135 - التاسع عشر: عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان ما أكل منه له صدقة وما سرق منه له صدقة ولا يرزؤه أحد إلا كان له صدقة رواه مسلم .
وفي رواية له لا يغرس مسلم غرسا ولا يزرع زرعا فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا شيء إلا كانت له صدقة وروياه جميعا من رواية أنس رضي الله عنه .
قوله يرزؤه أي ينقصه .
الشَّرْحُ
قال المؤلف - رحمه الله تعالى - في باب كثرة طرق الخيرات ما نقله عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر فيمن غرس غرسا فأكل منه شيء من إنسان أو حيوان أو طير أو غير ذلك أو نقص أي سرق منه فإنه له بذلك صدقة ففي هذا الحديث حث على الزرع وعلى الغرس وأن الزرع والغرس فيه الخير الكثير، فيه مصلحة في الدين ومصلحة في الدنيا .
أما مصلحة الدنيا: فما يحصل فيه من إنتاج ومصلحة الغرس والزرع ليست كمصلحة الدراهم والنقود لأن الزرع والغرس ينفع نفس الزارع والغارس وينفع البلد كله كل الناس ينتفعون منه بشراء الثمر وشراء الحب والأكل منه ويكون في هذا نمو للمجتمع وتكثير لخيراته بخلاف الدراهم التي توضع في الصناديق ولا ينتفع بها أحد .
أما المنافع الدينية: فإنه إن أكل منه طير عصفور أو حمامة أو دجاجة أو غيرها ولو حبة واحدة فإنه له صدقة سواء شاء ذلك أو لم يشأ حتى لو فرض أن الإنسان حين زرع أو حين غرس لم يكن بباله هذا الأمر فإنه إذا أكل منه كان له صدقة .
أعجب من ذلك لو سرق منه سارق كما لو جاء شخص مثلا إلى نخل وسرق منه تمرا فإن له في ذلك أجرا مع أني لو علمت بهذا السارق لشكوته إلى المحكمة ومع ذلك فإن الله تعالى يكتب له بهذه السرقة صدقة إلى يوم القيامة .
كذلك أيضا إذا أكل من هذا الزرع دواب الأرض وهوامها كان لصاحبه صدقة ففي هذا الحديث دلالة واضحة على حث النبي عليه الصلاة والسلام على الزرع وعلى الغرس لما فيه من المصلحة الدينية والمصالح الدنيوية .
وفيه دليل على كثرة طرق الخير فإن لصاحبه أجرا وله فيه الخير سواء نوى أو لم ينو وهذا كقوله تعالى لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا فذكر الله سبحانه وتعالى أن هذه الأشياء فيها خير سواء نويت أو ما نويت من أمر بصدقة أو أصلح بين الناس فهو خير ومعروف نوى أم لو ينو فإن نوى بذلك ابتغاء وجه الله فإن الله يقول { فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا } .
وفي هذا دليل على أن المصالح والمنافع إذا انتفع بها كانت خيرا لصاحبها وإن لم ينو فإن نوى زاد خيرا على خير وآتاه الله تعالى من فضله أجرا عظيما أسأل الله العظيم أن يمن علي وعليكم بالإخلاص والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم إنه جواد كريم .
136 - العشرون: عنه قال أراد بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم إنه قد بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد ؟ فقالوا نعم يا رسول الله قد أردنا ذلك فقال بني سلمة دياركم تكتب آثاركم دياركم تكتب آثاركم رواه مسلم .
وفي رواية إن بكل خطوة درجة رواه مسلم ورواه البخاري أيضا بمعناه من رواية أنس رضي الله عنه و بنو سلمة بكسر اللام قبيلة معروفة من الأنصار رضي الله عنهم وآثارهم خطاهم .
الشَّرْحُ
قال المؤلف - رحمه الله تعالى - ما نقله عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال أراد بنو سلمة أن يقربوا من المسجد ينتقلوا من ديارهم ومحلاتهم حتى يكونوا قرب مسجد النبي صلى الله عليه وسلم من أجل أن يدركوا الصلوات معه ويتلقوا من علمه فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فسألهم قال إنه قد بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد ؟ قالوا نعم يا رسول الله قد أردنا ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دياركم تكتب آثاركم قالها مرتين وبين لهم أن لهم بكل خطوة حسنة أو درجة .
ففي هذا الحديث دليل على أنه إذا مشى الإنسان إلى المسجد فإنه لا يخطو خطوة إلا رفع له بها درجة وقد جاء ذلك مفسرا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من توضأ فأسبغ الوضوء ثم خرج من بيته إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا كتب الله له بها درجة وحط عنه بها خطيئة فيكتب له شيئان الأول أنه يرفع له بها درجة والثاني أنه يحط بها عنه خطيئة هذا إذا توضأ في بيته وأسبغ الوضوء سواء كان ذلك قليلا يعني سواء كانت الخطوات قليلة أم كثيرة فإنه يكتب له بكل خطوة شيئان يرفع بها درجة ويحط عنه بها خطيئة .
وفي هذا الحديث دليل على أنه إذا نقل للإنسان شيء عن أحد فإنه يتثبت قبل أن يحكم بالشيء ولهذا سأل النبي صلى الله عليه وسلم بني سلمة قبل أن يقول لهم شيئا قال بلغني أنكم تريدون كذا وكذا قالوا نعم فيؤخذ منه ما ذكرت أنه ينبغي للإنسان إذا نقل له شيء عن أحد أن يتثبت قبل أن يحكم بمقتضى الشيء الذي نقل له حتى يكون إنسانا رزينا ثقيلا معتبرا أما كونه يصدق بكل ما نقل فإنه يفوته بذلك الشيء الكثير ويحصل له ضرر عظيم بل الإنسان ينبغي عليه أن يتثبت .
وفي هذا الحدث أيضا دليل على كثرة طرق الخيرات وأن منها المشي إلى المساجد وهو كما سبق مما يرفع الله به الدرجات ويحط به الخطايا فإن كثرة الخطا إلى المساجد سبب لمغفرة الذنوب وتكفير السيئات ورفعة الدرجات .
137 - الحادي والعشرون: عن أبي المنذر أبي بن كعب رضي الله عنه قال كان رجل لا أعلم رجلا أبعد من المسجد منه وكان لا تخطئه صلاة فقيل له أو فقلت له لو اشتريت حمارا تركبه في الظلماء وفي الرمضاء ؟ فقال ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جمع الله لك ذلك كله رواه مسلم .
وفي رواية إن لك ما احتسبت الرمضاء الأرض التي أصابها الحر الشديد .
الشَّرْحُ
هذا الحديث يتعلق بما قبله من الأحاديث الدالة على كثرة الخير وأن طرق الخير كثيرة ومنها الذهاب إلى المساجد وكذلك الرجوع منها إذا احتسب الإنسان ذلك عند الله تعالى فهذا الحديث الذي ذكره المؤلف - رحمه الله - في قصة الرجل الرجل الذي كان له بيت بعيد عن المسجد وكان يأتي إلى المسجد من بيته من بعد يحتسب الأجر على الله قادما إلى المسجد وراجعا منه فقال له بعض الناس لو اشتريت حمارا تركبه في الظلماء والرمضاء يعني في الليل حين الظلام في صلاة العشاء وصلاة الفجر أو في الرمضاء أي في أيام الحر الشديد ولا سيما في الحجاز فإن جوها حار فقال رضي الله عنه ما يسرني أن بيتي إلى جنب المسجد .
عني أنه مسرور بأن بيته بعيد عن المسجد يأتي إلى المسجد بخطى ويرجع منه بخطى وهو لا يسره أن يكون بيته قريبا من المسجد لأنه لو كان قريبا لم تكتب له تلك الخطى وبين أنه يحتسب أجره على الله عز وجل قادما إلى المسجد وراجعا منه فقال صلى الله عليه وسلم إن له ما احتسب .
ففي هذا دليل على أن كثرة الخطى إلى المساجد من طرق الخير وأن الإنسان إذا احتسب الأجر على الله كتب الله له الأجر حال مجيئه إلى المسجد وحال رجوعه منه .
ولا شك أن للنية أثرا كبيرا في صحة الأعمال وأثرا كبيرا في ثوابها وكم من شخصين يصليان جميعا بعضهما إلى جنب بعض ومع ذلك يكون بينهما في قدر الثواب مثل ما بين السماء والأرض وذلك بصلاح النية وحسن العمل فكلما كان الإنسان أصدق إخلاصا لله وأقوى اتباعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم كان أكثرا أجرا وأعظم مثوبة عند الله عز وجل .
139 - الثالث والعشرون عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول اتقوا النار ولو بشق تمرة متفق عليه .
وفي رواية لهما عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة .
الشَّرْحُ
هذا الحديث في بيان شيء من طرق الخيرات لأن طرق الخيرات - ولله الحمد - كثيرة شرعها الله لعباده ليصلوا بها إلى غاية المقاصد فمن ذلك الصدقة فإن الصدقة كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار يعني كما لو أنك صببت ماء على النار انطفأت فكذلك الصدقة تطفئ الخطيئة .
ثم ذكر المؤلف هذا الحديث الذي بين فيه أن الله سبحانه وتعالى سيكلم كل إنسان على حده يوم القيامة قال الله تعالى يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ يعني سوف تلاقي ربك ويحاسبك على هذا الكدح أي الكد والتعب الذي عملت ولكن ذلك بشرى للمؤمنين كما قال الله تعالى { وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } الحمد لله المؤمن إذا لاقى ربه فإنه على خير .
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم هنا في الحديث ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان يعني يكلمه الله يوم القيامة بدون مترجم يكلم الله كل عبد مؤمن فيقرره بذنوبه يقول له عملت كذا وكذا في يوم كذا وكذا فإذا أقر بها وظن أنه قد هلك قال إني قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم فكم من ذنوب علينا سترها الله عز وجل لا يعلمها إلا هو فإذا كان يوم القيامة أتم علينا النعمة بمغفرتها وعدم العقوبة عليها ولله الحمد .
ثم قال فينظر أيمن منه يعني عن يمينه فلا يرى إلا ما قدم وينظر أشأم منه أي على يساره فلا يرى إلا ما قدم وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه قال النبي عليه الصلاة والسلام فاتقوا النار ولو بشق تمرة يعني ولو بنصف تمرة أو أقل .
ففي هذا الحديث دليل على كلام الله عز وجل وأنه سبحانه وتعالى يتكلم بكلام مسموع مفهوم لا يحتاج إلى ترجمة يعرفه المخاطب به .
وفيه دليل على الصدقة ولو قلت وأنها تنجي من النار لقوله اتقوا النار ولو بشق تمرة قال فإن لم يجد فبكلمة طيبة يعني إن لم يجد شق تمرة فليتق النار بكلمة طيبة .
والكلمة الطيبة تشمل قراءة القرآن فإن أطيب الكلمات القرآن الكريم وكذلك تشمل التسبيح والتهليل وكذلك تشمل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتشمل تعليم العلم وتعلم العلم وتشمل كذلك كل ما يتقرب به الإنسان إلى ربه من القول يعني إذا لم تجد شق تمرة فإنك تتقي النار ولو بكلمة طيبة فهذا من طرق الخير وبيان كثرتها ويسرها فالحمد لله أن شق التمرة تنجي من النار وأن الكلمة الطيبة تنجي من النار نسأل الله أن ينجينا وإياكم من النار .
140 - الرابع والعشرون: عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها رواه مسلم .
الشَّرْحُ
قال المؤلف - رحمه الله تعالى - فيما نقله عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها وفسر المؤلف - رحمه الله - الأكلة بأنها الغدوة أو العشوة أي الغداء أو العشاء .
ففي هذا دليل على أن رضا الله عز وجل قد ينال بأدنى سبب قد ينال بهذا السبب اليسير ولله الحمد يرضى الله عن الإنسان إذا انتهى من الأكل قال الحمد لله وإذا انتهى من الشرب قال الحمد لله ذلك أن للأكل والشرب آدابا فعلية وآدابا قولية .
أما الآداب الفعلية فأن يأكل باليمين ويشرب باليمين ولا يحل له أن يأكل بشماله أو يشرب بشماله فإن هذا حرام على القول الراجح لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يأكل الرجل بشماله أو يشرب بشماله وأخبر أن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله وأكل رجل بشماله عنده فقال كل بيمينك قال لا أستطيع فقال لا استطعت فما استطاع الرجل بعد ذلك أن يرفع يده اليمنى إلى فمه عوقب بهذا والعياذ بالله .
أما الآداب القولية: فأن يسمي عند الأكل يقول باسم الله والصحيح أن التسمية عند الأكل أو الشرب واجبة وأن الإنسان يأثم إذا لم يسم عند أكله أو شربه لأنه إذا لم يفعل يعني لم يسم عند الأكل والشرب فإن الشيطان يأكل معه ويشرب معه .
ولهذا يجب على الإنسان إذا أراد أن يأكل أن يسمي الله وإذا نسي أن يسمي في أول الطعام ثم ذكر في أثنائه فليقل باسم الله أوله وآخره وكذلك إذا نسي أحد أن يسمي فذكر لأن النبي ذكر عمر بن أبي سلمة وهو ربيبه - ابن زوجته أم سلمة رضي الله عنها حينما تقدم للأكل فأكل فقال له النبي صلى الله عليه وسلم يا غلام سم الله كل بيمينك وكل مما يليك .
وهذا فيه دليل على أن التسمية إذا كانوا جماعة من كل واحد فكل واحد يسمي ولا يكفي أن يسمي واحد عن الجميع بل كل إنسان يسمي لنفسه .
والتسمية عند الأكل والشرب من الآداب القولية وهي واجبة لا يحل لأحد أن يدعها أما عند الانتهاء فمن الآداب أن يحمد الله على هذه النعمة حيث يسر له هذا الأكل مع أنه لا أحد غيره يستطيع أن ييسره كما قال تعالى أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ { أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ } لولا أن الله عز وجل نمى هذا الزرع حتى كمل وتيسر حتى وصل بين يديك لعجزت عنه .
وكذلك الماء لولا أن الله يسره فأنزله من المزن وسلكه ينابيع في الأرض حتى استخرجته لما حصل لك هذا ولهذا قال في الزرع { لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ } وقال في الماء { لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ } فلهذا كان من شكر نعمة الله عليك بهذا الأكل والشرب أن تحمد الله إذا انتهيت من الشرب أو من الأكل ويكون هذا سببا لرضا الله عنك .
وقوله الأكلة فسرها المؤلف بقوله الغدوة أو العشوة يعني وليست الردة ليس كل ما أكلت ردة قلت الحمد لله أو كل ما أكلت تمرة قلت الحمد لله السنة أن تقول إذا انتهيت نهائيا وذكر أن الإمام أحمد - رحمه الله - كان يأكل ويحمد على كل ردة فقيل له في ذلك فقال أكل وحمد خير من أكل وسكوت ولكن لا شك أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وأن الإنسان إذا حمد الله في آخر أكله أو آخر شربه كفي ولكن إن رأي مصلحة في الحمد يذكر غيره أو ما أشبهه ذلك فأرجو ألا يكون في هذا بأس كما فعله الإمام أحمد رحمه الله .
141 - الخامس والعشرون: عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال على كل مسلم صدقة قال أرأيت إن لم يجد ؟ قال يعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق قال أرأيت إن لم يستطع ؟ قال يعين ذا الحاجة الملهوف قال أرأيت إن لم يستطع قال يأمر بالمعروف أو الخير قال أرأيت إن لم يفعل ؟ قال يمسك عن الشر فإنها صدقة متفق عليه .
الشَّرْحُ
نقل المؤلف - رحمه الله - عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال على كل مسلم صدقة وقد مر علينا مثل هذا التعبير من رسول الله صلى الله عليه وسلم بل أعم منه حيث قال على كل سلامى من الناس صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس والسلامى هي مفاصل العظام وهذا يدل على أن لله عز وجل علينا صدقة كل يوم هذه الصدقة متنوعة إما أن تكون تسبيحة أو تكبيرة أو تهليلة أو أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر أو أن تعين الملهوف المهم أن طرق الخيرات كثيرة ولكن النفس الأمارة بالسوء تثبط الإنسان عن الخير وإذا هم بشيء فتحت له بابا غيره ثم إذا هم به فتحت له بابا آخر حتى يضيع عليه الوقت ويخسر وقته ولا يستفيد منه شيئا .
ولهذا ينبغي للإنسان أن يبادر ويسارع في الخير كلما فتح له باب من الخير فليسارع إليه لقوله تعالى فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ولأن الإنسان إذا انفتح له بابا الخير أول مرة ثم لم يفعل فإنه يوشك أن يؤخره الله عز وجل وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله فالمهم أنه ينبغي للإنسان العاقل الحازم المؤمن أن ينتهز سبل الخير وأن يحرص غاية الحرص على أن يأخذ من كل باب منها بنصيب حتى يكون ممن سارع في الخيرات وحتى ثمرات هذه الأعمال الصالحة نسأل الله أن يعيننا وإياكم على ذكره وحسن عبادته إنه جواد كريم .
باب في الاقتصاد في الطاعة