كتاب العلم
الباب الرابع: في كتب طالب العلم و فتاوى حول العلم و فوائده
الفصل الأول: كتب طالب العلم
قبل البدء في هذا الفصل لا بد أن نُبين بعض الأمور المهمة لطالب العلم وهي:
الأمر الأول: كيف تتعامل مع الكتاب؟
التعامل مع الكتاب يكون بأمور:
الأول: معرفة موضوعه: حتى يستفيد الإنسان منه؛ لأنه يحتاج إلى التخصص، ربما يكون كتاب سحر أو شعوذة أو باطل، فلا بد من معرفة موضوع الكتاب حتى تحصل الفائدة منه.
الثاني: معرفة مصطلحاته: لأن معرفة المصطلحات يحصل بها أنك تحفظ أوقاتًا كثيرة، وهذا يفعله العلماء في مقدمات الكتب، فمثلا نعرف أن صاحب "بلوغ المرام" إذا قال متفق عليه يعني رواه البخاري ومسلم، لكن صاحب المنتقى على خلاف ذلك فإذا قال صاحب المنتقى - متفق عليه فإنه يعني رواه الإمام أحمد والبخاري، ومسلم، وكذلك في كتب الفقه يفرق كثير من العلماء بين القولين، والوجهين، والروايتين، والاحتمالين، فالروايتان عن الإمام، والوجهان عن الأصحاب، وهم أصحاب المذهب الكبار أهل التوجيه، والاحتمالان للتردد بين قولين، والقولان أعم من ذلك كله.
كذلك يحتاج أن تعرف مثلا إذا قال المؤلف إجماعًا أو وفاقًا، إذا قال إجماعًا يعني بين الأمة، وإذا قال وفاقًا يعني مع الأئمة الثلاثة كما هو اصطلاح صاحب "الفروع" في فقه الحنابلة، وكذلك بقية أصحاب المذاهب ؛ كلّ له اصطلاح ، فلا بد أن تعرف اصطلاح المؤلف.
الثالث: معرفة أسلوبه وعباراته: ولهذا تجد أنك إذا قرأت الكتاب أول ما تقرأ - لا سيما في الكتب العلمية المملوءة علمًا - تجد أنه تمر بك العبارة تحتاج إلى تأمل وتفكير في معناها؛ لأنك لم تألفه، فإذا كررت هذا الكتاب ألفته وهناك أيضا أمر خارج عن التعامل مع الكتاب وهو: التعليق بالهوامش أو الحواشي. فهذا أيضًا
(1/67)
مما يجب لطالب العلم أن يغتنمه، وإذا مرت به مسألة تحتاج إلى شرح، أو إلى دليل، أو إلى تعليل ويخشى أن ينساه فإنه يُعلق إما بالهامش وهو الذي على اليمين أو اليسار أو بالحاشية وهي التي في الأسفل وكثيرًا ما يفوت الإنسان مثل هذه الفوائد التي لو علقها لم تستغرق عليه إلا دقيقة أو دقيقتين، ثم إذا عاد ليتذكرها بقي مدة يتذكرها وقد لا يذكرها. فينبغي على طالب العلم أن يعتني بذلك لا سيما في كتب الفقه، يمر بك في بعض الكتب مسألة وحكمها ويحصل عندك توقف وإشكال ، فإذا رجعت للكتب التي أوسع من الكتب الذي بين يديك ووجدت قولا يوضح المسألة ؛ فإنك تعلق القول من أجل أن ترجع إليه مرة أخرى إذا احتجت إليه دون الرجوع إلى أصل الكتاب الذي نقلت منه، فهذا مما يوفر عليك الوقت.
الأمر الثاني: مطالعة الكتب على نوعين:
أولا: مطالعة تدبر وتفهم، فهذه لا بد أن يتأمل الإنسان ويتأنى.
ثانيا: مطالعة استطلاع فقط ينظر من خلالها على موضوع الكتاب، وما فيه من مباحث، ويتعرف على مضمون الكتاب، وذلك من خلال تصفح وقراءة سريعة للكتاب، فهذه لا يحصل فيها من التأمل والتدبر ما يحصل في النوع الأول.
الأمر الثالث: جمع الكتب:
ينبغي لطالب العلم أن يحرص على جمع الكتب ، ولكن يبدأ بالأهم فالأهم، فإذا كان الإنسان قليل ذات اليد ، فليس من الخير وليس من الحكمة أن يشتري كتبًا كثيرة يلزم نفسه بغرامة قيمتها، فإن هذا من سوء التصرف، وإذا لم يمكنك أن تشتري من مالك فيمكنك أن تستعير من أي مكتبة.
الأمر الرابع: الحرص على الكتب المهمة:
يجب على طالب العلم أن يحرص على الكتب الأمهات الأصول دون المؤلفات حديثًا؛ لأن بعض المؤلفين حديثًا ليس عنده العلم الراسخ، ولهذا إذا قرأت ما كتبوا تجد أنه سطحيّ، قد ينقل الشيء بلفظه، وقد يحرفه إلى عبارة طويلة لكنها غثاء.
(1/68)
فعليك بالأمهات كتب السلف فإنها خير وأبرك بكثير من كتب الخلف.
لأن غالب كتب المتأخرين قليلة المعاني، كثيرة المباني، تقرأ صفحة كاملة يمكن أن تلخصها بسطر أو سطرين، لكن كتب السلف تجدها هينة، لينة، سهلة رصينة، لا تجد كلمة واحدة ليس لها معنى.
ومن أجلّ الكتب التي يجب على طالب العلم أن يحرص عليها كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله ومن المعلوم أن كتب ابن القيم أسهل وأسلس؛ لأن شيخ الإسلام ابن تيمية كانت عباراته قوية لغزارة علمه، وتوقد ذهنه، وابن القيم رأى بيتًا معمورًا فكان من التحسين والترتيب، ولسنا نريد بذلك أن نقول إن ابن القيم نسخة من ابن تيمية، بل ابن القيم حرّ إذا رأى أن شيخه خالف ما يراه صوابًا تكلم، لما رأى وجوب فسخ الحج إلى العمرة، وأن ابن عباس - رضي الله عنهما - يرى أنه يجب على من لم يسق الهدي إذا أحرم بحج أو قران أن يفسخه إلى عمرة، وكان شيخ الإسلام يرى أن الوجوب خاص بالصحابة، قال وأنا إلى قوله أميل مني إلى قول شيخنا، فصرح بمخالفته، فهو رحمه الله مستقل ، حر الفكر، لكن لا غرو أن يتابع شيخه رحمه الله فيما يراه حقًّا وصوابًا، ولا شك أنك إذا تأملت غالب اختيارات شيخ الإسلام وجدت أنها هي الصواب وهذا أمر يعرفه من تدبر كتبهما.
الأمر الخامس: تقويم الكتب:
الكتب تنقسم إلى ثلاثة أقسام.
القسم الأول: كتب خير. القسم الثاني: كتب شر. القسم الثالث: كتب لا خير ولا شر.
فاحرص أن تكون مكتبتك خالية من الكتب التي ليس فيها خير أو التي فيها شر وهناك كتب يقال: إنها كتب أدب، لكنها تقطع الوقت وتقتله في غير فائدة، وهناك كتب ضارة ذات أفكار معينة وذات منهج معين، فهذه أيضًا لا تدخل
(1/69)
المكتبة سواء كان ذلك في المنهج أو كان ذلك في العقيدة، مثل كتب المبتدعة التي تضر في العقيدة، والكتب الثورية التي تضر في المنهج وعمومًا كل كتب تضر فلا تدخل مكتبتك؛ لأن الكتب غذاء للروح كالطعام والشراب للبدن، فإذا تغذيت بمثل هذه الكتب صار عليك ضرر عظيم واتجهت اتجاهًا مخالفًا لمنهج طالب العلم الصحيح.
كتب مختارة لطالب العلم:
أولا: العقيدة:
1- كتاب "ثلاثة الأصول".
2- كتاب "القواعد الأربع".
3- كتاب "كشف الشبهات".
4- كتاب "التوحيد".
وهذه الكتب الأربعة لشيخ الإسلام الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله تعالى-:
5- كتاب العقيدة الواسطية وتتضمن توحيد الأسماء والصفات، وهي من أحسن ما ألف في هذا الباب وهي جديرة بالقراءة والمراجعة.
6- كتاب "الحموية".
7- كتاب "التدمورية".
وهما رسالتان أوسع من الواسطية. وهذه الكتب الثلاثة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
8- كتاب العقيدة الطحاوية للشيخ أبي جعفر بن محمد الطحاوي.
9- كتاب شرح العقيدة الحاوية لأبي الحسن علي بن أبي العز.
10- كتاب الدرر السنية في الأجوبة النجدية جمع الشيخ عبد الرحمن بن قاسم رحمه الله تعالى.
(1/70)
11- كتاب "الدرة المضية في عقيدة الفرقة المرضية" لمحمد بن أحمد السفاريني الحنبلي، وفيها بعض الإطلاقات التي تخالف مذهب السلف، كقوله:
وليس ربنا بجوهر ولا عرض
ولا جسم تعالى في العلى
لذلك لا بد لطالب العلم أن يدرسها على شيخ ملم بالعقيدة السلفية لكي يبين ما فيها من الإطلاقات المخالفة لعقيدة السلف الصالح.
ثانيا: الحديث:
1- كتاب فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى:
2- كتاب سبل السلام شرح بلوغ المرام للصنعاني، وكتابه جامع بين الحديث والفقه.
3-كتاب نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار للشوكاني.
4- كتاب عمدة الأحكام للمقدسي، وهو كتاب مختصر ، وعامة أحاديثه في الصحيحين فلا يحتاج إلى البحث عن صحتها.
5- كتاب الأربعين النووية لأبي زكريا النووي رحمه الله تعالى وهذا كتاب طيب؛ لأن فيه آدابًا، ومنهجًا جيدًا، وقواعد مفيدة جدًّا مثل حديث "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"1 فهذه قاعدة لو جعلتها هي الطريق الذي تمشي عليه لكانت كافية. وكذلك قاعدة في النطق حديث: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت"2.
6-كتاب بلوغ المرام للحافظ بن حجر العسقلاني وهو كتاب نافع ومفيد.
ـــــــ
1 صحيح: رواه الترمذي "2317" و ابن ماجه "3976", و صححه الألباني في الروض النقير 293,321
2 متفق عليه: رواه البخاري "6018,6136, 6475", و مسلم "47".
(1/71)
لا سيما وأنه يذكر الرواة ويذكر من صحح الحديث ومن ضعفه ويعلق على الأحاديث.
7-كتاب نخبة الفكر للحافظ ابن حجر العسقلاني وتعتبر جامعة وطالب العلم إذا فهمها تماما وأتقنها فهي تغني عن كتب كثيرة في المصطلح ولابن حجر رحمه الله تعالى طريقة مفيدة في تأليفها وهي السبر والتقسيم فطالب العلم إذا قرأها يجد نشاطا لأنها مبنية على إثارة العقل وأقول يحسن بطالب العلم أن يحفظها لأنها خلاصة مفيدة في علم المصطلح.
8-الكتب الستة صحيح البخاري ومسلم والنسائي وأبو داود وابن ماجه والترمذي وأنصح طالب العلم أن يكثر من القراءة فيها لأن في ذلك فائدتين:
الأولى: الرجوع إلى الأصول.
الثاني: تكرار أسماء الرجال على ذهنه فإذا تكررت أسماء الرجال لا يكاد يمر به رجل مثلا من رجال البخاري في أي سند كان الأعرف أنه من رجال البخاري فيستفيد هذه الفائدة الحديثية.
ثالثا الفقه:
1-كتاب آداب المشي إلى الصلاة لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى.
2-كتاب ذاد المستقنع في اختصار المقنع للجحاوي وهذا من أحسن المتون في الفقه وهو كتاب مبارك مختصر جامع وقد أشار علينا شيخنا العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى بحفظه مع أنه قد حفظ متن دليل الطالب.
3-كتاب الروض المريع شرح زاد المستقنع للشيخ منصور البهوتي.
4-كتاب عمدة الفقه لابن قدامة رحمه الله تعالى.
رابعا الفرائض:
1-كتاب متن الرحبية للرحبي.
(1/72)
2-كتاب متن البرهانية لمحمد البرهاني وهو كتاب مختصر مفيد جامع لكل الفرائض وأرى أن البرهانية أحسن من الرحبية لأن البرهانية أجمع من الرحبية من وجه وأوسع معلومات من وجه آخر.
خامسا التفسير:
1- كتاب "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير رحمه الله تعالى وهو جيد بالنسبة للتفسير بالأثر ومفيد ومأمون ولكنه قليل العرض لأوجه الإعراب والبلاغة.
2- كتاب "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان" للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى وهو كتاب جيد سهل ومأمون وأنصح بالقراءة فيه.
3- مقدمة شيخ الإسلام في التفسير وهي مقدمة مهمة وجيدة.
4- كتاب "أضواء البيان" للعلامة محمد الشنقيطي رحمه الله تعالى وهو كتاب جامع بين الحديث والفقه والتفسير وأصول الفقه.
سادسا: كتب عامة في بعض الفنون.
1- في النحو "متن الآجرومية" وهي كتاب مختصر مبسط.
2- في النحو "ألفية بن مالك" وهي خلاصة علم النحو.
3- في السيرة وأحسن ما رأيت كتاب "زاد المعاد" لابن القيم رحمه الله تعالى وهو كتاب مفيد جدا يذكر سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله ثم يستنبط الأحكام الكثيرة.
4- كتاب "روضة العقلاء" لابن حبان البستي رحمه الله تعالى وهو كتاب مفيد على اختصاره وجمع عددا كبيرا من الفوائد ومآثر العلماء والمحدثين وغيرهم.
5- كتاب "سير أعلام النبلاء" للذهبي وهذا كتاب مفيد فائدة كبيرة ينبغي لطالب العلم أن يقرأ فيه ويراجع.
http://madrasato-mohammed.com/outaymin/pg_055_0008.htm