تابع -- 5
قال الله تعالى { فأرسلنا عليهم ريحا صرصراً في أيام نحسات
لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا
ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون }
والعياذ بالله .
أما ثمود الذين جابوا الصخر بالواد
هم أيضاً نفس الشيء عندهم عتو وطغيان وتحد لنبيهم
حتى قالوا له { قد كنت فينا مرجواً قبل هذا }
أي كنا نرجوك ونظنك عاقلاً،
أما الآن فأنت سفيه
لأنه ما من رسول أرسل إلا قال له قومه ساحر أو مجنون
كما قال الله
{ كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون } .
فأنظرهم ثلاثة أيام { فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام
ذلك وعد غير مكذوب }
فلما تمت الثلاثة والعياذ بالله ارتجفت بهم الأرض،
وصيح بهم فأصبحوا كهشيم المحتظر
أي مثل سعف النخل إذا طالت عليه المدة صار
كأنه هشيم محترق من الشمس والهواء صاروا كهشيم المحتظر
وماتوا عن آخرهم .
أما فرعون وما أدراك ما فرعون
فهو ذلك الرجل الجبار المتكبر الذي طغى وأنكر الله عز وجل
وقال لموسى ما رب العالمين وقال قومه ما لكم من إله غيري .
نعوذ بالله وقال لهامان وزيره
{ ابن لي صرحاً لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات
فأطلع إلى إله موسى }
يقوله تهكماً والعياذ بالله
{ وإني لأظنه كاذباً }
وكذب في قوله وإني لأظنه كاذباً لأنه يعلم أنه صادق
كما قال الله تعالى في مناظرته مع موسى قال له موسى
{ لقد علمت } التاء للخطاب فهي مفتوحة { لقد علمت }
يا فرعون
{ ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر
وإني لأظنك يا فرعون مثبوراً }
وما قال ما علمت بل سكت في مقام التحدي والمناظرة
ذلك يدل على الانقطاع وعدم الجواب .
وقال الله عنه وعن قومه
{ وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلوا }
فرعون وجنوده يعلمون أن موسى صادق
لكنهم مستكبرون جاحدون
ماذا حصل لهم ؟ حصل لهم هزائم
أعظمها الهزيمة التي حصلت للسحرة
.
فرعون وجنوده يعلمون أن موسى صادق
لكنهم مستكبرون جاحدون
ماذا حصل لهم ؟
حصل لهم هزائم أعظمها الهزيمة التي حصلت للسحرة .
جمع جميع السحرة في بلاده باتفاق مع موسى عليه الصلاة والسلام
وموسى هو الذي عين الموعد أمام فرعون
مع أن موسى أمام فرعون يعتبر ضعيفاً لولا أن الله نصره وأيده
قال لهم موسى
{ موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى }
يوم الزينة يوم العيد
لأن الناس يتزينون فيه ويلبسون الزينة
وقوله { وأن يحشر } يجمع
{ الناس ضحى } لا في الليل في الخلفاء .
جمع فرعون جميع من عنده من السحرة من عظمائهم وكبرائهم
واجتمعوا بموسى عليه الصلاة والسلام
وألقوا حبالهم وعصيهم في الأرض فصارت الأرض كلها ثعابين
حيات تمشي أرهبت الناس كلهم
حتى موسى أوجف في نفسه خيفة
فأيده الله وقال له
{ لا تخف إنك أنت الأعلى وألق ما في يمينك }
ألقى ما في يمنيه وهي العصا فإذا هي تلقف ما يأفكون
كل الحبال والعصى
وأكلتها هذه العصا سبحان الله العظيم
وأنت تعجب أين ذهبت العصا ؟
ليست كبيرة حتى تأكل هذه الدنيا
لكن الله عز وجل على كل شيء قدير التهمت الحبال والعصى
وكان السحرة أعلم الناس بالسحر بلا شك
يعرفون أن الذي حصل لموسى وعصاه ليس بسحر
وأنه آية من آيات الله عز وجل
{ فألقي السحرة سجداً } وانظر إلى كلمة
{ فألقي } كأن هذا السجود جاء اندفاعا بلا شعور
ما قال سجدوا ألقوا ساجدين كأنهم من شدة ما رأوا
اندفعوا من غير شعور ولا اختيار حتى سجدوا مؤمنين بالله ورسوله
{ قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون }
توعدهم فرعون واتهمهم وهو الذي جاء بهم قال
{ إنه لكبيركم الذي علمكم السحر }
علمهم السحر وأنت الذي أتيت بهم سبحان الله
لكن المكابرة تجعل المرء يتكلم بلا عقل قال
{ فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف }
أقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى
{ ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى }
ما الذي قالوا له { قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات }
ما يمكن أن نقدمك على ما رأينا من البينات أنت كذاب لست برب
الرب رب موسى وهارون
{ على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض }
انظر إلى الإيمان إذا دخل القلوب رخصت عليهم الدنيا كلها
{ فاقض ما أنت قاض } أي افعل ما تريد
إنما تقضي هذه الحياة الدنيا إذا قضيت علينا أن نفارق الدنيا
{ وما أكرهتنا عليه من السحر }
لأنه قد أكرهم لكي يأتوا ويقابلوا موسى
{ والله خير وأبقى } اللهم اجعلنا من المؤمنين الموقنين
الإيمان إذا دخل القلب
واليقين إذا دخل القلب
لا يفتنه شيء وإلا في السحرة جنود فرعون
كانوا في أول النهار سحرة كفرة وفي آخر النهار مؤمنين برزة
يتحدون فرعون لما دخل في قلبهم من الإيمان
هذه هزيمة نكراء لفرعون لكن مع ذلك مازال في طغيانه
وفي النهاية جمع الناس على أنه سيقضي على موسى
فخرج موسى في قومه هربا منه متجها بأمر الله إلى البحر الأحمر
ويسمى بحر القلزم
متجها إليه مشرقا تكون مصر خلفه غربا
لما وصل إلى البحر
وإذا فرعون بجنوده العظيمة وجحافله القوية خلفهم والبحر أمامهم
{ قال أصحاب موسى إنا لمدركون }
البحر أمامنا وفرعون وجنوده خلفنا
أي نفر { قال كلا إن معي ربي سيهدين }
هكذا يقين الرسل عليهم الصلاة والسلام في المقامات الحرجة الصعبة
تجد عندهم من اليقين
ما يجعل الأمر العسير بل الذي يظن أنه متعذر أمرا يسيرا سهلا
فأوحى إليه أن أضرب بعصاك البحر الأحمر
فضرب البحر بعصاه ضربة واحدة
فانفلق البحر أثنى عشر طريقا
لأن بني إسرائيل كانوا أثنى عشرة قبيلة
( سبطا ) والسبط بمعنى القبيلة عند العرب
لا إله إلا الله هذا البحر صار أثنى عشر طريقا
وكم بقى من مدة لكي ييبس بلحظة يبس
{ فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى }
فعبر موسى بقومه في أمن وأمان الماء بين هذه الطرق مثل الجبال
كأنه جبل واقف وأنتم تعلمون أن الماء جوهر سيال
لكنه بأمر الله صار واقفا كالجبال
حتى إن بعض العلماء قال إن الله سبحانه وتعالى
جعل في كل طود من هذه المياه جعل فيها فرجا
حتى ينظر بنو إسرائيل بعضهم إلى بعض
لئلا يظنوا أن أصحابهم قد غرقوا وهلكوا
فلما انتهى موسى وقومه خارجين
دخل فرعون وقومه
فلما تكاملوا أمر الله البحر أن يعود على حاله فانطبق عليهم
وكان بنو إسرائيل من شدة خوفهم من فرعون في نفوسهم
أن فرعون لم يغرق فأظهر الله جسد فرعون على سطح الماء قال
{ فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية }
حتى يشاهدوا بأعينهم ويطمئنوا أن الرجل قد هلك
فتأمل يا أخي هؤلاء الأمم الثلاثة الذين هم في غاية الطغيان
كيف أخذهم الله عز وجل وكان لهم بالمرصاد
قوم عاد قالوا من أشد منا قوة فأهلكوا بالريح
وهي أصلا لطيفة وسهلة
قوم صالح أهلكوا بالرجفة والصيحة
فرعون أهلك بالماء والغرق
وكان يفتخر بالماء لقوله
{ أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي
أفلا تبصرون أم أنا خير من هذا الذي هو مهين }
يعني موسى
{ ولا يكاد يبين فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب
أو جاء معه الملائكة مقترنين }
فأغرقه الله تعالى بالماء
فهذه جملة ما تشير إليه هذه الآية الكريمة
{ إن ربك لبالمرصاد }
وقوله عن الله عز وجل يقوله عن نفسه
{ يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور }
يعلم يعني الله عز وجل وخائنة الأعين خيانتها
فالخائنة مصدر كالعاقبة وما أشبهها
ويجوز أن تكون اسم فاعل على أنها من خان يخون
فيكون من باب إضافة الصفة إلى موصوفها
على كل حال هذه مسألة ما تهم هنا المهم أن للأعين خيانة
وذلك أن الإنسان ينظر إلى الشيء
ولا تظن أنه ينظر إليه نظرا محرما
ولكن الله عز وجل يعلم أنه ينظر نظرا محرما
كذلك ينظر إلى الشخص نظر كراهية
والشخص المنظور لا يدري أن هذا نظر كراهية
ولكن الله يعلم أنه ينظر نظر كراهية
كذلك ينظر الشخص إلى شيء محرم
ولا يدري الإنسان الذي يرى هذا الناظر
لا يدري أنه ينظر إلى الشيء نظر إنكار أو نظر رضا
ولكن الله سبحانه هو الذي علم ذلك فهو سبحانه وتعالى
يعلم خائنة الأعين ويعلم أيضا ما تخفي الصدور
أي القلوب
لأن القلوب في الصدور
والقلوب هي التي يكون بها العقل
ويكون بها الفهم ويكون بها التدبير كما قال الله
{ أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها }
وقال { فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور }
سبحان الله
كأن هذه الآية تنزل على حال الناس اليوم
بل حال الناس في القديم
يعني هل العقل في الدماغ أو العقل في القلب ؟
هذه مسألة أشكلت على كثير من النظار الذين
ينظرون إلى الأمور نظرة مادية
لا يرجعون فيها إلى قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم
وإلا فالحقيقة أن الأمر فيها واضح
أن العقل في القلب وأن القلب في الصدر
{ أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها }
وقال { فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور }
ولم يقل القلوب التي في الأدمغة فالأمر فيه واضح جدا
أن العقل يكون في القلب ويؤيد هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم
ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله
وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب
فما بالك بأمر شهد به كتاب الله والله هو الخالق العالم بكل شيء
وشهدت به سنة الرسول صلى الله عليه وسلم
إن الواجب علينا إزاء ذلك
أن نطرح كل قول يخالف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم
وأن نجعله تحت أقدامنا وأن لا نرفع به رأسا إذا القلب هو محل العقل
ولا شك ولكن الدماغ محل التصور
ثم إذا تصورها وجهزها بعث بها إلى القلب
ثم القلب يأمر أو ينهي فكأن الدماغ سكرتير يجهز الأشياء
ثم يدفعها إلى القلب ثم القلب يأمر أو ينهي
وهذا ليس بغريب { وفي أنفسكم أفلا تبصرون }
وفي هذا الجسم أشياء غريبة تحار فيها العقول
وأيضا قلنا هذا لأن النبي عليه الصلاة والسلام
إذا صلحت صلح الجسد فلولا
أن الأمر للقلب ما كان إذا صلح صلح الجسد
وإذا فسد فسد الجسد كله إذا
فالقلوب هي محل العقل والتدبير للشخص
ولكن لا شك أن لها اتصالا بالدماغ
ولهذا إذا اختل الدماغ فسد التفكير وفسد العقل فهذا مرتبط بهذا
لكن العقل المدبر في القلب والقلب في الصدر
{ ولكن تعمى القلوب التي في الصدور }
ثم ذكر المؤلف رحمه الله حديث عمر بن الخطاب
هذا الحديث العظيم الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم
في آخره أتدرون من السائل ؟ قالوا الله ورسوله أعلم
قال فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم
إذا ديننا في هذا الحديث
لأنه مشتمل على كل الدين على الإسلام والإيمان والإحسان
قال المؤلف رحمه الله
60 - وأما الأحاديث فالأول عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال
بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم
إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر
لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد
حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه
وقال يا محمد أخبرني عن الإسلام
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله
وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان
وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا
قال صدقت
فعجبنا له يسأله ويصدقه
قال فأخبرني عن الإيمان
قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر
وتؤمن بالقدر خيره وشره
قال صدقت قال فأخبرني عن الإحسان
قال أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك
قال: فأخبرني عن الساعة
قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل
قال: فأخبرني عن أماراتها
قال: أن تلد الأمة ربتها
وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان
ثم انطلق
فلبثت مليا ثم قال:
يا عمر أتدري من السائل
قلت: الله ورسوله أعلم
قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم
رواه مسلم
ومعنى تلد الأمة ربتها أي سيدتها
ومعناه أن تكثر السراري حتى تلد الأمة السرية بنتا لسيدها
وبنت السيد في معنى السيد وقيل غير ذلك
والعالة الفقراء وقوله مليا أي زمنا طويلا وكان ذلك ثلاثا
الشَّرْحُ
تابع ---