الصبر
قال تعالى: { استعينوا بالصبر والصلاة إن اللَّه مع الصابرين } .
عَنْ أبي يَحْيَى صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : «عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن : إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ » رواه مسلم .
وَعَنْ أبي هُرَيْرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه قال : قال رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « مَا يَزَال الْبَلاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمؤمِنَةِ في نَفْسِهِ وَولَدِهِ ومَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّه تعالى وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ» رواه التِّرْمِذيُّ وقال : حديثٌ حسنٌ صحِيحٌ .
وَعنْ أَبي سَعيدٍ وأَبي هُرَيْرة رضي اللَّه عَنْهُمَا عن النَّبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ : «مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حَزَن وَلاَ أَذًى وَلاَ غمٍّ ، حتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُها إِلاَّ كفَّر اللَّه بهَا مِنْ خطَايَاه » متفقٌ عليه .
و « الْوَصَب » : الْمرضُ .
وعنْ أبي زيْد أُسامَة بن زيد حَارثَةَ موْلَى رسُول الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وحبَّهِ وابْنِ حبِّهِ رضـِيَ الله عنهُمَا ، قالَ : أَرْسلَتْ بنْتُ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : إنَّ ابْنِي قَدِ احتُضِرَ فاشْهدْنَا ، فأَرسَلَ يقْرِئُ السَّلامَ ويَقُول : « إن للَّه مَا أَخَذَ ، ولهُ مَا أعْطَى ، وكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بأجَلٍ مُسمَّى ، فلتصْبِر ولتحْتسبْ » فأرسَلَتْ إِليْهِ تُقْسمُ عَلَيْهِ ليأْتينَّها. فَقَامَ وَمَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبادَةَ، وَمُعَاذُ ابْنُ جَبَلٍ ، وَأُبَيُّ بْنَ كَعْبٍ ، وَزَيْدُ بْنِ ثاَبِتٍ ، وَرِجَالٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، فَرُفِعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم الصبيُّ ، فأقعَدَهُ في حِجْرِهِ ونَفْسُهُ تَقعْقعُ ، فَفَاضتْ عَيْناهُ ، فقالَ سعْدٌ : يَا رسُولَ الله مَا هَذَا ؟ فقالَ: « هَذِهِ رَحْمةٌ جعلَهَا اللَّهُ تعَلَى في قُلُوبِ عِبَادِهِ » وفي روِايةٍ : « في قُلُوبِ منْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ منْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وعنْ أَنَسٍ رضي اللَّه عنه قال : كَانَ ابْنٌ لأبي طلْحةَ رضي اللَّه عنه يَشْتَكي ، فخرج أبُو طَلْحة ، فَقُبِضَ الصَّبِيُّ ، فَلَمَّا رَجَعَ أَبُو طَلْحةَ قال : ما فَعَلَ ابنِي ؟ قَالَت أُمُّ سُلَيْم وَهِيَ أُمُّ الصَّبيِّ : هو أَسْكَنُ مَا كَانَ ، فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ الْعَشَاءَ فَتَعَشَّى ، ثُمَّ أَصَابَ مِنْهَا، فَلَمَّا فرغَ قَالَتْ : وارُوا الصَّبيَّ ، فَلَمَّا أَصْبحَ أَبُو طَلْحَة أَتَى رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَأَخْبرهُ، فَقَالَ: « أَعرَّسْتُمُ اللَّيْلَةَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قال : « اللَّهمَّ باركْ لَهُما » فَولَدتْ غُلاماً فقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ : احْمِلْهُ حتَّى تَأَتِيَ بِهِ النبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، وبَعثَ مَعهُ بِتمْرَات ، فقال : «أَمعهُ شْيءٌ ؟ » قال : نعمْ ، تَمراتٌ فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَمضَغَهَا ، ثُمَّ أَخذَهَا مِنْ فِيهِ فَجَعَلَهَا في في الصَّبيِّ ثُمَّ حَنَّكَه وسمَّاهُ عبدَ اللَّهِ متفقٌ عليه .
وفي روايةٍ للْبُخَاريِّ : قال ابْنُ عُيَيْنَة : فَقَالَ رجُلٌ منَ الأَنْصارِ : فَرَأَيْتُ تَسعة أَوْلادٍ كلُّهُمْ قدْ قَرؤُوا الْقُرْآنَ ، يعْنِي مِنْ أَوْلادِ عَبْدِ اللَّه الْموْلُود .
وفي روايةٍ لمسلِم : ماتَ ابْنٌ لأبِي طَلْحَةَ مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ ، فَقَالَتْ لأهْلِهَا : لا تُحَدِّثُوا أَبَا طَلْحَةَ بابنِهِ حتَّى أَكُونَ أَنَا أُحَدِّثُهُ ، فَجَاءَ فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ عَشَاءً فَأَكَلَ وشَرِبَ ، ثُمَّ تَصنَّعتْ لهُ أَحْسنَ ما كانتْ تَصَنَّعُ قَبْلَ ذلكَ ، فَوقَعَ بِهَا ، فَلَمَّا أَنْ رأَتْ أَنَّهُ قَدْ شَبِعِ وأَصَابَ مِنْها قَالتْ: يا أَبَا طلْحةَ ، أَرَايْتَ لَوْ أَنَّ قَوْماً أَعارُوا عارِيتهُمْ أَهْل بيْتٍ فَطَلبوا عاريَتَهُم ، ألَهُمْ أَنْ يمْنَعُوهَا؟ قَالَ : لا ، فَقَالَتْ : فاحتسِبْ ابْنَكَ . قَالَ : فغَضِبَ ، ثُمَّ قَالَ : تركتنِي حتَّى إِذَا تَلطَّخْتُ ثُمَّ أَخْبرتِني بِابْني ، فَانْطَلَقَ حتَّى أَتَى رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فأخْبَرهُ بما كَانَ ، فَقَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « بَاركَ اللَّه لكُما في ليْلتِكُما » .
قال : فحملَتْ ، قال : وكَانَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم في سفَرٍ وهِي مَعَهُ وكَانَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إِذَا أَتَى الْمَدِينَةِ مِنْ سَفَرٍ لاَ يَطْرُقُها طُرُوقاً فَدنَوْا مِنَ الْمَدِينَةِ ، فَضَرَبَهَا الْمَخاضُ ، فَاحْتَبَس عَلَيْهَا أَبُو طلْحَةَ ، وانْطلَقَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم . قَالَ : يقُولُ أَبُو طَلْحةَ إِنَّكَ لتعلمُ يَا ربِّ أَنَّهُ يعْجبُنِي أَنْ أَخْرُجَ معَ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إِذَا خَرَجَ ، وأَدْخُلَ مَعهُ إِذَا دَخَلَ ، وقَدِ احْتَبَسْتُ بِما تَرى . تقولُ أُمُّ سُلَيْمٍ : يا أَبَا طلْحةَ مَا أَجِد الَّذي كنْتُ أَجِدُ ، انْطَلِقْ ، فانْطَلقْنَا ، وضَربهَا المَخاضُ حينَ قَدِمَا فَولَدتْ غُلاماً . فقالَتْ لِي أُمِّي : يا أَنَسُ لا يُرْضِعُهُ أَحدٌ تَغْدُوَ بِهِ عَلَى رسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فلمَّا أَصْبحَ احتملْتُهُ فانطَلقْتُ بِهِ إِلَى رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم . وذَكَرَ تمامَ الْحَدِيثِ .
وعنْ أَنسٍ رضِيَ الله عنْهُ قَالَ : لمَّا ثقُلَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم جَعَلَ يتغشَّاهُ الكرْبُ فقَالتْ فاطِمَةُ رَضِيَ الله عنْهَا : واكَرْبَ أبَتَاهُ ، فَقَالَ : « ليْسَ عَلَى أبيك كرْبٌ بعْدَ اليَوْمِ » فلمَّا مَاتَ قالَتْ : يَا أبتَاهُ أَجَابَ ربّاً دعَاهُ ، يا أبتَاهُ جنَّةُ الفِرْدَوْسِ مأوَاهُ ، يَا أَبَتَاهُ إِلَى جبْريلَ نْنعَاهُ ، فلَمَّا دُفنَ قالتْ فاطِمَةُ رَضِيَ الله عَنهَا : أطَابتْ أنفسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا عَلَى رسُول الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم التُّرابَ ؟ روَاهُ البُخاريُّ .
وَمَعْنَى « تَقَعْقَعُ » : تَتحَرَّكُ وتَضْطَربُ .
وَعَنْ أبي هَرَيرَةَ رَضي اللَّه عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ : « يَقولُ اللَّهُ تَعَالَى: مَا لِعَبْدِي المُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إِذَا قَبضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبهُ إِلاَّ الجَنَّة » رواه البخاري
وعَنْ أَنسٍ رضي اللَّه عنه قال : سَمِعْتُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقولُ : « إنَّ اللَّه عَزَّ وجَلَّ قَالَ : إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبدِي بحبيبتَيْهِ فَصبَرَ عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الْجنَّةَ » يُريدُ عينيْه ، رواه البخاريُّ .
وعن أنس رضي اللَّه عنه قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بعبْدِهِ خَيْراً عجَّلَ لَهُ الْعُقُوبةَ في الدُّنْيَا ، وإِذَا أَرَادَ اللَّه بِعبدِهِ الشَّرَّ أمسَكَ عنْهُ بذَنْبِهِ حتَّى يُوافِيَ بهِ يَومَ الْقِيامةِ » .
وقَالَ النبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « إِنَّ عِظَمَ الْجزاءِ مَعَ عِظَمِ الْبلاءِ ، وإِنَّ اللَّه تعالى إِذَا أَحَبَّ قَوماً ابتلاهُمْ ، فَمنْ رضِيَ فلَهُ الرضَا ، ومَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ » رواه الترمذي وقَالَ: حديثٌ حسنٌ .
وعنْ أبي عبدِ اللَّهِ خَبَّابِ بْن الأَرتِّ رضيَ اللَّهُ عنه قال : شَكَوْنَا إِلَى رسولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَهُو مُتَوسِّدٌ بُردةً لَهُ في ظلِّ الْكَعْبةِ ، فَقُلْنَا : أَلا تَسْتَنْصرُ لَنَا أَلا تَدْعُو لَنَا ؟ فَقَالَ : قَد كَانَ مَنْ قَبْلكُمْ يؤْخَذُ الرَّجُلُ فيُحْفَرُ لَهُ في الأَرْضِ في جْعلُ فِيهَا ، ثمَّ يُؤْتِى بالْمِنْشارِ فَيُوضَعُ علَى رَأْسِهِ فيُجعلُ نصْفَيْن ، ويُمْشطُ بِأَمْشاطِ الْحديدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعظْمِهِ ، ما يَصُدُّهُ ذلكَ عَنْ دِينِهِ ، واللَّه ليتِمنَّ اللَّهُ هَذا الأَمْر حتَّى يسِير الرَّاكِبُ مِنْ صنْعاءَ إِلَى حَضْرمْوتَ لا يخافُ إِلاَّ الله والذِّئْبَ عَلَى غنَمِهِ ، ولكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ » رواه البخاري .
وفي رواية : « وهُوَ مُتَوسِّدٌ بُرْدةً وقَدْ لقِينَا مِنَ الْمُشْركِين شِدَّةً »