باب الكرم والجود والإنفاق في وجوه الخير ثقة بالله تعالى
قال الله تعالى: { وَمَا أَنْفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ } وقال تعالى: { وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } . وقال تعالى: { وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ } .
544 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا حسد إلا في اثنتين رجل أتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها متفق عليه .
545 - وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله ؟ قالوا يا رسول الله ما منا أحد إلا ماله أحب إليه . قال: فإن ماله ما قدم ومال وارثه ما أخر رواه البخاري .
546 - وعن عدي بن حاتم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اتقوا النار ولو بشق تمرة متفق عليه .
547 - وعن جابر رضي الله عنه قال: ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط فقال: لا متفق عليه .
548 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا متفق عليه .
549 - وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى أنفق يا ابن آدم ينفق عليك متفق عليه . قال المؤلف - رحمه الله تعالى - باب الكرم والجود والإنفاق في وجوه الخير ثقة بالله تعالى . المال الذي أعطاه الله بني آدم، أعطاهم إياه فتنة ليبلوهم هل يحسنون التصرف فيه أم لا . قال الله تعالى: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ فمن الناس من ينفقه في شهواته المحرمة وفي لذائذه التي لا تزيده من الله إلا بعدا فهذا يكون ماله وبالا عليه والعياذ بالله . ومن الناس من ينفقه ابتغاء وجه الله فيما يقربه إلى الله على حسب شريعة الله، فهذا ماله خير له . ومن الناس من يبذل ماله في غير فائدة ليس في شيء محرم ولا في شيء مشروع فهذا ماله ضائع عليه وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال . وينبغي للإنسان إذا بذل ماله فيما يرضي الله أن يكون واثقا بوعد الله سبحانه وتعالى حيث قال في كتابه: { وَمَا أَنْفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ }، { فَهُوَ يُخْلِفُهُ } أي يعطيكم خلفا عنه . وليس معناه فهو يخلفه إذ لو كان المراد فهو يخلفه لكان معنى الآية أن الله يكون خليفة وليس الأمر كذلك بل فهو يخلفه أي يعطيكم خلفا عنه . ومنه الحديث: اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها ولا تقل واخلف لي خيرا منها بل وأخلف أي ارزقني خلفا عنها خيرا منها . فالله عز وجل وعد في كتابه أن ما أنفقه الإنسان فإن الله يخلفه عليه، يعطيه خلفا عنه، وهذا يفسره قول الرسول عليه الصلاة والسلام في الأحاديث التي ساقها المؤلف مثل قوله صلى الله عليه وسلم: ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا متفق عليه . والمراد بذلك من يمسك عما أوجب الله عليه من بذل المال فيه، وليس كل ممسك يدعى عليه بل الذي يمسك ماله عن إنفاقه فيما أوجب الله، فهو الذي تدعو عليه الملائكة بأن الله يتلفه ويتلف ماله . والتلف نوعان: تلف حسي، وتلف معنوي . 1 - التلف الحسي: أن يتلف المال نفسه بأن يأتيه آفة تحرقه أو يسرق أو ما أشبه ذلك . 2 - التلف المعنوي: أن تنزع بركته بحيث لا يستفيد الإنسان منه في حياته ومنه ما ذكره النبي عليه الصلاة والسلام حيث قال لأصحابه: أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله ؟ قالوا: يا رسول الله ما منا أحد إلا وماله أحب إليه . فمالك أحب إليك من مال زيد وعمرو وخالد ولو كان من ورثتك قال: فإن ماله ما قدم ومال وارثه ما أخر وهذه حكمة عظيمة ممن أوتي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم فما لك الذي تقدمه لله عز وجل تجده أمامك يوم القيامة ومال الوارث ما يبقى بعدك من مالك فينتفع به ويأكله الوارث فهو مال وارثك على الحقيقة فأنفق مالك فيما يرضي الله، وإذا أنفقت فإن الله يخلفه وينفق عليك كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: أنفق يا ابن آدم ينفق عليك . وهذه الأحاديث كلها وكذلك الآيات تدل على أنه ينبغي للإنسان أن يبذل ماله حسب ما شرع الله عز وجل، كما جاء في الحديث الذي صدر به المؤلف هذا الباب، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: لا حسد إلا في اثنتين يعني لا غبطة ولا أحد يغبط على ما أعطى الله سبحانه وتعالى من مال وغيره إلا في اثنتين فقط . الأولى: رجل أعطاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق صار لا يبذله إلا فيما يرضى الله، هذا يحسد لأنك الآن تجد التجار يختلفون منهم من ينفق أمواله في سبيل الله طبع الكتب إعانة على الجهاد وما أشبه ذلك فهذا سلط على هلكته في الحق . ومنهم من يسلطه على هلكته في اللذائذ المحرمة والعياذ بالله يسافر إلى الخارج فيزني ويشرب الخمر ويلعب القمار ويتلف ماله فيما يغضب الرب عز وجل فالذي سلطه الله على هلكة ماله في الحق يغبط لأن الغالب أن الذي يستغني يبطر ويمرح ويفسق فإذا رؤي أن هذا الرجل الذي أعطاه الله المال ينفقه في سبيل الله فهو يغبط . والثانية: رجل آتاه الحكمة يعني العلم، الحكمة هنا العلم كما قال الله تعالى: { وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ }، فهو يقضي بها ويعلمها يقضي بها في نفسه وفي أهله وفي من تحاكم عنده ويعلمها الناس أيضا لا يقتصر على أن يأتيه الناس فيقول إذا جاءوني حكمت وقضيت بل يقضي ويعلم ويبدأ الناس بذلك فهذا لا شك أنه مغبوط على ما آتاه عز وجل من الحكمة . والناس في الحكمة ينقسمون إلى أقسام: قسم: آتاه الله الحكمة فبخل بها حتى على نفسه لم ينتفع بها في نفسه، ولم يعمل بطاعة الله ولم ينته عن معصية الله، فهذا خاسر والعياذ بالله وهذا يشبه اليهود الذين علموا الحق واستكبروا عنه . وقسم آخر: آتاه الله الحكمة فعمل بها في نفسه لكن لم ينتفع بها عباد الله وهذا خير من الذي قبله، لكنه ناقص . وقسم آخر: أعطاه الله الحكمة فقضى بها وعمل بها في نفسه وعلمها الناس، فهذا خير الأقسام . وهناك قسم رابع: لم يؤت الحكمة إطلاقا فهو جاهل وهذا حرم خيرا كثيرا لكنه أحسن حالا ممن أوتي الحكمة ولم يعمل بها لأن هذا يرجى إذا علم أن يتعلم ويعمل بخلاف الذي أعطاه الله العلم وكان علمه وبالا عليه والعياذ بالله
الشَّرْحُ
550 -