187 - الرابع عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا رواه البخاري
الشَّرْحُ
قال المؤلف رحمه الله تعالى فيما نقله عن النعمان بن بشير الأنصاري رضي الله عنهما في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال مثل القائم في حدود الله والواقع فيها القائم فيها يعني الذي استقام على دين الله فقام بالواجب وترك المحرم والواقع فيها أي في حدود الله أي الفاعل للمحرم أو التارك للواجب كمثل قوم استهموا على سفينة يعني ضربوا سهما وهو ما يسمى بالقرعة أيهم يكون الأعلى فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها وكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء يعني إذا طلبوا الماء ليشربوا منه مروا على من فوقهم يعني الذين في أعلاها لأن الماء لا يقدر عليه إلا من فوق فقالوا لو خرقنا في نصيبنا يعني لو نخرق خرقا في مكاننا نستقي منه حتى لا نؤذي من فوقنا هكذا قدروا وأرادوا قال النبي عليه الصلاة والسلام فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا لأنهم إذا خرقوا خرقا في أسفل السفينة دخل الماء ثم أغرق السفينة وإن أخذوا على أيديهم ومنعوهم من ذلك نجوا ونجوا جميعا يعني نجا هؤلاء وهؤلاء وهذا المثل الذي ضربه النبي هو من الأمثال التي لها مغزى عظيم ومعنى عال فالناس في دين الله كالذين في سفينة في لجة النهر فهم تتقاذفهم الأمواج ولابد أن يكون بعضهم إذا كانوا كثيرين في الأسفل وبعضهم في الأعلى حتى تتوازن حمولة السفينة وحتى لا يضيق بعضهم على بعض وفيه أن هذه السفينة المشتركة بين هؤلاء القوم إذا أراد أحد منهم أن يخربها فإنه لابد أن يمسكوا على يديه وأن يأخذوا على يديه لينجوا جميعا فإن لم يفعلوا هلكوا جميعا هكذا دين الله إذا أخذ العقلاء وأهل العلم والدين على الجهال والسفهاء نجوا جميعا وإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا كما قال الله تعالى واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة وفي هذا المثل دليل على أنه ينبغي لمعلم الناس أن يضرب لهم الأمثال ليقرب لهم المعقول بصورة المحسوس قال الله تعالى { وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون } وكم من إنسان تشرح له المعنى شرحا كثيرا وتردده عليه فلا يفهم فإذا ضربت له مثلا بشيء محسوس يعرفه فهم وانظر إلى المثل العجيب الذي ضربه النبي لرجل من الأعراب صاحب بادية إبل جاء إلى النبي يقول يا رسول الله إن زوجتي ولدا غلاما أسود يعني وأنا أبيض والمرأة بيضاء من أين جاءنا هذا الأسود فقال النبي صلى الله عليه وسلم هل لك من إبل ؟ قال نعم قال ما ألوانها قال حمر قال هل فيها من أوراق يعني أسود ببياض قال نعم قال من أين جاءها ذلك قال لعله نزعه عرق يعني ربما يكون له أجداد أو جدات سابقة لونها هكذا فنزعه هذا العرق قال فابنك هذا لعله نزعه عرق يمكن واحد من أجداده أو جداته أو أخواله أو آبائه لونه أسود فجاء الولد عليه فاقتنع الأعرابي تمام الاقتناع لو جاءه النبي عليه الصلاة والسلام يشرح له شرحا فهو أعرابي لا يعرف لكن أتاه بمثال من حياته التي يعيشها فانطلق وهو مقتنع وهكذا ينبغي لطالب العلم بل ينبغي للمعلم أن يقرب المعاني المعقولة لأذهان الناس يضرب الأمثال المحسوسة كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وفي هذا الحديث إثبات القرعة وأنها جائزة وقد وردت الآيات والأحاديث بالقرعة في موضعين من كتاب الله وفي ستة مواضع من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم أما الموضعين من كتاب الله وكلكم يقرأها والحمد لله الموضع الأول في سورة آل عمران { وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون } الموضع الثاني في صورة الصافات { وإن يونس لمن المرسلين إذ أبق إلى الفلك المشحون فساهم فكان من المدحضين فالتقمه الحوت وهو مليم فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون } يونس أحد الأنبياء ركب مع قوم في سفينة فضاقت بهم وقالوا وإن بقينا كلنا على ظهرنا هلكنا وغرقت لابد أن ننزل بعضنا في البحر فمن ننزل أول راكب أم أكبر راكب أم أكبر بدنا فعملوا قرعة فصارت القرعة على جماعة منهم يونس لأن الآية تقول { فساهم فكان من المدحضين } إذن معه ناس نزلوهم والذين معه الله أعلم بهم لا نعرف ماذا صار لهم أما هو فالتقمه حوت عظيم أي ابتلعه بلعا دون أن يعلكه فصار في بطن الحوت فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت إني كنت من الظالمين فلفظه الحوت على سيف البحر وأنبت الله عليه شجرة من يقطين يقطين قال العلماء قرع النجد قرع النجد لين وأوراقه لينة كالإبريسم ومن خصائصه أنه لا يقع عليه الذباب فأنبت الله عليه شجرة من يقطين حتى ترعرع بعد أن بقى في بطن الحوت ثم أنجاه الله عز وجل المهم أن القرعة من الأمور المشروعة الثابتة بالكتاب والسنة وقد ذكر ابن رجب رحمه الله في كتابه القواعد الفقيهة ذكر قاعدة في الأشياء التي تستعمل فيها القرعة من أول الفقه إلى آخره
188 -