369- باب ما يقوله ويفعله من ارتكب منهيّاً عنه
قال اللَّه تعالى: { وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله } .
وقال تعالى: { إن الذين إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون } .
وقال تعالى: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا اللَّه فاستغفروا لذنوبهم، ومن يغفر الذنوب إلا اللَّه، ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون، أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين } .
وقال تعالى: { وتوبوا إلى اللَّه جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون } .
1807- وعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي اللَّه عَنْهُ عَن النَّبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « مَنْ حَلَف فَقَالَ في حلفِهِ: بِالَّلاتِ والْعُزَّى ، فَلْيقُلْ : لا إلَهَ إلاَّ اللَّه ومَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ ، تَعَالَ أقَامِرْكَ فَليتَصَدَّق» . متفقٌ عليه .
1807 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من حلف فقال في حلفه باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله ومن قال لصاحبه تعال أقامرك فليتصدق متفق عليه .
سبق لنا الكلام على أنه لا يجوز للإنسان أن يغتر في إمهال الله تعالى له وأن يرتكب المعاصي بناء على أن الله لن يعالجه بالعقوبة وأن هذا من باب الأمن من مكر الله عز وجل وذكرنا أن الله تعالى يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وتلا قول الله تعالى كذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد وكثير من الناس يتهاون في هذا الأمر يعصي الله فينهى عن ذلك ويترك الواجب فيؤمر بفعله ويقول { إن الله غفور رحيم } { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } وأنا لم أشرك بالله فيقال له إن الذي قال ذلك هو الذي قال { اعلموا أن الله شديد العقاب } وقال { نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم } ولا يجوز لك أن تغتر بإمهال الله لك ربما يمهل الله العبد على معاصيه ويستدرجه من حيث لا يعلم حتى إذا أخذه أخذه أخذ عزيز مقتدر والعياذ بالله فإياك أن تتهاون راقب الله عز وجل واعلم أن لكل داء دواء فإذا مسك طائف من الشيطان تذكر واتعظ وأقبل على الله وتب إلى الله عز وجل وكن كمن قال الله فيهم { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون } والتوبة لابد فيها من شروط خمسة: 1 - الإخلاص لله عز وجل بألا يحمل الإنسان على التوبة مراعاة أحد من الخلق ولا أن ينال بذلك جاها أو رئاسة بل يخلص النية لله عز وجل خوفا من عقابه ورجاء لثوابه . 2 - الندم على ما فعل من الذنب بحيث لا يتساوى عنده الذنب وعدمه بل يندم على ما حصل منه ويتحسر في نفسه ويقول ليتني لم أفعل هذا لكنه يخضع لقضاء الله وقدره ويتوب إلى الله عز وجل . 3 - الإقلاع عن الذنب بترك المعصية إن كان الذنب معصية أو فعل الواجب إن كان الذنب بترك الواجب يمكن تداركه فأما أن يصر على الذنب ويرجو التوبة فهذا خطأ وهذا من الأماني الكاذبة بعض الناس يقول أستغفر الله وأتوب إليه من الغيبة وهو يغتاب الناس يقول أستغفر الله من الربا وهو يأكل الربا يقول أستغفر الله وأتوب إليه من حقوق الناس وهو يأكل حقوق الناس يماطل في الحق الذي عليه مع قدرته على وفائه وغير ذلك من الأمور التي يكذب بها الإنسان على نفسه في أنه تائب وهو لم يتب وإذا كان الذنب حقا لآدمي فلابد أن يوصله إليه أخذ مالا من شخص سرق منه مالا وجاء يسأل يقول إنه تاب نقول رد المال إلى صاحبه أما بدون أن ترده إلى صاحبه فالتوبة لم تتم كذلك توبته من أكل لحم الناس يغتاب شخصا يسبه في المجالس وقال إنه تاب إلى الله نقول له اذهب واطلب منه أن يحلك حتى تنفعك التوبة وإنما قيدنا هذا بما إذا كان قد علم أنك قد اغتبته وإلا فلا حاجة أن تخبره أثن عليه بالخير في المجالس التي كنت تسبه فيها ثم استغفر الله له . 4 - العزم على ألا يعود يعني لا يتوب إلى الله وهو عازم على أن يعود متى سنحت الفرصة فإن هذه ليست توبة بل يجب أن يعزم على ألا يعود إلى الذنب . 5 - أن تكون التوبة في وقت القبول وذلك بأن يتوب قبل أن يحضره الموت أو قبل أن تطلع الشمس من مغربها فإن لم يتب إلا إذا حضره الموت فإن التوبة لا تنفع . ومن هذا نعرف أن التوبة واجبة على الفور بدون تأخير لأن الإنسان لا يدري متى يفاجأ بالموت فيجب عليه أن يكون مستعدا نسأل الله تعالى أن يتوب علينا وعليكم وأن يتوفانا على الإيمان .
الشَّرْحُ
كتاب المنثورات والملح
370- بابُ المنثورات والملح
1808-
باب ما يقوله ويفعله من ارتكب منهيا عنه
قال الله تعالى { وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله } وقال تعالى { إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون } وقال تعالى { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين } قال المؤلف رحمه الله تعالى في كتابه رياض الصالحين باب ما يقوله ويفعله من فعل محرما وذلك أن الإنسان ليس معصوما من الذنب لابد لكل إنسان من ذنوب كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون وقال صلى الله عليه وسلم لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ثم جاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم فلابد للإنسان من ذنب ولكن ماذا يصنع يجب عليه إذا أذنب ذنبا أن يرجع إلى الله ويتوب إليه ويندم ويستغفر حتى ينمحي عنه ذلك الذنب قال الله تعالى وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله يعني إذا نزغك الشيطان وألقى في قلبك الزيع والمعصية فاستعذ بالله فإذا هممت بمعصية سواء كانت فيما يتعلق بحق الله أو فيما يتعلق بحق المخلوق فقل { فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } فإذا قلت ذلك بإخلاص فإن الله يعينك ويعيذك من الشيطان الرجيم ويعصمك منه وقال الله تعالى { إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون } أي وقع في قلوبهم زيغ وعملوا عملا سيئا تذكروا اعتبروا { فإذا هم مبصرون } فيعرفون أنهم في غي وحينئذ يستغفرون الله تعالى كما قال في الآية الأخرى التي ساقها المؤلف رحمه الله في أوصاف المتقين { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله } { إذا فعلوا فاحشة } يعني سيئة عظيمة أو ظلموا أنفسهم بما دون ذلك ذكروا الله بقلوبهم وألسنتهم { فاستغفروا لذنوبهم } سألوا الله تعالى أن يغفر لهم { ومن يغفر الذنوب إلا الله } يعني لا أحد يغفر الذنوب إلا الله لو اجتمع أهل الأرض كلهم وأهل السماوات كلهم على أن يرفعوا عنك ذنبا واحدا ما استطاعوا أبدا كل الخلق لو أرادوا أن يمحوا عنك ذنبا واحدا ما استطاعوا لا يغفر الذنوب إلا الله { ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون } يعني لم يستمروا في معصيتهم وذنوبهم وهم يعلمون أنهم على ذنب أما لو أنهم فعلوا ذنبا وأصروا عليه وهم لا يعلمون أنه ذنب فإن الله تعالى لا يؤاخذهم لقوله تعالى { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } { أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين } يعني هؤلاء الذين يتصفون بهذه الصفات هذا جزاؤهم عند الله وقال الله تعالى { وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون } توبوا إلى الله هذه ذكرها الله تعالى بعد الأمر بغض البصر وعدم إبداء الزينة من النساء قال بعد ذلك { وتوبوا إلى الله جميعا } والتوبة إلى الله تعالى هي الرجوع إليه عز وجل من معصيته إلى طاعته ومن الإشراك به إلى توحيده ومن البدعة إلى اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم أن يرجع الإنسان إلى ربه فيندم على ما فعل ويعزم على ألا يعود ويستغفر الله عز وجل وقوله { لعلكم تفلحون } أي لأجل أن تفلحوا والفلاح هو الفوز بالمطلوب والنحاة من المرهوب والتوبة واجبة من كل ذنب لا تتهاون في الذنوب لا تقل هذا سهل يغفره الله لأنه ربما تتراكم الذنوب على القلب والعياذ بالله فيصبح مظلما وينسد عليه باب الخير كما قال الله تعالى { كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون } تب إلى الله من كل ذنب وفي الحديث الذي ساقه المؤلف عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من حلف باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله اللات: صنم يعبده الجاهلون في الجاهلية وكذلك العزى كما قال تعالى: { أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى } كانوا يحلفون بهما كما يحلفون بالله فيقولون واللات أو والعزى فإذا قال الإنسان واللات والعزى فهذا الشيء يداوى بماذا ؟ بالإخلاص إذا حلف بغير الله فليقل لا إله إلا الله شرك يداوى بالإخلاص ولهذا قال فليقل لا إله إلا الله ليداوي الشيء بضده يداوي ومن قال تعال أقامرك فليتصدق هذا أيضا من دواء الشيء بضده المقامرة المخالفة على عوض التي يسمونها الناس الرهن أراهنك أن هذا كذا وكذا ويتراهنون على دراهم أو ما أشبه ذلك فمن قال هذا فقد قال قولا حراما فعليه أن يتوب ومن توبته أن يتصدق بدل ما يتوصوا أن يأخذه بهذه المقامرة فيكون هذا من باب دواء الشيء بضده وكذلك أيضا يقال من فرط في واجب فإن دواءه أن يتوب إلى الله ويكثر من العمل الصالح حتى يكون دواء لذلك نسأل الله تعالى أن يتوب علينا وعليكم ويوفقنا لما يحبه ويرضاه
الشَّرْحُ
كتاب المنثورات والملح
370- بابُ المنثورات والملح
1808-