السادس قوله { والغارمين } الغارم هو الذي يكون في ذمته دين لا يستطع وفاءه أو يكون في ذمته دين لمصلحة عامة وإن كان يستطيع وفاءها ولهذا قال العلماء إن الغرم نوعان النوع الأول الغارم لغيره والثاني الغارم لنفسه الغارم لغيره هو الذي يغرم مالا لإصلاح ذات البين مثل أن يكون بين قبيلتين نزاع ومشاجرة ومخاصمة ومعاداة فيقوم رجل من أهل الخير فيصلح بين القبيلتين على مال يلتزم به في ذمته فهنا يكون غارما لكن ليس لنفسه بل لمصلحة عامة وهي الإصلاح بين هاتين القبيلتين قال العلماء فيعطي هذا الرجل ما يوفي به الغرم وإن كان غنيا لأن هذا ليس لنفسه بل لمصلحة الغير فلو قدر أن رجلا عنده مائة ألف ريال فأصلح بين قبيلتين بعشرة آلاف ريال يستطيع أن يوفيها من ماله لكن نقول لا ! لا يلزمه بل نعطيه من الزكاة ما يدفع به هذا الغرم لأن ذلك لمصلحة الغير ولأن هذا يفتح باب الإصلاح للناس لأننا لو لم نعن هذا الرجل ونعطيه ما غرم لتكاسل الناس عن الإصلاح بين القبائل المتناحرة أو المتعادية أما النوع الثاني فهو الغارم لنفسه مثل رجل استأجر بيتا بخمسة آلاف ريال وليس عنده ما يدفع به الإجارة هو نفسه في أكله وشربه ولباسه ليس محتاجا لكن يحتاج إلى وفاء الدين الذي لزمه بالاستئجار للبيت فنعطي هذا الرجل أجرة البيت من الزكاة لأنه من الغارمين كذلك إنسان أصيب بجائحة اجتاحت ماله مثل الحريق أو الغرق أو ما أشبه ذلك وقد لحقه في هذا دين فنعطيه ما يسدد دينه لأنه غير قادر على الوفاء هذا النوع من الغرم يشترط فيه أن يكون الغارم عاجزا عن وفاء الدين فإن كان قادرا فإنه لا يعطي ولكن هل يجوز أن يذهب الإنسان لمن له الدين ويقول له هذا الطلب الذي لك على فلان خذه وينويه من الزكاة ؟ جـ الجواب نعم يجوز وليس بشرط أن تعطي الغارم ليعطي الدائن لأن المقصود هو إبراء الذمة وهو حاصل سواء أخبرته أم لم تخبره وتأمل التعبير في الآية { إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم } كل هذه الثلاث معطوفة على قوله { للفقراء } باللام { وفي الرقاب } ولم يقل وللرقاب بل قال ( في ) الدالة على الظرفية يعني أنك إذا صرفت الزكاة في هذه الجهات يجوز وإن لم تعط صاحبها { والغارمين } معطوفة على { وفي الرقاب } فيه من مدخول ( في ) أي وفي الغرمين فإذا قال قائل هل الأحسن أن أذهب إلى الدائن وأوفيه أو أعطي الغريم لكي يوفي بنفسه ؟ جـ نقول في هذا تفصيل إذا كنت تخشى أنك لو أعطيت الغريم لم يوف بل أكل الدراهم وترك الدين على ما هو عليه فهنا لا تعط الغريم بل أعط الدائن أما إذا كان الغريم صاحب عقل ودين ولا يمكن أن يرضى ببقاء ذمته مشغولة ويغلب على ظني كثيرا أنني إذا أعطيته سوف يذهب فورا إلى الدائن ويقضي من دينه فهنا نعطي الغريم نقول خذ هذه الدراهم أوف بها عن نفسك لأن هذا أستر له وأحسن ولكن يجب علينا إذا كنا نوزع الزكاة أن نحذر من حيلة بعض الناس بعض الناس يقدم لك كشفا بالدين الذي عليه وتوفي ما شاء الله أن توفي وبعد سنة يقدم لك نفس الكشف ولا يخصم الذي أوفى عنه فانتبه لهذا لأن بعض الناس صار لا يهمه حلال أم حرام المهم اكتساب المال وقد قدم لنا من هذا النوع أشياء وذهبنا نسلم الدائن بناء على الكشف الذي قدم فقال الدائن إنه قد أوفى وهذه مشكلة لكن الإنسان يتحرز وهو إذا اتقى الله ما استطاع وتبين فيما بعد أن الذي أخذ الزكاة ليس أهلا لها فإن ذمته تبرأ وهذه من نعمة الله السابع قوله { وفي سبيل الله } أي الجهاد في سبيل الله وهو القتال لتكون كلمة الله هي العليا هكذا حدده النبي صلى الله عليه وسلم حينما سئل عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل ليرى مكانه أي ذلك في سبيل الله ؟ قال من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله وهذه كلمة جامعة مانعة وقد تقدم الكلام على هذا تنبيه: يجوز قتل المسلم الظالم وإن كان مسلما في الحرب فإذا قال قائل وإن كان مكرها ؟ جـ: الجواب أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال إذا قاتل المسلمون مع التتار فإنهم يقاتلون إن كانوا مسلمين ولو كانوا مكرهين فإن كانوا صادقين بأنهم مكرهون فإن لهم أجر الشهيد لأنهم قتلوا ظلما من الذي أكرههم لأن الظلم على الذي أكرههم وإن كانوا غير صادقين بل هم مختارون طائعون فهذا ما أصابهم وهم الذين جروه على أنفسهم وقد قال رحمه الله في تعليل ذلك إنه لا يعلم المكره من غير المكره لأن ذلك محله القلب فالاختيار والكراهة محلها القلب فلا يعلم المكره من غيره فيقتل المكره دفاعا عن الحق وحسابه على الله نعم لو فرض أنه أسر وهو مسلم حقيقة فإنه لا يجوز قتله أما في ميدان القتال فإنه يقتل وقد ذكرها رحمه الله في الفتاوى في كتاب الجهاد ج ( 28 ) ص ( 544 - 553 ) على كل حال نحن نقول إن الذي يقاتل حفظا لماله أو حفظا لبيته أو حفظا لبلاده فإنه لا يخرج عن أمرين إذا كان للبلاد إن كان يحافظ عليها لأنها بلاد إسلامية لما فيها من الإسلام فهو في سبيل الله ولا شك وإن كان يحافظ عليها لأنها بلده لا يريد أن يضيع كما لا يريد أن يضيع ماله فهذا إن قتل فهو شهيد كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم وقاتله إن قتل - أي المقاتل - فهو في النار والعياذ بالله وقوله سبحانه { وفي سبيل الله } يشمل إعطاء الزكاة للمجاهدين أنفسهم وشراء الأسلحة لهم فشراء الأسلحة من الزكاة جائز من أجل الجهاد في سبيل الله قال أهل العلم ومن ذلك أن يتفرغ شخص لطلب العلم قادر على التكسب لكنه تفرغ من أجل أن يطلب العلم فإنه يعطي من الزكاة مقدار حاجته لأن طلب العلم جهاد في سبيل الله أما من تفرغ للعبادة من الصلاة والصيام والذكر وقراءة القرآن فأعطوني من الزكاة واكفوني العمل نقول لا نعطيك بل اكتسب وجاء رجل آخر قال أنا أريد أن أتفرغ لطلب العلم وأنا قادر على التكسب لكن إن ذهبت أتكسب لم أطلب العلم فأعطوني ما يكفيني لكي أتفرغ لطلب العلم قلنا مرحبا نعطيك ما يكفيك لطلب العلم الثامن { وابن السبيل } وهو الصنف الثامن من أصناف أهل الزكاة وابن السبيل هو المسافر الذي انقطع به السفر ونفدت نفقته فلم يكن معه ما يوصله إلى بلده فإنه يعطى من الزكاة ما يوصله إلى بلده وإن كان غنيا وسمي ابن سبيل لمصاحبته للسفر كما يقال ابن الماء في طير الماء الذي يألف الماء فيقع عليه هؤلاء ثمانية أصناف لا يجوز صرف الزكاة في غيرهم فلا يجوز أن تصرف الزكاة في بناء المساجد ولا في إصلاح الطرق ولا في بناء المدارس ولا غيرها في طرق الخير لأن الله ذكر هذه الأصناف بصيغة محصورة فقال { إنما الصدقات } وإنما تفيد الحصر وهو إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما سواه ولو قلنا بجواز صرف الزكاة في جميع وجوه الخير لفاتت فائدة الحصر ولكن بناء المساجد وإصلاح الطرق وبناء المدارس وما أشبهها تفعل عن طرق أخرى طريق البر والصدقات والتبرعات هذا هو الركن الثالث من أركان الإسلام الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل في حديثه الطويل
تابع / ----