وَمَن لّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنّ وَآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَآ أُحْصِنّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ
يقول تعالى: {ومن لم يستطع منكم طولاً} أي سعة وقدرة {أن ينكح المحصنات المؤمنات} أي الحرائر العفائف المؤمنات. وقال ابن وهب: أخبرني عبد الجبار عن ربيعة {ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات} قال ربيعة: الطول الهوى، يعني ينكح الأمة إذا كان هواه فيها، رواه ابن أبي حاتم وابن جرير، ثم أخذ يشنع على هذا القول ويرده {ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات} أي فتزوجوا من الإماء المؤمنات اللاتي يملكهن المؤمنون، ولهذا قال {من فتياتكم المؤمنات}، قال ابن عباس وغيره: فلينكح من إماء المؤمنين، وكذا قال السدي ومقاتل بن حيان. ثم اعترض بقوله {والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض} أي هو العالم بحقائق الأمور وسرائرها، وإنما لكم أيها الناس الظاهر من الأمور ثم {فانكحوهن بإذن أهلهن} فدل على أن السيد هو ولي أمته لا تزوج إلا بإذنه، وكذلك هو ولي عبده ليس له أن يتزوج بغير إذنه، كما جاء في الحديث «أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو عاهر» أي زان. فإن كان مالك الأمة امرأة زوجها من يزوج المرأة بإذنها لما جاء في الحديث «لا تزوج المرأة المرأة ولا المرأة نفسها، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها» وقوله تعالى: {وآتوهن أجورهن بالمعروف} أي وادفعوا مهورهن بالمعروف، أي عن طيب نفس منكم، ولا تبخسوا منه شيئاً استهانة بهن لكونهن إماء مملوكات، وقوله تعالى: {محصنات} أي عفائف عن الزنا لا يتعاطينه، ولهذا قال {غير مسافحات} وهن الزواني اللاتي لا يمنعن من أرادهن بالفاحشة ـ وقوله تعالى: {ولا متخذات أخدان}، قال ابن عباس: المسافحات هن الزواني المعلنات، يعني الزواني اللاتي لا يمنعن أحداً أرادهن بالفاحشة. و {متخذات أخدان} يعني أخلاء، وكذا روي عن أبي هريرة ومجاهد والشعبي والضحاك وعطاء الخراساني ويحيى بن أبي كثير ومقاتل بن حيان والسدي، قالوا: أخلاء. وقال الحسن البصري: يعني الصديق. وقال الضحاك أيضاً {ولا متخذات أخدان} ذات الخليل الواحد المقرة به، نهى الله عن ذلك. يعني تزويجها ما دامت كذلك
وقوله تعالى: {فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} اختلف القراء في أحصن، فقرأه بعضهم بضم الهمزة وكسر الصاد مبني لما لم يسم فاعله، وقرىء بفتح الهمزة والصاد فعل لازم، ثم قيل: معنى القراءتين واحد، واختلفوا فيه على قولين (أحدهما) أن المراد بالإحصان ههنا الإسلام، وروي ذلك عن عبد الله بن مسعود وابن عمر وأنس والأسود بن يزيد وزر بن حبيش وسعيد بن جبير وعطاء وإبراهيم النخعي والشعبي والسدي، وروى نحوه الزهري عن عمر بن الخطاب وهو منقطع، وهذا هو القول الذي نص عليه الشافعي في رواية الربيع، قال: وإنما قلنا ذلك، استدلالاً بالسنة، وإجماع أكثر أهل العلم. وقدروى ابن أبي حاتم في ذلك حديثاً مرفوعاً، قال: حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله، حدثنا أبي عن أبيه، عن أبي حمزة، عن جابر، عن رجل، عن أبي عبد الرحمن، عن علي بن أبي طالب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {فإذا أحصن} قال «إحصانها إسلامها وعفافها» وقال: المراد به ههنا التزويج. قال: وقال علي: اجلدوهن، ثم قال ابن أبي حاتم: وهو حديث منكر. (قلت) وفي إسناده ضعف، وفيه من لم يسم، ومثله لا تقوم به حجة. وقال القاسم وسالم: إحصانها إسلامها وعفافها. وقيل: المراد به ههنا التزويج، وهو قول ابن عباس ومجاهد وعكرمة وطاوس وسعيد بن جبير والحسن وقتادة وغيرهم. ونقله أبو علي الطبري في كتابه الإيضاح عن الشافعي، فيما رواه أبو الحكم بن عبد الحكم عنه. وقد روى ليث بن أبي سليم عن مجاهد أنه قال: إحصان الأمة أن ينكحها الحر، وإحصان العبد أن ينكح الحرة، وكذا روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس، رواهما ابن جرير في تفسيره. وذكره ابن أبي حاتم عن الشعبي والنخعي. وقيل: معنى القراءتين متباين. فمن قرأ: أحصن بضم الهمزة فمراده التزويج، ومن قرأ بفتحها فمراده الإسلام. اختاره أبو جعفر بن جرير في تفسيره وقرره ونصره، والأظهر ـ والله أعلم ـ أن المراد بالإحصان ههنا التزويج، لأن سياق الاَية يدل عليه حيث يقول سبحانه وتعالى: {ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات} والله أعلم. والاَية الكريمة سياقها كلها في الفتيات المؤمنات فتعين أن المراد بقوله: {فإذا أحصن} أي تزوجن، كما فسره ابن عباس ومن تبعه، وعلى كل من القولين إشكال على مذهب الجمهور، وذلك أنهم يقولون: إن الأمة إذا زنت فعليها خمسون جلدة، سواء كانت مسلمة أو كافرة، مزوجة أو بكرا، مع أن مفهوم الاَية يقتضي أنه لاحد على غير المحصنة ممن زنى من الإماء. وقد اختلفت أجوبتهم عن ذلك، فأما الجمهور فقالوا: لاشك أن المنطوق مقدم على المفهوم. وقد وردت أحاديث عامة في إقامة الحد على الإماء، فقدمناها على مفهوم الاَية. فمن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن علي رضي الله عنه أنه خطب فقال: يا أيها الناس أقيموا على أرقائكم الحد من أحصن منهم ومن لم يحصن، فإن أمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم زنت، فأمرني أن أجلدها، فإذا هي حديثة عهد بنفاس فخشيت إن جلدتها أن أقتلها، فذكرت ذلك لنبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أحسنت اتركها حتى تماثل»، وعند عبد الله بن أحمد عن غير أبيه «فإذا تعالت من نفسها حُدّها خمسين» وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها، فليجلدها الحد، ولا يثرب عليها، ثم إن زنت الثانية، فليجلدها الحد، ولا يثرب عليها، ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها. فليبعها ولو بحبل من شعر» ولمسلم «إذا زنت ثلاثاً فليبعها في الرابعة»، وروى مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي قال: أمرني عمر بن الخطاب في فتية من قريش، فجلدنا ولائد من ولائد الإمارة خمسين خمسين في الزنا
الجواب الثاني: جواب من ذهب إلى أن الأمة إذا زنت ولم تحصن فلا حد عليها، وإنما تضرب تأديباً وهو المحكي عن ابن عباس رضي الله عنه. وإليه ذهب طاوس وسعيد بن جبير وأبو عبيد القاسم بن سلام وداود بن علي الظاهري في رواية عنه وعمدتهم مفهوم الاَية، وهو من مفاهيم الشرط، وهو حجة عند أكثرهم فقدم على العموم عندهم، وحديث أبي هريرة وزيد بن خالد رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن ؟ قال: «إن زنت فحدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم بيعوها ولو بضفير». قال ابن شهاب: لاأدري بعد الثالثة أو الرابعة وأخرجاه في الصحيحين. وعند مسلم قال ابن شهاب: الضفير الحبل. قالوا: فلم يؤقت فيه عدد كما أقت في المحصنة، وكما وقت في القرآن بنصف ما على المحصنات من العذاب، فوجب الجمع بين الاَية والحديث بذلك، والله أعلم ـ وأصرح من ذلك ما رواه سعيد بن منصور عن سفيان، عن مسعر، عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ليس على أمة حد حتى تحصن ـ أو حتى تزوج ـ فإذا أحصنت بزوج فعليها نصف ما على المحصنات» وقد رواه ابن خزيمة عن عبد الله بن عمران العابدي عن سفيان به مرفوعاً، وقال رفعه خطأ إنما هو من قول ابن عباس. وكذا رواه البيهقي من حديث عبد الله بن عمران وقال مثل ما قاله ابن خزيمة. قالوا: وحديث عليٍ وعمر قضايا أعيان، وحديث أبي هريرة عنه أجوبة: (أحدها) أن ذلك محمول على الأمة المزوجة جمعاً بينه وبين هذا الحديث. (الثاني: أن لفظة الحد في قوله «فليجلدها الحد» مقحمة من بعض الرواة بدليل الجواب الثالث، وهو أن هذا من حديث صحابيين وذلك من رواية أبي هريرة فقط، وما كان عن اثنين فهو أولى بالتقديم من رواية واحد، وأيضاً فقد رواه النسائي بإسناد على شرط مسلم من حديث عباد بن تميم عن عمه، وكان قد شهد بدراً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا زنت الأمة فاجلدوها، ثم إذا زنت فاجلدوها، ثم إذا زنت فاجلدوها، ثم إذا زنت فبيعوها ولو بضفير» (الرابع: أنه لا يبعد أن بعض الرواة أطلق لفظة الحد في الحديث على الجلد، لأنه لما كان الجلد اعتقد أنه حد، أو أنه أطلق لفظة الحد على التأديب، كما أطلق الحد على ضرب من زنى من المرضى بعثكال نخل فيه مائة شمراخ، وعلى جلد من زنى بأمة امرأته إذا أذنت له فيها مائة، وإنما ذلك تعزير وتأديب عند من يراه كأحمد وغيره من السلف. وإنما الحد الحقيقي هو جلد البكر مائة. ورجم الثيب أو اللائط، والله أعلم. وقد روى ابن جرير في تفسيره: حدثنا ابن المثنى، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة أنه سمع سعيد بن جبير يقول: لا تضرب الأمة إذا زنت ما لم تتزوج، وهذا إسناد صحيح عنه، ومذهب غريب إن أراد أنها لا تضرب الأمة أصلاً لاحداً، وكأنه أخذ بمفهوم الاَية ولم يبلغه الحديث، وإن أراد أنها لاتضرب حداً، ولا ينفي ضربها تأديباً فهو كقول ابن عباس رضي الله عنه ومن تبعه في ذلك، والله أعلم
الجواب الثالث: أن الاَية دلت على أن الأمة المحصنة تحد نصف حد الحرة، فأما قبل الإحصان فعمومات الكتاب والسنة شاملة لها في جلدها مائة، كقوله تعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا كلٍ واحد منهما مائة جلدة} وكحديث عبادة بن الصامت «خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلاً البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة ورجمها بالحجارة» والحديث في صحيح مسلم وغير ذلك من الأحاديث. وهذا القول هو المشهور عن داود بن علي الظاهري وهو في غاية الضعف، لأن الله تعالى إذا كان أمر بجلد المحصنة من الإماء بنصف ما على الحرة من العذاب، وهو خمسون جلدة، فكيف يكون حكمها قبل الإحصان أشد منه بعد الإحصان وقاعدة الشريعة في ذلك عكس ما قال ؟ وهذا الشارع عليه السلام سأله أصحابه عن الأمة إذا زنت ولم تحصن، فقال: اجلدوها، ولم يقل: مائة، فلو كان حكمها كما زعم داود لوجب بيان ذلك لهم، لأنهم إنما سألوا عن ذلك لعدم بيان حكم جلد المائة بعد الإحصان في الإماء، وإلا فما الفائدة في قولهم: ولم تحصن لعدم الفرق بينهما لو لم تكن الاَية نزلت، لكن لما علموا حكم أحد الحكمين سألوا عن حكم الاَخر فبينه لهم، كما في الصحيحين أنهم لما سألوه عن الصلاة عليه فذكرها لهم، ثم قال «والسلام ما قد علمتم» وفي لفظ لما أنزل الله قوله: {يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً} قالوا: هذا السلام عليك قد عرفناه، فكيف الصلاة عليك وذكر الحديث وهكذا هذا السؤال
الجواب الرابع: عن مفهوم الاَية جواب أبي ثور وهو أغرب من قول داود من وجوه، وذلك أنه يقول: فإذا أحصن فإن عليهن نصف ما على المحصنات المزوجات وهو الرجم، وهو لا ينصف فيجب أن ترجم الأمة المحصنة إذا زنت، وأما قبل الإحصان فيجب جلدها خمسين، فأخطأ في فهم الاَية، وخالف الجمهور في الحكم، بل قد قال أبو عبد الله الشافعي رحمه الله: ولم يختلف المسلمون في أن لا رجم على مملوك في الزنا، وذلك لأن الاَية دلت على أن عليهن نصف ما على المحصنات من العذاب، والألف واللام في المحصنات للعهد، وهن المحصنات المذكورات في أول الاَية: {ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات} والمراد بهن الحرائر فقط من غير تعرض لتزويج غيره، وقوله: {نصف ما على المحصنات من العذاب} يدل على أن المراد من العذاب الذي يمكن تنصيفه وهو الجلد لا الرجم، والله أعلم. وقد روى أحمد نصاً في رد مذهب أبي ثور من رواية الحسن بن سعيد عن أبيه: إن صفيّة كانت قد زنت برجل من الحمس، فولدت غلاماً، فادعاه الزاني، فاختصما إلى عثمان، فرفعهما إلى علي بن أبي طالب، فقال علي: أقضي فيهما بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم : الولد للفراش، وللعاهر الحجر، وجلدهما خمسين خمسين، وقيل: بل المراد من المفهوم التنبيه بالأعلى على الأدنى أي إن الإماء على النصف من الحرائر في الحد وإن كن محصنات وليس عليهن رجم أصلاً لا قبل النكاح ولا بعده، وإنما عليهن الجلد في الحالتين بالسنة، قال ذلك صاحب الإفصاح، وذكر هذا عن الشافعي فيما رواه ابن عبد الحكم عنه، وقد ذكره البيهقي في كتاب السنن والاَثار، وهو بعيد من لفظ الاَية، لأنا إنما استفدنا تنصيف الحد من الاَية لا من سواها فكيف يفهم منها التنصيف فيما عداها وقال: بل أريد بأنها في حال الإحصان لا يقيم الحد عليها إلا الإمام ولا يجوز لسيدها إقامة الحد عليها والحالة هذه وهو قول في مذهب أحمد رحمه الله، فأما قبل الإحصان فله ذلك، والحد في كلا الموضعين نصف حد الحرة، وهذا أيضاً بعيد لأنه ليس في لفظ الاَية ما يدل عليه، ولولا هذه لم ندر ما حكم الإماء في التنصيف، ولوجب دخولهن في عموم الاَية في تكميل الحد مائة، أو رجمهن كما ثبت في الدليل عليه، وقد تقدم عن علي أنه قال: أيها الناس أقيموا الحد على أرقائكم من أحصن منهم ومن لم يحصن، وعموم الأحاديث المتقدمة ليس فيها تفصيل بين المزوجة وغيرها لحديث أبي هريرة الذي احتج به الجمهور: «إذا زنت أمة أحدكم، فتبين زناها، فليجلدها الحد، ولا يثرب عليها» ملخص الاَية: أنها إذا زنت أقوال: أحدها تجلد خمسين قبل الإحصان وبعده. وهل تنفى ؟ فيه ثلاثة أقوال: أحدها إنها تنفى عنه. والثاني لا تنفى عنه مطلقاً والثالث أنها تنفى نصف سنة وهو نصف نفي الحرة، وهذا الخلاف في مذهب الشافعي، وأما أبو حنيفة فعنده أن النفي تعزير ليس من تمام الحد، وإنما هو رأي الإمام إن شاء فعله وإن شاء تركه في حق الرجال والنساء، وعند مالك أن النفي إنما هو على الرجال وأما النساء فلا، لأن ذلك مضاد لصيانتهن وما ورد شيء من النفي في الرجال ولا النساء. نعم حديث عبادة وحديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قضى فيمن زنى ولم يحصن بنفي عام وبإقامة الحد عليه، رواه البخاري وذلك مخصوص بالمعنى وهو أن المقصود من النفي الصون، وذلك مفقود في نفي النساء، والله أعلم. والثاني أن الأمة إذا زنت تجلد خمسين بعد الإحصان وتضرب تأديباً غير محدود بعدد محصور، وقد تقدم ما رواه ابن جرير عن سعيد بن جبير أنها لا تضرب قبل الإحصان، وإن أراد نفيه فيكون مذهباً بالتأويل وإلا فهو كالقول الثاني. القول الاَخر أنها تجلد قبل الإحصان مائة، وبعده خمسين، كما هو المشهور عن داود وأضعف الأقوال: أنها تجلد قبل الإحصان خمسين، وترجم بعده، وهو قول أبي ثور وهو ضعيف أيضاً، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب. وقوله تعالى: {ذلك لمن خشي العنت منكم} أي إنما يباح نكاح الإماء بالشروط المتقدمة لمن خاف على نفسه الوقوع في الزنا، وشق عليه الصبر عن الجماع، وعنت بسبب ذلك كله، فله حينئذ أن يتزوج بالأمة، وإن ترك تزوجها وجاهد نفسه في الكف عن الزنا فهو خير له لأنه إذا تزوجها جاء أولاده أرقاء لسيدها إلا أن يكون الزوج عربيّاً، فلا تكون أولاده منها أرقاء في قول قديم للشافعي، ولهذا قال {وأن تصبروا خير لكم والله غفور رحيم} ومن هذه الاَية الكريمة، استدل جمهور العلماء في جواز نكاح الإماء على أنه لا بد من عدم الطول لنكاح الحرائر ومن خوف العنت لما في نكاحهن من مفسدة رق الأولاد، ولما فيهن من الدناءة في العدول عن الحرائر إليهن، وخالف الجمهور أبو حنيفة وأصحابه في اشتراط الأمرين، فقالوا: متى لم يكن الرجل مزوجاً بحرة، جاز له نكاح الأمة المؤمنة والكتابية أيضاً سواء كان واجداً لطول حرة أم لا، وسواء خاف العنت أم لا، وعمدتهم فيما ذهبواإليه قوله تعالى: {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} أي العفائف وهو يعم الحرائر والإماء، وهذه الاَية عامة وهذه أيضاً ظاهرة في الدلالة على ما قاله الجمهور، والله أعلم
يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الّذِينَ يَتّبِعُونَ الشّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً * يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً