تابع 4
وهذا القسم الثالث من أقسام المعية
تارة يضاف إلى المخلوق بالوصف
وتارة يضاف إلى المخلوق بالعين .
فقوله:
{ إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون }
هذا مضاف إلى المخلوق بالوصف فأي إنسان يكون كذلك فالله معه .
وتارة يكون مضافا إلى المخلوق بعين الشخص
مثل قوله تعالى
{ إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين
إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا }
هذا مضاف إلى الشخص بعينه .
هذه معية للرسول عليه الصلاة والسلام وأبي بكر رضي الله عنه
وهما في الغار لما قال أبو بكر للرسول
يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى قدميه لأبصرنا
لأن قريشا كانت تطلب الرسول صلى الله عليه وسلم بكل جد .
ما من جبل إلا صعدت عليه وما من واد إلا هبطت فيه
وما من فلاة إلا بحثت وجعلت لمن يأتي بالرسول وأبي بكر
مائتا بعير مئتي للرسول ومائة لأبي بكر
ونقب الناس وهم يطلبونهما ولكن الله معهما،
حتى وقفوا على الغار يقول أبو بكر لو نظر أحدهم إلى قدميه لأبصرنا
فيقول له الرسول صلى الله عليه وسلم لا تحزن إن الله معنا
فما ظنك باثنين الله ثالثهما ؟
والله ظننا أن لا يغلبهما أحد وإلا يقدر عليهما أحد
وفعلا هذا الذي حصل ما رأوهما
مع عدم المانع
ما كان عش كما يقولون ولا حمامة وقعت على الغار
ولا شجرة نبتت على فم الغار،
ما كان إلا عناية الله عز وجل لأن الله معهما .
وكما في قوله سبحانه لموسى وهارون
لما أمر الله موسى وأرسله إلى فرعون هو وهارون
{ قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى قال لا تخافا
إنني معكما أسمع وأرى } الله أكبر { إنني معكما أسمع وأرى }
إذا كان الله معهما هل يمكن أن يضرهما فرعون وجنوده ؟ لا يمكن
هذه معية خاصة مقيدة بالعين { إنني معكما أسمع وأرى } إلخ ..
المهم أنه يجب علينا أن نؤمن بأن الله مع الخلق لكنه فوق عرشه
ولا يساميه أحد في صفاته
ولا يدانيه أحد في صفاته
ولا يمكن أن تورد على ذهنك أو على غيرك
كيف يكون الله معنا وهو في السماء ؟
نقول الله عز وجل لا يقاس بخلقه
مع أن العلو والمعية لا منافاة بينهما
حتى في المخلوق فلو سألنا سائل أين موضع القمر ؟
جـ قلنا في السماء كما قال الله { وجعل القمر فيهن نورا }
وإذا قال أين موضع النجم ؟ جـ - قلنا في السماء
واللغة العربية يقول المتكلمون فيها
مازلنا نسير والقمر معنا ومازلنا نسير والنجم معنا
مع أن القمر في السماء والنجم في السماء
لكن هو معنا لأنه ما غاب عنا فالله معنا
وهو على عرشه سبحانه فوق جميع الخلق .
ما الذي تقتضي هذه الآية بالنسبة للأمر المسلكي المنجهي ؟
جـ: تقتضي هذه الآية بأنك إذا آمنت بأن الله معك
فإنك تتقيه وتراقبه لأنه لا يخفى عليه عز وجل حالك
مهما كنت لو كنت في بيت مظلم وما فيه أحد ولا حولك أحد
فإن الله تعالى معك لكن ليس في نفس المكان
لكنه محيط بك عز وجل لا يخفى عليه شيء من أمرك
فتراقب الله وتخاف الله وتقوم بطاعته وتترك مناهيه والله الموفق قوله
{ إن ربك لبالمرصاد }
وهذه الآية ختم الله بها ما ذكره من عقوبة عاد
إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد
{ وثمود الذين جابوا الصخر بالواد وفرعون ذي الأوتاد
الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد
فصب عليهم ربك سوط عذاب إن ربك لبالمرصاد }
فبين عز وجل أنه بالمرصاد لكل طاغية
وأن كل طاغية فإن الله يقصم ظهره ويبيده ولا يبقى له باقية .
فعاد إرم ذات العماد أي ذات البيوت العظيمة المبنية على العمد القوية
أعطاهم الله قوة شديدة فاستكبروا في الأرض وقالوا من أشد منا قوة ؟
إلى هذا الحد فقال الله عز وجل
{ أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة }
فبين الله أنه هو أشد منهم قوة واستدل لذلك بدليل عقلي
وهو أن الله هو الذي خلقهم ولهذا قال
{ أو لم يروا أن الله الذي خلقهم }
ولم يقل أو لم يروا أن الله هو أشد منهم قوة
لأنه من المعلوم بالعقل علما ضرورياً
أن الخالق أقوى من المخلوق فالذي خلقهم هو أشد منهم قوة
{ كانوا بآياتنا يجحدون }
فأصابهم الله عز وجل فأرسل الله عليهم الريح العقيم
في صباح يوم من الأيام
أقبلت الريح ريح عظيمة تحمل من الرمال والأتربة ما صار
كأنه سحاب مركوم .
{ فلما رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا }
حكمة من الله عز وجل لم تأتهم الريح هكذا
بل جاءتهم وهم يؤملون أنها غيث ليكون وقعها أشد .
فكون العذاب يأتي في حال يتأمل فيها الإنسان
كشف الضرر يكون أعظم وأعظم
مثل ما لو منيت شخصاً بدراهم ثم سحبتها منه صار أشد وأعظم:
{ فلما رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا
بل هو ما استعجلتم به }
لأنهم كانوا يتحدون نبيهم إن كان عندك عذاب فأت به إن كنت صادقاً .
{ ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر ربها
فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم } والعياذ بالله
هاجت عليهم سبع ليال وثمانية أيام
لأنها بدأت من الصباح وانتهت بالغروب
فصارت سبع ليال وثمانية أيام حسوما متتابعة قاطعة لدابرهم
تحسمهم حسما حتى أنها تحمل الواحد منهم إلى عنان السماء
ثم ترمي به فصاروا كأنهم أعجاز نخل خاوية
أي مثل أصول النخل الخاوية ملتوين على ظهورهم والعياذ بالله
كهيئة السجود لأنهم يريدون أن يتخلصوا من هذه الريح
بعد أن تحملهم وتضرب بهم الأرض ولكن لم ينفعهم هذا .
قال الله تعالى { فأرسلنا عليهم ريحا صرصراً في أيام نحسات
لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا
ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون } والعياذ بالله .
أما ثمود الذين جابوا الصخر بالواد
تابع ---