باب النهي عن الغش والخداع
قال الله تعالى: { والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا }
1579 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من حمل علينا السلاح، فليس منا، ومن غشنا، فليس منا رواه مسلم .
وفي رواية له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على صبرة طعام، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللا، فقال: ما هذا يا صاحب الطعام ؟ قال أصابته السماء يا رسول الله قال: أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس، من غشنا فليس منا
1580 - وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تناجشوا متفق عليه .
1581 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النجش متفق عليه .
1582 - وعنه قال: ذكر رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يخدع في البيوت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من بايعت، فقل لا خلابة متفق عليه .
الخلابة بخاء معجمة مكسورة، وباء موحدة: وهي الخديعة .
1583 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من خبب زوجة امرئ، أو مملوكه، فليس منا رواه أبو داود .
خبب بخاء معجمة، ثم باء موحدة مكررة: أي: أفسده وخدعه .
:
الشَّرْحُ
هذان بابان ذكرهما المؤلف رحمه الله في كتابه ( رياض الصالحين ) الأول في الشماتة، والثاني في الطعن في النسب .
أما الشماتة فهي: التعيير بالذنب أو بالعمل أو حادثة تقع على الإنسان أو ما أشبه ذلك، فيشيعها الإنسان ويبينها ويظهرها، وهذا محرم لأنه ينافي قول الله تعالى: إنما المؤمنون إخوة فإن الأخ لا يحب أن تظهر الشماتة في أخيه، وكذلك ينافي قوله تعالى: { والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا } .
ثم ذكر المؤلف حديث واثلة بنت الأسقع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك يعني أن الإنسان إذا عير أخاه في شيء ربما يرحم الله هذا المعير ويشفى من هذا الشيء ويزول عنه ثم يبتلى به هذا الذي عيره، وهذا يقع كثيرا، ولهذا جاء في حديث آخر، في صحته نظر لكنه موافق لهذا الحديث: من عير أخاه بذنب لن يمت حتى يعمله فإياك وتعيير المسلمين والشماتة فيهم فربما يرتفع عنهم ما شمتهم به ويحل فيك .
أما الثاني: أي - الباب الثاني - هو الطعن في النسب فمعناه التعيير بالنسب أو أن ينفي نسبه، فمثلا يقول في التعيير: أنت من القبيلة الفلانية التي لا تدفع العدو ولا تحمي الفقير .
ويذكر فيها معايب، أو مثلا يقول: أنت تدعي أنك من آل فلان ولست منهم، أنت ما فيك خير هؤلاء، القبيلة ولو كنت منهم لكان فيك خير، أو ما أشبه ذلك .
ثم ذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اثنتان في الناس هما بهم كفر يعني خصلتان يفعلهما الناس وهم من خصال الكفر، الطعن في النسب، والثانية النياحة على الميت، النياحة على الميت أن يبكي عليه النساء أو الرجال أيضاً، لكن النساء أكثر، على شبه ما تنوح الحمامة، يعني: يأتين بالبكاء برنة معروفة، هذا حرام وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم النائحة والمستمعة ومن النياحة ما يفعله بعض الناس اليوم، يجتمعون في بيت الميت ويؤتى إليهم بالطعام أو يصنعون هم الطعام ويجتمعون عليه، فإن هذا محرم لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن النائحة والمستمعة، وهؤلاء نواح، لحديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: كنا نعد الاجتماع في بيت الميت وصنع الطعام من النياحة وهو صحابي جليل معروف، فالصحابة يرون أن هذا من الناحية، ولهذا ينهي أهل الميت إذا مات أن يفتحوا أبوابهم للعزاء، لأن ذلك منكر وبدعة، فالصحابة ما كانوا يفعلون ذلك، ثم هو فيه نوع من الاعتراض على قضاء الله وقدره، والواجب على الإنسان الرضا والتسليم وأن يبقي بابه مغلقا، ومن أراد أن يعزيه يجده في السوق أو في المسجد، بالنسبة للرجال .
وأما النساء فلا حاجة إلى فتح الباب لهن واجتماعهن، فالمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن النياحة من الكفر اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب والنياحة على الميت ولا يغرنك يعني الناس، فإن الله يقول: { وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله } وقال تعالى: { وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين } فالمدار ما هو على عمل الناس وأن هذه عادة، المدار على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين وعمل الصحابة رضي الله عنهم، ما منهم أحد فتح بابه للمعزين أبدا، وما اجتمعوا على الأكل بل كانوا يعدون هذا من النياحة ويبتعدون عنه أشد البعد، لأن النياحة كما سمعتم كفر، يعني من خصال الكفر .
والثاني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لعن النائحة والمستمعة .
والله الموفق .
باب تحريم الغدر
قال الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود } وقال تعالى: { وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا }:
الشَّرْحُ
قال النووي رحمه الله في كتابه رياض الصالحين: باب تحريم الغدر .
الغدر خيانة الإنسان في موضع الاستئمان .
بمعنى أن يأتمنك أحد في شيء ثم تغدر به، سواء أعطيته عهداً أم لم تعطه، وذلك لأن الذي ائتمنك: اعتمد عليك ووثق بك، فإذا خنته فقد غدرت به .
ثم استدل المؤلف على تحريم الغدر بوجوب الوفاء، لأن الشيء يعرف بضده، ووجوب الوفاء ساق له المؤلف رحمه الله آيتين، الآية الأولى قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود يعني ائتوا بها وافية شاملة على حسب العقد الذي اتفقت مع صاحبك عليه، وهذا يشمل كل العقود، يشمل عقود البيع، فإذا بعت شيئا على أخيك فالواجب عليك أن تفي بالعقد، إن كان بينكما شرط فأوفه، سواء كان عدميا أم وجوديا، فمثلا إذا بعت على أخيك بيتا واشترطت عليه أن تسكنه لمدة سنة فالواجب على المشتري أن يمكنك من هذا وألا يتعرض لك، لأنه شرط عليك أن يسكنه سنة، وهذا مقتضى العقد، بعت على أخيك شيئا واشترطت عليه أن يصبر بالعيب الذي فيه، يعني قلت: فيه عيب فاصبر به فيجب عليك أن توفي بذلك وأن لا ترده، وإذا رددته فلا حق لك، لكن يجب عليك من الأصل ألا ترده .
وهاهنا مسألة يتخذها بعض الناس والعياذ بالله وهي حرام يبيع الشيء ويعرف أن فيه عيبا، ثم يقول للمشتري، ترى ما بعت عليك إلا ما أمامك واصبر بجميع العيوب، وهذا ما يعرف عندهم في حارات السيارات حارات تحت المكرفون، تجد السمسار الذي هو الدلال، ينادي بأعلى صوته ويقول: ترى ما بعت عليك إلا الإطارات، ما بعت عليك إلا الكبوت، ما بعت عليك إلا كذا وكذا، وهو يعلم أن فيها العيب الفلاني لكن لا يذكره خداعا والعياذ بالله، لأنه لو ذكره لنقصت القيمة، فإذا لم يذكره صار المشتري مترددا، يحتمل فيها عيب، يحتمل ما فيها عيب، فيدفع ثمنا أكثر مما لو علم بالعيب المعين وهذا الذي باع على هذا الشرط، ولو التزم المشتري بذلك، إذا كان بها عيب حقيقة فإنه لا يبرأ منه يوم القيامة، سوف يطالب به ولا ينفع هذا الشرط، الواجب إذا علمت في السلعة عيبا أن تبين أن فيها العيب الفلاني، نعم لو فرض أن إنسانا اشترى سيارة وبقيت عنده يوما أو يومين، ولم يعلم بها عيب، ولم يشترط عليه عيب، ثم أراد أن يسلم منها قال بعت عليك هذا الذي أمامك، معيب أو سليم، ما علي منها، فهذا لا بأس به .
والمهم أن من علم العيب في السلعة يجب أن يبينه، ومن لم يعلم فله أن يشترط على المشتري أنه لا رد له، ولا يعود عليه بشيء، ولا بأس به .
من الوفاء بالعقود ما يحصل بين الزوجين عند العقد، تشترط المرأة شروطا أو يشترط الزوج شروطا فيجب على من يشترط عليه أن يوفي بالشرط، مثل أن تشترط عليه ألا تسكن مع أهله، فيجب عليه أن يوفي لأن بعض النساء لا ترغب في أن تسكن مع أهل الزوج لكونها سمعت عنهم أنهم نكد وأنهم أهل تشويش وأهل نميمة، فتقول شرطت ألا أسكن مع أهلك فيجب عليه أن يوفي بذلك، لأن الله قال: { يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود } أو شرطت عليه ألا يخرجها من بيتها، مثلا هي ربة أولاد من زوج سابق، وتزوجها رجل جديد فقالت شرط ألا تخرجني من بيتي، فيجب عليه أن يوفي بهذا الشرط وألا ينكد عليها، لا يقول أنا ما أخرجتها من بيتها، ولكن ينكد عليها، حتى تمل وتتعب، هذا حرام ؛ لأن الله قال: { يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود } اشترطت عليه مهرا معينا، قالت: شرط أن تعطيني مهري مثلا عشرة آلاف يجب عليه أن يوفي، ولا يماطل لأنه مشروط عليه، ولكن لو اشترطت هي أو هو شرطا فاسدا فإنه لا يقبل، مثل لو اشترطت عليه، قالت: شرط أن تطلق زوجتك الأولى فهذا الشرط لا يقبل ولا يوفي به وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تسأل المرأة طلاق أختها لتدفع ما في إنائها أو قال: ما في صحفتها هذا الشرط محرم، لأنه عدوان على الغير فيكون باطلا ولا يجب الوفاء به، بل هو لا يجب الالتزام به أصلا لأنه شرط فاسد، أما لو اشترطت ألا يتزوج عليها وقبل فشرط صحيح، لأنه ما فيه عدوان على أحد، فيه منع الزوج من أمر يجوز له باختياره وهذا لا بأس به، لأن الزوج هو الذي أسقط حقه وهو ليس فيه عدوان على أحد، فإذا اشترطت ألا يتزوج عليها فتزوج فلها أن تفسخ النكاح، رضي أم أبى، لأنه خالف الشرط .
فالمهم أن الله أمر بالوفاء بالعقود في كل شيء، يجب أن تفي بالعقد في كل شيء وألا تخون ولا تعذر ولا تكتم عيبا ولا تدلس، ويأتي الكلام إن شاء الله على الآية الثانية .
والله أعلم
1584 -