فائدة: رأيت في كتاب الدعاء للشيخ الإمام العلامة أبي بكر محمد بن الوليد الفهري الطرطوشي، ويعرف بابن أبي رنده بالراء المهملة المفتوحة وتسكين النون، وهو إمام ورع أديب متقلل، وفاته بالأسكندرية سنة اثنتين وخمسمائة، عن مطرف بن عبد الله بن أبي مصعب المدني أنه قال: دخلت على المنصور فوجدته مغموماً حزيناً قد امتنع من الكلام، لفقد بعض أحبته فقال لي: يا مطرف طرقني من الهم ما لا يكشفه إلا الله الذي بلا به، فهل من دعاء أدعو به عسى يكشفه الله عني؟ فقلت: يا أمير المؤمنين حدثني محمد بن ثابت عن عمر بن ثابت البصري قال: دخلت في أذن رجل من أهل البصرة بعوضة حتى وصلت إلى صماخه فأنصبته وأسهرته ليله ونهاره، فقال له رجل من أصحاب الحسن البصري: يا هذا ادع بدعاء العلاء بن الحضرمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي دعا به في المفازة وفي البحر فخلصه الله تعالى. فقال له الرجل: وما هو رحمك الله؟ فقال قال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: بعث العلاء بن الحضرمي في جيش، كنت فيهم، إلى البحرين فسلكنا مفازة فعطشنا عطشاً شديداً حتى خفنا الهلاك، فنزل العلاء وصلى ركعتين ثم قال: يا حليم يا عليم يا علي يا عظيم اسقنا، فجاءت سحابة كأنها جناح طائر، فقعقعت علينا وأمطرتنا حتى ملأنا الانية، وسقينا الركاب ثم انطلقنا حتى أتينا على خليج من البحر، ما خيض قبل ذلك اليوم، ولا خيض بعده، فلم نجد سفناً فصلى العلاء ركعتين، ثم قال: يا حليم يا عليم يا علي يا عظيم أجرنا، ثم أخذ بعنان فرسه ثم قال بسم الله جوزوا. قال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: فمشينا على الماء فوالله ما ابتل لنا قدم ولا خف ولا حافر. وكان الجيش أربعة آلاف. قال فدعا الرجل بها فوالله ما برحنا حتى خرجت من أذنه لها طنين، حتى صكت الحائط وبرأ الرجل.
قال: فاستقبل المنصور القبلة ودعا بهذا الدعاء ساعة ثم أقبل بوجهه إلي وقال: يا مطرف قد كشف الله عني ما كنت أجده من الهم، ودعا بالطعام فأجلسني فأكلت معه.
ويقرب من هذا ما حكاه ابن خلكان في ترجمة موسى الكاظم بن جعفر الصادق أن هارون الرشيد حبسه في بغداد ثم دعا صاحب شرطته ذات يوم فقال له: رأيت في منامي حبشياً أتاني، ومعه حربة، وقال: إن لم تخل عن موسى بن جعفر وإلا نحرتك بهذه الحربة فاذهب فخل عنه وأعطه ثلاثين ألف درهم، وقل له إن أحببت المقام عندنا فلك عندي ما تحب، وإن أحببت المضي إلى المدينة فامض. قال صاحب الشرطة: ففعلت ذلك وقلت له: لقد رأيت من أمرك عجباً فقال: أنا أخبرك بينما أنا نائم إذ أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا موسى حبست مظلوماً، فقل هذه الكلمات فإنك لا تبيت هذه الليلة في السجن، قل: يا سامع كل صوت ويا سابق كل فوت ويا كاسي العظام لحماً ومنشرها بعد الموت، أسألك بأسمائك العظام وبإسمك الأعظم الأكبر المخزون المكنون الذي لم يطلع عليه أحد من المخلوقين يا حليماً ذا أناة لا يقدر على آناته يا ذا المعروف الذي لا ينقطع معروفه أبداً، ولا نحصي له عدداً، فرج عني. فكان ما ترى.
(1/125)
الصفحة السابقة // الصفحة التالية
http://islamport.com/w/adb/Web/542/125.htm