شرح رياض الصالحين
باب المنثورات والملح من 1859 - إلى1866
1859 - وعن عوف بن مالك بن الطفيل أن عائشة رضي الله عنها حدثت أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال في بيع أو عطاء أعطته عائشة رضي الله تعالى عنها والله لتنتهين عائشة أو لأحجرن عليها قالت أهو قال هذا قالوا نعم قالت هو لله علي نذر أن لا أكلم ابن الزبير أبدا فاستشفع ابن الزبير إليها حين طالت الهجرة فقالت لا والله لا أشفع فيه أبدا ولا أتحنث إلى نذري فلما طال ذلك على ابن الزبير كلم المسور بن محزمة وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث وقال لهما أنشدكما الله لما أدخلتماني على عائشة رضي الله عنها فإنها لا يحل لها أن تنذر قطيعتي فأقبل به المسور وعبد الرحمن حتى استأذنا على عائشة فقالا السلام عليك ورحمة الله وبركاته أندخل قالت عائشة ادخلوا قالوا كلنا قالت نعم ادخلوا كلكم ولا تعلم أن معهما ابن الزبير فلما دخلوا دخل ابن الزبير الحجاب فاعتنق عائشة رضي الله عنها وطفق يناشدها ويبكي وطفق المسور وعبد الرحمن يناشدانها إلا كلمته وقبلت منه ويقولان إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عما قد علمت من الهجرة ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال فلما أكثروا على عائشة من التذكرة والتحريج طفقت تذكرهما وتبكي وتقول إني نذرت والنذر شديد فلم يزالا بها حتى كلمت ابن الزبير وأعتقت في نذرها أربعين رقبة وكانت تذكر نذرها بعد ذلك فتبكي حتى تبل دموعها خمارها رواه البخاري
الشَّرْحُ
هذان حديثان عظيمان فيهما فوائد ذكرهما المؤلف رحمه الله في آخر كتابه رياض الصالحين في الأحاديث المنثورة الحديث الأول حديث عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين وأفضل زوجاته بعد موته وكانت من كانت في العلم والعبادة والرأي والتدبير وكان عبد الله بن الزبير وهو ابن أختها أسماء بنت أبي بكر سمع عنها أنها تبرعت وأعطت عطايا كثيرة فاستكثر ذلك منها وقال لئن لم تنته لأحجرن علها وهذه كلمة شديدة بالنسبة لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لأنها خالته وعندها من الرأي والعلم والحلم والحكمة ما لا ينبغي أن يقال فيها ذلك القول والحجر عليها يعني منعها من التصرف في مالها أو التبرع الكبير من مالها فسمعت بذلك وأخبرت به أخبرها بذلك الواشون الذين يشون بين الناس ويفسدون بينهم بالنميمة والعياذ بالله والنميمة من كبائر الذنوب وقد حذر الله من النمام وإن حلف فقال ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم ومر النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة على قبرين من قبور المسلمين فقال إنهما ليعذبان في قبورهما وما يعذبان في كبير يعني لا يعذبان في أمر شاق وأمر صعب بل يسهل بالنسبة للقيام به لا بالنسبة لعظمه عند الله أما أحدهما فكان لا يستنزه من البول يعني لا يستنجي استنجاء تاما وإذا أصاب البول ثوبه أو بدنه لا يبالي به وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة يأتي للناس فيخبر بما قال البعض في البعض الآخر من أجل أن يفرق بينهم والعياذ بالله فالنميمة من كبائر الذنوب يعذب عليها النمام في قبره ولا يدخل الجنة نمام نسأل الله العافية المهم أن هذه الكلمة وصلت إلى عائشة فنذرت رضي الله عنها ألا تكلمه أبدا وذلك لشدة ما حصل لها من الانفعال على ابن أختها وهجرته ومن المعلوم أن هجر أم المؤمنين رضي الله عنها لابن أختها سيكون شديدا عليه فحاول أن يسترضيها ولكنها صممت لأنها ترى أن النذر شديد فاستشفع إليها برجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعلا حيلة بأم المؤمنين لكنها حيلة حسنة لأنها أدت إلى مطلوب حسن وهو الإصلاح بين الناس والكذب في الإصلاح بين الناس باللسان جائز فكيف بالأفعال استأذنا على عائشة رضي الله عنها فسلما عليها وهذه هي السنة عند الاستئذان أنك إذا قرعت الباب على شخص تقول السلام عليكم ثم استأذناها في الدخول فقالا ندخل قالت نعم قالوا كلنا قالت كلكم ولم تعلم أن عبد الله بن الزبير معهما لكنها لم تقل هل معكم عبد الله بن الزبير فلم تستفصل وأتت بقول عام ادخلوا كلكم فدخلوا فلما دخلوا عليها وإذا عليها الحجاب حجاب أمهات المؤمنين وهو عبارة عن ستر تستتر به أمهات المؤمنين لا يراهن الناس وهو غير الحجاب الذي يكون لعامة النساء لأن الحجاب الذي لعامة النساء هو تغطية الوجه والبدن ولكن هذا حجاب يكون حاجبا وحائلا بين أمهات المؤمنين والناس فلما دخلا البيت دخل عبد الله بن الزبير الحجاب لأنه ابن أختها فهي من محارمه فأكب عليها يقبلها ويبكي ويناشدها الله عز وجل ويحذرها من القطيعة ويبين لها أن هذا لا يجوز لكنها قالت النذر شديد ثم إن الرجلين أقنعاها بالعدول عما صممت عليه من الهجر وذكراها بحديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يحل للمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث حتى اقتنعت وبكت وكلمت عبد الله بن الزبير ولكن هذا الأمر أهمها شديدا فكانت كلما ذكرته بكت رضي الله عنها لأنه شديد وهذا قاعدة في كل إنسان يخاف الله كل من كان بالله أعرف كان منه أخوف كلما ذكرت هذا النذر وأنها انتهكته بكت رضي الله عنها ومع هذا أعتقت أربعين عبدا من أجل هذا النذر ليعتق الله تعالى رقبتها من النار وفي هذا دليل على شدة إيمان أمهات المؤمنين وحرصهن على العتق من النار والبراءة من عذاب الكفار ففي هذا الحديث دليل على فوائد 1_ أن الإنسان لا يحل له أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام ولاسيما إذا كان قريبا وأنه يجب عليه أن يحنث ويكفر لقول النبي صلى الله عليه وسلم من حلف على يمين فرأى خيرا منها فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير والله عز وجل غفور رحيم بالنسبة لليمين إذا كفرت عن يمينك وأتيت الذي هو خير كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم 2_ فضيلة الإصلاح بين الناس ومعلوم أن الإصلاح بين الناس من أفضل الأعمال قال الله تعالى { لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما } 3_ جواز الحيل إذا لم تصل إلى شيء محرم لأن عائشة رضي الله عنها تحيل عليها الرجلان في الدخول عليها ومعهما عبد الله بن الزبير 4_ رقة قلوب الصحابة وسرعة بكائهم رضي الله عنهم من خشية الله عز وجل وهذا دليل على لين القلب وخشيته لله وكما كان قلب الإنسان أقسى كان من البكاء أبعد والعياذ بالله ولذلك نرى الناس لما كانوا أقرب للآخرة من اليوم نجد فيهم الخشوع والبكاء وقيام الليل واللجوء إلى الله والصدقة وفعل الخير لكن لما قست القلوب صارت المواعظ تمر عليها مرور الماء على الصفا لا تنتفع به إطلاقا نسأل الله لنا ولكم العافية
1860 - وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى قتلى أحد فصلى عليهم بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات ثم طلع إلى المنبر فقال إني بين أيديكم فرط وأنا شهيد عليكم وإن موعدكم الحوض وإني لأنظر إليه من مقامي هذا وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا ولكن أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها قال فكانت آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم متفق عليه وفي رواية ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها وتقتتلوا فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم قال عقبة فكان آخر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وفي رواية قال إني فرط لكم وأنا شهيد عليكم وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض أو مفاتيح الأرض وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها والمراد بالصلاة على قتلى أحد الدعاء لهم لا الصلاة المعروفة
الشَّرْحُ
هذا الحديث ذكره المؤلف رحمه الله في كتابه رياض الصالحين في آخر أبوابه في الأحاديث المنثورة عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى أحد فصلى على الشهداء هناك أي دعا لهم وليس المراد الصلاة المعروفة كما قال المؤلف رحمه الله لأن صلاة الجنازة المعروفة إنما تكون قبل الدفن لا بعده إلا من فاته الصلاة عليه قبل الدفن يصلي عليه بعده لكن هذه الصلاة الدعاء كما في قوله تعالى خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم يعني ادع لهم ثم صعد المنبر صلى الله عليه وسلم وخطب الناس كالمودع وأخبر أنه يرى حوضه ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وأطيب من المسك رائحة وآنيته كنجوم السماء في الكثرة والنور هذا الحوض يرده الناس وهم عطاش من طول المقام يوم القيامة ويشرب منه المؤمنون جعلنا الله وإياكم ممن يشربون منه بمنه وكرمه ويذاد عنه الكافرون فمن شرب من شريعته في الدنيا واهتدى بسنته واتبع آثاره فليبشر أنه سيشرب من حوضه يوم القيامة ومن لم يكن كذلك حرم إياه والعياذ بالله كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول إنه ينظر إلى حوضه الآن كشف له عنه في الدنيا كما كشف عنه حين رأى الجنة والنار في صلاة الكسوف وهذه أمور غيبية لا نعرف كيف كذلك ولكن الله ورسوله أعلم المهم علينا أن نؤمن ونصدق فهذا الحوض يرده الناس يوم القيامة ويشربون منه إلا من طغى واستكبر والعياذ بالله وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا يخشى على أمته الشرك لأن البلاد ولله الحمد فتحت وصار أهلها إلى التوحيد ولم يقع في قلب النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقع الشرك بعد ذلك لكن لا يفهم من هذا أي من كونه لا يخاف الشرك على أمته ألا يقع فإن الشرك وقع الآن فهو موجود الآن من المسلمين من يقول إنه مسلم وهو يطوف بالقبور ويسأل المقبورين ويذبح لهم وينذر لهم فهو موجود والرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل إنكم لن تشركوا حتى نقول إن ما وقع ليس بشرك لأن الرسول نفى أن يكون الشرك وهو لا ينطق عن الهوى لكن قال إني لا أخاف وهذا بناء على وقوع الدعوة في عهده صلى الله عليه وسلم وبيان التوحيد وتمسك الناس به لكن لا يلزم من هذا أن يستمر ذلك إلى يوم القيامة ويدل لهذا أنه صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى تعبد فئام من أمته الأوثان أي جماعات كبيرة ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم في تلك الساعة لا يخشى على أمته الشرك لكن خشي شيئا آخر الناس أسرع إليه وهو أن تفتح الدنيا على الأمة فيتنافسوها ويتقاتلوا عليها فتهلكهم كما أهلكت من قبلهم وهذا هو الذي وقع الآن فقد فتحت الدنيا وجاءتنا من كل جانب وصار فيها ما لا يخطر على البال مما سبق ولو أن أحدا حدث به لم يصدق لكن وقع فصار الناس الآن يتنافسون فيها ويتقاتلون عليها فأهلكتهم كما أهلكت من كان قبلهم والذين لم يقاتلوا عليها صارت قلوبهم للدنيا والعياذ بالله الدنيا همهم في المنام واليقظة والقعود والقيام والليل والنهار حتى أصبح المثل المشهور واقعا على كثير من الناس وهو الحلال ما حل باليد من حرام أو حلال وحتى صدق فيهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم يأتي على الناس زمان لا يبالي الرجل أخذ المال من حلال أو حرام والعياذ بالله أصبح الناس الآن يتقاتلون على الدنيا - على الدنيا - والعجب أن الإنسان يسعى وراء الدنيا التي خلقت له فيكون كأنه هو الذي خلق لها والعياذ بالله يخدمها خدمة عظيمة يرهق فيها بدنه وعقله وفكره وراحته والأنس بأهله ثم ماذا قد يفقدها في لحظة يخرج من بيته ولا يرجع إليه ينام على فراشه ولا يستيقظ وهذا مشاهد والعجب أن هذه الآيات نشاهدها نشاهد من عقد على امرأة ولم يدخل عليها ..
.
مات مع شدة شوقه إليها وبعد أمله ولكن حال دونه المنون نجد أناسا معهم بطاقات دعوة زواجهم ثم يموتون وهي في سياراتهم إذن فما فائدة الدنيا وهي إلى هذا الحد في الغرور لذلك أخبر النبي صلى الله عليه وسلم وهو الرحيم بالمؤمنين الرءوف بهم الشفيق عليهم إنما يخشى علينا أن تفتح الدنيا فنتنافس فيها وهذا هو الواقع فاحذر يا أخي لا تغرنك الحياة الدنيا ولا يغرنك بالله الغرور أنت إن وسع الله عليك الرزق وشكرته فهو خير لك وإن ضيق عليك وشكرت فهو خير لك أما أن تجعل الدنيا أكبر همك ومبلغ علمك فهذا خسار في الدنيا والآخرة أعاذنا الله وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن
1861 - وعن أبي زيد عمرو بن أخطب الأنصاري رضي الله عنه قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر وصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر فنزل فصلى ثم صعد المنبر فخطب حتى حضرت العصر ثم نزل فصلى ثم صعد المنبر حتى غربت الشمس فأخبرنا ما كان وما هو كائن فأعلمنا أحفظنا رواه مسلم
1862 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه رواه البخاري
1863 - وعن أم شريك رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها بقتل الأوزاغ وقال كان ينفخ على إبراهيم متفق عليه
الشَّرْحُ
هذه الأحاديث من الأحاديث التي ذكرها المؤلف في كتابه ( رياض الصالحين ) من الأحاديث المنثورة التي لا تختص بباب دون باب فمنها هذا الحديث الدال على أن النبي صلى الله عليه وسلم أخطب الناس وأن الله تعالى أعطاه قوة لم يعطها أحدا غيره فقد صلى الفجر صلى الله عليه وسلم ذات يوم وصعد المنبر وخطب الناس حتى أذن الظهر ثم نزل فصلى الظهر ثم عاد فصعد المنبر وخطب حتى أذن العصر فنزل وصلى العصر ثم صعد المنبر فخطب حتى غابت الشمس يعني يوما كاملا من صلاة الفجر إلى غروب الشمس وهو صلى الله عليه وسلم يخطب ولم يذكر أنه خرج إلى البيت ليتغدى أو نحو ذلك فإما أن يكون صائما وإما أن يكون قد انشغل بما هو أهم وكذلك أيضا لم يذكر أنه صلى راتبة الظهر فيكون هنا اشتغل عن الراتبة بما هو أهم لأن موعظة الناس وتعليم الناس أهم من الراتبة فإن دار الأمر بين أداء الراتبة والتعليم فالتعليم أفضل قال وأخبرنا بما كان وما يكون يعني مما أطلعه الله عليه وليس يعلم الغيب إلا من أطلعه الله عليه فقط فأعلمه الله عز وجل في ذلك اليوم شيئا من علوم الغيب الماضية ومن الغيوب المستقبلة وأخبر بها صلى الله عليه وسلم فأعلمنا أحفظنا يعني منا من علم وحفظ وبقى ذلك في ذهنه ومنا من لم يحفظ ففي هذا دليل على قوة النبي صلى الله عليه وسلم ونشاطه وحرصه على إبلاغ الرسالة حتى قام يوما كاملا وأما الحديث الثاني فهو حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه النذر هو أن يلزم الإنسان نفسه شيئا لله عز وجل مثل أن يقول لله علي نذر أن أقوم أن أصوم أن أصلي أن أقرأ القرآن أن أتصدق ..
..
ألخ والنذر إما حرام وإما مكروه فبعض العلماء يرى أن النذر حرام وأنه لا يحل للإنسان أن ينذر لأنه يكلف نفسه ما هو في غنى عنه وكم من إنسان نذر ولم يوف وكم من إنسان نذر وتعب في الوفاء وكم من إنسان نذر وذهب إلى أبواب العلماء يستفتيهم لعله يجد رخصة المهم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر واختلف علماء المسلمين في هذا النهي فمنهم من قال إنه للتحريم ومنهم من قال إنه للكراهة ولكن إذا نذر أن يطيع الله وجب عليه أن يطيع الله وجوبا فإذا قال لله علي نذر أن أصوم كل يوم اثنين من كل أسبوع وجب عليه ذلك ولا يحل له أن يخلف إلا لعذر كمرض ونحوه وإذا نذر أن يصلي كل يوم ركعتي الضحى وجب عليه أن يصلي ركعتين ..
.
إلخ مع أنه كان في حل من ذلك إن شاء صام وإن شاء لم يصم وإن شاء صلى وإن شاء لم يصل ..
.
إلخ في غير فرائض الله فهو في حل وسعة فيذهب فيضيق على نفسه والعجب أن بعض الناس نسأل الله لنا ولهم الهداية إذا كان مريضا قال لله علي نذر إن عافاني الله لأفعلن كذا وكذا سبحان الله الله لا يعافيك إلا إذا أعطيت الشرط ولهذا أشار النبي صلى الله عليه وسلم لذلك فقال إن النذر لا يرد قضاء إذا أراد الله أمرا سواء نذرت أو لم تنذر سيتم وقال إنه لا يأتي بخير وصدق صلى الله عليه وسلم النذر ما فيه خير وأعلم أنك إذا نذرت على شرط فلم توف إذا حصل الشرط فإنك مهدد بأمر عظيم مهدد بنفاق يجعله الله في قلبك حتى تموت قال الله عز وجل ومنهم من عاهد الله لئن ءاتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين عاهدوا الله إن أعطانا مالا لنتصدق منه ونقوم بطاعة الله { فلما ءاتاهم من فضله } وتم لهم مطلوبهم { بخلوا به وتولوا } ما وفوا بما عاهدوا الله عليه { فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه } نفاق دائم لا يوفقون إلى التوبة منه ولا تنسلخ قلوبهم منه بل يبقى في قلوبهم إلى أن يموتوا والعياذ بالله على النفاق فالمهم يا أخي المسلم احذر النذر وحذر إخوانك المسلمين وقل للمريض إن أراد الله لك شفاء شفاك بدون نذر وقل للتلميذ إن أراد الله أن تنجح نجحت بدون نذر وقل لمن ضاع منه شيء إن أراد الله آتاك به من غير نذر واصدق الله في نفسك إذا حصل ذلك الشيء فحينئذ أشكر الله تصدق بما شئت صم صل أما أن تنذر وكأن الله عز وجل لا يأتي إلا إذا شرط له شرط نسأل الله العافية ولهذا فالقول بالتحريم قول قوي وإليه مال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أما من نذر أن يعصى الله فلا يعصه ولو نذر أن يشرب الخمر مثلا حرم عليه شربها ولا يحل له أن يشرب الخمر بالنذر لا يقول أنا نذرت وأوفي بنذري نقول لا وفاء لنذر في معصية الله لو نذر أن يعتدي على شخص لا يحل أن يعتدي عليه ولو نذر لو نذر أن يغتاب شخصا فلا يحل له أن يغتابه ولو نذر أن يقاطع قريبه لم يحل له أن يقاطع قريبه لو نذر أن يعق والديه لم يحل له أن يعق والديه لأن ذلك معصية ومن نذر أن يعصي الله فلا يعص ولكن ماذا يفعل قال أهل العلم إنه لا يعصى الله ويكفر كفارة يمين يطعم عشرة مساكين أو يكسوهم أو يعتق رقبة فإن لم يجد صام ثلاثة أيام متتابعة لحديث ورد في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أما الحديث الثالث فهو قتل الوزغ والوزغ سام أبرص هذا الذي يأتي في البيوت يبيض ويفرخ ويؤذي الناس أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله وكان عند عائشة رضي الله عنها رمح بها تتبع الأوزاغ وتقتلها وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من قتله في أول مرة فله كذا وكذا من الأجر وفي الثانية أقل وفي الثالثة أقل ..
.
كل ذلك تحريضا للمسلمين على المبادرة لقتله وأن يكون قتله بقوة ليموت في أول مرة وسماه النبي صلى الله عليه وسلم فاسقا وأخبر أنه كان ينفخ النار على إبراهيم والعياذ بالله حين ألقاه أعداؤه في النار جعل هذا الخبيث الوزغ ينفخ النار على إبراهيم من أجل أن يشتد لهبها مما يدل على عدواته التامة لأهل التوحيد والإخلاص ولذلك ينبغي للإنسان أن يتتبع الأوزاغ في بيته في السوق في المسجد ويقتلها والله الموفق
1864 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قتل وزغة في أول ضربة فله كذا وكذا حسنة ومن قتلها في الضربة الثانية فله كذا وكذا حسنة دون الأولى وإن قتلها في الضربة الثالثة فله كذا وكذا حسنة وفي رواية من قتل وزغا في أول ضربة كتب له مائة حسنة وفي الثانية دون ذلك وفي الثالثة دون ذلك رواه مسلم قال أهل اللغة الوزغ العظام من سام أبرص
1865 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال رجل لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق فأصبحوا يتحدثون تصدق الليلة على سارق فقال اللهم لك الحمد لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية فأصبحوا يتحدثون تصدق الليلة على زانية فقال اللهم لك الحمد على زانية لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد غني فأصبحوا يتحدثون تصدق على غني فقال اللهم لك الحمد على سارق وعلى زانية وعلى غني فأتي فقيل له أما صدقتك على سارق فلعله أن يستعف عن سرقته وأما الزانية فلعلها تستعف عن زناها وأما الغني فلعله أن يعتبر فينفق مما آتاه الله رواه البخاري بلفظه ومسلم بمعناه
الشَّرْحُ
أما حديث أبي هريرة الثاني فهو في قصة الرجل الذي خرج ليتصدق ومعروف أن الصدقة على الفقراء والمساكين فوقعت صدقته في يد سارق فأصبح الناس يتحدثون تصدق الليلة على سارق والسارق ينبغي أن يعاقب لا أن يعطى وينمى ماله فقال هذا الرجل المتصدق الحمد لله حمد الله لأن الله تعالى محمود على كل حال وكان من هدى النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا أصابه ما يسره قال الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات وإذا أصابه خلاف ذلك قال الحمد لله على كل حال هذا هدى النبي صلى الله عليه وسلم وأما ما يقوله بعض الناس الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه فهذه عبارة لا ينبغي أن تقال لأن كلمة على مكروه تنبئ عن كراهتك لهذا الشيء وأن هذا فيه نوع من الجزع ولكن قل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم الحمد لله على كل حال والإنسان لا شك في أنه في هذه الدنيا يوما يأتيه ما يسره ويوما يأتيه ما لا يسره فإن الدنيا ليست باقية على حال وليست صافية من كل وجه بل صفوها مشوب بالكدر نسأل الله أن يكتب لنا ولكم بها نصيبا للأخرة لكن إذا أتاك ما يسرك فقل الحمد لله الذي بنعمتة تتم الصالحات وما يسوؤك فقل الحمد لله على كل حال ثم إنه خرج هذا الرجل فقال لأتصدقن الليلة فوقعت صدقته في يد زانية امرأة بغى تمكن الناس من الزنا بها فأصبح الناس يتحدثون تصدق الليلة على زانية وهذا شيء لا يقبله العقل ولا الفطرة فقال الحمد لله ثم قال لأتصدقن الليلة وكأنه رأى أن صدقته الأولى والثانية لم تقبل فتصدق فوقعت في يد غني والغني ليس من أهل الصدقة بل من أهل الهدية والهبة وما أشبه ذلك فأصبح الناس يتحدثون تصدق الليلة على غني فقال الحمد لله على سارق وزانية وغني وقد كان يريد أن تقع صدقته في يد فقير متعفف نزيه لكن كان أمر الله قدرا مقدورا فقيل له إن صدقتك قد قبلت لأنه مخلص قد نوى خيرا لكنه لم يتيسر له وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن إذا حكم الحاكم فاجتهد فأخطأ فله أجر هذا مجتهد ولم يتيسر له ما يريد فقيل له أما صدقتك فقد قبلت وأما السارق فلعله أن يستعف عن السرقة ربما يقول هذا مال يكفيني وما البغي فلعلها أن تستعف عن الزنا لأنها ربما كانت تزني والعياذ بالله ابتغاء المال وقد حصل لها ما يكفها عن الزنا وأما الغني فلعله يعتبر فينفق مما آتاه الله هكذا النية الطيبة يحصل بها الثمرات الطيبة وكل هذا الذي ذكر متوقع وربما يكون يستعف السارق عن السرقة والبغي عن الزنا والغني يعتبر ففي هذا الحديث دليل على أن الإنسان إذا نوى الخير وسعى فيه وأخطأ فإنه يكتب له ولا يضره ولهذا قال العلماء رحمهم الله إذا أعطى زكاته من يظنه من أهل الزكاة فتبين أنه ليس من أهلها فإنها تجزئة مثلا رأيت رجلا عليه ثياب رثة تحسبه فقيرا فأعطيته الزكاة ثم تحدث الناس أنه غني عنده أموال كثيرة فهل تجزئك الزكاة الجواب نعم تجزئه الزكاة لأنه قيل لهذا الرجل أما صدقتك فقد قبلت وكذلك إذا أعطيتها غيره ممن ظننته مستحقا ولم يكن كذلك فإنها تجزئك والله الموفق
1866 -