الثبات يوم القيامة على الصراط
قال تعالى:
(وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً }
والمراد بالورود هنا المرور على الصراط.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال:
قال رسول الله صل الله عليه وسلم:
( يضرب الصراط بين ظهراني جهنم فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته،
ولا يتكلم يومئذ أحد إلا الرسل، وكلام الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم... الحديث)
رواه البخاري ومسلم.
وقد روي أن الله يلقي على الناس يوم القيامة ظلمة حالكة السواد، فلا يستطيع أحد في أرض الموقف
أن يخطو خطوة واحدة إلا بنور،
قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه
( فمنهم من يكون نوره كالجبل، ومنهم من يكون نوره كالنخلة، ومنهم من
يكون نوره كالرجل القائم، ومنهم من يكون نوره على إبهامه يتقد مرة
وينطفئ مرة وهذا أقلهم نوراً، ومنهم من تحوطه الظلمة من كل ناحية )
رواه أحمد وصححه الألباني.
{وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }الأنعام153
عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ، وَعَلَى جَنْبَتَيْ الصِّرَاطِ سُورَانِ فِيهِمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ ، وَعَلَى الْأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ ، وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ : أَيُّهَا النَّاسُ ! ادْخُلُوا الصِّرَاطَ جَمِيعًا ، وَلَا تَتَفَرَّجُوا ، وَدَاعٍ يَدْعُو مِنْ جَوْفِ الصِّرَاطِ ، فَإِذَا أَرَادَ يَفْتَحُ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ قَالَ : وَيْحَكَ لَا تَفْتَحْهُ ! فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ ، وَالصِّرَاطُ الْإِسْلَامُ ، وَالسُّورَانِ حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى ، وَالْأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ مَحَارِمُ اللَّهِ تَعَالَى ، وَذَلِكَ الدَّاعِي عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَالدَّاعِي فَوْقَ الصِّرَاطِ وَاعِظُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ ) .
صححه الحاكم في "المستدرك" (1/144) على شرط مسلم، وكذا الذهبي في التلخيص، وحسنه محققو مسند أحمد، والشيخ الألباني في "صحيح الجامع" (3887 الصِّرَاطُ بَيْنَ
ظَهْرَانَيْ جَهَنَّمَ عَلَيْهِ حَسَكٌ كَحَسَكِ السَّعْدَانِ
(حديث مرفوع) قَالَ : وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ , قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُغِيرَةِ , عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرٍو , عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَقُولُ : " يُوضَعُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ جَهَنَّمَ عَلَيْهِ حَسَكٌ كَحَسَكِ السَّعْدَانِ , ثُمَّ يَسْتَجِيزُ النَّاسُ : فَنَاجٍ مُسَلَّمٍ وَمَخْدُوشٌ ثُمَّ نَاجٍ ، وَمُحْتَبِسٌ مَنْكُوسٌ فِيهَا " .
وعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال في ذكر مشاهد يوم القيامة : ( ثم يضرب الجسر على جهنم، وتحل الشفاعة، ويقولون: اللهم سلم سلم، قيل: يا رسول الله وما الجسر ؟ قال: دحض مزلة، فيه خطاطيف وكلاليب وحسك - شوكة صلبة -، تكون بنجد، فيها شويكة، يقال لها: السعدان، فيمر المؤمنون كطرف العين، وكالبرق، وكالريح، وكالطير، وكأجاويد الخيل والركاب، فناج مسلّم، ومخدوش مرسل، ومكدوس في نار جهنم ) رواه مسلم .
دلت الأحاديث السابقة على أن الصراط دحضٌ مزلةٌ، أي: موضع تزل فيه الأقدام ولا تستقر، على حافتيه خطاطيف وكلاليب وحَسَك أي – شوك صلب من حديد - وهو أدق من الشعر، وأحد من السيف، كما روى ذلك مسلم عن أبي سعيد – رضي الله عنه – موقوفاً قال: ( بلغني أن الجسر أدق من الشعرة، وأحد من السيف ).
والمخدوش من تمزق جلده بفعل الكلاليب، والمكدوس من يرمى في النار فيقع فوق سابقه مأخوذ من تكدست الدواب في سيرها إذا ركب بعضها بعضا.
فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي - صلى الله عليه وسلم –: ( فيمر أولكم كالبرق، قال: قلت بأبي أنت وأمي، أي شيء كمر البرق ؟ قال: ألم تروا إلى البرق كيف يمر، ويرجع في طرفة عين ؟ ثم كمر الريح، ثم كمر الطير، وشد الرجال تجري بهم أعمالهم، ونبيكم قائم على الصراط، يقول: رب سلم سلم، حتى تعجز أعمال العباد، حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفا، قال: وفي حافتي الصراط كلاليب - جمع كَلُّوب حديدة معطوفة الرأس – معلقة مأمورة بأخذ من أمرت به فمخدوش ناج، ومكدوس في النار ) رواه مسلم
الثبات يوم القيامة على الصراط
الثبات يوم القيامة على الصراط بالثبات في هذه الدار، وعلى قدر ثبوت قدم العبد على هذا الصراط الذي نصبه الله لعباده في هذه الدار، يكون ثبوت قدمه على الصراط المنصوب على متن جهنم . وعلى قدر سيره على هذه الصراط يكون سيره على ذاك الصراط.
فهذا الصراط خاص بتنقية المؤمنين من الذنوب المتعلقة بالعباد حتى يدخلوا الجنة وليس في قلوبهم غلٌ ولا حسدٌ لأحدٍ، كما وصف الله أهل الجنة فقال: {ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين} ( الحجر: 47)