( الفهرس )
شرح رياض الصالحين
كتاب الحج
وأخرى / من 1271 -- إلى 1288
شرح رياض الصالحين
كتاب الحج
قال الله تعالى: { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين } .
1271 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان متفق عليه .
1272 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس إن الله قد فرض عليكم الحج فحجوا فقال رجل: أكل عام يا رسول الله فسكت حتى قالها ثلاثا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم ثم قال: ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه رواه مسلم .
الشَّرْحُ
قال المؤلف رحمه الله تعالى في كتابه رياض الصالحين باب وجوب الحج وفضله .
الحج: هو قصد مكة للتعبد لله سبحانه وتعالى بأداء المناسك وهو أحد أركان الإسلام بإجماع المسلمين ودليل فرضه قول الله تبارك وتعالى: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين .
وهذه الآية نزلت في العام التاسع من الهجرة وهو العام الذي يسمى عام الوفود وبها فرض الحج أما قوله تعالى في سورة البقرة: { وأتموا الحج والعمرة لله } ففيها فرض الإتمام لا فرض الابتداء ففرض الابتداء كان في السنة التاسعة في آية سورة آل عمران وأما فرض الاستمرار والإتمام فكان في آية البقرة في سنة ست من الهجرة .
قال الله تعالى: { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } على الناس يعني على جميعهم لكن الكافر لا نأمره بالحج حتى يسلم وأما المسلم فنأمره بأن يحج بهذا الشرط الذي اشترطه الله عز وجل { من استطاع إليه سبيلا } يعني: من استطاع أن يصل إلى مكة فمن لم يستطع لفقره فلا حج عليه ومن لم يستطع لعجزه نظرنا فإن كان عجزه لا يرجى زواله وعنده مال وجب أن يقيم من يحج عنه .
وإن كان يرجى زواله كمرض طارئ طرأ عليه في أيام الحج فإنه ينتظر حتى يعافيه الله ثم يحج بنفسه .
ثم ذكر المؤلف رحمه الله حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بني الإسلام على خمس وقد سبق الكلام عليه فلا حاجة إلى الإعادة والشاهد من هذا قوله: وحج البيت الحرام والحج لا يجب إلا مرة إلا إذا نذر الإنسان أن يحج فليحج لكن بدون نذر لا يجب إلا مرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل في كل عام قال: لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم الحج مرة فما زاد فهو تطوع وهذا من نعمة الله عز وجل أنه لم يفرضه إلا مرة واحدة في العمر وذلك لأن غالب الناس يشق عليهم الوصول إلى مكة وهذه من الحكمة تجد الصلوات الخمس مفروضة كل يوم الجمعة مفروضة في الأسبوع مرة لأن الجمعة يجب أن تكون في مسجد واحد فقط في البلد كله وهذا قد يكون فيه مشقة لو قلنا للناس اجتمعوا في مسجد واحد كل يوم خمس مرات فيه مشقة ولهذا لم تفرض الجمعة إلا في الأسبوع مرة .
الزكاة لم تجب إلا في السنة مرة الصيام لم يجب إلا في السنة مرة الحج لا يجب إلا في العمر مرة وهذا من حكمة الله تعالى ورحمته حيث جعل هذه الفرائض مناسبة لأحوال العباد .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم ثم قال عليه الصلاة والسلام ذروني ما تركتكم يعني: لا تسألوا عن أشياء أنا ساكت عنها ما دمت ساكت عن الشيء فاسكتوا عنه لأن أعظم الناس جرما من سأل عن مسألة حلال فحرمت من أجل مسألته أو عن مسألة غير واجبة فوجبت من أجل مسألته .
لكن بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم لا بأس أن يسأل الناس العلماء عن أمور دينهم لأن الشرع انتهى ما في تحليل ولا تحريم ولا إيجاب ولا إسقاط .
فهذا هو مراد الرسول صلى الله عليه وسلم بأن تسأل ولا تقل: { ولا تسألوا عن أشياء أن تبد لكم تسؤكم } اسأل .
ثم بين الرسول عليه الصلاة والسلام: أن ما أهلك الذين من قبلنا كثرة مسألهم واختلافهم على أنبيائهم يعني أنهم يسألون يسألون فهلكوا وانظر إلى أصحاب البقرة حين قال لهم موسى عليه الصلاة والسلام اذبحوا بقرة وخذوا جزءا منها واضربوا به القتيل وكان القتيل من بين قبيلتين أو طائفتين قتل فادعت إحدى الطائفتين على الأخرى أنها قتلته فأنكروا وهو ميت وليس يوجد شهود .
فجاءوا إلى موسى عليه الصلاة والسلام فأمرهم بأمر الله أن يذبحوا بقرة لو ذبحوا أي بقرة تلك الساعة لحصل لهم المقصود لكن جعلوا يسألون: ما هي ما لونها ما هي حتى شددوا فشدد الله عليهم فذبحوها وما كادوا يفعلون .
فالحاصل أن كثرة المسائل والاختلاف على الأنبياء من أسباب الهلاك وهذا كله كما قلت في عهد النبوة عهد التشريع .
أما الآن فاسأل عن كل ما تحتاج إلى السؤال عنه ولا حرج عليك .
أما أغلوطات المسائل وألغاز المسائل والأشياء التي يقصد بها التشدد والتعنت فهذه منهي عن السؤال عنها لقول النبي صلى الله عليه وسلم هلك المتنطعون هلك المتنطعون هلك المتنطعون والله أعلم .
1273 - وعنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أفضل قال: إيمان بالله ورسوله قيل ثم ماذا قال: الجهاد في سبيل الله قيل ثم ماذا قال: حج مبرور متفق عليه .
المبرور هو الذي لا يرتكب صاحبه فيه معصية .
1274 - وعنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه متفق عليه .
1275 - وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة متفق عليه .
1276 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد فقال: لكن أفضل الجهاد حج مبرور رواه البخاري .
1276 - وعنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة رواه مسلم .
1277 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عمرة في رمضان تعدل عمرة أو حجة معي متفق عليه .
الشَّرْحُ
هذه الأحاديث ذكرها النووي رحمه الله في كتابه رياض الصالحين في باب: وجوب الحج وفضله .
وهي تدل على أمور: الأمر الأول: أن الحج المبرور في المرتبة الثالثة بالنسبة لأفضل الأعمال فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل قال: إيمان بالله ثم ماذا قال: الجهاد في سبيل الله ثم قال الثالث: حج مبرور فالحج المبرور هو الذي اجتمعت فيه أمور: الأمر الثاني: أن يكون خالصا لله بأن لا يحمل الإنسان على الحج إلا ابتغاء رضوان الله والتقرب إليه سبحانه وتعالى لا يريد رياءا ولا سمعة ولا أن يقول الناس فلان حج وإنما يريد وجه الله .
الثالث: أن يكون الحج على صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم يعني أن يتبع الإنسان فيه الرسول صلى الله عليه وسلم ما استطاع .
الرابع: أن يكون من مال مباح ليس حراما بأن لا يكون ربا ولا من غش ولا من ميسر ولا غير ذلك من أنواع المفاسد المحرمة بل يكون من مال حلال ولهذا قال بعضهم:
إذا حججت بمال أصله سحت ...
فما حججت ولكن حجت العير
يعني الإبل حجت أما أنت فما حججت لماذا لأن مالك حراما .
الخامس: أن يجتنب فيه الرفث والفسوق والجدال لقول الله تعالى: فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج فيجتنب الرفث وهو الجماع ودواعيه ويجتنب الفسوق سواء كان في القول المحرم الغيبة النميمة والكذب أو الفعل كالنظر إلى النساء وما أشبه ذلك لابد أن يكون قد تجنب فيه الرفث والفسوق والجدال: المجادلة والمنازعة بين الناس في الحج هذه تنقص الحج كثيرا .
اللهم إلا جدالا يراد به إثبات الحق & وإبطال الباطل فهذا واجب فلو جاء إنسان مبتدع يجادل والإنسان محرم فإنه لا يتركه بل يجادله ويبين الحق لأن الله أمر بذلك { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن } لكن الجدال من غير داع يتشاحنون أيهم يتقدم أو عند رمي الجمرات أو عند المطار أو ما أشبه ذلك هذا كله مما ينقص الحج فلابد من ترك الجدال فالحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة .
ومن حج ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه أي رجع من الذنوب نقيا لا ذنوب عليه كيوم ولدته أمه .
وفي حديث عائشة الذي سألت فيه النبي صلى الله عليه وسلم نرى الجهاد أفضل الأعمال قال: لكن أفضل العمال حج مبرور هذا بالنسبة للنساء .
فالنساء جهادهن هو الحج أما الرجال فالجهاد في سبيل الله أفضل من الحج إلا الفريضة فإنها أفضل من الجهاد في سبيل الله لأن الفريضة ركن من أركان الإسلام .
وفي هذه الأحاديث عموما دليل على أن الأعمال تتفاضل بحسب العامل ففي حديث أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل الأعمال الإيمان بالله ثم الجهاد في سبيل الله ثم الحج وفي حديث ابن مسعود أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أحب إلى الله قال: الصلاة على وقتها قال ثم أي قال: بر الوالدين قال ثم أي قال: الجهاد في سبيل الله .
فكل يخاطب بما يليق بحاله وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل الذي قال: أوصني قال: لا تغضب قال أوصني قال: لا تغضب قال أوصني قال: لا تغضب ما قال أوصيك بتقوى الله وبالعمل الصالح لأن هذا الرجل يليق بحاله أن يوصي بترك الغضب لأنه غضوب فالرسول صلى الله عليه وسلم يخاطب كل إنسان بما يليق بحاله ويعلم هذا بتتبع الأدلة العامة في الشريعة وبيان مراتب الأعمال .
1279 - وعنه أن امرأة قالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه قال نعم: متفق عليه .
1280 - وعن لقيط بن عامر رضي الله عنه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن قال: حج عن أبيك واعتمر رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح .
1281 - وعن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال: حج بي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وأنا ابن سبع سنين رواه البخاري .
1282 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي ركبا بالروحاء فقال: من القوم قالوا: المسلمون قالوا: من أنت قال رسول الله فرفعت امرأة صبيا فقالت ألهذا حج قال: نعم ولك أجر رواه مسلم .
1283 - وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حج على رحل وكانت زاملته رواه البخاري .
1284 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقا في الجاهلية فتأثموا أن يتجروا في المواسم فنزلت { ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم } في مواسم الحج رواه البخاري .
الشَّرْحُ
هذه الأحاديث ساقها النووي رحمه الله في كتابه رياض الصالحين في باب وجوب الحج وفضله .
الحديث الأول والثاني: فيمن عجز عن الحج هل يحج عنه أحد أم لا ففي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أبي أدركته فريضة الله على عباده في الحج شيخا لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه قال: نعم .
فدل ذلك على أن الإنسان إذا عجز عن الحج عجزا لا يرجى زواله كالكبر والمرض الذي لا يرجى شفاؤه وما أشبه ذلك فإنه يحج عنه .
وفي هذا دليل على أن المرأة يجوز أن تحج عن الرجل وكذلك الرجل يجوز أن يحج عن المرأة والرجل عن الرجل والمرأة عن المرأة كل ذلك جائز ولذلك أذن النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي أخبره أن أباه شيخ كبير لا يستطيع الركوب ولا الحج ولا العمرة فقال: حج عن أبيك واعتمر .
وفي هذه الأحاديث أيضا دليل على جواز حج الصبيان فها هو السائب بن يزيد رضي الله عنه يقول: حج بي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وأنا ابن سبع سنين .
طفل حج به: فدل ذلك على جواز الحج من الأطفال وكذلك حديث ابن عباس: أن امرأة رفعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم صبيا فقالت: ألهذا حج قال: نعم ولك أجر .
ففي هذين الحديثين دليل على جواز حج الصبيان والصبي يفعل ما يفعله الكبير وإذا عجز عن شيء فإنه يفعل عنه إن كان مما تدخله النيابة أو يحمل إذا كان مما لا تدخله النيابة فمثلا إذا كان لا يستطيع أن يطوف أو يسعى يحمل إذا كان لا يستطيع أن يرمي يرمى عنه لأن حمله في الجمرات فيه مشقة ولا فائدة من حمله لأنه ليس رميا بيده لهذا نقول: في الطواف والسعي يحمل وفي الرمي يرمى عنه ثم إن الطائف والساعي هل يسعى لنفسه وهو حامل طفله ينوي به السعي عن نفسه وعن طفله والصواب عن نفسه وعن طفله ؟ نقول: لا فيه تفصيل: إن كان الطفل يعقل النية وقال له وليه: انو الطواف انو السعي فلا بأس أن يطوف به وهو حامله ينوي عن نفسه والصبي عن نفسه وإن كان لا يعقل النية فإنه لا يطوف به وينوي نيتين: نية لنفسه ونية لمحموله بل يطوف أولا عن نفسه ثم يحمل صبيه فيطوف به أو يجعله مع إنسان آخر يطوف به وذلك لأنه لا يمكن أن يكون عمل واحد بنيتين فهذا هو التفريق في مسألة الطواف به .
ثم إن الإنسان إذا حج فإنه يجب عليه وهو نائب لغيره أن يفعل كل ما في وسعه من تميم الحج من أركانه وواجباته ومكملاته لأنه نائب عن غيره فلا ينبغي له أن يهمل فيما يقوم به عن الغير بخلاف من حج لنفسه فمن حج لنفسه وترك المستحب فلا بأس لكن الحج عن الغير تؤديه بقدر ما تستطيع & والله الموفق .
1284- وعن ابن مسعود، رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: "الصلاة على وقتها" قلت: ثم أي؟ قال: "بر الوالدين" قلت ثم أي: قال: "الجهاد في سبيل الله" ((متفق عليه))
1285- وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله أي العمل أفضل؟ قال: "الإيمان بالله والجهاد في سبيله" ((متفق عليه))
1286- وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها" ((متفق عليه))
1287- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أي الناس أفضل؟ قال: "مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله" قال: ثم من؟ قال: "مؤمن في شعب من الشعاب يعبد الله ويدع الناس من شره" ((متفق عليه))
1288- وعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله تعالى، أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها. ((متفق عليه))
1289-