711 - وعن ابن شماسة قال: حضرنا عمرو بن العاص رضي الله عنه وهو في سياقة الموت فبكى طويلا وحول وجهه إلى الجدار فجعل ابنه يقول يا أبتاه أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا ؟ أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا ؟ فأقبل بوجهه فقال إن أفضل ما نعد شهادة لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إني قد كنت على أطباق ثلاث لقد رأيتني وما أحد أشد بغضا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني ولا أحب إلي من أن أكون قد استمكنت منه فقتله فلو مت على تلك الحال لكنت من أهل النار فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت ابسط يمينك فلأبايعك فبسط يمينه فقبضت يدي فقال مالك يا عمرو ؟ قلت: أردت أن أشترط قال: تشترط ماذا ؟ قلت أن يغفر لي قال: أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها وأن الحج يهدم ما كان قبله ؟ وما كان أحد أحب إلى من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجل في عيني منه وما كنت أطيق أن املأ عيني منه إجلالا به ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه ولو مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة ثم ولينا أشياء ما أدري ما حالي فيها ؟ فإذا أنا مت فلا تصحبني نائحة ولا نار فإذا دفنتموني فشنوا علي التراب شنا ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها حتى أستأنس بكم وأنظر ما أرجع به رسل ربي رواه مسلم قوله: شنوا روي بالشين المعجمة وبالمهملة أي: صبوة قليلا قليلا والله سبحانه أعلم
الشَّرْحُ
ثم ذكر المؤلف رحمه الله في سياق الأحاديث الواردة في التبشير والتهنئة بالخير حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه تلك القصة العظيمة أنه حضره بعض أصحابه وهو في سياق الموت فبكى بكاء شديدا وحول وجهه نحو الجدار رضي الله عنه وهو في سياق الموت سيفارق الدنيا فقال له ابنه: علام تبكى وقد بشرك النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة ؟ فقال: يا بني إني كنت على أطباق ثلاث، أطباق يعني أحوال ومنه قوله تعالى: لتركبن طبقا عن طبق يعني حالا بعد حال ثم ذكر هذه الأطباق الثلاث أنه كان يبغض النبي صلى الله عليه وسلم بغضا شديدا وأنه لم يكن على وجه الأرض أحد يبغضه كما كان يبغضه هو وأنه يود أنه لو تمكن منه فقتله وهذا أشد ما يكون من الكفر حتى ألقى الله الإسلام في قلبه فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: ابسط يدك فلأبايعك على الإسلام وكان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا فمد يده ولكن عمرو بن العاص كف يده، ليس استكبارا ولكن استثباتا لما سيذكره فقال له: مالك قال: يا رسول الله إني أشترط يعني على الإسلام قال: ماذا تشترط | أن يغفر لي هذا أكبر همه رضي الله عنه يشترط أن الله يغفر له ظن أن الله لن يغفر له لما كان له من سابقه في محاربة الدين فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قلبه وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها وأن الحج يهدم ما كان قبله ثلاثة أشياء أما الإسلام فإنه يهدم ما كان قبله بنص الكتاب العزيز قال الله عز وجل: { قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأوَّلِينَ } والهجرة: إذا هاجر الإنسان من بلده التي يعيش فيها وهي بلد كفر هدمت ما قبلها والحج يهدم ما قبله لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه فبايع رضي الله عنه وأحب النبي صلى الله عليه وسلم حبا شديدا حتى كان أحب الناس إليه وحتى أنه لا يستطيع أن يحد النظر فيه جلالا له عليه الصلاة والسلام سبحان مقلب القلوب بالأمس كان يبغضه بغضا شديدا حتى يتمنى أنه يقدر عليه فيقتله والآن ما يستطيع أن يرفع طرفه إليه إجلالا له ولا يستطيع أن يصفه لأنه لا يحيط به حيث إنه لم يدركه إدراكا جيدا مهابة له صلى الله عليه وسلم يقول رضي الله عنه إنه لو مات على الطبق الأول لكان من أهل النار يقول ولو مت على تلك الحال يعني الطبق الثاني لرجوت أن أكون من أهل الجنة انظر الاحتياط فقد جزم أنه لو مات على الحال الأولى لكان من أهل النار أما الحال الثانية فإنه لشدة خوفه قال لو مت على هذا الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة ولم يقل لكنت من أهل الجنة لأن الشهادة بالجنة أمرها صعب نسأل الله أن يجعلني وإياكم من أهلها ثم إنه بعد ذلك تولى أمورا رضي الله عنه تولى إمارات وقيادات وحصل ما حصل في قصة حرب معاوية وغيره وكان عمرو بن العاص معروفا أنه من أدهى العرب وأذكى العرب فيقول أخشى من هذا الذي حدث به بعد الطبق الأوسط أن يكون أحاط بعمله ثم أوصى رضي الله عنه أنه إذا مات لا تتبعه نائحة والنائحة هي المرأة التي تنوح على الميت وتبكي عليه بكاء يشبه نوح الحمام وأمر رضي الله عنه إذا دفنوه أن يبقوا عند قبره قدر ما تنحر جذور ويقسم لحمها حتى يراجع رسل ربه وهم الملائكة الذين يأتون إلى الميت إذا دفن إذا دفن الميت فإنه يأتيه ملكان ويجلسانه في قبره ويسألانه ثلاثة أسئلة يقولان من ربك وما دينك ومن نبيك أما المؤمن الذي ثبته الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة جعلنا الله منهم بمنه وكرمه فيقول ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمدا صلى الله عليه وسلم يثبته الله في هذا المقام الضنك أما المنافق والعياذ بالله أو المرتاب الذي عنده الشك فيقول هاها لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته لأن الإيمان ما دخل إلى قلبه ولا وقر في قلبه فهو يسمع ويقول لكن نسأل الله العافية لم يلج الإيمان قلبه فيضرب بمرزبة والمرزبة هي المطرقة العظيمة من الحديد يضرب بمرزبة من حديد فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الإنسان وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ولو سمعها الإنسان لصعق ولو يسمع الناس من يعذب في قبره لصعقوا لأنه يصيح صيحة لا نظير لها في الدنيا لأن الصياح في الدنيا مهما كان لا يموت منه أحد لكن هذه صيحة عظيمة ليس لها نظير فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الإنسان ولو سمعها الإنسان لصعق فأمر عمرو بن العاص رضي الله عنه أهله أن يقيموا عليه قدر ما تنحر الجزور ويقسم لحمها ليستأنس بهم وهذا يدل على أن الميت يحس بأهله وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أن الميت يسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا من دفنه قرع النعال الخفي يسمعه الميت إذا انصرفوا من دفنه وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث حسن أنه كان إذا دفن الميت وقف عليه وقال: استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل فيستحب إذا دفن الميت أن يقف الإنسان على قبره ويقول: اللهم ثبته، اللهم ثبته، اللهم ثبته، اللهم اغفر له اللهم اغفر له اللهم اغفر له لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم سلم ثلاثا وإذا دعا ثلاثا نسأل الله تعالى أن تثبتنا وإياكم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة المهم أن ابن عمرو بن العاص قال له: بشرك النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة وهذا من باب البشارة بالخير والتهنئة به
باب وداع الصاحب ووصيته عند فراقه لسفر وغيره والدعاء له وطلب الدعاء منه
قال الله تعالى: { وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُون & } وأما الأحاديث
712 - فمنها حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه الذي سبق في باب إكرام أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيبا فحمد الله واثني عليه ووعظ وذكر ثم قال: أما بعد ألا أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي رواه مسلم وقد سبق بطوله
الشَّرْحُ
قال النووي رحمه الله تعالى: ( باب وداع الصاحب ووصيته عند فراقه لسفر وغيره والدعاء له وطلب الدعاء منه ) وذلك أن الإنسان إذا سافر فينبغي لذويه وأقاربه وأصحابه أن يودعوه وأن يوصوه بتقوى الله عز وجل فإن الله تعالى يقول: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيشا أو سرية وأمر عليهم أميرا قال له: أوصيك بتقوى الله ومن معك من المسلمين خيرا وذلك أن الإنسان يحتاج إلى من يساعده ويعينه على طاعة ربه لا سيما عند السفر لأن السفر محل الشغل والتقصير لاسيما فيما سبق من الزمان لما كانت الأسفار بعيدة على المطايا وعلى الأقدام فالناس يحتاجون إلى وصية وإلى تثبيت وإلى إعانة ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى الآيات الواردة في ذلك فذكر قوله تعالى: { وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ } وهذه الوصية هو قول الله عز وجل في إبراهيم: { إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين } ولم يتردد فاسلم لله وانقاد له { ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب } يعني: وصى بهذه الوصية وهي أن يسلموا لله عز وجل ظاهرا وباطنا فلإسلام الظاهر يكون بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت والإسلام الباطن يكون بالإيمان بالله وملائكته وكتبه إلى آخره { ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب } يعني أن إبراهيم ويعقوب كلا منهما وصى بها بنيه قائلا: { إن الله اصطفى لكم الدين } أي اختاره لكم { فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون } المعنى استدينوا الإسلام واثبتوا عليه إلى الممات ولا ترتدوا عنه { أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا } وهذا غاية التوحيد وهو من نصح يعقوب عليه السلام لبنيه حيث أراد أن يعرف حالهم قبل أن يفارق الدنيا { مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ } أما إبراهيم فهو أبوه يعني جده وإسحاق أبوه من صلبة وأما إسماعيل فهو عمه لكن أطلق عليه لفظ الآباء من باب التغليب لأن العم صنو الأب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه يعني شريكه في الأصل والجذر والصنو هو عبارة عن النخلتين يكون أصلهما واحدا وهما قرينتان وقوله: { إلها واحدا } من باب التوكيد { ونحن له مسلمون } فهذه الوصية ينبغي للإنسان أن يوصى بها من أراد سفرا وأن يوصى بها أهله وأن يتعاهدهم عليها لأنها هي التي عليها بناء كل شيء فلا دين بدون إخلاص ولا عبادة بدون إخلاص ولا اتباع بدون إخلاص كل شيء مبناه على الإخلاص لله عز وجل
713 - وعن أبي سليمان مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون فأقمنا عنده عشرين ليلة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيما رفيقا فظن أنا قد اشتقنا أهلنا فسألنا عمن من أهلنا فأخبرناه فقال: ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم وصلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلوا كذا في حين كذا فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم متفق عليه زاد البخاري في رواية له: وصلوا كما رأيتموني أصلى قوله: رحيما رفيقا روي بفاء وقاف، وروي بقافين
الشَّرْحُ
ذكر المؤلف النووي رحمه الله تعالى في باب توديع الصاحب والمسافر ما نقله عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون وهذا في عام الوفود في السنة التاسعة من الهجرة وكانوا شبابا فأقاموا عند النبي صلى الله عليه وسلم عشرين ليلة جاءوا من أجل أن يتفقهوا في دين الله قال مالك وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيما رفيقا فظن أنا قد اشتقنا أهلنا يعني اشتقنا إليهم فسألنا عمن تركنا من أهلنا فأخبرناه فقال: ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم وصلوا صلاة كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم زاد البخاري وصلوا كما رأيتموني أصلي فهذا الحديث فيه فوائد: منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مشهورا بالرحمة والرفق فكان أرحم الناس بالناس وكان أرفق الناس بالناس عليه الصلاة والسلام رحيما رفيقا حتى إن الجارية من أهل المدينة البنت الصغيرة كانت تمسك بيده ليذهب معها ليقضي حاجتها وحتى العجوز كذلك فكان عليه الصلاة والسلام أرحم الناس بالناس وأرفق الناس بالناس .
ومنها: أن الإنسان ينبغي له أن يكون شعوره شعور الآخرين لا يكون أنانيا إذا تمت له الأمور نسى من سواه فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مقيما في أهله مستريح البال مطمئن القلب مرتاح النفس لكن هؤلاء الناس الشببة الذين جاءوا يتعلمون الدين كانت الفطرة والعادة والطبيعة أن الإنسان يشتاق إلى أهله فلما رأى أنهم اشتاقوا إلى أهلهم وسألهم من خلفوا وراءهم واخبروه أمرهم أن يرجعوا إلى أهليهم فينبغي عليك أن تشعر بشعور الآخرين وأن تجعل نفسك مكانهم حتى تعاملهم بما تحب أن تعامل به نفسك ومنها: أنه ينبغي للإنسان أن يقيم في أهله ما أمكنه ولا ينبغي أن يتغرب عنهم ولا أن يبتعد عنهم حتى إن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر المسافر إذا سافر وقضى حاجته أن يرجع إلى أهله لأن بقاء الإنسان في أهله فيه خير كثير فيه الألفة والمودة والمحبة والتربية ومراعاة أحوالهم والتأديب والتوجيه لهم فلهذا كان الذي ينبغي للإنسان ألا يفارق أهله إلا عند الحاجة ومتى انتهت حاجته رجع إليهم ومن فوائد الحديث: أن الإنسان مأمور بأن يعلم أهله ولهذا قال: ارجعوا إلى أهليكم وعلموهم يعلمونهم ما تعلموه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فالإنسان ينبغي له أن يعلم أهله ما يحتاجون إليه إما أن يجعل جلسة خاصة لهم أو إذا جلسوا على الطعام أو على الشراب أو في انتظار النوم أو ما أشبه ذلك يعلمهم ومن فوائد الحديث أيضا أن الإنسان لا يقتصر على التعليم فقط قال: علموهم ومروهم فيعلمهم ويأمرهم وأهم ما يأمر به: الصلاة وقد نص الرسول عليه الصلاة السلام عليها فقال: مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر فلابد من تعليم الأهل ولابد من أمرهم وتأديبهم وتوجيههم ومن فوائدة الحديث: وجوب الأذان وأنه فرض كفاية، لقوله: إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم ومنها: أنه لا يصح الأذان قبل الوقت فلو أذن الإنسان قبل الوقت ولو بتكبيرة واحدة من الأذان، فإن آذانه لا يصح ويجب عليه أن يعيده بعد دخول الصلاة، لقوله إذا حضرت الصلاة والصلاة لا تحضر إلا إذا دخل وقتها وبهذا نعرف أن قول الرسول عليه الصلاة والسلام لأبي محذورة إذا أذنت بالأول من الصبح فقل الصلاة خير من النوم مرتين المراد به الأذان الذي يكون بعد دخول الوقت لأنه قال الأول لصلاة الصبح خلافا لما فهمه بعض الناس من أن المراد بذلك الأذان الذي يكون قبل الفجر لأن الأذان الذي يكون قبل الفجر ليس أذانا لصلاة الفجر فقد بين الرسول عليه الصلاة والسلام أن الأذان الذي يكون قبل الفجر هو لإيقاظ النائم وإرجاع القائم فقال: إن بلالا يؤذن بليل ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم فبين في هذا الحديث أن الأذان الذي يكون آخر الليل والذي يسميه الناس الأذان الأول ليس للفجر وليس للصلاة لأن الأذان للصلاة لا يكون إلا بعد دخول وقتها: إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وقد بين الرسول عليه الصلاة والسلام أن هذا الأذان ليس لصلاة الفجر بقوله ليرجع قائمكم يعني ليرده ليتسحر ويوقظ نائمكم ليتسحر ومن فوائد هذا الحديث: وجوب صلاة الجماعة لقوله: وليؤمكم أكبركم واللام هنا للأمر فصلاة الجماعة واجبة و من فوائد الحديث: أن صلاة الجماعة واجبة على المسافرين كما هي واجبة على المقيمين لأن هؤلاء وفد سيرجعون إلى أهليهم فهم مسافرون وأمرهم مع ذلك بالصلاة جماعة وعلى هذا كان الإنسان في البلد وهو مسافر فإنه يجب عليه أن يحضر الجماعة في المساجد بعض العامة إذا قلت له: صل قال: أنا مسافر والمسافر ما عليه صلاة جماعة هذا خطأ يجب عليك أن تصلي مع الجماعة في المساجد ولو كنت مسافرا فأنت وأهل البلد سواء قال النبي عليه الصلاة والسلام لرجل: أتسمع النداء ؟ قال: نعم قال: فأجب ومن فوائد هذا الحديث: تقديم الكبير في الإمامة لقوله: وليؤمكم أكبركم وهذا لا ينافي قوله عليه الصلاة والسلام: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله لأن هؤلاء الشباب وكلهم وفدوا في وقت واحد والظاهر أنه ليس بينهم فرق بين في قراءة القرآن وأنهم متقاربون ليس بعضهم أقرأ من بعض ولهذا قال: وليؤمكم أكبركم لأنهم متساوون في القراءة أو متقاربون فإذا تساووا في القراءة والسنة والهجرة فإنه يرجع إلى الأكبر سنا وفيه أيضا اعتبار الكبر في السن وأن الكبير في السن مقدم على غيره إذا لم يكن لغيره ميزة يفضل بها هذا الكبير في السن ومن فوائده أيضا: أنه ينبغي للإنسان أن يوجه الناس لكل أمر وإن كان يظن أنه معلوم، ولهذا قال: صلوا صلاة كذا في حين كذا مع أنهم قد صلوا مع النبي عليه الصلاة والسلام وصلوا معه عشرين ليلة وهم يعلمون ذلك لكن من أجل التنبيه قال: صلوا الظهر مثلا في صلوا العصر في وقت كذا صلوا المغرب في وقت كذا صلوا العشاء في وقت كذا، صلوا الفجر في وقت كذا ومن فوائد هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم الناس بالقول وبالفعل فعلم الذي صلى بغير طمأنينة بالقول قال: إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع إلى آخره أما هؤلاء فقال لهم: صلوا كما رأيتموني أصلي وهذا تعليم بالفعل وكما فعل عليه الصلاة والسلام حينما صنع له المنبر فصعد عليه وجعل يصلي بالناس وهو على المنبر فيركع وهو على المنبر فإذا أراد السجود نزل من المنبر وهو مستقبل القبلة ثم سجد وقال لما سلم: إنما فعلت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي ومن فوائد هذا الحديث: أنه على الإنسان أن يعرف كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فيقرأ من كتب العلم التي كتبها من يوثق في عمله كيف كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي حتى ينفذ أمر الرسول في قوله: صلوا كما رأيتموني أصلي
714 - وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة فأذن وقال: لا تنسانا يا أخي من دعائك فقال كلمة ما يسرني أن لي بها الدنيا وفي رواية قال: أشركنا يا أخي في دعائك رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح
715 - وعن سالم بن عبد الله بن عمر أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يقول للرجل إذا أراد سفرا ادن مني حتى أودعك كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يودعنا فيقول: أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح
716 - وعن عبد الله بن يزيد الخطمي الصحابي رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يودع الجيش يقول: استودع الله دينكم وأمانتكم وخواتيم أعمالكم حديث صحيح رواه أبو داود وغيره بإسناد صحيح
717 - وعن أنس رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أريد سفرا فزودني فقال: زودك الله التقوى قال: زدني قال: وغفر ذنبك قال: زدني، قال: ويسر لك الخير حيثما كنت رواه الترمذي وقال حديث حسن
الشَّرْحُ
هذه الأحاديث ذكرها النووي رحمه الله في هذا الباب فيما يستحب من وداع الصاحب والدعاء له وطلب الدعاء منه فذكر حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أراد أن يعتمر فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فأذن له .
وقال: لا تنسنا يا أخي من دعائك وفي رواية: أشركنا يا أخي في دعائك وذكر أن الترمذي أخرجه وقال إنه حسن صحيح ولكن الحقيقة أنه ضعيف وأنه لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم وطلب الدعاء من الغير ينقسم إلى أقسام: القسم الأول: أن يطلب من الغير الدعاء لصالح المسلمين جميعا أي شيء عام فهذا لا بأس به، وقد دخل رجل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال: اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا فأنشأ الله سحابة فانتشرت وتوسعت وأمطرت ولم ينزل النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر إلا والمطر يتحادر من لحيته، وبقي المطر أسبوعا كاملا وفي الجمعة الثانية دخل رجل آخر أو الأول فقال: يا رسول الله غرق المال وتهدم البناء فادع الله يمسكها عنا فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال: اللهم حوالينا ولا علينا وجعل يشير إلى النواحي فما يشير إلى ناحية إلا انفرجت وتمايز السحاب حتى خرج الناس يمشون في الشمس فإذا طلبت من شخص صالح مرجو الإجابة شيئا عاما للمسلمين فهذا لا بأس به لأنك لم تسأل لنفسك مثال ذلك: لو أن رجلا جاء إليك يطلب منك الشفاعة لتغيث رجلا ملهوفا أو تقضى عنه دينه أو ترفع الظلم عن رجل ضعيف من المسلمين فإن هذا لا بأس به لأن المصلحة لغيره القسم الثاني: أن يطلب الدعاء من الرجل الصالح من أجل أن ينتفع الرجل بهذا الدعاء ولا يهمه هو أن ينتفع لكن يحب من هذا الرجل الذي طلب منه الدعاء أن يلجأ إلى الله وان يسأل الله عز وجل وأن يعلق قلبه بالله وأن يعلم أن الله سبحانه وتعالى سميع الدعاء المهم أن يكون قصده مصلحة هذا الرجل فهذا لا بأس به أيضا لأنك لم تسأله لمحض نفعك ولكن لنفعه هو فأنت تريد أن يزداد هذا الرجل الصالح خيرا بدعاء الله عز وجل وأن يتقرب إلى الله بالدعاء وأن يحصل على الأجر والثواب القسم الثالث: أن يطلب الدعاء من الغير لمصلحة نفسه هو فهذا أجازه بعض العلماء وقال لا بأس أن تطلب من الرجل الصالح أن يدعو لك لكن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال لا ينبغي إذا كان قصدك مصلحة نفسك فقط لأن هذا قد يدخل في المسألة المذمومة لأن النبي صلى الله عليه وسلم بايع أصحابه ألا يسألوا الناس شيئا وكذلك لأنه ربما يعتمد هذا السائل الذي سأل غيره أن يدعو له ربما يعتمد على دعاء هذا الغير وينسى أن يدعو هو لنفسه فيقول: أنا قلت لفلان وهو رجل صالح ادع الله لي وإذا استجاب الله هذا الدعاء فهو كاف فيعتمد على غيره وكذلك لأنه ربما يلحق المسئول غرور في نفسه وأنه رجل صالح يطمع الناس إلى دعائه فيحصل في هذا شر على المسئول وعلى كل حال فإن هذا القسم الثالث مختلف فيه فمن العلماء من قال: لا بأس أن تقول للرجل الصالح يا فلان ادع الله لي ومنهم من قال لا ينبغي والأحسن ألا تقول ذلك لأنه ربما يمن عليك بهذا وربما تذل أمامه بسؤالك ثم إنه من الذي يحول بينك وبين ربك ادع الله بنفسك لا أحد يحول بينك وبين الله لماذا تذهب تفتقر إلى غيرك وتقول: ادع الله لي وأنت ليس بينك وبين ربك واسطة ؟ قال الله تعالى: وقال ربكم ادعوني استجب لكم وقال: { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان }
باب الاستخارة والمشاورة
قال الله تعالى: { وشاورهم في الأمر } وقال تعالى: { وأمرهم شورى بينهم } أي يتشاورون بينهم فيه
718 - عن جابر رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن يقول: إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل اللهم إني استخيرك بعلمك، واستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال: عاجل أمري وآجله فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال: عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به قال: ويسمى حاجته رواه البخاري
الشَّرْحُ