باب النهي عن نقل الحديث وكلام الناس إلى ولاة الأمور إذا لم تدع إليه حاجة كخوف مفسدة ونحوها
قال الله تعالى: { ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } .
وفي الباب الأحاديث السابقة في الباب قبله .
1539 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يبلغني أحد من أصحابي عن أحد شيئاً، فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر .
رواه أبو داود والترمذي .
:
الشَّرْحُ
ذكر المؤلف رحمه الله تعالى في كتابه: ( رياض الصالحين ) باب النهي عن نقل الحديث وكلام الناس إلى ولاة الأمور إذا لم تدع الحاجة إلى ذلك، يعني هذا الباب أراد المؤلف به رحمه الله ألا ينقل الناس إلى الولاة كلام الناس وأحوالهم إذا لم تدع الحاجة إلى ذلك، لأن نقل الكلام إلى ولاة الأمور إذا لم يكن هناك مصلحة يوجب إما العدوان على الشخص الذي نقل عنه الكلام، وأما أن ولاة الأمور يتصورون أشياء لا حقيقة لها وأن الناس يكرهونهم ويسبونهم وما أشبه ذلك فلهذا ينبغي ألا ينقل إلى ولاة الأمور الحديث، حديث الناس وكلام الناس إلا إذا دعت الحاجة والمصلحة إلى ذلك، فإذا دعت الحاجة أو المصلحة إلى ذلك فإنه ينقل كلام الناس إلى ولاة الأمور خوفًا من المفسدة، فمثلاً إذا كان أحد من الناس يتكلم في ولاة الأمور في المجالس، ويقول فيهم كذا وفيهم كذا ويسبهم، فإن الأولى ألا ينقل هذا الكلام إلى ولاة الأمور ؛ لئلا تحصل المفسدة التي أشرت إليها، وهي العدوان على هذا الشخص وتصور ولاة الأمور أن الناس يكرهونهم، فيكرهون الناس ولا يأتون بالأمر الذي ينبغي أن يأتوا به من مصالح المسلمين، أما إذا دعت الحاجة إلى ذلك - إلى نقل كلام الناس إلى ولاة الأمور لدفع مفسدة أو حصول مصلحة - فإنه لابد من نقله إليهم، فإذا رأينا رجلاً يتكلم في ولاة الأمور بما فيهم من المعاصي والفسوق وما أشبه ذلك، وينشرها بين الناس، فإنه لابد أن تعلم ولاة الأمور بهذا ؛ لأن هذا من النصيحة لهذا الشخص ؛ لئلا يتمادى في طغيانه وهجومه على ولاة الأمور، ومن النصيحة لولاة الأمور أيضًا ألا يحمل الناس في قلوبهم على ولاة الأمور، وأما ترك المفسد يفسد ويتكلم بما شاء من غير ردع له ولا زجر فهذا خلاف النصيحة، بل فيه المفسدة العظيمة .
فالحاصل أن النووي رحمه الله ذكر في هذا الباب أنه لا ينبغي أن ينقل إلى ولاة الأمور كلام الناس وحديثهم ما لم تقتض المصلحة ذلك، فإن اقتضت المصلحة ذلك لكبح الشر والفساد والطغيان، فإنه يجب أن ينقل إلى ولاة الأمور بعد التثبت والتحقق من الأمر حتى تردع ولاة الأمور أهل الشر والفساد، وإلا فلو ترك الناس يتكلمون كما يشاءون لحصل في هذا مفسدة كبيرة .
ثم استدل المؤلف لهذا بآية وحديث، أما الآية فقوله تعالى: ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ومن التعاون على الإثم والعدوان أن ينقل الإنسان كلام الناس أو كلام شخص معين إلى ولاة الأمور بدون مصلحة تقتضي، فإن هذا قد يحصل به كما أشرنا عدوان من ولاة الأمور على الشخص بلا سبب شرعي وأما الحديث فهو حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يبلغني أحد عن أحد شيئاً، فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر وهذا من حكمة الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لا أحد ينقل إليه كلام الناس لكي لا يقع في قلبه شيء على هذا المتكلم، فيحب أن يخرج إليهم وهو سليم الصدر، ولهذا كثيرًا ما يكون الإنسان محباً لشخص يقدره ويرى أنه رجل كريم ورجل سليم، ثم إذا نقل إليه شيء عن هذا الرجل كرهه ونفر منه وصار يبغضه، لكن كما قلنا أولاً: إذا اقتضت المصلحة أن نتكلم فلابد أن نتكلم لكي لا ينتشر الشر والفساد وتحصل الفتن، والله الموفق
باب ذم ذي الوجهين
قال الله تعالى: { يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطًا }
1540 -