99 - الخامس: عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجد وشد المئزر متفق عليه .
والمراد: العشر الأواخر من شهر رمضان: والمئزر: الإزار وهو كناية عن اعتزال النساء، وقيل: المراد تشميره للعبادة .
يقال: شددت لهذا الأمر مئزري، أي: تشمرت وتفرغت له .
الشَّرْحُ
قال المؤلف - رحمه الله - تعالى فيما نقله عن أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها في حال رسول الله صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر من رمضان، إنه إذا دخل العشر شد المئزر، وأحيا ليله، وجد في العبادة، وشمر عليه الصلاة والسلام .
وقد سبق في الحديث السابق أنه صلى الله عليه وسلم كان يقوم في الليل حتى تتفطر قدماه، وأنه يقوم من الليل أكثر من النصف أو النصف أو الثلث، أما في ليالي العشر من رمضان فإنه كان يقوم الليل كله، أي يحيي ليله كله عليه الصلاة والسلام بالعبادة، لكن بالفطور بعد غروب الشمس، والعشاء وصلاة العشاء، والأشياء التي يرى عليه الصلاة والسلام أنها قربى إلى الله عز وجل، وليس معناه أن كل الليل في صلاة، بدليل أن صفية بنت حيي بن أخطب كانت تأتي إليه عليه الصلاة والسلام فيحدثها بعد صلاة العشاء، ولكن كل ما كان يفعله عليه الصلاة والسلام في تلك الليالي فإنه قربى إلى الله عز وجل، إما صلاة أو تهيؤ لصلاة أو غير ذلك .
وفي هذا: دليل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحيي العشر الأواخر من رمضان كلها، ولكنه لا يحيي ليلة سواها أي أنه لم يقم ليلة حتى الصباح إلا في العشر الأواخر من رمضان، وذلك تحرياً لليلة القدر، وهي ليلة تكون في العشر الأواخر من رمضان، ولاسيما في السبع الأواخر منه، فهذه الليلة يقدر الله سبحانه وتعالى فيها ما يكون في تلك السنة، وهي كما قال الله تعالى: خير من ألف شهر، فكان يحييها ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه .
ثم ذكر المؤلف رحمه الله معنى قوله شد المئزر فمنهم من قال إنه كناية عن ترك النساء لأنه يكون معتكفاً، والمعتكف لا يباح له النساء، كما قال تعالى: { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد }، ومنهم من قال بل هو كناية عن الجد والتشمير في العمل، وكلا الأمرين صحيح، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام كان لا يأتي أهله في العشر الأواخر من رمضان لأنه معتكف، وكان أيضاً يشد المئزر ويجتهد ويشمر صلوات الله وسلامه عليه، وهذا من أنواع المجاهدة، فالإنسان يجب أن يجاهد نفسه في الأوقات الفاضلة حتى يستوعبها في طاعة الله .