من فضائل التوحيد :
1- قال الله تعالى : {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} .
عن عبدالله بن مسعود قال لما نزلت هذه الآية شق ذلك على المسلمين ، وقالوا أينا لا يظلم نفسه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ليس ذلك ، إنما هو الشرك ، ألم تسمعوا قول لقمان لابنه : {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} . فهذه الآية تبشر المؤمنين الموحدين الذين لم يلبسوا إيمانهم بشرك ، فابتعدوا عنه ، أن لهم الأمن التام من عذاب الله في الآخرة ، وأولئك هم المهتدون في الدنيا .
2- وقال صلى الله عليه وسلم : ( الإيمان بضع وستون شعبة ، فأفضلها قول لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق) .
3- جاء في كتاب (دليـل المسلـم في الاعتقاد والتطهير) لفضيلة الشيخ عبدالله خياط ما يلي : التوحيد يسبب السعادة ويكفر الذنوب ، المرء بحكم بشريته وعدم عصمته قد تنزلق قدمه ، ويقع في معصية الله ، فإذا كان من أهل التوحيد الخالص من شوائب الشرك ، فإن توحيده لله ، وإخلاصه في قول لا إله إلا الله ، يكون أكبر عامل في سعادته وتكفير ذنوبه ومحو سيئاته ، كما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله ، وأن عيسى عبدالله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، والجنة حق ، والنار حق ، أدخل الله الجنة على ما كان من العمل) .
أي أن جملة هذه الشهادات التي يشهدها المسلم بهذه الأصول تستوجب دخوله الجنة دار النعيم ، وإن كان في بعـض أعماله مآخذ وتقصيرات ، كما جاء في الحديث القدسي : قال الله تعالى : ( يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً أتيتك بقرابها مغفرة) .
نواقض لا إله إلا الله :
على المسلم أن يتعلم هذه النواقض حتى لا يقع فيها ، فيخرج من الإسلام الذي أكرمه الله به ، فيموت كافراً ، وأهم هذه النواقض :-
1- دعاء غير الله كدعاء الأنبياء أو الأولياء الأموات أو الأحياء الغائبين لقول الله تعالى : {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ} . - أي المشركين - .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( من مات وهو يدعو من دون الله نداً دخل النار) - الند : المثيل والشريك - .
2- اشمئزاز القلب من توحيد الله ، ونفوره من دعائه والاستغاثة به وحده ، وانشراح القلب عند دعاء الرسل أو الأولياء الأموات أو الأحياء الغائبين ، وطلب المعونة منهم لقوله تعالى عن المشركين : {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} .
( وتنطبق الآية على الذين يحاربون من يستعين بالله وحده ويقولون عنه وهابي ، إذا علموا أن الوهابية تدعو للتوحيد) .
3- الذبح لرسول الله أو ولي لقول الله تعالى : {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} أي أذبح لربك ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( لعن الله من ذبح لغير الله) .
4- النذر لمخلوق على سبيل التقرب والعبادة له ، وهي لله وحده ، قالت امرأة عمران : {إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا} .
5- الطواف حول القبر بنية التقرب والعبادة له ، وهو خاص بالكعبة ، لقول الله تعالى : {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} .
6- الاعتماد والتوكل على غير الله ، لقول الله تعالى : {فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ} .
7- الركوع أو السجود بنية العبادة للملوك أو العظماء الأحياء أو الأموات إلا إن يكون جاهلاً لأن الركوع والسجود عبادة لله وحده .
8- إنكار ركن من أركان الإسلام المعروفة كالصلاة والزكاة والصوم والحج ، أو إنكار ركن من أركان الإيمان : وهي الإيمان بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر ، وبالقدر خيره وشره ، وغير ذلك مما هو معلوم من الدين بالضرورة .
9- كراهية الإسلام ، أو كراهية شئ من تعاليمه في العبادات أو المعاملات ، أو الاقتصاد ، أو الأخلاق لقوله تعالى : {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} .
10- الاستهزاء بشئ من القرآن ، أو الحديث الصحيح ، أو بحكم من أحكام الإسلام ، لقوله تعالى : {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ} .
11- إنكار شئ من القرآن الكريم ، أو الأحاديث الصحيحة مما يوجب الردة عن الدين إذا تعمد ذلك عن علم .
12- شتم الرب أو لعن الدين أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو الاستهزاء بحالة ، أو نقد ما جاء به مما يوجب الكفر .
13- إنكار شئ من أسماء الله ، أو صفاته ، أو أفعاله الثابتة في الكتاب والسنة الصحيحة من غير جهل ولا تأويل .
14- عدم الإيمان بجميع الرسل الذين أرسلهم الله لهداية الناس ، أو انتقاص أحدهم لقوله تعالى : {لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ} .
15- الحكم بغير ما أنزل الله إذا اعتقد عدم صلاحية حكم الإسلام أو أجاز الحكم بغيره لقوله تعالى : {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} .
16- التحاكم لغير الإسلام ، وعدم الرضا بحكم الإسلام أو يرى في نفسه ضيقاً وحرجاً في حكمه لقوله تعالى : {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} .
17- إعطاء غير الله حق التشريع كالديكتاتورية ، أو الديمقراطية ، أو غيرها ممن يسمحون بالتشريع المخالف لشرع الله ، لقوله تعالى : {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} .
18- تحريم ما أحل الله ، أو تحليل ما حرم الله ، كتحليل بعض العلماء الربا غير متأول ، لقوله تعالى : {وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} .
19- الإيمان بالمبادئ الهدامة : كالشيوعية الملحدة ، أو الماسونية اليهودية ، أو الاشتراكية الماركسية ، أو العلمانية الخالية من الدين ، أو القومية التي تفضل غير المسلم العربي على المسلم الأعجمي ، لقوله تعالى : {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} .
20- تبديل الدين والانتقال من الإسلام لغيره لقوله تعالى : {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} .
21- مناصرة اليهود والنصارى والشيوعيين ومعاونتهم على المسلمين لقوله تعالى {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ} .
22- عدم تكفير الشيوعيين المنكرين لوجود الله ، أو اليهود والنصارى الذين لا يؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم ، لأن الله كفرهم فقال : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} .
23- قول بعض الصوفيين بوحدة الوجود : وهو : ما في الكون إلا الله، حتى قال زعيمهم :
وما الكلب والخنزير إلا إلهنا وما الله إلا راهب في كنسية
وقال زعيمهم الحلاج : ( أنا هو ، وهو أنا) فحكم العلماء عليه بالقتل فأعدم .
24- القول بانفصال الدين عن لدولة ، وأنه ليس في الإسلام سياسة لأنه تكذيب للقرآن والحديث والسيرة النبوية .
25- قول بعض الصوفية : إن الله سلم مقاليد الأمور لبعض الأولياء من الأقطاب ، وهذا شرك في أفعال الرب سبحانه يخالف قوله تعالى :{لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} .
إن هذه المبطلات أشبه بنواقض الوضوء ، فإذا فعل المسلم واحداً منها ن فليجدد إسلامه ، وليترك المبطل وليتوب إلى الله قبل أن يموت فيحبط عمله ، ويخلد في نار جهنم ، قال الله تعالى : {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} .
وعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقول : ( اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئاً نعلمه ، ونستغفرك لما لا نعلم) .
وحدة الوجود في الظلال :
1- كنت مولعاً بظلال القرآن لمؤلفه (سيد قطب) ولما قرأته وجدت وحدة الوجود في تفسير أول سورة الحديد وسورة الإخلاص ، وغيرها من الأخطاء التي تتنافى مع عقيدة الإسلام كقوله عن تفسير الاستواء الوارد في عدة آيات : كناية عن السيطرة والهيمنة ، وهذا مخالف للتفسير الوارد في البخاري عن مجاهد وأبي العالية : في قوله تعالى : {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ} ، قال مجاهد وأبو العالية : علا وارتفع .
2- ذكرت ذلك لأخيه (محمد قطب) وقلت له : علق على كلام أخيك في الظلال ، فقال لي : أخي يتحمل مسئولية كلامه .
وبعد سنتين طلبت مني إحدى دور النشر نشر كتابي الجديد : ( شهادة لا إله إلا الله محمد رسول الله) . فذكرت فيه من نواقض الشهادتين : وحدة الوجود عند الصوفية وقرأت في كتاب ( لا إله إلا الله عقيدة وشريعة ومنهج حياة) لمؤلفه (محمد قطب) ذكر فيه نواقض لا إله إلا الله ، ولم يذكر وحدة الوجود ، فاتصلت به هاتفياً ، قلت له : أنت مشرف على طبعة الشروق (في ظلال القرآن) أنا أطالبك بالتعليق في الحاشية امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم القائل : ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) . وأنت تستطيع أن تُغير بلسانك وقلمك ، فقال لي : شكر الله سعيك ، فشكرته على ذلك ، وطلبت منه نسخة فيها تعليقه على وحدة الوجود فسكت ، وأسأل الله أن يوفقه لذلك .
3- قمت بزيارة لأحد العلماء البارزين وعنده أحد مدرسي العقيدة الإسلامية ، وذكرت له وحدة الوجود في الظلال ، فاستغرب ذلك ، وأحضر كتاب الظلال من مكتبته وبدأ يقرأ فيه من أول تفسير سورة الحديد ، حتى وصل إلى قوله : ولقد أخذ المتصوفة بهذه الحقيقـة الأساسية الكبرى وهاموا فيها وبها ، وسلكوا إليها مسالك شتى ، بعضهم قال : إنه يرى الله في كل شئ في الوجود ، وبعضهم قال : أنه رأى الله من وراء كل شئ فـي الوجود ، وبعضهم قال : أنه رأى الله فلم ير غيره في الوجود ، وبعضهم قال : إنه رأى الله فلم ير غيره في الوجود .
وكلها أقوال تشير إلى الحقيقة إذا تجاوزنا عن ظاهر الألفاظ القاصرة في هذا المجال ، إلا أن ما يؤخذ عليهم على وجه الاجمال هو أنهم أهملوا الحياة بهذا التصور ، والإسلام في توازنه المطلق يريد من القلب البشري أن يدرك هذه الحقيقة ويعيش بها ولها .
فأنكر العلماء الموجودون هذه الوحدة ، ووافقوا على أن يُعلق (محمد قطب) عليها .
4- ولسيد قطب - يرحمه الله - كلام في كتبه يخالف وحدة الوجود لكنه لم يُصرح بالرجوع عنها ، وله كتابات جيدة ، ولكنه ليس بمعصوم لأنه بشر يخطئ ، فالواجب بيان هذه الأخطاء نصيحة للقراء وفي هذا الحديث ( الدين النصيحة) .
5- وهناك أخطاء كثيرة في ظلال القرآن جمعها الشيخ عبدالله الدويش في كتابه (المورد الزلال في التنبيه عن أخطاء الظلال) وكتاب (أضواء إسلامية على عقيدة سيد قطب وأفكاره) للشيخ ربيع بن هادي فليرجع إليها ، وليت الشيخ محمد قطب أخذ بهذه الأخطاء وعلق عليها في طبعة الشروق لأنه مشرف عليها فهو مسئول أمام الله عنها ، وأسأل الله أن يوفقه في ذلك .
لا تصدق الدجالين :
قال صلى الله عليه وسلم : ( من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) .
يحرم تصديق المنجم والكاهن والعراف والساحر والرمال والمندل وغيرهم ممن يدعى العلم بما في النفس ، أو بالماضي والمستقبل ، لأن ذلك من اختصاص الله وحده كما قال :{وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} ، {قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} .
وما يقع من الدجالين إنما هو التخمين والمصادفة ، وأكثره كذب من الشيطان لا يغتر به إلا ناقص العقل ، ولو كانوا يعلمون الغيب لاستخرجوا الكنوز من الأرض ، ولما أصبحوا فقراء يحتالون على الناس لأكل مالهم بالباطل ، وإن كانوا صادقين فليخبرونا عن أسرار اليهود لإحباطها .
أركان لا إله إلا الله :
لها ركنان : الركن الأول : النفي ، والركن الثاني : الإثبات .
والمراد بالنفي نفي الآلهية عمّا سوى الله تعالى من سائر المخلوقات .
والمراد بالإثبات إثبات الإلهية لله سبحانه فهو الإله الحق وما سواه من الآلهة التي اتخذها المشركون فكلها باطلة .
{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}
قال الإمام ابن القيم : فدلالة لا إله إلا الله على إثبات إلهيته أعظم من دلالة قوله : الله إله ، وهذا لأن قول (الله إله) لا ينفي إلهية ما سواه بخلاف قول : لا إله إلا الله فإنه يقتضي حصر الألوهية لله ونفيها عمّا سواه ، وقد غلط غلطاً فاحشاً من فسر الإله بأنه القادر على الاختراع فقط .
من فوائد لا إله إلا الله :
لهذه الكلمة إذا قيلت صدق واخلاص وعمل بمقتضاها ظاهراً أو باطناً فوائد حميدة على الفرد والجماعة من أهمها :-
1- اجتماع الكلمة التي ينتج عنها حصول القوة للمسلمين والانتصار على عدوهم لأنهم يدينون بدين واحد وعقيدة واحدة كما قال تعالى :{وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ} . وقال تعالى : {وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} .
والاختلاف والتناحر في العقيدة يسبب التفرق والنزاع والتناحر كما قال الله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} .
وقال تعالى : {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} .
فلا يجمع الناس سوى عقيدة الإيمان والتوحيد التي هي مدلول لا إله إلا الله ، واعتبر ذلك بحالة العرب قبل الإسلام وبعده : ( كان العرب في الجاهلية متفرقين فجمعهم الإسلام) .
2- توفر الأمن والطمأنينة في المجتمع الموحد الذي يدين بمقتضى لا إله إلا الله لأن كلاً من أفراده يأخذ ما أحل ويترك ما حرم عليه تفاعلاً مع عقيدته التي تُملى عليه ذلك ، فينكف عن الاعتداء والظلم والعدوان ويحل محل ذلك التعاون والمحبة والموالاة في الله عملاً بقوله تعالى : {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} .
يظهر هذا جلياً في حالة العرب قبل أن يدينوا بهذه الكلمة وبعد ما دانوا بها ، فقد كانوا من قبل أعداء متناحرين يفتخرون بالقتل والنهب والسلب ، فلما دانوا بها أصبحوا إخوة متحابين كما قال الله تعالى : {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ} . وقال تعالى : {وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} .
30 حصول السيادة والاستخلاف في الأرض وصفاء الدين والثبوت أمام تيارات الأفكار والمبادئ المختلفة كما قال تعالى : {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} .
فربط سبحانه حصول هذه المطالب العلية بعبادته وحده لا شريك له الذي هو معنى ومقتضى لا إله إلا الله .
4- حصول الطمأنينة النفسية والاستقرار الذهني لمن قال لا إله إلا الله وعمل بمقتضاها لأنه يعبد رباً واحداً يعرف مراده وما يرضيه فيفعله ويعرف ما يستخطه فيجتنبه بخلاف من يعبد آلهة متعددة كل واحدة منها له مراد غير مراد الاخر ، كما قال تعالى : {أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} .
وقال تعالى : {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} .
قال الإمام ابن القيم رحمه الله : هذا مثل ضربه الله سبحانه للمشرك والموحد ، فالمشرك بمنزلة عبد يملكه جماعة متنازعون مختلفون متشاحنون ، والرجل المتشاكس : السئ الخلق .
فالمشرك لما كان يعبد آلهة شتى شُبه بعبد يملكه جماعة متنافسون في خدمته لا يمكنه أن يبلغ رضاهم أجمعين ، والموحد لما كان يعبد الله وحده فمثله كمثل عبد لرجل واحد قد سلم له وعلم مقاصده وعرف الطريق إلى رضاه فهو في راحة من تشاحن الخلطاء فيه بل هو سالم لمالكه من غير تنازع فيه مع رأفة مالكه ورحمته له وشفقته عليه وإحسانه إليه وتوليه لمصالحه ، فهل يستويان هذان العبدان .
5- حصول السمو والرفعة لأهل لا إله إلا الله في الدنيا والآخرة كما قال تعالى : {حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} ، فدلت الآية على أن التوحـيد علو وارتفاع وأن الشرك هبوط وسفول وسقوط ,
قال العلامة ابن القيم رحمه الله : شبه الإيمان والتوحيد في علوه وسعته وشرفه بالسماء التي هي مصعده ومهبطه ، فمنها هبط إلى الأرض واليها يصعد منها ، وشبه تارك الإيمان والتوحيد بالساقط من السماء إلى أسفل سافلين من حيث التضييق الشديد والآلام المتراكمة والطير التي تخطف أعضاءه وتمزقه كل ممزق بالشياطين التي يرسلها الله تعالى وتؤزره وتزعجه وتقلفه إلى مظان هلاكه ، والريح التي تهوي به في مكان سحيق هو هواه الذي يحمله إلى إلقاء نفسه في أسفل مكان وأبعده عن السماء .
6- عصمة الدم والمال والعرض ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ) .
وقوله ( بحقها) : معناها : أنهم إذا قالوها وامتنعوا من القيام بحقها وهو أداء ما تقتضيه من التوحيد والابتعاد عن الشرك والقيام بأركان الإسلام أنها لا تعصم أموالهم ولا دماءهم بل يُقتلون وتؤخذ أموالهم غنيمة للمسلمين كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه .
هذا ، ولهذه الكلمة آثار عظيمة على الفرد والجماعة في العبادات والمعاملات والآداب والأخلاق .
وبالله التوفيق ،، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .