الصحابية الجليلة سهلة بنت ملحان كان مهرها كلمة التوحيد
الدرس والعبرة والموعظة من صحابية جليلة تربت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، الصحابية الجليلة سهلة بنت ملحان كان مهرها كلمة التوحيد، كلمة لا إله إلا الله، كلمة تهتز لها الجبال الراسيات .
قال كليم الرحمن موسى عليه السلام: ((يا رب علمني شيئاً أدعوك به وأذكرك به؟ قال المولى تبارك وتعالى: يا موسى قل: لا إله إلا الله، فقال الكليم: يا رب كل عبادك يقولونها، فقال له رافع السماء بلا عمد: يا موسى وعزتي وجلالي، لو أن السماوات السبع ومن فيهن والأراضين ومن فيهن وضعن في كفة، ووضعت لا إله إلا الله في كفة، لمالت بهن لا إله إلا الله))[2].
لما تزوجت سهلة رضي الله عنها بأبي طلحة رزقت منه غلاماً يسمى عمير، ومرض الغلام مرضاً شديداً، وقبل أن يخرج أبوه سعياً وراء لقمة العيش قبّل ابنه وخرج، ولكن الموت رفرف على الغلام وأبوه غائب، ومات الغلام، فماذا فعلت أمه السيدة سهلة رضي الله عنها، هل شقت جيبها؟ هل لطمت خدها؟ هل دعت بدعوى الجاهلية؟ كل ما قالته: إنا لله وإنا إليه راجعون، لا مفر من لقاء الله.
القبـر باب وكـل النـاس داخلـه يا ليت عمري بعد الباب ما الدار
الـدار دار نعيـم إن عملـت بمـا يرضي الإله وإن خالفـت فالنار
هما محلان ما للمرء غيرهمـــا فانظر لنفسـك أي الدار تختـار
مال للعباد سوى الفردوس إن عملوا وإن حذوا حذوة فالرب غفــار
قامت الصحابة الجليلة رضي الله عنها وغسلت ابنها وكفنته، فقامت وصلت عليه أربع تكبيرات، وحفرت له قبره ودفنته، وعاد زوجها من العمل المتواصل، عاد ليلاً، قامت فهيأت له نفسها وأعدت له طعامه، وأكل ثم سألها كيف حال عمير؟
سؤال عجيب، ولكن الإجابة عنه أشد عجباً، كيف حاله،
فماذا قالت من تربت على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قالت له: يا أبا طلحة، إن عميراً بات الليلة لا يشتكي تعباً، نام نوماً هادئاً
كيف حال عمير؟ فقالت له: لقد نام الليلة نوماً هادئاً لا يشتكي تعباً
العقيدة هي الأساس الأول لتربية النفوس، وهي مركز الدائرة، وهي حجر الزاوية، هي العنصر الفعال، هذه العقيدة ربت النفوس على مراقبة من لا يغفل ولا ينام، نام معها زوجها تلك الليلة وقبل أن يتوجه لصلاة الفجر وراء الرسول صلى الله عليه وسلم قال لها: أين عمير ؟ فإني أريد ان أقبله فكيف تجيب ؟ أتكذب هذه الصحابية ؟ إنهم لا يعرفون الكذب، لقد رباهم الصادق الأمين، ولكنها قالت له: يا أبا طلحة، إني حزينة، قال: ولم؟ ؟ قالت له: لقد أخذت من الجيران شيئاً ثم طلبوه مني فقال لها: أتحزنين إذا أخذوا وديعتهم فقالت له: أتحزن يا أبا طلحة إذا أخذ الله منا وديعته؟
تزود من التقوى فإنك راحل وسارع إلى الخيرات فيمن يسارع
فما المال والأهلون إلا ودائع ولا بد يومـاً أن تـرد الودائـع
وعندئذ لم يسعْ أبا طلحة إلا أن قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، وذهب إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلى وراءه الفجر، وبعد الصلاة عرض عليه ما قالته زوجته، فماذا قال الحبيب صلى الله عليه وسلم ؟ لقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة الرضا لما صنعت سهلة رضي الله عنها ودعا لأبي طلحة دعوة، فتحت لها أبواب السماوات العلا، قال صلى الله عليه وسلم: ((بارك الله لكما في ليلتكما يا أبا طلحة))[4].
أيها المؤمنون، ويقول راوي الحديث: عشت حتى رأيت لأبي طلحة عشرة من الذكور كلهم يحفظون القران الكريم، وليس لكل واحد منهم سيارة أو عمارة أو مال وفير، إنهم يحفظون كتاب الله تبارك وتعالى، هذا شرف، وهذه عزة، وهذه دعوة رسول الله صلى الله علية وسلم لأبي طلحة:
فلو كـان النساء كمن ذكرنـا لفُضِّلت النساء على الرجال
فما التأنيث لاسم الشمس عيب ولا التذكير فخـر للهـلال
عباد الله، توجهوا إلى الله تبارك وتعالى، وآمنوا بالله ورسوله يعطيكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نوراً تمشون به ويغفر لكم، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فيا فوز المستغفرين استغفروا الله
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عند سكرات الموت يمسح وجهه بماء بارد، ويقول: سبحان الله، إن للموت سكرات، اللهم هون علينا سكرات الموت، فكانت السيدة فاطمة تبكي: وا كرباه على كربك يا أبتاه، فكان يقول لها: ((يا فاطمة لا كرب على أبيك بعد اليوم))[3]،
وكان بلال في سكرات الموت فقالت زوجته: وا مصيبتاه، ففتح عينيه وقال لها: قولي: وا فرحتاه، غداً نلقى الأحبة، محمداً وصحبه.
ولما نام خليل الرحمن إبراهيم على فراش الموت وجاءه الملك الموكل بقبض روحه، سأله الخليل زائراً جئت أم قابضاً يا ملك الموت؟ فقال له: بل قابضاً يا خليل الرحمن. فقال له الخليل: يا ملك الموت أرأيت خليلاً يميت خليله؟ فأوحى الله تبارك وتعالى إلى ملك الموت بالإجابة فقال له: يا خليل الرحمن السلام يقرئك السلام، ويقول لك: أرأيت خليلاً يكره لقاء خليله وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق:19].
فاصطلحوا مع الله تبارك وتعالى، وعودوا إلى الله عز وجل، أعلنوها صريحة: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، أصلحوا أحوالكم مع الله عز وجل، ربوا أنفسكم وأولادكم على التربية الإسلامية، وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان