الشرط الرابع النية فإن الصلاة لا تصح إلا بنية لقول النبي صلى الله عليه وسلم إنما الأعمال بالنيات ..
الحديث وقد دلت الآيات الكريمة على اعتبار النية في العبادات مثل قوله تعالى في وصف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه { تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا } وقال تعالى { وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله } والآيات في هذا كثيرة وقال { ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله } فالنية شرط من شروط صحة الصلاة لا تصح الصلاة إلا بها وهي في الحقيقة ليست بالأمر الصعب كل إنسان عاقل مختار يفعل فعلا فإنه قد نواه فلا تحتاج إلى تعب ولا إلى نطق محلها القلب إنما الأعمال بالنيات ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينطق بالنية ولا أمر أمته بالنطق بها ولا فعلها أحد من أصحابه فأقره على ذلك فالنطق بالنية بدعة هذا هو القول الراجح لأنك كما تشاهد الرسول وأصحابه يصلون ليس فيهم أحد نطق قال اللهم إني نويت أن أصلي وما أظرف قصة ذكرها لي بعض الناس عليه رحمة الله قال لي إن رجلا في المسجد الحرام قديما أراد أن يصلي فأقيمت الصلاة فقال اللهم إني نويت أن أصلي الظهر أربع ركعات لله تعالى خلف إمام المسجد الحرام لما أراد أن يكبر قال له اصبر بقي عليك قال ما الباقي قال له قل في اليوم الفلاني وفي التاريخ الفلاني من الشهر والسنة حتى لا تضيع هذه الوثيقة فتعجب الرجل والحقيقة أنها محل التعجب هل أنت تعلم الله عز وجل بما تريد الله يعلم ما توسوس به نفسك هل تعلم الله بعدد الركعات والأوقات لا داعي له هو يعلم هذا فالنية محلها القلب ولكن كما نعلم أن الصلوات تنقسم إلى أقسام نفل مطلق ونفل معين وفريضة الفرائض خمس الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء إذا جئت إلى المسجد في وقت الفجر فماذا تريد أتريد أن تصلي المغرب الفجر وهناك مسألة إذا جئت وكبرت وغاب عن ذهنك أي صلاة هي وهذا يقع كثيرا إذا جاء بسرعة يخشى أن تفوته الركعة فهنا لا حاجة ووقوع الصلاة في وقتها دليل على أنه إنما أردت هذه الصلاة ولهذا لو سألك أي واحد هل أردت الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء لقلت أبدا ما أردت إلا الفجر إذا لا حاجة إلى أن أنوي أنها الفجر صحيح إنني إن نويتها الفجر أكمل لكن أحيانا يغيب عن الذهن التعيين فنقول يعينها الوقت إذا الفرائض يكون تعيينها على وجهين الوجه الأول أن يعينها بعينها فيقول بقلبه إنه نوى الظهر وهذا واضح الوجه الثاني الوقت فما دمت تصلي الصلاة في هذا الوقت فهي هي الصلاة هذا الوجه الثاني إنما يكون في الصلاة المؤداة في وقتها أما لو فرض أن على إنسان صلوات مقضية كما لو نام يوما كاملا عن الظهر والعصر والمغرب فهنا إذا أراد أن يقضي لابد أن يعين بعينها لأنه لا وقت لها النوافل المعينة مثل الوتر وركعتي الضحى والرواتب فهذه لابد أن تعينها بالاسم لكن بالقلب لا باللسان فإذا أردت أن تصلي الوتر مثلا وكبرت ولكن ما نويت الوتر وفي أثناء الصلاة نويتها الوتر هذا لا يصح لأن الوتر نفل معين والنوافل المعينة لابد أن تعين بعينها النوافل المطلقة ما تحتاج إلى نية إلا نية الصلاة نية الصلاة لابد منها مثل إنسان في الضحى توضأ وأراد أن يصلي ما شاء الله نقول يكفي نية الصلاة وذلك لأنها صلاة غير معينة إذا أراد الإنسان أن ينتقل في الصلاة من نية إلى نية هل هذا ممكن جـ - ننظر الانتقال من معين إلى معين أو من مطلق إلى معين لا يصح مثال المطلق إنسان قام يصلي صلاة نافلة مطلقة وفي أثناء الصلاة ذكر أنه لم يصل راتبة الفجر فنواها لرابتة الفجر نقول لا تصح لراتبة الفجر لأنه انتقال من مطلق إلى معين المعين لابد أن تنويه من أوله فراتبة الفجر من التكبير إلى التسليم ومثال معين إلى معين رجل قام يصلي العصر وفي أثناء صلاته ذكر أنه لم يصل الظهر أو أنه صلاها بغير وضوء فقال الآن نويتها للظهر هنا لا تصح للظهر لأنه من معين إلى معين ولا تصح أيضا صلاة العصر التي ابتدأ لأنه قطعها بانتقاله إلى الظهر أما الانتقال من معين إلى مطلق فإنه يصح مثل إنسان شرع في صلاة الفريضة ثم لما شرع ذكر أنه على ميعاد لا يمكنه أن يتأخر فيه فنواها نفلا فإنها تصح إذا كان الوقت متسعا ولم يفوت الجماعة هذان شرطان الشرط الأول إذا كان الوقت متسعا والثاني إذا لم يفوت الجماعة فمثلا إذا كان في صلاة جماعة فلا يمكن أن يحولها إلى نفل مطلق لأن هذا يستلزم أن يدع صلاة الجماعة إذا كان الوقت ضيقا فلا يصح أن يحولها إلى نفل مطلق لأن صلاة الفريضة إذا ضاق وقتها لا يتحمل الوقت سواها فصارت الحالات ثلاثا 1 - من مطلق إلى معين لا يصح المعين ويبقى المطلق 2 - من معين إلى معين يبطل الأول ولا ينعقد الثاني 3 - من معين إلى مطلق يصح ويبقى المعين عليه نية الإمام والائتمام الجماعة تحتاج إلى إمام ومأموم وأقلها اثنان إمام ومأموم وكلما كان أكثر فهو أحب إلى الله ولابد من نية المأموم والائتمام وهذا شيء متفق عليه يعني إذا دخلت في جماعة فلابد أن تنوي الائتمام بإمامك الذي دخلت معه ولكن النية لا تحتاج إلى كبير عمل لأن من أتى إلى المسجد فإنه نوى أن يأتم ومن قال لشخص صل بي فإنه قد نوى أن يأتم أما الإمام فقد اختلف العلماء رحمهم الله هل يجب أن ينوي أن يكون إماما أو لا يجب فقال بعض أهل العلم لابد أن ينوي أنه الإمام على هذا فلو جاء رجلان ووجدا رجلا يصلي ونويا أن يكون الرجل إماما لهما فصفا خلفه وهو لا يدري بهما فمن قال إنه لابد للإمام أن ينوي الإمامة فقال إن صلاة الرجلين لا تصح وذلك لأن الإمام لم ينو الإمامة ومن قال إنه لا يشترط قال إن صلاة هذين الرجلين صحيحة لأنهما ائتما به فالأول هو المشهور من مذهب الإمام أحمد والثاني هو مذهب الإمام مالك واستدل بأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ذات ليلة في رمضان وحده فدخل أناس المسجد فصلوا خلفه والنبي صلى الله عليه وسلم كان أول ما دخل الصلاة لم ينو أن يكون إماما واستدلوا كذلك بأن ابن عباس رضي الله عنهما بات عند النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل قام يصلي وحده فقام ابن عباس فتوضأ ودخل معه الصلاة ولكن لا شك أن هذا الثاني ليس فيه دلالة لأن النبي صلى الله عليه وسلم نوى الإمامة لكن نواها في أثناء الصلاة ولا بأس بأن ينويها في أثناء الصلاة على كل حال الاحتياط في هذه المسألة أن نقول إنه إذا جاء رجلان إلى شخص يصلي فلينبهاه على أنه إمام لهما فإن سكت فقد أقرهما وإن رفض وأشار بيده أن لا تصليا خلفي فلا يصليا خلفه هذا هو الأحوط والأولى ثانيا هل يشترط أن تتساوى صلاة الإمام مع صلاة المأموم في جنس المشروعية بمعنى هل يصح أن يصلي الفريضة خلف من يصلي النافلة أو أن يصلي النافلة خلف من يصلي الفريضة جـ - أما الإنسان الذي يصلي نافلة خلف من يصلي فريضة فلا بأس بهذا لأن السنة قد دلت على ذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم انفتل من صلاة الفجر ذات يوم في مسجد الخيف بمنى فوجد رجلين لم يصليا فقال ما منعكما أن تصليا في القوم قالا يا رسول الله صلينا في رحالنا يحتمل أنهما صليا في رحالهما لنظنهما أنهما لا يدركان صلاة الجماعة أو لغير ذلك من الأسباب فقال إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما جماعة فصليا فإنها لكما نافلة فإنها الأولى أو الثانية جـ - الثانية لأن الأولى حصلت بها الفريضة وانتهت وبرئت الذمة إذا إذا كان المأموم هو الذي يصلي النافلة والإمام هو الذي يصلي الفريضة فلا بأس بذلك كما دلت عليه هذه السنة أما العكس إذا كان الإمام يصلي النافلة والمأموم يصلي الفريضة وأقرب مثال لذلك في أيام رمضان إذا دخل الإنسان وقد فاتته صلاة العشاء ووجد الناس يصلون صلاة التراويح فهل يدخل معهم بنية العشاء أو يصلي الفريضة وحده ثم يصلي التراويح جـ هذا محل خلاف بين العلماء فمنهم من قال لا يصح أن يصلي الفريضة خلف النافلة لأن الفريضة أعلى ولا يمكن أن تكون صلاة المأموم أعلى من صلاة الإمام ومنهم من قال بل يصح أن يصلي الفريضة خلف النافلة لأن السنة وردت بذلك وهي أن معاذ بن جبل رضي الله عنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء ثم يذهب إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة فهي له نافلة ولهم فريضة ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم فإنه قال قائل لعل النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم فالجواب عن ذلك أن نقول إن كان قد علم فقد تم الاستدلال لأن معاذ بن جبل رضي الله عنه قد شكى إلى الرسول في كونه يطول صلاة العشاء فالظاهر أن الرسول أخبر بكل القضية وبكل القصة وإذا قدر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعلم أن معاذا يصلي معه ثم يذهب إلى قومه ويصلي بهم فإن رب الرسول صلى الله عليه وسلم قد علم وهو الله جل وعلا لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء وإذا كان الله قد علم ولم ينزل على نبيه إنكارا لهذا العمل دل ذلك على جوازه لأن الله لا يقر عباده عل شيء غير مشروع لهم إطلاقا فتم الاستدلال حينئذ على كل تقدير إذا فالصحيح أنه يجوز أن يصلي الإنسان صلاة الفريضة خلف من يصلي صلاة النافلة والقياس الذي ذكر استدلالا على المنع قياس في مقابلة النص فيكون مطروحا فاسدا لا يعتبر إذن إذا أتيت في أيام رمضان والناس يصلون صلاة التراويح ولم تصل العشاء فأدخل معهم بنية صلاة العشاء ثم إن كنت قد دخلت في أول ركعة فإذا سلم الإمام فصل ركعتين لتتم الأربع وإن كنت دخلت في الثانية فصل إذا سلم الإمام ثلاث ركعات لأنك صليت مع الإمام ركعة وهذا منصوص الإمام أحمد مع أن مذهبه خلاف ذلك لكن منصوصه الذي نص عليه شخصيا أن هذا جائز إذن تلخص الآن من صلى فريضة خلف فريضة فجائز فريضة خلف نافلة فيها خلاف نافلة خلف فريضة جائزة قولا واحدا المسألة الثالثة في جنس الصلاة هل يشترط أن تتفق صلاة الإمام والمأموم في نوع الصلاة أي ظهر مع ظهر وعصر مع عصر أم لا جـ - في هذا أيضا خلاف فمن العلماء من قال يجب أن تتفق الصلاتان فيصلي الظهر خلف من يصلي الظهر ويصلي العصر خلف من يصلي العصر ويصلي المغرب خلف من يصلي المغرب وهكذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنما جعل الإمام ليؤتم به ومن العلماء من قال لا يشترط فيجوز أن تصلي العصر خلف من يصلي الظهر أو الظهر خلف من يصلي العصر أو العصر خلف من يصلي العشاء لأن الائتمام في هذه الحال لا يتأثر وإذا جاز أن يصلي الفريضة خلف النافلة مع اختلف الحكم فكذلك اختلاف الاسم لا يضر وهذا القول أصح فإذا قال إنسان كيف يصلي الظهر خلف من يصلي العشاء جـ حضرت لصلاة العشاء بعد أن أذن ولما أقيمت الصلاة تذكرت أنك صليت الظهر بغير وضوء نقول له ادخل مع الإمام وصل الظهر أنت نيتك الظهر والإمام نيته العشاء ولا يضر إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فليس معناه فلا تختلفوا عليه في النية لأنه فصل وبين فقال فإذا كبر فكبروا وإذا سجد فاسجدوا وإذا رفع فارفعوا أي تابعوه ولا تسبقوه وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم يفسر بعضه بعضا هذا البحث يفرع عليه بحث آخر إذا اتفقت الصلاتان في العدد والهيئة فلا إشكال في هذا مثل ظهر خلف عصر العدد واحد والهيئة واحدة هذا لا إشكال فيه لكن إذا اختلفت الصلاتان بأن كانت صلاة المأموم ركعتين والإمام أربع وبالعكس أو المأموم ثلاث والإمام أربع أو بالعكس فتقول إن كانت صلاة المأموم أكثر فلا إشكال مثل لو صلى العصر خلف من يصلي المغرب مثل رجل دخل المسجد يصلي المغرب ولما أقيمت الصلاة ذكر أنه صلى العصر بلا وضوء فهنا صار عليه صلاة العصر نقول ادخل مع الإمام بنية صلاة العصر وإذا سلم الإمام فإنك تأتي بواحدة لتتم لك الأربع هذا لا إشكال فيه إذا كانت صلاة الإمام أكثر من صلاة المأموم فهذا نقول إن دخل المأموم في الركعة الثانية فما بعدها فلا إشكال وإن دخل في الركعة الأولى فحينئذ يأتي الإشكال ولنمثل إذا جئت والإمام يصلي العشاء وهذا يقع كثيرا في أيام الجمع يأتي الإنسان من البيت والمسجد جامع للمصر وما أشبهه فإذا جاء وجدهم يصلون العشاء لكن وجدهم يصلون في الركعتين الأخيرتين نقول ادخل معهم بنية المغرب صل الركعتين وإذا سلم الإمام تأتي بركعة ولا إشكال وإذا جئت ووجدتهم يصلون العشاء الآخر لكنهم في الركعة الثانية نقول ادخل معهم بنية المغرب وسلم مع الإمام ولا يضر لأنك ما زدت ولا نقصت هذا أيضا لا إشكال فيه هذا فيه إشكال عند البعض ويقول إذا دخلت معه في الركعة الثانية ثم جلست في الركعة التي هي للإمام الثانية وهي لك الأولى فتكون جلست في الأولى للتشهد نقول هذا لا يضر ألست إذا دخلت مع الإمام في صلاة الظهر في الركعة الثانية فالإمام سوف يجلس للتشهد وهي لك الأولى هذا نفسه ولا إشكال الإشكال إذا جئت إلى المسجد ووجدتهم يصلون العشاء وهم في الركعة الأولى ودخلت معهم فيها حينئذ ستصلي ثلاثا مع الإمام والإمام سيقوم للرابعة فماذا تصنع إن قمت معه زدت ركعة والمغرب ثلاثة لا أربع وإن جلست تخلفت عن الإمام فماذا تصنع نقول اجلس وإذا كنت تريد أن تجمع فانو المفارقة واقرأ التحيات وسلم ثم ادخل مع الإمام فيما بقى من صلاة العشاء لأنك يمكن أن تدركه أما إذا كنت لا تنوي الجمع أو ممن لا يحق له الجمع فإنك في هذه الحال تخير إن شئت فاجلس للتشهد وانتظر الإمام حتى يكمل الركعة ويتشهد وتسلم معه وإن شئت فانوي الانفراد وسلم وهذا الذي ذكرناه هو القول الراجح وهو اختيار شيخ الإسلام رحمه الله ونية الانفراد هنا للضرورة لأن الإنسان لا يمكن أن يزيد في المغرب على ثلاث فالجلوس لضرورة شرعية ولا بأس بهذا ومما يدخل في قوله وتقيم الصلاة أركان الصلاة والأركان هي الأعمال القولية أو الفعلية التي لا تصح الصلاة إلا بها ولا تقوم إلا بها فمن ذلك تكبيرة الإحرام
تابع ---