منتدى الأصدقاء
{وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }يونس25
And God calls to the House of Peace and guides whom He wills to a Straight Path} Younis 25
نحن سعداء للمشاركة في (منتدى الأصدقاء)
We are pleased to join in ( Forum Friends )
يشرفنا تسجيلك
We are honored register you
إدارة المنتدى
Management of Forum

منتدى الأصدقاء
{وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }يونس25
And God calls to the House of Peace and guides whom He wills to a Straight Path} Younis 25
نحن سعداء للمشاركة في (منتدى الأصدقاء)
We are pleased to join in ( Forum Friends )
يشرفنا تسجيلك
We are honored register you
إدارة المنتدى
Management of Forum

منتدى الأصدقاء
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى الأصدقاء
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

( أهلا وسهلا بكم في منتدى الأصدقاء Welcome to the forum Friends >> الرجاء تسجيل الدخول للتعرف على فضائل الأعمال التي يحبها الله Please log in to learn about the virtues of Business loved by God

المواضيع الأخيرة
» تعديل شاشة الكمبيوتر - الوضع الصحيح من المصنع - LG
تفسير سورة العنكبوت محمد متولي الشعراوي يتبع 4 فَآَمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26) I_icon_minitimeالأحد نوفمبر 05, 2017 2:53 pm من طرف abubaker

»  إن كلمة “الله” هي علم على واجب الوجود. --- آية الكرسي
تفسير سورة العنكبوت محمد متولي الشعراوي يتبع 4 فَآَمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26) I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 4:44 am من طرف abubaker

»  إن كلمة “الله” هي علم على واجب الوجود. --- آية الكرسي
تفسير سورة العنكبوت محمد متولي الشعراوي يتبع 4 فَآَمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26) I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 4:44 am من طرف abubaker

»  إن كلمة “الله” هي علم على واجب الوجود -- آية الكرسي -- تابع ----
تفسير سورة العنكبوت محمد متولي الشعراوي يتبع 4 فَآَمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26) I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 4:33 am من طرف abubaker

»  وكلمة (الله) عَلَمٌ على واجب الوجود؛ مَطمورة فيه كُلُّ صفات الكمال؛ / الرعد - ؛ فشاءتْ رحمتُه سبحانه أنْ سَهَّل لنا أن نفتتح أيَّ عمل باسمه الجامع لكل صفات الجمال والكمال (بسم الله الرحمن الرحيم). ولذلك يُسَمُّونه (عَلَمٌ على واجب الوجود).
تفسير سورة العنكبوت محمد متولي الشعراوي يتبع 4 فَآَمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26) I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 4:18 am من طرف abubaker

» أما أسماء الله فحسنى؛ لأنها بلغتْ القمة في الكمال، ولأن الأسماء والصفات التي تنطبق عليها موجودة في الخالق الأعلى سبحانه
تفسير سورة العنكبوت محمد متولي الشعراوي يتبع 4 فَآَمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26) I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 4:06 am من طرف abubaker

» وكلمة(اللهُ) عَلَم على واجب الوجود بكل صفات الكمال له - طه
تفسير سورة العنكبوت محمد متولي الشعراوي يتبع 4 فَآَمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26) I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 3:57 am من طرف abubaker

» فاعمل لوجهه يكْفك كل الأوجه وتريح نفسك أن تتنازعك قوى شتى ومختلفة، ويُغنيك عن كل غنى.
تفسير سورة العنكبوت محمد متولي الشعراوي يتبع 4 فَآَمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26) I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 3:51 am من طرف abubaker

» أتدرون ما هذان الكتابان فريق في الجنة وفريق في السعير
تفسير سورة العنكبوت محمد متولي الشعراوي يتبع 4 فَآَمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26) I_icon_minitimeالثلاثاء يوليو 18, 2017 3:21 pm من طرف abubaker

ازرار التصفُّح
 البوابة
 الرئيسية
 قائمة الاعضاء
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 بحـث
التبادل الاعلاني

 

 تفسير سورة العنكبوت محمد متولي الشعراوي يتبع 4 فَآَمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
abubaker

abubaker


ذكر
عدد المساهمات : 18649
تاريخ التسجيل : 23/12/2010
العمر : 73
الدولـة : jordan

تفسير سورة العنكبوت محمد متولي الشعراوي يتبع 4 فَآَمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26) Empty
مُساهمةموضوع: تفسير سورة العنكبوت محمد متولي الشعراوي يتبع 4 فَآَمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26)   تفسير سورة العنكبوت محمد متولي الشعراوي يتبع 4 فَآَمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26) I_icon_minitimeالأحد يوليو 06, 2014 12:36 pm


فَآَمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26)


أي: أن قوم إبراهيم - عليه السلام - ظلوا على كفرهم، والذي آمن به لوط - عليه السلام - وكان ابن أخيه، وكانوا في العراق، ثم سينتقلون بعد ذلك إلى الشام.
وكلمة { فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ... } [العنكبوت: 26] حين نتتبع كلمة آمن في القرآن الكريم نجد أنها تدور حول الأمن والطمأنينة والراحة والهدوء، لكنها تختلف في المدلولات حسب اختلاف موقعها الإعرابي، فهنا { فَآمَنَ لَهُ... } [العنكبوت: 26] وهل يؤمن لوط لإبراهيم؟ والإيمان كما نقول يؤمن بالله فما دام السياق { فَآمَنَ لَهُ... } [العنكبوت: 26] فلا بُد أن المعنى مختلف، ولا يقصد هنا الإيمان بالله.
ومعنى (آمن) هنا كما في قوله تعالى عن قريش:{ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ }[قريش: 4] فالفعل هنا مُتعدٍّ، فالذي آمن الله، آمن قريشاً من الخوف. وكذلك في قوله تعالى:{ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ... }[يوسف: 64] ومعنى { فَآمَنَ لَهُ... } [العنكبوت: 26] أي: صدقه.
ومنه قوله تعالى:{ وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ }[يوسف: 17] أي: بمصدِّق، أما آمنت بالله: اعتقدت وجوده بصفات الكمال المطلق فيه سبحانه.
ولوط لا يصدق بإبراهيم، إلا إذا كان مؤمناً بإله أرسله، فكأنه آمن بالله ثم صدَّقه فيما جاء به وقصة لوط عليه السلام لها موضع آخر فُصِّلَت فيه، إنما جاء ذكره هنا؛ لأنه حصيلة الصفقة الجدلية والجهادية بين إبراهيم وقومه، فبعد أنْ دعاهم إلى الله ما آمن له إلا لوط ابن أخيه.
وأذكر أن الشيخ موسى - رحمه الله عليه - وكان يُدرس لنا التفسير، وجاءت قصة لوط عليه السلام فقلت له: لماذا ننسب رذيلة قوم لوط إليه فنقول: لوطي. وما جاء لوط إلا ليحارب هذه الرذيلة ويقضي عليها؟
فقال الشيخ: فماذا نقول عنها إذن؟ قلت: إن اللغة العربية واسعة الاشتقاق، فمثلاً عند النسب إلى عبد الأشهل قالوا: أشهلي، ولعبد العزيز قالوا: عبدزي، ولبختنصر قالوا: بختي، والآن نقول في النسب إلى دار العلوم دَرْعمي... إلخ فلماذا لا نتبع هذه الطريقة؟ فنأخذ القاف المفتوحة، والواو الساكنة من قوم، ونأخذ الطاء من لوط، ثم ياء النسب فنقول (قوْطي) ونُجنِّب نبي الله لوطاً عليه السلام أن ننسب إليه ما لا يليق أن يُنسب إليه.
وقد حضرت احتفالاً لتكريم طه حسين، فكان مما قلته في تكريمه: (لك في العلم مبدأ طَحَسْني)؛ لأنه كثيراً ما نجد بين العلماء اسم طه، واسم حسين.
إذن: فقوله تعالى { فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ... } [العنكبوت: 26] جاءت جملة اعتراضية في قصة إبراهيم عليه السلام؛ لأنه المحصلة النهائية لدعوة إبراهيم في قومه؛ لذلك يعود السياق مرة أخرى إلى إبراهيم { وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىا رَبِّي... } [العنكبوت: 26] أي: منصرف عن هذا المكان؛ لأنه غير صالح لاستتباب الدعوة.
ومادة هجر وما يُشتق منها تدلُّ على ترْك شيء إلى شيء آخر، لكن هَجَرَ تعني أن سبب الهَجْر منك وبرغبتك، إنما هاجر فيها مفاعلة مثل شارك وقاتل، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يهجر مكة، إنما هاجر منها إلى المدينة.

وهذا يعني أنه لم يهاجر برغبته، إنما آذاه قومه واضطروه للخروج من بلده، إذن: فلهم دَخْل في الهجرة، وهم طرف ثَانٍ فيها.
لذلك يقول المتنبي:إذَا ترحّلْتَ عَنْ قوْمٍ وقَدْ قَدَرُوا أَلاَّ تُفارِقَهُم فالرَّاحِلُونَ هُمُوومن دقة الأداء القرآني في هذه المسألة أنْ يسمي نقلة رسول الله من مكة إلى المدينة هجرة من الثلاثي، ولا يقول مهاجرة؛ لأنه ساعة يهاجر يكره المكان الذي تركه، لكن هنا قال في الفعل: هاجر. وفي الاسم قال: هجرة ولم يقل مهاجرة.
وسبق أنْ ذكرنا أن هجرة المؤمنين الأولى إلى الحبشة كانت هجرة لدار أمن فحسب، لا دار الإيمان، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما وجَّههم إلى الحبشة بالذات قال: " لأن فيها ملكاً لا يُظْلم عنده أحد ".
وكأنه صلى الله عليه وسلم بُسِطت له خريطة الأرض كلها، فاختار منها هذه البقعة؛ لأنه قد تبيَّن له أنها دار أمن لمن آمن من صحابته، أمّا الهجرة إلى المدينة فكانت هجرة إلى دار إيمان، بدليل ما رأيناه من مواقف الأنصار مع المهاجرين.
وهنا يقول إبراهيم عليه السلام: } إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىا رَبِّي... { [العنكبوت: 26] فالمكان إذن غير مقصود له، إنما وجهة ربي هي المقصودة، وإلا فَلَك أن تقول: كيف تهاجر إلى ربك، وربك في كل مكان هنا وهناك؟
فالمعنى: مهاجر امتثالاً لأمر ربي ومتوجه وجهة هو آمر بها؛ لأنه من الممكن أن تنتقل من مكان إلى مكان بأمر رئيسك مثلاً، وقد كانت لك رغبة في الانتقال إلى هذا المكان فترحب بالموضوع؛ لأنه حقق رغبة في نفسك، فأنت - إذن - لا تذهب لأمر صدر لك، إنما لرغبة عندك.
لذلك جاء في الحديث: " فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومَنْ كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ".
فالمعنى } إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىا رَبِّي... { [العنكبوت: 26] يعني: ليس الانتقال على رغبتي وحَسْب هواي، إنما حسب الوجهة التي يُوجِّهني إليها ربي. وأذكر أنه كان لهذه المسألة واقع في تاريخنا، وكنا جماعة من سبعين رجلاً، وقد صدر منا أمر لا يناسب رئيسنا، فأصدر قراراً بنقلنا جميعاً وشتَّتنا من أماكننا، فذهبنا عند التنفيذ نستعطفه عَلَّه يرجع في قراره، لكنه صمم عليه، وقال: كيف أكون رئيساً ولا أستطيع إنفاذ أمري على المرؤوسين؟
فقال له أحدنا وكان جريئاً: سنذهب إلى حيث شئتَ، لكن اعلموا أنكم لن تذهبوا بنا إلى مكان ليس فيه الله.
وكانت هذه كلمة الحق التي هزَّتْ الرجل، وأعادت إليه صوابه، فالحق له صَوْلة، وفعلاً سارت الأمور كما نريد، وتنازل الرئيس عن قراره.

فمعنى: } مُهَاجِرٌ إِلَىا رَبِّي... { [العنكبوت: 26] أن ربي هو الذي يُوجِّهني، وهو سبحانه في كل مكان. يؤيد ذلك قوله سبحانه:{ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ.. }[البقرة: 115] وكأن الحق سبحانه يقول لنا: اعلموا أنني ما وجَّهتكم في صلاتكم إلى الكعبة إلا لأؤكد هذا المعنى: لأنك تتجه إليها من أي مكان كنت، ومن أية جهة فحيثما توجهتَ فهي قبلتُك.
ثم يقول: } إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ { [العنكبوت: 26] اختار الخليل إبراهيم - عليه السلام - من صفات ربه } الْعَزِيزُ { [العنكبوت: 26] أي: الذي لا يُغلب وهو يَغْلب. وهذه الصفة تناسب ما كان من محاولة إحراقه، وكأنه يقول للقوم: أنا ذاهب إلى حضن مَنْ لا يُغْلب.
و } الْحَكِيمُ { [العنكبوت: 26] أي: في تصرفاته، فلا بُدَّ أنه سبحانه سينقلني إلى مكان يناسب دعوتي، وأناس يستحقون هذه الدعوة بما لديهم من آذان صاغية للحق، وقلوب وأفئدة متشوقة إليه، وتنتظر كلمة الحق التي أعرضتم أنتم عنها.
ثم يقول الحق سبحانه: } وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ... {.

(/3292)


وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآَتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (27)


وجاء وقت الجزاء لينال إبراهيم - عليه السلام - من ربه جزاء صبره على الابتلاء، وثباته على الإيمان، ألم يقُلْ لجبريل لما جاءه يعرض عليه المساعدة وهو في طريقه إلى النار: يا إبراهيم، ألك حاجة؟ فيقول إبراهيم: أما إليك فلا. لذلك يجازيه ربه، ويخرق له النواميس، ويواليه بالنعم والآلاء، حتى مدحه سبحانه بقوله:{ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ... }[النحل: 120].
وكان عليه السلام رجلاً خاملاً في القوم، بدليل قولهم عنه لما حَطّم أصنامهم:{ قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ }[الأنبياء: 60] فهو غير مشهور بينهم، مُهْمَل الذكر، لا يعرفه أحد، فلما والى الله والاه قال: لأجعلنك خليل الله وشيخ المرسلين ولأُجرينَّ ذِكْرك، بعد أنْ كنت مغموراً على كل لسان، وها نحن نذكره عليه السلام في التشهد في كل صلاة.
واقرأ قول إبراهيم في دعائه لربه؛ ليؤكد هذا المعنى:{ وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ }[الشعراء: 84] وكأنه يقول: يا رب إن قومي يستقلونني، فاجعل لي ذِكْراً عندك.
ومعلوم أن للتناسل والتكاثر نواميسَ، فلما أنْ أنجبت السيدة هاجر إسماعيل - عليه السلام - غضبت الحرة سارة: كيف تنجب هاجر وهي الأَمَة وتتميز عليها، لكن كيف السبيل إلى الإنجاب وسِنُّها تسعون سنة، وسِنّ إبراهيم حينئذٍ مائة؟
قانون الطبيعة ونواميس الخَلْق تقول لا إنجاب في هذه السن، لكن سأخرق لك القانون، وأجعلك تُنجب هبة من عندي { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ... } [العنكبوت: 27] ثم { وَيَعْقُوبَ... } [العنكبوت: 27].
وفي آية أخرى قال:{ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً... }[الأنبياء: 72].
أي: زيادة، لأنه صبر على ذَبْح إسماعيل، فقال له ربه: ارفع يدك فقد أديتَ ما عليك، ونجحت في الامتحان، فسوف أفديه لك، بل وأهبك أخاً له، وسأعطيك من ذريته يعقوب.
وسأجعلهم فَضْلاً عن ذلك رسلاً { وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ... } [العنكبوت: 27] لذلك حين نستقريء موكب الأنبياء نجد جمهرتهم من ذرية إبراهيم عليه السلام كل من جاء بعده من ذريته.
والذرية المذكورة هنا يُرَاد بها إسحق ويعقوب، وهما المُوهبَان من سارة، أمّا إسماعيل فجاء بالقانون العام الطبيعي الذي يشترك فيه إبراهيم وغيره.
وكأن الحق - سبحانه وتعالى - في هذه المسألة يُدلِّل على طلاقة القدرة بأسباب تظهر فيها قدرة المسبِّب، فيقول لإبراهيم: إن كان قومك قد كفروا بك ولم يؤمنوا، فسأهبُكَ ذرية ليست مؤمنة مهدية فحسب، إنما هادية للناس جميعاً.
وإذا كانت ذرية إسحق ويعقوب قد أخذتْ أربعة آلاف سنة من موكب النبوات، فقد جاء من ذرية إسماعيل خاتم الأنبياء وإمام المتقين محمد صلى الله عليه وسلم، وستظل رسالته باقية خالدة إلى يوم القيامة، فالرسل من ذرية إسحق كانوا متفرقين في الأمم، ولهم أزمنة محددة، أما رسالة محمد فعامة للزمان وللمكان، لا معقِّبَ له برسول بعده إلى يوم القيامة.

وقوله تعالى: } وَالْكِتَابَ... { [العنكبوت: 27] أي: الكتب التي نزلتْ على الأنبياء من ذريته، وهي: القرآن والإنجيل والتوراة والزبور.
ثم يقول سبحانه: } وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا... { [العنكبوت: 27] قالوا: إنه كان خامل الذّكْر فنبغ شأنه وعلا ذكْره، وكان فقيراً، فأغناه الله حتى حدَّث المحدِّثون عنه في السِّيَر أنه كان يملك من الماشية ما يسأم الإنسان أنْ يَعدَّها، وكان له من كلاب الحراسة اثنا عشر كلباً.. إلخ وهذا أجره في الدنيا فقط.
} وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ { [العنكبوت: 27] يعني: لن نقول له أذهبت طيباتك في حياتك الدنيا، بل هو في الآخرة من الصالحين، وهذا مُتمنَّى الأنبياء. إذن: فأجْره في الدنيا لم يُنقص من أجره في الآخرة.
لكن، لماذا وصف الله نبيه إبراهيم في الآخرة بأنه من الصالحين؟ قالوا: لأن إبراهيم أُثِر عنه ثلاث كلمات يسميها المتصيِّدون للأخطاء، ثلاث كذبات أو ذنوب: الأولى قوله لملك مصر لما سأله عن سارة قال: أختي، والثانية لما قال لقومه حينما دَعَوْه للخروج معهم لعيدهم: إني سقيم. والثالثة قوله:{ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـاذَا... }[الأنبياء: 63] أي: عندما حطَّم الأصنام.
ويقول هؤلاء المتصيدون: إنها أقوال منافية لعصمة الأنبياء. لكن ما قولكم إنْ كان صاحب الأمر والحكم شهد له بالصلاح في الآخرة؟
ثم إن المتأمل في هذه الأقوال يجدها من قبيل المعاريض التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: " إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب " فقوله عن سارة: إنها أختي، هي فعلاً أخته في الإيمان، وربما لو قال زوجتي لقتله الملك ليتزوجها هو.
أما قوله{ إِنِّي سَقِيمٌ... }[الصافات: 89] فهو اعتذار عن مشهد كافر لا ينبغي للمؤمن حضوره، كما أن السِّقْم يكون للبدن، ويكون للقلب فيحتمل أن يكون قصده سقيم القلب لما يراه من كفر القوم.
وقوله{ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـاذَا... }[الأنبياء: 63] أراد به إظهار الحجة وإقامة الدليل على بطلان عبادة الأصنام، فأراد أنْ يُنطقهم هم بما يريد أن يقوله؛ ليقررهم بأنها أصنام لا تضر ولا تنفع ولا تتحرك.
ثم يقول الحق سبحانه: } وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ... {.

(/3293)


وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (28)


هنا ينتقل السياق من قصة إبراهيم لقصة ابن أخيه لوط، ونلحظ أن القرآن في الكلام عن نوح وإبراهيم ولوط بدأ الحديث بذكره أولاً، وعادة القرآن حينما يتكلم عن الرسل يذكر القوم أولاً، كما قال تعالى:{ وَإِلَىا عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً... }[الأعراف: 65]،{ وَإِلَىا ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً... }[الأعراف: 73]،{ وَإِلَىا مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً... }[الأعراف: 85].
قالوا: لأن قوم نوح، وقوم إبراهيم، وقوم لوط لم يكُنْ لهم اسم معروف، فذكر أنبياءهم أولاً، أمَّا عاد وثمود ومدين فأسماء لأناس معروفين، ولهم قرى معروفة، فالأصل أن القوم هم المقصودون بالرسالة والهداية؛ لذلك يُذكَرون أولاً فهم الأصل في الرسالة، أما الرسول فليستْ الرسالة وظيفة يجعلها الله لواحد من الناس.
{ وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ } [العنكبوت: 28] وسمى خسيسة قومه فاحشة؛ لذلك قال العلماء في عقوبتها: يصير عليها ما يصير على الفاحشة من الجزاء؛ لأن الحق سبحانه سمى الزنا فاحشة فقال{ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً... }[النساء: 22] والزنا شُرِع له الرجم، وكذلك يكون جزاء مَنْ يفعل فِعلْة قوم لوط الرجم.
وقوله: { مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ } [العنكبوت: 28] لا يعني هذا أن أحداُ لم يفعلها قبلهم، لكنها إنْ فُعِلت فهي فردية، ليست وباءً منتشراً كما في هؤلاء.

(/3294)


أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29)


قوله: { أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ... } [العنكبوت: 29] دلالة على انحراف الغريزة الجنسية عندهم، والغريزة الجنسية جعلها الله في الإنسان لبقاء النوع، فالحكمة منها التناسل، والتناسل لا يكون إلا بين ذكر وأنثى، حيث تستقبل الأُنثى الحيوان المنوي الذكَري الذي تحتضنه البويضة الأنثوية، وتعلق في جدار الرحم وتكوّن الجنين؛ لذلك سمَّي الله تعالى المرأة حَرْثاً؛ لأنها مكان الاستنبات، وشَرْط في إتيان المرأة أن يكون في مكان الاستنبات.
لذلك، فالجماعة الذين كانوا ينادون بتشريع للمرأة يسمح للرجل بأن يأتيها كيفما يشاء، احتجوا بقوله تعالى:{ نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىا شِئْتُمْ... }[البقرة: 223].
ونقول لهؤلاء: لقد أخطأتم في فَهْم الآية، فالحَرْث هو الزرع المستنبت من الأرض، فمعنى{ أَنَّىا شِئْتُمْ... }[البقرة: 223] أي: أنهم حرث، إذن: فاحتجاجهم باطل، وبطلانه يأتي من عدم فهمهم لمعنى الحرث، وعليه يكون المعنى ائتوهن على أيِّ وجه من الوجوه شريطة أن يكون في مكان الحَرْث.
ولحكمة ربط الحق سبحانه بقاء النوع بالغريزة الجنسية، وجعل لها لذة ومتَعة تفوق أيَّ لذة أخرى في الحياة، فمثلاً أنت ترى المنظر الجميل فتُسَرُّ به عينك، وتسمع الصوت العَذْب فتسعد به أذنك... إلخ فكل منافذ الإدراك لديك لها أشياء تمتعها.
لكن بأيِّ هذه الحواس تُدْرَك اللذة الجنسية؟ وأيّ ملكة فيك تُسَرُّ منها؟ كلُّ الحواس وكُلُّ الملكات تستمتع بها؛ لذلك لا يستطيع الإنسان مقاومتها، حتى قالوا: إنها اللحظة الوحيدة التي يمكن للإنسان فيها أنْ يغفل عن ربه؛ لذلك أمرنا بعدها بالاغتسال.
ولولا أن الخالق - عز وجل - ربط مسألة بقاء النوع بهذه اللذة لَزهد فيها كثير من الناس، لما لها من تبعات ومسئوليات ومشاكل، لا بُدَّ منها في تربية الأولاد.
وسبق أن ذكرنا الحكمة القائلة: " جَدَع الحلال أنفَ الغيرة " فالرجل يغَار على ابنته مثلاً، ولا يقبل مجرد نظر الغرباء إليها، ويثور إذا تعرَّض لها أحد، فإذا جاءه الشاب يطرق بابه ليخطب ابنته رحَّب به، واستقبله أهل البيت بالزغاريد وعلى الرَّحْب والسعة، فسقوا (الشربات) وأقاموا الزينات، فما الفرق بين الحالين؟ في الأولى كان دمه يغلي، والآن تنزل كلمات الله في عقد القرآن على قلبه بَرْداً وسلاماً.
أما خسيسة قوم لوط { أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ... } [العنكبوت: 29] فهي انحراف عن الطبيعة السَّوية لا بقاءَ فيها للنوع، ومثلها إتيان المرأة في غير مكان الحرث.
وقوله تعالى: { وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ... } [العنكبوت: 29] أي: تقطعون الطريق على بقاء النوع؛ لأن الزنا وإنْ جاء بالولد فإنه لا يُوفر له البقاء الكريم الشريف في المجتمع. فالحق سبحانه جعل لبقاء النوع طريقاً واحداً، فلا تسلك غير هذا الطريق، لا مع رجل ولا مع امرأة.
والسبيل كلمة مطلقة وتعني الطريق، سواء كان الطريق المادي أي: الشارع الذي نمشي فيه أو: المعنوي وهو الطريقة التي نسير عليها، ومنها قوله تعالى:

{ قُلْ هَـاذِهِ سَبِيلِي... }[يوسف: 108] أي: طريقي ومنهجي؛ لذلك السبيل القيمي سبيل واحد، حتى لا نتصادم ولا نتخاصم في حركة الحياة المعنوية، أمّا السبيل المادي فمتعدد حتى لا نتزاحم في حركة الحياة المادية.
والسبيل المادي (الطريق) الذي نسير فيه يُعَدُّ سمة الحضارة في أي أُمة، ونذكر أن هتلر قبل أن يدخل الحرب سنة 1939 جعل كل همِّة في إنشاء شبكة من الطرق؛ لأن حركة الحرب غير العادية تحتاج إلى طرق إضافية أيام الحرب، ومن ذلك مثلاً الطريق الذي يُسمُّونه طريق المعاهدة، أي معاهدة سنة 1936.
إذن: كلما وُجدت حركة زائدة احتاجت إلى طرق إضافية، وهذه الطرق تتناسب والمكان الذي تنشأ فيه، فالطرق في المدن نُسمِّيها شوارع وفي الخلاء نسميها طرقاً تناسب المساحة داخل المباني، ومنها تتفرع الحارات، وهي أقل منها، ومن الحارة تتفرع العَطْفة، وهي أقل من الحارة، وكلما ازدحمتْ البلاد لجأ الناس إلى توسيع نظام الحركة لتيسير مصالح الناس.
كما نرى في القاهرة مثلاً من أنفاق وكَبَارٍ، حتى لا تُعاق الحركة، وحتى نوفر للناس انسيابية فيها.
والأنفاق أنسب للجمال في المدن، والكبارى أجمل في الفضاء، حيث ترى مع ارتفاع الكباري آفاقاً أوسع ومناظر أجمل، أما إنْ حدث عكس ذلك فأُنشئت الكبارى داخل الشوارع فإنها تُقلِّل من جمال المكان وتُحوِّل الشارع إلى أشبه ما يكون بعنابر الورش، كما أنها تؤذي سكان العمارات المجاورة لها.
وعلى الدولة أن تراعي هذه الأمور عند التخطيط، ألم نقرأ قوله تعالى:{ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ }[عبس: 20] لا بُدَّ أن نُيسِّر السبل للسالكين؛ لأن معايش الناس وحركتهم تعتمد على الحركة في هذه الطرق.
فقوله تعالى: } وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ... { [العنكبوت: 29] فكان من قوم لوط قُطَّاع طرق كالذين يخرجون على الناس في أسفارهم وحركتهم، فيأخذون أموالهم وينهبون ما معهم، وإنْ تأبوا عليهم قتلوهم. وبعد أن قطعوا السبيل على الناس قطعوا السبيل على بقاء النوع.
يقول سبحانه في حقهم: } وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ... { [العنكبوت: 29] فكانوا لا يتورعون عن فِعْل القبيح وقوله فيجلسون في الطرقات يستهزئون بالمارة ويؤذونهم كالذين يجلسون الآن على المقاهي ويتسكعون في الطرق ويؤذون خَلْق الله، ويتجاهرون بالقبيح من القول والفعل، فلا يسْلَم من إيذائهم أحد.
لذلك يعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم آداب الطريق، " فيقول لمن سأله: " وما حَقُّ الطريق يا رسول الله؟ قال:غَضُّ البصر، وكَفُّ الأذى، وردُّ السلام ".
وقد انتشر بين قوم لوط سوء الأخلاق، بحيث لا ينهى بعضهم بعضاً، كما قال سبحانه عن اليهود أنهم:{ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ... }[المائدة: 79].
والنادي: مكان تجمُّع القوم، ومنه قوله تعالى:{ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ }[العلق: 17] أي: مكان تجمُّع رؤوس القوم وكبارهم، كما نرى الآن: نادي كذا، ونادي كذا.

والنادي وهو مكان عام يُعَدُّ المرحلة الأخيرة لانضباط السلوك الذي يجب أن يكون في المجتمع، فأنت مثلاً لك حجرة في بيتك خاصة بك، ولك فيها انضباط خاص بنفسك، وكذلك في صالة البيت لك انضباط أوسع، وفي الشارع لك انضباط أوسع.
والانضباط يتناسب مع الواقع الذي تعيشه، فحين تكون مثلاً بين أناس لا يعرفونك لا يكون انضباطك بنفس الدرجة التي تحرص عليها بين مَنْ تعرفهم كالموظف في مكتبه، والطالب في مدرسته.
إذن: فهؤلاء القوم قطعوا السبيل في بقاء النوع، حيث أتوا غير مَأْتيٍّ وانحرفوا عن الفطرة السَّوية، وقطعوا السبيل المادي، فأخافوا الناس وروَّعوهم ونهبوا أموالهم، وأخذوهم من الطرق بغرض هذه الفِعْلة النكراء، ثم كانوا يتبجحون بأفعالهم هذه، ويجاهرون بها في أنديتهم وأماكن تجمعاتهم.
فبماذا أجابه القوم؟
} فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ { [العنكبوت: 29] أي: من الصادقين في أنك مُبلِّغ عن الله، فنحن من العاصين، وأَرِنا العذاب الذي تتوعدنا به، وقولهم } ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ... { [العنكبوت: 29] مع أن العذاب شيء مؤلم، ولا يطلب أحد إيلام نفسه، فهذا دليل على عدم فهمهم لهذا الكلام، وأنهم غير متأكدين من صدقه، وإلا لو وَثِقوا بصدقه ما طلبوا العذاب.
وفي موضع آخر، حكى القرآن عنهم:{ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُواْ آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ }[النمل: 56].
إذن: حدث منهم موقفان وجوابان: الأول } ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ... { [العنكبوت: 29] فلما لم يُجبهم إلى هذا الطلب الأحمق، وظل يتابع دعوته لهم، فلم ييأس منهم لجأوا إلى حيلة أخرى، فقالوا{ أَخْرِجُواْ آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ... }[النمل: 56] والعلة{ إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ }[النمل: 56] لأن الطَهْر في نظر هؤلاء عيب، والاستقامة جريمة، وهذا دليل على فساد عقولهم، وفساد قياسهم في الحكم.
ثم يقول الحق سبحانه: } قَالَ رَبِّ انصُرْنِي... {.

(/3295)


قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (30)


وفَرْق بين الفاسد في ذاته والمفسد لغيره، فيا ليتهم كانوا فاسدين في أنفسهم، إنما كانوا فاسدين مفسدين، يتعدَّى فسادهم إلى غيرهم.

(/3296)


وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (31)


جاء هنا إبراهيم - عليه السلام - في سياق قصة لوط، كما جاء لوط في سياق قصة إبراهيم. ومعنى { رُسُلُنَآ... } [العنكبوت: 31] أي: من الملائكة؛ لأن الله تعالى قال:{ اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ... }[الحج: 75].
وقد جاءت الملائكة لإبراهيم بالبشرى، ولم يذكر مضمون البُشْرى هنا، وهو البشارة بإسحق ويعقوب وذرية صالحة منهما، وجاءته بإنذار بأن الله سيُهلك أهل هذه القرية، وبالبشرى والإنذار يحدث التوازن؛ لأننا نُبشِّر إبراهيم بذرية صالحة مُصْلحة في الكون، ونهلك أهل القرية الذين انحرفوا عن منهج الله.
وتلحظ في الآية أنها لم تذكر العلة في البُشْرى فلم تقل لأنه كان مؤمناً ومجاهداً وعادلاً، إنما ذكرت العلة في إهلاك أهل القرية { أَهْلَهَا كَانُواْ ظَالِمِينَ } [العنكبوت: 31] لماذا؟ لأن المتفضّل لا يمنُّ بفضله على أنه عمل بمقابل، لكن المعذب يبين سبب العذاب.
فماذا كان الانفعال الأوليّ عند إبراهيم - عليه السلام - ساعةَ سمع البُشْرى والإنذار؟ لم يسأل عن البشرى، مع أنه كان متلهفاً عليها، إنما شغلته مسألة إهلاك القرية، وفيها ابن أخيه لوط. لذلك قال: { قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً قَالُواْ... }.

(/3297)


قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (32)


فلم يستشرف إبراهيم للبشرى، واهتم بمسألة إهلاك قرية قوم لوط؛ لأن فيها لوطاً مما يدلُّ على أن الإنسان لا يشغله الخير لنفسه عن الشر لغيره، وهنا ردَّ الملائكة { نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا... } [العنكبوت: 32] فهذه مسألة لا تخفى علينا.
ثم يُطمئنونه على ابن أخيه { لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ... } [العنكبوت: 32] وأهله: تشمل كل الأهل؛ لذلك استثنوا منهم { إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ } [العنكبوت: 32].
والغابرون: جمع غابر، ولها استعمالان في اللغة: نقول: الزمان الغابر أي الماضي، وغابر بمعنى باقٍ أيضاً، فهي إذن تحمل المعنى وضده؛ ذلك لأنهم جاءوا لإهلاك هذه القرية، وامرأة لوط باقية لتهلك معهم، وتذهب مع مَنْ سيذهبون بالإهلاك، فهي إذن باقية في العذاب. فجاءت الكلمة { مِنَ الْغَابِرِينَ } [العنكبوت: 32] لتؤدي هذين المعنيين.
ثم يقول الحق سبحانه: { وَلَمَّآ أَن جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً... }.

(/3298)


وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (33)


شهد إبراهيم هذا الموقف مع لوط، وعلم سبب حضورهم إليه، لكن لماذا سيء بهم، مع أنهم رسل الله ملائكة جاءوه على أحسن صورة؟ قالوا: لأن الملَك يأتي على أجمل صورة، حتى إذا أردنا أن نمدح شخصاً بالجمال نقول: مثل الملاك، ومن ذلك قول النسوة لامرأة العزيز عن يوسف عليه السلام:{ مَا هَـاذَا بَشَراً إِنْ هَـاذَآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ }[يوسف: 31].
فلما رآهم لوط على هذه الصورة خاف عليهم، بدل أنْ يفرح بمرآهم الجميل؛ لأن قومه قوم سوء وأهل رذيلة، ولا بُدَّ أنْ ينالوا ضيوفه بسوء؛ لذلك { سِيءَ بِهِمْ... } [العنكبوت: 33] أي: أصابه السوء بسببهم { وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً... } [العنكبوت: 33] الذرع هو طول الذراعين، فنقول: فلان باعُه طويل. يعني: يتناول الأشياء بسهولة؛ لأن يده طويلة، فالمعنى: ضاق بهم ذَرْعاً. يعني: لم يتسع جهده لحمايتهم من القوم.
ونلحظ هنا اختلاف السياق بين الآيتين:{ وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ... }[العنكبوت: 31] أما في لوط فقال: { وَلَمَّآ أَن جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً... } [العنكبوت: 33] لأنهم تأخروا بعض الشيء عند إبراهيم عليه السلام.
فلما أن أصابه السوء بمرآهم، بدل أنْ يسعد بهم، وخاف عليهم طمأنوه { وَقَالُواْ لاَ تَخَفْ وَلاَ تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرينَ } [العنكبوت: 33] لا تخَفْ علينا من هؤلاء الأراذل، فلسنا بشراً، إنما نحن ملائكة ما جئْنا إلا لنريحك منهم، ونقطع جذور هذه الفِعْلة الخبيثة، وسوف ننجيك وأهلك من العذاب النازل بهم.
ثم يستثنون من أهله { إِلاَّ امْرَأَتَكَ... } [العنكبوت: 33] فكثيراً ما ضايقته، وأفشتْ أسراره، ودلَّتْ القوم على ضيوفه { كَانَتْ مِنَ الْغَابِرينَ } [العنكبوت: 33] الباقين في العذاب.
لكن، ما الطريقة التي ستقضون بها على هؤلاء القوم؟

(/3299)


إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (34)


الرجز: العذاب ينزل عليهم من السماء، والحجارة التي يمطرهم الله بها { بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } [العنكبوت: 34] أي: بسبب فِسْقهم وخروجهم عن منهج الله.

(/3300)


وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آَيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (35)


لأن هذا العذاب استأصلهم، وقضى عليهم، وجعلهم عبرة لكل عاقل متأمل وآية في الكون لكل عابر بها، كما قال سبحانه:{ وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ }[الصافات: 137] إذن: فالعبرة باقية بأهل سَدُوم كلما مر الناس بقُراهم.
لذلك قال الله عنها { آيَةً بَيِّنَةً } [العنكبوت: 35] الآية: الشيء العجيب الذي يدعو للتأمل { بَيِّنَةً... } [العنكبوت: 35] واضحة كدليل باقٍ، وظاهر لا يخفى على أحد { لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } [العنكبوت: 35] يعني: يبحثون ويتأملون بسبب ما حاق بهذه القرى، وما نزل بها من عذاب الله.
ثم يقول الحق سبحانه: { وَإِلَىا مَدْيَنَ أَخَاهُمْ... }.

(/3301)


وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآَخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (36)


مدين: اسم من أسماء أولاد إبراهيم عليه السلام، وسُمِّيت باسمه القبيلة؛ لأنهم كانوا عادة ما يُسمُّون القوم باسم أبرز أشخاصها، فانتقل الاسم من الشخص إلى القبيلة، ثم إلى المكان، بدليل قوله تعالى في موضع آخر:{ وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ... }[القصص: 23] فصارت مدين عَلَماً على البقعة، وقالوا: إنها من الطور إلى الفرات.
هذه برقية موجزة لقصة مدين وأخيهم شعيب، وقد ذُكِرت أيضاً في قصة موسى عليه السلام. وقال { أَخَاهُمْ... } [العنكبوت: 36] ليدلّك أن الله تعالى حين يصطفي للرسالة يصطفي مَنْ له وُدٌّ بالقوم، ولهم معرفة به وبأخلاقه وسيرته، ولهم به تجربة سابقة، فهو عندهم مُصلْح غير مُفْسِد، حتى إذا ما بلَّغهم عن الله صدَّقوه، وكانت له مُقدِّمات تُيسِّر له سبيل الهداية.
وقوله: { فَقَالَ ياقَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ... } [العنكبوت:36] كلمة { ياقَوْمِ... } [العنكبوت: 36]: القوم لا تُقال إلا للرجال؛ لأنهم هم الذين يقومون لمهمات الأمور، ويتحملون المشاق؛ لذلك يقول تعالى:{ ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىا أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىا أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ... }[الحجرات: 11] فأطلق القوم، وهم الرجال في مقابل النساء.
والعبادة: قلنا: طاعة الأمر والنهي { اعْبُدُواْ اللَّهَ... } [العنكبوت: 36] أطيعوه فيما أمر، وانتهوا عما نهى عنه ما دُمْتم قد آمنتم به إلهاً خالقاً، فلا بُدَّ أنْ تسمعوا كلامه فيما ينصحكم به من توجيه بافعل ولا تفعل.
وتعلم أنه سبحانه بصفات الكمال أوجدك وأوجد لك الأشياء، فأنت بعبادتك له لا تضيف إليه صفة جديدة، فهو إله قبل أن توجد أنت، وخالق بكامل القدرة قبل أنْ توجد، وخلق لك الكون قبل أنْ توجد.
ثم بعد ذلك تعصاه وتكفر به، فلا يحرمك خيره، ولا يمنع عنك نعمه. إذن: فهو سبحانه يستحق منك العبادة والطاعة؛ لأن طاعته تعود عليك أنت بالخير.
لذلك سبق أنْ قُلْنَا إن كلمة (العبودية) كلمة مذمومة تشمئز منها النفس، إنْ كانت عبودية للبشر؛ لأن عبودية البشر للبشر يأخذ فيها السيد خير عبده، لكن عبودية البشر لله تعالى يأخذ العبد خير سيده، فالعبودية لله عزٌّ وقوة ومنَعة وللبشر ذٌلٌّ وهوان؛ لذلك نرى كل المصلحين يحاربون العبودية للبشر، ويدعون العبيد إلى التحرر.
فأوَّل شيء أمر به شعيب قومه { اعْبُدُواْ اللَّهَ... } [العنكبوت: 36] كذلك قال إبراهيم لقومه{ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاتَّقُوهُ... }[العنكبوت: 16]، لكن لوطاً عليه السلام لم يأمر قومه بعبادة الله، إنما اهتم بمسألة الفاحشة التي استشرتْ فيهم، مع أن كل الرسل جاءوا للأمر بعبادة الله.
ونقول في هذه المسألة: لم يأمر لوط قومه بعبادة الله؛ لأنه كان من شيعة إبراهيم عليه السلام ومؤمناً بديانته، بدليل قوله تعالى:{ فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ... }[العنكبوت: 26] فهو تابع له؛ لذلك ينفذ التعاليم التي جاء بها إبراهيم، فلم يأمر بالعبادة لأن إبراهيم أمر القوم بها، لكنه تحمَّل مسألة أخرى، وخصَّه الله بمهمة جديدة، هي إخراج قومه من ممارسة الفاحشة التي انتشرت بينهم.

وقوله تعالى: } وَارْجُواْ الْيَوْمَ الأَخِرَ... { [العنكبوت: 36] فلا بُدَّ أن اليوم الآخر لم يكُنْ في بالهم، ولم يحسبوا له حساباً، كأنهم سيفلتون من الله، ولن يرجعوا إليه؛ لذلك يُذكِّرهم بهذا اليوم، ويحثُّهم على العمل من أجله.
وكيف لا نعمل حساباً لليوم الآخر؟ ونحن في الدنيا نعامل أنفسنا بنفس منطق اليوم الآخر؟ فأنت مثلاً تتعب وتشقى في زراعة الأرض، وتتحمل مشاق الحرْث والبَذْر والسقي.. إلخ طوال العام، لكن حين تجمع زرعك يوم الحصاد، ويوم تملأ به مخازنك تنسى أيام التعب والمشقة، وساعتها يندم الكسول الذي قعد عن العمل والسعي، يوم الحصاد سترى أن أردب القمح الذي أخذتَه من المخزن وظننتَ أنه نقص من حسابك قد عاد إليك عشرة أرادبّ، فأخْذُك لم يقلل إنما زاد.
وكذلك اليوم الآخر نفهمه بهذا المنطق، فنتحمل مشاقّ العبادة والطاعات في الدنيا لننال النعيم الباقي في الآخرة؛ لأن نعيم الدنيا مهما كان، يُنغصه عليك أمران: إما أنْ تفوته أنت بالموت، أو يفوتك هو بالفقر.
أما في الآخرة فلا يفوتك نعيمها ولا تفوته. إذن: فالأَوْلى بك أنْ تزرع للآخرة، وأن تعمل لها ألف حساب، فإنْ كان في العبادة مشقة، وللإيمان تَبعات، فانظروا إلى عِظَم الجزاء، وإذا استحضرتَ الثواب على الطاعة هانتْ عليك مشقة الطاعة، وإذا استفظعت العقاب على المعصية، زهدتَ فيها ونأيْتَ عنها.
إذن: الذي يجعل الإنسانَ يتمادى في المعصية أنه لا يستحضر العقاب عليها، ويزهد في الطاعة؛ لأنه لا يستحضر ثوابها.
لذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن " والمعنى: لو استحضر الإيمان ما فعل، إنما غفل عن إيمانه فوقع في المعصية.
ومَن استحضر ثواب الطاعة وجد لها حلاوة في نفسه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة: " أرحنا بها يا بلال ".
وقوله: } وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ { [العنكبوت: 36] العثو: الفساد المستور والفساد يقال للظاهر، فالمعنى: لا تعثَوا في الأرض عثواً، فالمفعول المطلق بمعنى الفعل، فقوله تعالى: } وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ { [العنكبوت: 36] كما نقول: اجلس قعوداً.
والفاء في قوله: } فَقَالَ ياقَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ... { [العنكبوت: 36] تدل على أنها تعطف هذا الكلام على كلام سابق، والتقدير: وأرسلنا إلى مدين أخاهم شعيباً فقال: يا قوم إني رسول الله إليكم، ثم ذكر المطلوب منهم } ياقَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ... { [العنكبوت: 36] والجمع بين عبادة الله ورجاء اليوم الآخر يعني: لا تفصلوا العبادة عن غايتها والثواب عليها، ولا تفصلوا المعصية عن عقابها.

وقوله: } وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ { [العنكبوت: 36] فلا أقول لكم: أصلحوا فلا أقلَّ من أن تتركوا الصالح على صلاحه لا تفسدوه؛ لأن الخالق - عز وجل - أعدَّ لنا الكون على هيئة الصلاح، وعلينا أنْ نُبقيه على صلاحه.
فالنيل مثلاً هبة من هِبَات الخالق، وشُريان للحياة يجري بالماء الزلال، وتذكرون يوم كان الفيضان يأتي بالطمي فترى الماء مثل الطحينة تماماً، وكذا نملأ منه (الزير)، وبعد قليل يترسب الطمي آخذاً معه كل الشوائب، ويبقى الماء صافياً زلالاً. أما الآن فقد أصابه التلوث وفسَد ماؤه بما يُلْقى فيه من مُخلَّفات، وأصبحنا نحن أول مَنْ يعاني آثار هذا التلوث.
لذلك أصبح ساكن المدن مهما توفرت له سُبُل الحضارة لا يرتاح إلا إذا خرج من المدينة إلى أحضان الطبيعة البكْر التي ظلتْ على طبيعتها كما خلقها الله، لا ضوضاء، ولا ملوثات، ولا كهرباء، ولا مدنية.
ثم يقول الحق سبحانه: } فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ... {.

(/3302)


فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (37)

(/3303)

  يتبع 5
==============================================================================================================================================================================================================================
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://abubaker.jordanforum.net
 
تفسير سورة العنكبوت محمد متولي الشعراوي يتبع 4 فَآَمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تفسير سورة العنكبوت محمد متولي الشعراوي يتبع 8 قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا (52)
» تفسير سورة العنكبوت محمد متولي الشعراوي يتبع 2 وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ
»  تفسير سورة العنكبوت محمد متولي الشعراوي يتبع 1
» تفسير سورة العنكبوت محمد متولي الشعراوي يتبع 10 لِيَكْفُرُوا بِمَا آَتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (66)
»  تفسير سورة العنكبوت محمد متولي الشعراوي يتبع 5 فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (37)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الأصدقاء ::  >>> المنتديات الاسلامية <<<
 ::  خواطر الشيخ الشعراوي رحمه الله وأخرى
-
انتقل الى: