينطحونه بقرونهم و لا يوجد في واحدة منها قرن ملتو ، بل جميعها لها قرون منتصبة تنطح صاحبها ، كما أخبر بذلك المصطفى صلى الله عليه و سلم .
و قال تعالى :" و الذين يكنزون الذهب و الفضة و لا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ، يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم و جنوبهم و ظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون "
و بعض الناس يوم القيامة كالمشلول بالشلل النصفي ، و هو الذي لا يعدل بين زوجاته في الدنيا ( و العدل هذا يكون في النفقة و ما شابهها ) فقد روى أصحاب السنن أن النبي صلى الله عليه و سلم قال :" من كانت له امرأتان و لم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه مائل "
و في ذلك اليوم أيها الإخوة و مع كل تلك المشاهد ،ى ينادى المولى جل و علا : أين عبادي ، أين أحبابي ، أين المؤمنون ، أين غرباء الدين ، أين الذين كانوا يعابون و يستهزؤا بهم و يسخر بهم لأنهم مسلمون ، أين الصادقون ، أين الصابرون ، أين العلماء العاملون ، أين المرأة المؤمنة التي عاشت طاهرة عفيفة ، أين المتقون يا عبادي أيها المطيعون اليوم لا ينالكم ذل و لا رهق .
و لا ينالكم حر و لا برد ، و لا ينالكم شدة و لا هوان ، و لكن تعالوا لتجلسوا في ظل عرش الرحمن ، و الله تعالى يرسل سحبا تظلل المؤمنين و ينزل لهم كراسي على قدر أعمالهم :
فمنهم من له كراسي من نور ، و منهم من له كراسي من جواهر ، و منهم من له كراسي من خشب يجلسون عليها ، ثم لا يشعرون بطول الموقف كما لا يشعرون بطول مدة القبر ، لأنهم أحباب الله .
و لذلك ورد أن الله ينادي أين المتحابون في ، أين المتجالسون في الذين أحب بعضهم بعضا لله ، و الذين تزاوروا لله و الذين تجالسوا لله و الذين عاشوا يطلبون رضى الله .... أين هؤلاء فهم اليوم في مكان صدق و عزه
وورد في الحديث القدسي الصحيح أن الله سبحانه و تعالى يقول :" المتحابون في جلالي أنصب لهم يوم القيامة منابر من نور يغبطهم النبيون و الشهداء و ليسوا بأنبياء و لا شهداء "
و روى البخاري و مسلم أن النبي صلى الله عليه و سلم يقول :" سبعة يظلهم الله و في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل ، و شاب نشأ في عبادة الله ، و رجل قلبه معلق بالمساجد ، و رجلان تحابا في الله و اجتمعا عليه و تفرقا عليه ، و رجل دعته امرأة ذات حسن و جمال فقال إني أخاف الله ، و رجل تصدق بصدقة فأخفاها لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، و رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه "
فهؤلاء السبعة أصناف من الناس يكونون في ظل العرش و الناس في الشمس
و الصدقة كذلك تكون فوق صاحبها كالظلة تقيه من حر الشمس و تكون له وقاية من النار .
و المصلون يأتون يوم القيامة و لهم نور في وجوههم و في أيديهم و أرجلهم
كما قال تعالى :" يوم ترى المؤمنين و المؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم و بأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم "
و المؤذنون يكونون أطوال الناس أعناقا يوم القيامة و يعرفون بأنهم كانوا مؤذنين في الدنيا
فقد روى مسلم أن النبي صلى الله عليه و سلم :" المؤذنون أطوال الناس أعناقا يوم القيامة "
و هكذا أيها الإخوة يجلس المؤمنون يوم القيامة في ظل عرش الرحمن و ينظرون بأعينهم عن بعد يزيد عن خمسمائة عام ، فيرون آثار الجنة عن بعد ، و ما فيها من نعيم و رحمة فتمر عليهم مدة المحشر كأنها صلاة ظهر أو صلاة عصر لا يشعرون بطول و لا يحزنون
:" لا يحزنهم الفزع الأكبر و تتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون"
يقول ابن الجوزي :
ينادي الجليل جل جلاله :" يا عبادي لا خوف عليكم اليوم و لا أنتم تحزنون"
فإذا سمع الخلق هذا النداء رفعوا رؤوسهم و طمعوا كلهم في هذا النداء و قالوا كلهم نحن عباد الله ،
ثم ينادي ثانية " الذين آمنوا بآيتنا و كانوا مسلمين"فعند ذلك ينكس رأسه كل من لم يكن مسلما ، فتبقى أهل الأديان
متحيرين و يفرح المسلمون ،
ثم ينادي الثالثة " الذين آمنوا و كانوا يتقون " أي كانوا يتقون الكبائر ـ فينكس أهل الكبائر من أهل التوحيد رؤوسهم و يرفع سائر أهل التوحيد رؤوسهم الذين اجتنبوا الكبائر و تابوا عنها توبة نصوحا .