شرح رياض الصالحين
باب المنثورات والملح من 1808 - إلى1820
شرح رياض الصالحين
باب المنثورات والملح
باب: أحاديث الدجال وأشراط الساعة وغيرها
1808 - عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة النخل فلما رحنا إليه عرف ذلك فينا فقال ما شأنكم ؟ قلنا يا رسول الله ذكرت الدجال الغداة فخفضت فيه ورفعت حتى ظنناه في طائفة النخل فقال غير الدجال أخوفني عليكم إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم وإن يخرج ولست فيكم فكل امريئ حجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم إنه شاب قطط عينه طافية كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف إنه خارج خلة بين الشام والعراق فعاث يمينا وعاث شمالا يا عباد الله فاثبتوا قلنا يا رسول الله وما لبثه في الأرض قال أربعون يوما يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم قلنا يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم قال لا اقدروا له قدره قلنا يا رسول الله وما إسراعه في الأرض قال كالغيث استدبرته الريح فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له فيأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرى وأسبغه ضروعا وأمده خواصر ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله فيصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم ويمر بالخربة فيقول لها أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل ثم يدعو رجلا ممتلئا شبابا فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك فبينما هو كذلك إذ بعث الله تعالى المسيح ابن مريم صلى الله عليه وسلم فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعا كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات ونفسه ينتهي إلى حيث ينتهي طرفه فيطلبه حتى يدركه بباب لد فيقتله ثم يأتي عيسى صلى الله عليه وسلم قوما قد عصمهم الله منه فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة فبينما هو كذلك إذ أوحى الله تعالى إلى عيسى صلى الله عليه وسلم أني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم فحرز عبادي إلى الطور ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها ويمر آخرهم فيقولون لقد كان بهذه مرة ماء ويحصر نبي الله عيسى صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مائة دينار لأحدكم اليوم فيرغب نبي الله عيسى صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم إلى الله تعالى فيرسل الله تعالى عليهم النغف في رقابهم فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة ثم يهبط نبي الله عيسى صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم إلى الأرض فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم فيرغب نبي الله عيسى صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم إلى الله تعالى فيرسل الله تعالى طيرا كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله ثم يرسل الله عز وجل مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلقة ثم يقال للأرض أنبتي ثمرتك وردي بركتك فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة ويستظلون بقحفها ويبارك في الرسل حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس واللقحة من البقر لتكفي من الناس واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس فبينما هم كذلك إذ بعث الله تعالى ريحا طيبة فتأخذهم تحت آباطهم فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة رواه مسلم قوله خلة بين الشام والعراق أي طريقا بينهما وقوله عاث بالعين المهملة والثاء المثلثة والعيث أشد الفساد والذرى بضم الذال المعجمة وهو أعالي الأسنمة وهو جمع ذروة بضم الذال وكسرها واليعاسيب ذكور النحل وجزلتين أي قطعتين والغرض الهدف الذي يرمى إليه بالنشاب أي يرميه رمية كرمي النشاب إلى الهدف والمهرودة بالدال المهملة المعجمة وهي الثوب المصبوغ قوله لا يدان أي لا طاقة والنغف دود وفرسى جمع فريس وهو القتيل والزلفة بفتح الزاي واللام والقاف وروي الزلفة بضم الزاي وإسكان اللام وبالفاء وهي المرآة والعصابة الجماعة والرسل بكسر الراء اللبن واللقحة اللبون والفئام بكسر الفاء وبعدها همزة الجماعة والفخذ من الناس دون القبيلة
الشَّرْحُ
قال المؤلف رحمه الله في كتابه رياض الصالحين كتاب المنثورات والملح المنثورات يعني أنها من أبواب متفرقة ليست من باب واحد والملح جمع ملحة وهي ما يستملح ويستعذب ثم ذكر الباب الأول باب الدجال وأشراط الساعة الدجال مبالغة من الدجل وهو الكذب والدجال يعني كثير الكذب الذي لا يتصف إلا بالكذب وأما أشراط الساعة فهي علامات قربها كما قال الله تعالى فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها يعني علاماتها القريبة ثم ذكر حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه الطويل وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال ذات غداة يعني ذات صبح في يوم من الأيام فخفض فيه ورفع يعني أنه تكلم بكلام طويل حتى ظنوا أنه في طائفة النخل يعني ظنوا أنه ذكر في المدينة وأنه قد جاء ولكن الأمر لم يكن كذلك ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم عرف ذلك فيهم فسألهم فقالوا إنك ذكرت الدجال الغداة وخفضت فيه ورفعت فظننا أنه في النخل فقال غير الدجال أخوفني عليكم يعني أخاف عليكم شيئا أشد من الدجال ومن ذلك الرياء حيث ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر فسئل عنه فقال الرياء أن الإنسان يرائي في عباداته يصلي لأجل الناس يتصدق لأجل الناس يحسن الخلق لأجل الناس ..
فهذا رياء والعياذ بالله والمرائي حابط عمله والرياء من صفات المنافقين كما قال الله تبارك وتعالى { إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا } واعلم أيها المرائي أن الله سيفضحك عن قرب لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال من راءى راءى الله به يعني أظهر مراءاته وعيوبه عند الناس ومن سمع سمع الله به ثم قال صلى الله عليه وسلم إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم يعني لو خرج الدجال وأنا موجود فأنا أكفيكم إياه وإن يخرج يعني وليس فيهم فامرؤ حجيج نفسه يعني كل إنسان يحاج عن نفسه والله خليفتي على كل مؤمن فاستخلف ربه عز وجل أن يكون مؤيدا للمؤمنين واقيا لهم من فتن الدجال الذي ليس بين خلق آدم وقيام الساعة فتنة أشد منها نسأل الله أن يقينا وإياكم فتنته والله الموفق تابع الحديث السابق .
روى المؤلف رحمه الله تعالى عند سياق حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه في كتابه رياض الصالحين قال عند سياق هذا الحديث في ذكر الدجال إنه شاب قطط عينه طافية شاب من بني آدم قطط يعني مجتمع الخلق عينه طافية يعني أنه لا يبصر بها كأنه عنبة طافية كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فهو أعور خبيث لكن الله عز وجل يرسله فتنة للناس فيأتي إليهم يدعوهم ويدعي أنه رب وقد مكن الله له فكان يأتي القوم يدعوهم فيستجيبون له ويؤمنون به فيأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت يشاهدون ذلك بأعينهم يقول أيتها السماء أمطري فتمطر أيتها الأرض أنبتي فتنبت لكن ليس بقدرته وقوته بل بإرادة الله عز وجل لكن الله مكن له ابتلاء وامتحانا فيصبحون تروح عليهم سارحتهم يعني الغنم والإبل أكثر ما يكون ذروعا وأوفر ما تكون ذرى وأمدها خواصر تمتلئ بطونها وتمتلئ ضروعها ويكون عليها الشحم ويأتي القوم فيدعوهم فلا يستجيبون له يردونه فينصرف فيصبحون ممحلين ليس لهم من أموالهم شيء الأرض خربت والسماء لا تمطر والمال يمور ولكن هؤلاء هم الذين لهم الأجر والثواب وعاقبتهم حميدة أما الأولون الذين آمنوا به وأمطرت السماء وأنبتت الأرض فهم خاسرون وإن ظنوا أنهم رابحون ويأتي إلى الخربة أرض خربة ما بها بناء وما بها أناس فيقول أيتها الأرض أخرجي كنوزك فتخرج كنوزها وما بها من معادن من ذهب وفضة وغير ذلك فتتبعه كيعاسيب النحل ثم إنه يبقى في الأرض أربعين يوما اليوم الأول طوله طول سنة كم شهرا إثنا عشر شهرا 360 يوما هذا اليوم الأول يوم والثاني مقداره شهر 30 يوما والثالث مقداره جمعة يعني أسبوعا وباقي الأيام وهي سبعة وثلاثون يوما كالأيام المعتادة ولكن الله عز وجل نبه الصحابة قالوا يا رسول الله هذا اليوم الذي كسنة تكفينا فيه صلاة واحدة فيكون عليهم في اليوم كم خمس صلوات قال لهم لا اقدروا له قدره يعني صلوا صلاة السنة كاملة في يوم واحد وهذا مما يؤخذ به يقال إنسان وجب عليه صلاة سنة كاملة في يوم واحد وأيضا يؤخذ به من جهة أخرى وجبت زكاة ماله في يوم واحد وأيضا فيقال يصوم رمضان بعض يوم يعني جزءا من اثني عشر جزءا من هذا اليوم نقول هذا يوم الدجال وسبحان الله الحكيم الذي أكمل لنا الدين قبل أن يموت سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم أنطق الله الصحابة أن يسألوا عن هذا اليوم هل تكفي فيه صلاة واحدة أم لا يوجد الآن في الأرض من يومهم ستة أشهر وليلهم ستة أشهر عند المدار القطبي ستة أشهر والشمس عليهم وستة أخرى والشمس لا يرونها فكيف يصلي هؤلاء يصلون صلاة يوم وليل فقط أو يقدرون لها قدرها نقول يقدرون لها قدرها كيوم الدجال تماما اليوم الثاني من أيام الدجال كشهر كيف تكون فيه الصلاة ..
يصلون صلاة شهر واليوم الثالث يصلون صلاة أسبوع واليوم الرابع وما بقي كالعادي ثم سأله الصحابة رضي الله عنهم عن سيره في الأرض هل هو كالسير المعتاد كسير الإبل أو سير الأرجل قال يسير كالغيث اجتذبته الريح والله أعلم كيف كان إسراعه هل يحدث الله له آلات طائرات أو غيرها ما تدري لكنه هذا الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم أنه يكون كالغيث سنة وشهر وأربعة وأربعون يوما ثم ينزل عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم فيقتله والله الموفق تابع الحديث السابق ساق المؤلف رحمه الله في باب المنثورات والملح وأشرطة الساعة وغيرها حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه الذي حدث به عن النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء من أشرطة الساعة ومنها الدجال وسبق أن الدجال هو ذو الدجل والكذب والتمويه والتغرير وأنه كافر وأنه يخرج خلة بين الشام والعراق يعني يخرج من طريق بين الشام والعراق من قبل إيران ويتبعه من يهود أصفهان سبعون ألفا وكأنهم والله أعلم يجتمعون هناك ليتبعوا الدجال لأن اليهود أهل دجل وكذب وغدر وخيانة لا يؤمنون وسبق أنه يأتي القوم ويدعوهم من أجابوه منهم حصل لهم القسط والرخاء ومن عصاه حصل لهم عكس وذلك ..
.
أنت ثم ذكر من فتنته أنه يأتيه شاب ممتلئ شبابا من المسلمين فيقول له أشهد أنك الدجال الذي أخبرنا عنه النبي صلى الله عليه وسلم فيقطعه نصفين بالسيف، ويجعل واحدة بعيدة عن الأخرى، ثم يدعوه بعد أن قطعه - يا فلان فيجتمع النصفين ببعضهم البعض ويقوم ويقبل على الدجال يتهلل وجهه وكأنه لم يفعل شيئا، ثم يقول له: والله أشهد أنك أنت المسيح الدجال، والله ما ازددت فيك إلا بصيرة فيقتله للمرة الثانية ويقطعه نصفين ثم يدعوه فيأتي ووجهه يتهلل، ثم يأتي الثالثة فيعجز أن يقتله، هكذا من فتنة الدجال والإنسان إذا رأى هذا يغتر بلا شك، ثم إن الله تعالى ينزل عيسى ابن مريم رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل يداه على أجنحة ملكين، لأن الملائكة أولو أجنحة، ينزلان به من السماء، لأن عيسى الآن حي في السماء، ينزل عند قيام الساعة ليقتل الدجال ينزل، وكأنه والله أعلم قد اغتسل بماء طيب، إذا طأطأ رأسه قطر ماء، وإذا رفعه تحدر منه مثل الجمان، فيحتمل أن هذا ماء ويحتمل أنه عرق والله أعلم، ثم إنه يطلبه أي يطلب الدجال الخبيث الماكر الأعور فلا يحل لكافر يجد ريح عيسى إلا مات - سبحان الله _ نفس عيسى يقتل الكافر ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه وهذا أيضا من آيات الله يعني أنفاسنا نحن لا تعدو إلا شبرا أو نحوه لكن نفس عيسى ينتهي حيث ينتهي طرفه ومعنى ذلك أنه يقتل أناسا كثيرين من الكفار لأن هذا النفس يطير في الهواء ولا يحل لكافر يجد نفسه إلا مات ينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق هكذا وصفه النبي صلى الله عليه وسلم وهي لابد أن توجد عند نزول عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم فيبلغ الدجال فيدركه عند باب اللد واللد الآن في فلسطين استعمرها اليهود عليهم لعائن الله إلى يوم القيامة اسعتمروها يدرك عيسى المسيح الدجال فيقتله هناك وبهذا انتهى المسيح الدجال وبقي المسيح رسول الله عيسى صلى الله عليه وسلم والله الموفق ثم يأتي عيسى ابن مريم قوما قد عصمهم الله عز وجل من فتنة الدجال فيمسح على وجوههم ويبشرهم بمنازلهم في الجنة فبينما هم كذلك يعني على حالهم إذا يوحي الله عز وجل إلى عيسى أني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم وهؤلاء العباد ليسوا عباد دين بل عباد قدر { إن كل من في السماوات والأرض إلا أتي الرحمن عبدا } هؤلاء العباد هم يأجوج ومأجوج من كل حدب ينسلون أي من كل مكان مرتفع ينسلون لأن الشعاب والأودية لا تسعهم فتجدهم يصعدون الجبال لينزلوا إلى الأرض من كثرتهم هؤلاء من بني آدم ليسوا جنا ولا جنسا ثالثا بل هم من بني آدم ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله تعالى يقول يوم القيامة يا آدم فيقول لبيك وسعديك فيقول الله له أخرج من ذريتك بعثا إلى النار أو قال بعث النار قال يا رب وما بعث النار قال من كل ألف تسعمائة وتسع وتسعين من بني آدم كل هؤلاء في النار إلا واحدا في الألف من بني آدم من أهل الجنة فكبر ذلك على الصحابة وعظم عليهم وقالوا يا رسول الله أينا ذلك الواحد قال لهم صلى الله عليه وسلم أبشروا فإنك في أمتين ما كانتا في شيء إلا كثرتاه يأجوج ومأجوج منكم واحد من يأجوج ومأجوج ألفا فاستبشر الصحابة بذلك ثم قال إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة فكبر الصحابة فرحا بنعمة الله عز وجل ثم قال أرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة فكبروا وفرحوا ثم قال أرجو أن تكونوا ثلثي أهل الجنة وهذه الثالثة عندي فيها شك لكن قد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن أهل الجنة مائة وعشرون صفا منهم ثمانون من هذه الأمة المهم أن يأجوج ومأجوج من بني آدم شكلهم شكل بني آدم لا يختلفون عنهم أما ما ورد في بعض الآثار أن منهم القصير المفرط في القصر والطويل في الطول وأن بعضهم يفترش إحدى أذنيه ويلتحف بالأخرى كل هذا لا صحة له هم من بني آدم ومثلهم لكنهم أمم عظيمة كما قال تعالى { وهم من كل حدب ينسلون } أي من كل مرتفع لأن الأرض السهلة لا تسعهم من كثرتهم { ينسلون } أي يسرعون كأنهم مسلطون على بني آدم فيقول عز وجل لعيسى إني قد بعثت عبادا لا يدان لأحد بقتالهم يعني ما لأحد على قتالهم من قوة فحرز عبادي إلى الطور يعني احترزوا فيه والطور جبل معروف فيصعد عيسى صلى الله عليه وسلم ومن معه إلى الطور ويحضرون فيه حتى إنهم يلحقهم من الجوع وشدة المؤنة ما يكون رأس الثور أحب إلى أحدهم من كذا وكذا من الدنانير وحينئذ يرغب عيسى وقومه إلى الله عز وجل يدعون الله تعالى أن يصرف عنهم هذه الأمم التي حاصرتهم في هذا الجبل فيرسل الله تعالى النغف وهو عبارة عن دودة في أعناقهم فيصبحون فرسى جمع فريسة يعني موتى كنفس واحدة كل هذه الأمم التي لا يحصيها إلا الله تموت في ليلة واحدة لأن الأمر بيد الله عز وجل هذا النغف من حين ما يدخل في أعناقهم يموتون على الفور ثم ينزل عيسى ابن مريم وقومه إلى الأرض وإذا الأرض مملوءة من هذه الجثث نتنا ورائحة خبيثة فيرغب عيسى وقومه إلى الله عز وجل أن يفكهم من هذا فيرسل الله تعالى طيورا كأعناق البخت يعني مثل أعناق الإبل طيورا كبيرة قوية تأخذ الواحد منهم وتلقيه في البحر ومعنى هذا أنها طيور عظيمة لا يعلم عددها إلا الله عز وجل كل هذا بقدرة الله سبحانه وتعالى لأن أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون لا تستغرب لا تقل من أين جاءت الطيور وكيف توالدت والله على كل شيء قدير هذه الطيور مثل أعناق الإبل تحمل الواحد وتلقيه في البحر ولا يبقى فيهم أحد ..
..
.
لكن كما تعلمون لابد أن يبقى في الأرض شيء من القذر والأذى والرائحة بعد هذه الجثث فيرسل الله تعالى مطرا عظيما يغسل الأرض لا يكن منه مدر ولا وبر كل الأرض تمتلئ ماء حتى تكون كالزلقة تنظف تنظيفا تاما بإذن الله عز وجل ويأمر الله الأرض أن تخرج بركاتها وثمراتها فيكون فيها الثمرات العظيمة والخير والبركة حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي فئاما من الناس ومن البقر تكفي القبيلة من الناس ومن الغنم تكفي الفخذ من الناس وهي واحدة لكن الله ينزل فيها البركة فتكفي أمما وتكثر الخيرات والبركات وكل هذا يدل على عظمة وقدرة الله عز وجل { فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا } بدلا من حصرتهم في الطور لا يجدون شيئا إذا بالأرض تنبت وتنزل فيها البركة والثمار ..
.
وغير ذلك كل هذا بأمر الله عز وجل والله الموفق
1809 - وعن ربعي بن حراش قال: انطلقت مع أبي مسعود الأنصاري إلى حذيفة بن اليمان رضي الله عنهم فقال له أبو مسعود حدثني ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدجال قال إن الدجال يخرج وإن معه ماء ونارا فأما الذي يراه الناس ماء فنار تحرق وأما الذي يراه الناس نارا فماء بارد عذب فمن أدركه منكم فليقع في الذي يراه نارا فإنه ماء عذب طيب فقال أبو مسعود وأنا قد سمعته متفق عليه .
1810 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يخرج الدجال في أمتي فيمكث أربعين لا أدري أربعين يوما أو أربعين شهرا أو أربعين عاما فيبعث الله تعالى عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم فيطلبه فيهلكه ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة ثم يرسل الله عز وجل ريحا باردة من قبل الشام فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل لدخلته عليه حتى تقبضه فيبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا فيتمثل لهم الشيطان فيقول ألا تستجيبون فيقولون فما تأمرنا فيأمرهم بعبادة الأوثان وهم في ذلك دار رزقهم حسن عيشهم ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا ورفع ليتا وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله فيصعق ويصعق الناس حوله ثم يرسل الله أو قال ينزل الله مطرا كأنه الطل أو الظل فتنبت منه أجساد الناس ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ثم يقال يا أيها الناس هلم إلى ربكم { وقوفهم إنهم مسؤولون } ثم يقال أخرجوا بعث النار فيقال من كم فيقال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين فذلك يوم يجعل الولدان شيبا وذلك يوم يكشف عن ساق رواه مسلم الليت صفحة العنق ومعناه يضع صفحة عنقه ويرفع صفحته الأخرى .
1811 - وعن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة وليس نقب من أنقابهما إلا عليه الملائكة صافين تحرسهما فينزل بالسبخة فترجف المدينة ثلاث رجفات يخرج الله منها كل كافر ومنافق رواه مسلم .
1812 - وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة رواه مسلم .
1813 - وعن أم شريك رضي الله عنها أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لينفرن الناس من الدجال في الجبال رواه مسلم .
1814 - وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمر أكبر من الدجال رواه مسلم .
1815 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يخرج الدجال فيتوجه قبله رجل من المؤمنين فيتلقاه المسالح مسالح الدجال فيقولون له إلى أين تعمد فيقول أعمد إلى هذا الذي خرج فيقولون له أو ما تؤمن بربنا فيقول ما بربنا خفاء فيقولون اقتلوه فيقول بعضهم لبعض أليس قد نهاكم ربكم أن تقتلوا أحد دونه فينطلقون به إلى الدجال فإذا رآه المؤمن قال يا أيها الناس إن هذا الدجال الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأمر الدجال به فيشبح فيقول خذوه وشجوه فيوسع ظهره وبطنه ضربا فيقول أوما تؤمن بي فيقول أنت المسيح الكذاب فيؤمر به فيؤشر بالمنشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه ثم يمشي الدجال بين القطعتين ثم يقول له قم فيستوي قائما ثم يقول له أتؤمن بي فيقول ما ازددت فيك إلا بصيرة ثم يقول يا أيها الناس إنه لا يفعل بعدي بأحد من الناس فيأخذه الدجال ليذبحه فيجعل الله ما بين رقبته إلى ترقوته نحاسا فلا يستطيع إليه سبيلا فيأخذ بيديه ورجليه فيقذف به فيحسب الناس أنما قذفه إلى النار وإنما ألقي في الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين رواه مسلم وروى البخاري بعضه بمعناه المسالح هم الخفراء والطلائع .
1816 - وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: ما سأل أحد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدجال أكثر مما سألته وإنه قال لي ما يضرك قلت إنهم يقولون إن معه جبل خبز ونهر ماء قال هو أهون على الله من ذلك متفق عليه .
1817 - وعن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من نبي إلا وقد أنذر أمته الأعور الكذاب ألا إنه أعور وإن ربكم عز وجل ليس بأعور مكتوب بين عينيه ك ف ر متفق عليه .
1818 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أحدثكم حديثا عن الدجال ما حدث به نبي قومه إنه أعور وإنه يجيء معه بمثال الجنة والنار فالتي يقول إنها الجنة هي النار متفق عليه .
1819 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال بين ظهراني الناس فقال إن الله ليس بأعور ألا إن المسيح الدجال أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية متفق عليه .
الشَّرْحُ
هذه الأحاديث الكثيرة التي ساقها المؤلف رحمه الله تعالى في بيان الدجال هي جديرة بأن تساق وتذكر لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول ما بين خلق آدم وقيام الساعة أمر أكبر من الدجال ولذلك ما من نبي من الأنبياء إلا أنذر قومه به مع أنه لا يأتي إلا في آخر الزمان والله عز وجل يعلم أن محمدا خاتم الأنبياء ومع ذلك أنذر به الأنبياء السابقون والحكمة من هذا التنويه بفتنته وبيانها وأنها عظيمة وإن كان لن يأتي إلا في آخر الدنيا ففتنته عظيمة وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الدجال يدخل كل بلد يدعو الناس والعياذ بالله لعبادته إلا مكة والمدينة فإنه لا يدخلهما لأن عليهما الملائكة على كل باب منهما يذودون عنهما عن مكة والمدينة وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يتبعه من يهود أصفهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة وهو نوع رفيع من الثياب المعنى أنه يتبعه من أصفهان وهي معروفة من مدن إيران يتبعه منها سبعون ألفا وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه أعور وأن الرب عز وجل ليس بأعور لأن العور نقص والله عز وجل منزه عن كل نقص واستدل أهل السنة والجماعة من هذا الحديث على أن ربنا جل وعلا له عينان لكنهما لا تشبهان أعين المخلوقين لقوله تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وذكر أيضا في هذه الأحاديث أن رجلا شابا مسلما يخرج إذا سمع به ليبين للناس كذبه فيتلقاه حرس الدجال المتسلحون ويقولون أين تريد يقول أريد هذا الرجل الذي خرج فيأخذونه ويقولون أتؤمن بربنا فيقول لا إنه الدجال فيريدون أن يقتلوه ولكن بعضهم يقول لبعض أليس قد قال ربنا لا تقتلوا أحدا دوني فيتركونه ثم يأتون به إلى الدجال فيشهد هذا الرجل المسلم أنه هو الدجال الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فيغضب عليه ويأمر بالمنشار فينشر من رأسه إلى ما بين رجليه يعني شقه طولا ويجعل كل فرقة منه في جانب روية الغرر كما جاء في الحديث السابق ويمشي بينهما ثم يدعوه فيخرج ويقوم يتهلل وهو يقول والله ما ازددت فيك إلا بصيرة يفعل هذا مرتين أو ثلاثة ثم يريد أن يقتله ويعجز يجعل الله تعالى هذا الرجل حديدا لا يستطيع أن يقتله وهذا إما يكون حديدا حقا والله على كل شيء قدير وإما أن يكون صلبا لا تنفذ فيه السيوف هذه كلها صفات الدجال ومنها أيضا أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر أن معه نارا وجنة ولكن ناره جنة وجنته نار ولما سأل أبو هريرة رضي الله عنه إنهم يقولون إن معه جبلا من خبز قال إنه أهون على الله من ذلك يعني حتى لو كان معه هذا الشيء فإنه أهون على الله من ذلك أو أن المعنى أنه لا يكون معه هذا لكنه مموه .
وعلى كل حال فإننا نؤمن أنه سيكون في آخر الزمان رجل يخرج يسمى الدجال من أوصافه ما ذكر في هذا الباب وغيره ونستعيذ بالله منه في كل صلاة كل صلاة أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد الأخير أن نستعيذ بالله من عذاب جهنم وعذاب القبر وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال منه ومن فتنة المحيا والممات ومن عذاب القبر ومن عذاب النار .
1820 –