تابع - 7
وفي صحيح البخاري في حديث عمران بن حصين الطويل في قصة الرجل
الذي اعتزل فلم يصل مع النبي صلى الله عليه وسلم فسألته
فقال ما منعك أن تصلي معنا ؟
قال أصابتني جنابة ولا ماء
فقال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك
ثم حضر الماء
فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرجل ماء
وقال أفرغه على نفسك أي اغتسل به
فدل هذا على أنه إذا وجد الماء بطل التيمم
وهذه ولله الحمد قاعدة حتى عند العامة يقولون إذا حضر الماء بطل التيمم
أما إذا لم يحضر الماء ولم يزل العذر فإنه يقوم مقام طهارة الماء
ولا يبطل بخروج الوقت
فلو تيمم الإنسان وهو مسافر ولا ماء عنده لصلاة الظهر مثلا
وبقي لم يحدث إلى العشاء فإنه لا يلزمه إعادة التيمم
لأن التيمم لا يبطل بخروج الوقت لأنه طهارة شرعية
كما قال الله في القرآن الكريم
{ فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج
ولكن يريد ليطهركم }
فبين الله أن طهارة التيمم طهارة
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم
جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا بفتح الطاء أي أنها تطهر
فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل
وفي حديث آخر فعنده مسجده وطهوره يعني فليتطهر وليصل
هذا من الأشياء المهمة في إقامة الصلاة المحافظة على الطهارة
واعلم أن من المحافظة على الطهارة
إزالة النجاسة من ثوبك وبدنك ومصلاك الذي تصلي عليه
فلابد من الطهارة في هذه المواضع الثلاث البدن والثوب والمصلى
1 - ودليل هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر النساء اللاتي يصلين
في ثيابهن وهن يحضن بهذه الثياب أن تزيل المرأة الدم الذي أصابها من ثوبها
تحكه بظفرها ثم تقرصه بأصبعيها الإبهام والسبابة ثم تغسله
ولما صلى ذات يوم بأصحابه وعليه نعاله خلع نعليه فخلع الناس نعالهم
فلما سلم سألهم لماذا خلعوا نعالهم ؟ قالوا رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا
قال إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذرا
فدل هذا على أنه لابد من اجتناب النجاسة في الملبوس
2 - أما المكان فإن دليله أن أعرابيا جاء فبال في طائفة من المسجد
أي في طرف منه لكنه أعرابي والأعراب الغالب عليهم الجهل
فصاح به الناس وزجروه
ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم بحكمته نهاهم وقال اتركوه
فلما قضى بوله دعاه النبي صلى الله عليه وسلم وقال له
إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من الأذى أو القذر
إنما هي للصلاة والتسبيح وقراءة القرآن أو كما قال صلى الله عليه وسلم
فقال الأعرابي اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا
لأن الصحابة زجروه وأما النبي صلى الله عليه وسلم فكلمه بلطف
فظن أن الرحمة ضيقة لا تتسع للجميع
ويذكر أن الرسول قال له لقد تحجرت واسعا
وأمر الرسول عليه الصلاة والسلام أن يصب على البول ذنوب من ماء
مثل الدلو لتطهر الأرض
3 - وأما طهارة البدن فقد ثبت في الصحيحين
من حديث عبد الله بن عباس أن الرسول صلى الله عليه وسلم
مر بقبرين
فقال إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير
أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول
وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة بين الناس والعياذ بالله
فدل هذا على أنه لابد من التنزه من البول وهكذا بقية النجاسات
ولكن لو فرض أن الإنسان في البر وتنجس ثوبه وليس معه ما يغسله به
فهل يتيمم من أجل صلاته في هذا الثوب
جـ - لا يتيمم وكذلك لو أصابه بدنه نجاسة رجله أو يده أو ساقه
أو ذراعه وليس عنده ما يغسله فإنه لا يتيمم
لأنه التيمم إنما هو بطهارة الحدث فقط أما النجاسة فلا يتيمم لها
لأن النجاسة عين قذرة تطهيرها بإزالتها إن أمكن فذاك
وإن لم يمكن تبقى حتى يمكن إزالتها والله أعلم
أحكام المسح على الخفين والجبيرة سبق أن للوضوء أربعة أركان
اثنان يغسلان وواحد يمسح وواحد يغسل ويمسح
أما الوجه فلا يمكن أن يمسح إلا إذا كان هناك جبيرة أي لزقة على جرح
وما أشبهه فلو أن إنسانا غطى وجهه بشيء من سموم شمس أو غيره
فإنه لا يمسح عليه بل يزيل الغطاء ويغسل الوجه إلا إذا كان هناك ضرورة
فإنه يمسح ما غطى به وجهه على سبيل البدل من الغسل
وأما اليدان فكذلك لا تمسحان بل لابد من غسلها إلا إذا كان هناك ضرورة
مثل أن يكون فيهما حساسية يضرها الماء
وجعل عليهما لفافة أو لبس قفازين من أجل أن لا يأتيهما الماء
فلا بأس أن يمسح مسح جبيرة للضرورة وأما الرأس فيمسح
وطهارته أخف من غيره ولهذا لو كان المرأة على رأسها حناء ملبد عليه
أو لبد المحرم رأسه في حال إحرامه كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام
فإنه يمسح هذا الملبد ولا حاجة إلى أن يزيله - أما الرجلان فتغسلان
وتمسحان ولهذا جاء القرآن الكريم على وجهين في قراءة قوله تعالى
{ وأرجلكم } بالفتح والكسر أما قراءة الكسر { وأرجلكم }
فهي عطفا على قوله { وامسحوا برءوسكم } أي وامسحوا بأرجلكم
وأما النصب { وأرجلكم } فهي عطفا على قوله تعالى
{ فاغسلوا وجوهكم }
أي واغسلوا أرجلكم ولكن متى تمسح الرجل جـ - تمسح الرجل
إذا لبس عليها الإنسان جوارب أو خفين الجوارب ما كان من القطن
أو الصوف أو نحوه والخفان ما كان من الجلد أو شبهه فإنه يمسح عليهما
لكن بشروط أربعة
الأول الطهارة أي طهارة الخفين أو الجوربين
فلو كانا من جلد نجس فإنه لا يصح المسح عليهما لأن النجس
خبيث لا يتطهر مهما مسحته وغسلته أما إذا كانتا متنجستين
فمن المعلوم أن الإنسان لا يصلي فيهما فلا يمسح عليهما
الثاني أن يلبسهما على طهارة بالماء فإن لبسهما على تيمم
فإنه لا يمسح عليهما
فلو أن شخصا مسافرا لبس الجوارب على طهارة تيمم
ثم قدم البلد فإنه لا يمسح عليهما لأنه لبسهما على طهارة تيمم
وطهارة التيمم إنما تتعلق بالوجه والكفين لا علاقة لها بالرجلين
وعلى هذا يكون الشرط مأخوذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم
للمغيرة بن شعبة إني أدخلتهما طاهرتين
الثالث أن يكونا في الحدث الأصغر
أي في الوضوء أما الغسل فلا تمسح فيه الخفان ولا الجوارب
بل لابد من خلعهما وغسل الرجلين لو كان على الإنسان جنابة
فإنه لا يمكن أن يمسح على خفيه
الرابع أن يكون في المدة المحددة شرعا وهي يوم وليلة للمقيم
وثلاثة أيام للمسافر ولكن متى تبتدئ ؟
الرابع أن يكون في المدة المحددة شرعا وهي يوم وليلة للمقيم
وثلاثة أيام للمسافر ولكن متى تبتدئ ؟
جـ: تبتدئ من أول مرة مسح بعد الحدث
أما ما قبل المسح الأول فلا يحسب من المدة
فلو فرض أن شخصا لبسها على طهارة في صباح يوم الثلاثاء
وبقي إلى أن صلى العشاء في طهارته ثم نام في ليلة الأربعاء
ولما قام لصلاة الفجر مسح فيوم الثلاثاء لا يحسب عليه
لأنه قبل المسح بل يحسب عليه من فجر يوم الأربعاء
لأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال
جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر
ويوما وليلة للمقيم وقال صفوان بن عسال أمرنا رسول الله
أن نمسح خفافنا ثلاثة أيام بلياليهن إذا كنا سفرا
فالعبرة بالمسح لا باللبس ولا بالحدث بعد اللبس فيتم المقيم يوما وليلة
أي ( 24 ) ساعة ويتم المسافر ثلاثة أيام بلياليهن
أي ( 72 ) ساعة فإن مسح الإنسان وهو مقيم
وسافر قبل أن تتم المدة فإنه يتمم مسح مسافر ثلاثة أيام
مثلا لو لبس اليوم لصلاة الفجر ومسح لصلاة الظهر
ثم سافر بعد الظهر فإنه يتمم ثلاثة أيام ولو كان بالعكس
مسح وهو مسافر ثم أقام فإنه يتمم مسح مقيم
لأن العبرة بالنهاية لا بالبداية
وهذا الذي رجع إليه الإمام أحمد رحمه الله وكان بالأول يقول
إن الإنسان إذا مسح مقيما ثم سافر أتم مسح مقيم
ولكنه رجع عن هذه الرواية وقال إنه يتمم مسح مسافر
ولا تستغرب أن العالم يرجع عن قوله
لأن الحق يجب أن يتبع فمتى تبين للإنسان الحق
وجب عليه ابتاعه فالإمام أحمد رحمه الله أحيانا
يروى عنه في المسألة الواحدة أربعة أقوال
أو خمسة إلى سبعة أقوال في مسألة واحدة وهو رجل واحد
أحيانا يصرح بأنه رجع وأحيانا لا يصرح إن صرح بأنه
رجع عن قوله الأول فإنه لا يجوز أن ينسب إليه
القول الأول الذي رجع عنه إلا مقيدا فيقال قال به أولا
ثم رجع أما إذا لم يصرح بالرجوع فإنه يجب أن يحسب القولان له
والإمام أحمد تكثر الرواية عنه لأنه أثرى يأخذ بالآثار
والذي يأخذ بالآثار ليس تأتيه الآثار دفعة واحدة
حتى يحيط بها مرة واحدة ويستقر على قول منها
لكن الآثار تتجدد ينقل له حديث اليوم وينقل له حديث في اليوم الثاني
وهكذا واعلم أن الإنسان إذا تمت المدة وهو على طهارة
فإنه لا تنتقض طهارته لكن لو انتقضت فلابد من خلع الخفين
وغسل القدمين لكن مجرد تمام المدة لا ينقض الوضوء
كذلك إذا خلعهما بعد المسح وهو على طهارة فإنها لا تنتقض طهارته
بل يبقى على طهارته فإذا أراد أن يتوضأ
فلابد من أن يغسل قدميه بعد أن نزع والقاعدة في هذا أنه
متى نزع الممسوح فإنه لا يعاد ليمسح بل لابد من غسل الرجل
ثم إعادته إذا أراد الوضوء
الشرط الثالث استقبال القبلة فاستقبال القبلة شرط من شروط الصلاة لا تصح الصلاة إلا به لأن الله تعالى أمر وكرر الأمر به في أول الجزء الثاني من القرآن الكريم قال تعالى { ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره } أي جهته وكان النبي عليه الصلاة والسلام أول ما قدم المدينة كان يصلي إلى بيت المقدس فيجعل الكعبة خلف ظهره والشام قبل وجهه ولكنه بعد ذلك ترقب أن الله سبحانه وتعالى يشرع له خلاف ذلك فجعل يقلب وجهه في السماء ينتظر متى ينزل عليه جبريل بالوحي في استقبال بيت الله الحرام كما قال الله تعالى { قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام } فأقره الله أن يستقبل المسجد الحرام أي جهته إلا أن يستثنى من ذلك ثلاث مسائل المسألة الأولى إذا كان عاجزا كمريض وجهه إلى غير القبلة ولا يستطيع أن يتوجه إلى القبلة فإن استقبال القبلة يسقط عنه في هذه الحال لقوله { فاتقوا الله ما استطعتم } وقوله تعالى { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } وقول النبي صلى الله عليه وسلم إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم المسألة الثانية إذا كان في شدة الخوف كإنسان هارب من عدو أو هارب من سبع أو هارب من نار أو هارب من واد يغرقه المهم أنه في شدة خوف فهنا يصلي حيث كان وجهه ودليله قوله تعالى { فإن خفتم فرجالا أو ركبانا فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون } فإن قوله { فإن خفتم } عام يشمل أي خوف وقوله { فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون } على أن أي ذكر تركه الإنسان من أجل الخوف فلا حرج عليه فيه ومن ذلك استقبال القبلة ويدل عليه ما سبق من الآيتين الكريمتين والحديث النبوي في أن الوجوب معلق بالاستطاعة المسألة الثالثة في النافلة في السفر سواء كان على طائرة أو على سيارة أو على بعير فإنه يصلي حيث كان وجهه في صلاة النفل مثل الوتر وصلاة الليل والضحى وما أشبه ذلك والمسافر ينبغي له أن يتنفل بجميع النوافل كالمقيم سواء إلا في الرواتب كراتبة الظهر والمغرب والعشاء فالسنة تركها فإذا أراد أن يتنفل وهو مسافر فليتنفل حيث كان وجهه لأن ذلك هو الثابت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذه ثلاث مسائل لا يجب فيها استقبال القبلة أما الجاهل فيجب عليه أن يستقبل القبلة لكن إذا اجتهد وتحرى ثم تبين له الخطأ بعد الاجتهاد فإنه لا إعادة عليه ولا نقول إنه يسقط عنه الاستقبال بل يجب عليه الاستقبال ويتحرى بقدر استطاعته فإذا تحرى بقدر استطاعته ثم تبين له الخطأ فإنه لا يعيد صلاته ودليل ذلك أن الصحابة الذين لم يعلموا بتحويل القبلة إلى الكعبة كانوا يصلون ذات يوم صلاة الفجر في مسجد قباء فجاءهم رجل فقال إن النبي صلى الله عليه وسلم أنزل عليه قرآن وأمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها فاستداروا بعد أن كانت الكعبة وراءهم جعلوها أمامهم فاستداروا واستمروا على صلاتهم وهذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن إنكارا له فيكون ذلك مشروعا يعني أن الإنسان إذا أخطأ في القبلة جاهلا فإنه ليس عليه إعادة ولكن إذا تبين له ولو في أثناء الصلاة وجب عليه أن يستقيم إلى القبلة فهذا استقبال القبلة شرط من شروط الصلاة لا تصح الصلاة إلا به إلا في المواضع الثلاثة وإلا إذا أخطأ الإنسان بعد الاجتهاد والتحري وهنا مسألة يجب على من نزل على شخص ضيفا وأراد أن يتنفل أن يسأل عن القبلة فإذا أخبره اتجه إليها لأن بعض الناس تأخذه العزة بالإثم ويمنعه الحياء وهو في غير محله عن السؤال عن القبلة فبعض الناس يستحي من السؤال حتى لا يقول الناس لا يعرف لا يضر فليقولوا ما يقولونه بل اسأل عن القبلة حتى يخبرك صاحب البيت أحيانا بعض الناس تأخذه العزة بالإثم ويتجه بناء على ظنه إلى جهة ما ويتبين له أنها ليست القبلة وفي هذه الحال يجب عليه أن يعيد الصلاة
لأنه استند إلى غير مستند شرعي
والمستند إلى غير مستند شرعي لا تقبل عبادته
لقول النبي صلى الله عليه وسلم
من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد
الشرط الرابع النية فإن الصلاة لا تصح إلا بنية
لقول النبي صلى الله عليه وسلم إنما الأعمال بالنيات ..
تابع ---