منتدى الأصدقاء
{وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }يونس25
And God calls to the House of Peace and guides whom He wills to a Straight Path} Younis 25
نحن سعداء للمشاركة في (منتدى الأصدقاء)
We are pleased to join in ( Forum Friends )
يشرفنا تسجيلك
We are honored register you
إدارة المنتدى
Management of Forum

منتدى الأصدقاء
{وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }يونس25
And God calls to the House of Peace and guides whom He wills to a Straight Path} Younis 25
نحن سعداء للمشاركة في (منتدى الأصدقاء)
We are pleased to join in ( Forum Friends )
يشرفنا تسجيلك
We are honored register you
إدارة المنتدى
Management of Forum

منتدى الأصدقاء
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى الأصدقاء
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

( أهلا وسهلا بكم في منتدى الأصدقاء Welcome to the forum Friends >> الرجاء تسجيل الدخول للتعرف على فضائل الأعمال التي يحبها الله Please log in to learn about the virtues of Business loved by God

المواضيع الأخيرة
» تعديل شاشة الكمبيوتر - الوضع الصحيح من المصنع - LG
تفسير سورة الشعراء - من آية 1 - إلى نهاية الآية 104 I_icon_minitimeالأحد نوفمبر 05, 2017 2:53 pm من طرف abubaker

»  إن كلمة “الله” هي علم على واجب الوجود. --- آية الكرسي
تفسير سورة الشعراء - من آية 1 - إلى نهاية الآية 104 I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 4:44 am من طرف abubaker

»  إن كلمة “الله” هي علم على واجب الوجود. --- آية الكرسي
تفسير سورة الشعراء - من آية 1 - إلى نهاية الآية 104 I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 4:44 am من طرف abubaker

»  إن كلمة “الله” هي علم على واجب الوجود -- آية الكرسي -- تابع ----
تفسير سورة الشعراء - من آية 1 - إلى نهاية الآية 104 I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 4:33 am من طرف abubaker

»  وكلمة (الله) عَلَمٌ على واجب الوجود؛ مَطمورة فيه كُلُّ صفات الكمال؛ / الرعد - ؛ فشاءتْ رحمتُه سبحانه أنْ سَهَّل لنا أن نفتتح أيَّ عمل باسمه الجامع لكل صفات الجمال والكمال (بسم الله الرحمن الرحيم). ولذلك يُسَمُّونه (عَلَمٌ على واجب الوجود).
تفسير سورة الشعراء - من آية 1 - إلى نهاية الآية 104 I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 4:18 am من طرف abubaker

» أما أسماء الله فحسنى؛ لأنها بلغتْ القمة في الكمال، ولأن الأسماء والصفات التي تنطبق عليها موجودة في الخالق الأعلى سبحانه
تفسير سورة الشعراء - من آية 1 - إلى نهاية الآية 104 I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 4:06 am من طرف abubaker

» وكلمة(اللهُ) عَلَم على واجب الوجود بكل صفات الكمال له - طه
تفسير سورة الشعراء - من آية 1 - إلى نهاية الآية 104 I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 3:57 am من طرف abubaker

» فاعمل لوجهه يكْفك كل الأوجه وتريح نفسك أن تتنازعك قوى شتى ومختلفة، ويُغنيك عن كل غنى.
تفسير سورة الشعراء - من آية 1 - إلى نهاية الآية 104 I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 3:51 am من طرف abubaker

» أتدرون ما هذان الكتابان فريق في الجنة وفريق في السعير
تفسير سورة الشعراء - من آية 1 - إلى نهاية الآية 104 I_icon_minitimeالثلاثاء يوليو 18, 2017 3:21 pm من طرف abubaker

ازرار التصفُّح
 البوابة
 الرئيسية
 قائمة الاعضاء
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 بحـث
التبادل الاعلاني

 

 تفسير سورة الشعراء - من آية 1 - إلى نهاية الآية 104

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
abubaker

abubaker


ذكر
عدد المساهمات : 18649
تاريخ التسجيل : 23/12/2010
العمر : 73
الدولـة : jordan

تفسير سورة الشعراء - من آية 1 - إلى نهاية الآية 104 Empty
مُساهمةموضوع: تفسير سورة الشعراء - من آية 1 - إلى نهاية الآية 104   تفسير سورة الشعراء - من آية 1 - إلى نهاية الآية 104 I_icon_minitimeالخميس مارس 14, 2013 1:39 pm

تفسير سورة الشعراء



ووقع في تفسير مالك المروي عنه تسميتها سورة الجامعة

بِسْمِ اللّهِ الرّحْمـَنِ الرّحِيمِ

طسَمَ * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * لَعَلّكَ بَاخِعٌ نّفْسَكَ أَلاّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ * إِن نّشَأْ نُنَزّلْ عَلَيْهِمْ مّنَ السّمَآءِ آيَةً فَظَلّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ * وَمَا يَأْتِيهِم مّن ذِكْرٍ مّنَ الرّحْمَـَنِ مُحْدَثٍ إِلاّ كَانُواْ عَنْهُ مُعْرِضِينَ * فَقَدْ كَذّبُواْ فَسَيَأْتِيهِمْ أَنبَاءُ مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ * أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى الأرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلّ زَوْجٍ كَرِيمٍ * إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مّؤْمِنِينَ * وَإِنّ رَبّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرّحِيمُ

أما الكلام على الحروف المقطعة في أوائل السور فقد تكلمنا عليه في أول تفسير سورة البقرة. وقوله تعالى: {تلك آيات الكتاب المبين} أي هذه آيات القرآن المبين، أي البين الواضح الجلي الذي يفصل بين الحق والباطل، والغي والرشاد. وقوله تعالى: {لعلك باخع} أي مهلك {نفسك} أي مما تحرص وتحزن عليهم {ألا يكونوا مؤمنين} وهذه تسلية من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في عدم إيمان من لم يؤمن به من الكفار، كما قال تعالى: {فلا تذهب نفسك عليهم حسرات} كقوله {فعللك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً} الاَية. قال مجاهد وعكرمة وقتادة وعطية والضحاك والحسن وغيرهم {لعلك باخع نفسك} أي قاتل نفسك. قال الشاعر

ألا أيهذا الباخع الحزن نفسه لشيء نحته عن يديه المقادر

ثم قال تعالى: {إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين} أي لو نشاء لأنزلنا آية تضطرهم إلى الإيمان قهراً، ولكن لا نفعل ذلك لأنا لا نريد من أحد إلا الإيمان الاختياري. وقال تعالى: {ولو شاء ربك لاَمن من في الأرض كلهم جميعاً * أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين}. وقال تعالى: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة} الاَية، فنفذ قدره، ومضت حكمته، وقامت حجته البالغة على خلقه بإرسال الرسل إليهم، وإنزال الكتب عليهم، ثم قال تعالى: {وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين} أي كلما جاءهم كتاب من السماء أعرض عنه أكثر الناس، كما قال تعالى: {وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين} وقال تعالى: {يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون} وقال تعالى: {ثم أرسلنا رسلنا تترى كلما جاء أمة رسولها كذبوه} الاَية، ولهذا قال تعالى ههنا: {فقد كذبوا فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يسهزئون} أي فقد كذبوا بما جاءهم من الحق، فسيعلمون نبأ هذا التكذيب بعد حين {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون} ثم نبه تعالى على عظمة سلطانه وجلالة قدره وشأنه، الذين اجترءوا على مخالفة رسوله وتكذيب كتابه، وهو القاهر العظيم القادر الذي خلق الأرض وأنبت فيها من كل زوج كريم من زروع وثمار وحيوان

قال سفيان الثوري عن رجل عن الشعبي: الناس من نبات الأرض فمن دخل الجنة فهو كريم، ومن دخل النار فهو لئيم {إن في ذلك لاَية} أي دلالة على قدرة الخالق للأشياء الذي بسط الأرض ورفع بناء السماء، ومع هذا ما آمن أكثر الناس بل كذبوا به وبرسله وكتبه، وخالفوا أمره، وارتكبوا نهيه. وقوله {وإن ربك لهو العزيز} أي الذي عز كل شيء وقهره وغلبه {الرحيم} أي بخلقه فلا يعجل على من عصاه بل يؤجله وينظره، ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر. قال أبو العالية وقتادة والربيع بن أنس وابن إسحاق: العزيز في نقمته وانتصاره ممن خالف أمره وعبد غيره. وقال سعيد بن جبير: الرحيم بمن تاب إليه وأناب





وَإِذْ نَادَىَ رَبّكَ مُوسَىَ أَنِ ائْتَ الْقَوْمَ الظّالِمِينَ * قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتّقُونَ * قَالَ رَبّ إِنّيَ أَخَافُ أَن يُكَذّبُونِ * وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلاَ يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَىَ هَارُونَ * وَلَهُمْ عَلَيّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ * قَالَ كَلاّ فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَآ إِنّا مَعَكُمْ مّسْتَمِعُونَ * فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولآ إِنّا رَسُولُ رَبّ الْعَالَمِينَ * أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيَ إِسْرَائِيلَ * قَالَ أَلَمْ نُرَبّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ * وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ * قَالَ فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ الضّالّينَ * فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ * وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنّهَا عَلَيّ أَنْ عَبّدتّ بَنِي إِسْرَائِيلَ



يخبر تعالى عما أمر به عبده ورسوله وكليمه موسى بن عمران عليه السلام حين ناداه من جانب الطور الأيمن، وكلمه وناجاه، وأرسله واصطفاه، وأمره بالذهاب إلى فرعون وملئه، ولهذا قال تعالى: {أن ائت القوم الظالمين قوم فرعون ألا يتقون * قال رب إني أخاف أن يكذبون * ويضيق صدري ولا ينطلق لساني فأرسل إلى هارون * ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون} هذه أعذار سأل الله إزاحتها عنه، كما قال في سورة طه {قال رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري ـ إلى قوله ـ قد أوتيت سؤلك يا موسى}

وقوله تعالى: {ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون} أي بسبب قتل ذلك القبطي الذي كان سبب خروجه من بلاد مصر {قال كلا} أي قال الله له: لا تخف من شيء من ذلك كقوله {سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطاناً ـ أي برهاناً ـ فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون} {فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون} كقوله {إنني معكما سمع وأرى} أي إنني معكما بحفظي وكلاءتي ونصري وتأييدي {فائتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين} كقوله في الاَية الأخرى {إنا رسولا ربك} أي كل منا أرسل إليك {أن أرسل معنا بني إسرائيل} أي أطلقهم من إسارك وقبضتك وقهرك وتعذيبك، فإنهم عباد الله المؤمنون وحزبه المخلصون، وهم معك في العذاب المهين، فلما قال له موسى ذلك أعرض فرعون هنالك بالكلية، ونظر إليه بعين الازدراء والغمص، فقال {ألم نربك فينا وليداً} الاية، أي أما أنت الذي ربيناه فينا وفي بيتنا وعلى فراشنا، وأنعمنا عليه مدة من السنين، ثم بعد هذا قابلت ذلك الإحسان بتلك الفعلة أن قتلت منا رجلاً، وجحدت نعمتنا عليك، ولهذا قال {وأنت من الكافرين} أي الجاحدين. قاله ابن عباس وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، واختاره ابن جرير، {قال فعلتها إذاً} أي في تلك الحال {وأنا من الضالين} أي قبل أن يوحى إلي وينعم الله علي بالرسالة والنبوة

قال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وقتادة والضحاك وغيرهم {وأنا من الضالين} أي الجاهلين. قال ابن جريج: وهو كذلك في قراءة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه {ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكماً وجعلني من المرسلين} الاَية، أي انفصل الحال الأول وجاء أمر آخر، فقد أرسلني الله إليك فإن أطعته سلمت، وإن خالفته عطبت، ثم قال موسى {وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل} أي وما أحسنت إلي وربيتني مقابل ما أسأت إلى بني إسرائيل فجعلتهم عبيداً وخدماً تصرفهم في أعمالك ومشاق رعيتك، أفيفي إحسانك إلى رجل واحد منهم بما أسأت إلى مجموعهم، أي ليس ما ذكرته شيئاً بالنسبة إلى ما فعلت بهم





قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبّ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ مّوقِنِينَ * قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلاَ تَسْتَمِعُونَ * قَالَ رَبّكُمْ وَرَبّ آبَآئِكُمُ الأوّلِينَ * قَالَ إِنّ رَسُولَكُمُ الّذِيَ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ * قَالَ رَبّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ



يقول تعالى مخبراً عن كفر فرعون وتمرده وطغيانه وجحوده في قوله {وما رب العالمين} وذلك أنه كان يقول لقومه {ما علمت لكم من إله غيري} {فاستخف قومه فأطاعوه} وكانوا يجحدون الصانع جل وعلا، ويعتقدون أنه لا رب لهم سوى فرعون فلما قال له موسى: إني رسول رب العالمين. قال له فرعون: ومن هذا الذي تزعم أنه رب العالمين غيري ؟ هكذا فسره علماء السلف وأئمة الخلف، حتى قال السدي: هذه الاَية كقوله تعالى: {قال فمن ربكما يا موسى قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى} ومن زعم من أهل المنطق وغيرهم أن هذا سؤال عن الماهية فقد غلط، فإنه لم يكن مقراً بالصانع حتى يسأل عن الماهية، بل كان جاحداً له بالكلية فيما يظهر، وإن كانت الحجج والبراهين قد قامت عليه، فعند ذلك قال موسى لما سأله عن رب العالمين {قال رب السموات والأرض وما بينهما} أي خالق جميع ذلك ومالكه والمتصرف فيه، وإلهه لا شريك له، هو الذي خلق الأشياء كلها، العالم العلوي وما فيه من الكواكب الثوابت والسيارات النيرات، والعالم السفلي وما فيه من بحار وقفار وجبال وأشجار وحيوانات ونبات وثمار، وما بين ذلك من الهواء والطير، وما يحتوي عليه الجو، الجميع عبيد له خاضعون ذليلون {إن كنتم موقنين} أي إن كانت لكم قلوب موقنة وأبصار نافذة، فعند ذلك التفت فرعون إلى من حوله من ملئه ورؤساء دولته قائلاً لهم على سبيل التهكم والاستهزاء والتكذيب لموسى فيما قاله {ألا تستمعون ؟} أي ألا تعجبون مما يقول هذا في زعمه أن لكم إلهاً غيري ؟ فقال لهم موسى {ربكم ورب آبائكم الأولين} أي خالقكم وخالق آبائكم الأولين، الذين كانوا قبل فرعون وزمانه. {قال} أي فرعون لقومه {إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون} أي ليس له عقل في دعواه أن ثم رباً غيري. {قال} أي موسى لأولئك الذين أوعز إليهم فرعون ما أوعز من الشبهة، فأجاب موسى بقوله {رب المشرق والمغرب ومابينهما إن كنتم تعقلون} أي هو الذي جعل المشرق مشرقاً تطلع منه الكواكب، والمغرب مغرباً تغرب فيه الكواكب: ثوابتها وسياراتها، مع هذا النظام الذي سخرها فيه وقدرها، فإن كان هذا الذي يزعم أنه ربكم وإلهكم صادقاً، فليعكس الأمر وليجعل المشرق مغرباً والمغرب مشرقاً، كما قال تعالى عن {الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فائت بها من المغرب} الاَية. ولهذا لما غلب فرعون وانقطعت حجته، عدل إلى استعمال جاهه وقوته وسلطانه، واعتقد أن ذلك نافع له ونافذ في موسى عليه السلام، فقال ما أخبر الله تعالى عنه





قَالَ لَئِنِ اتّخَذْتَ إِلَـَهَاً غَيْرِي لأجْعَلَنّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيءٍ مّبِينٍ * قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصّادِقِينَ * فَأَلْقَىَ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مّبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنّاظِرِينَ * قَالَ لِلْمَلإِ حَوْلَهُ إِنّ هَـَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ * قَالُوَاْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُلّ سَحّارٍ عَلِيمٍ



لما قامت الحجة على فرعون بالبيان والعقل، عدل إلى أن يقهر موسى بيده وسلطانه، وظن أنه ليس وراء هذا المقام مقال، فقال {لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين} فعند ذلك قال موسى {أولو جئتك بشيء مبين ؟} أي ببرهان قاطع واضح {قال فأت به إن كنت من الصادقين * فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين} أي ظاهر واضح في غاية الجلاء والوضوح والعظمة، ذات قوائم، وفم كبير، وشكل هائل مزعج {ونزع يده} أي من جبيه {فإذا هي بيضاء للناظرين} أي تتلألأ كقطعة من القمر، فبادر فرعون بشقاوته إلى التكذيب والعناد، فقال للملإ حوله {إن هذا لساحر عليم} أي فاضل بارع في السحر، فروج عليهم فرعون أن هذا من قبيل السحر لا من قبيل المعجزة، ثم هيجهم وحرضهم على مخالفته والكفر به، فقال {يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره} الاَية، أي أراد أن يذهب بقلوب الناس معه بسبب هذا، فيكثر أعوانه وأنصاره وأتباعه، ويغلبكم على دولتكم، فيأخذ البلاد منكم، فأشيروا علي فيه ماذا أصنع به ؟ {قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين * يأتوك بكل سحار عليم} أي أخره وأخاه حتى تجمع له من مدائن مملكتك وأقاليم دولتك كل سحار عليم يقابلونه، ويأتون بنظير ما جاء به، فتغلبه أنت، وتكون لك النصرة والتأييد، فأجابهم إلى ذلك. وكان هذا من تسخير الله تعالى لهم في ذلك ليجتمع الناس في صعيد واحد، وتظهر آيات الله وحججه وبراهينه على الناس في النهار جهرة





فَجُمِعَ السّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مّعْلُومٍ * وَقِيلَ لِلنّاسِ هَلْ أَنتُمْ مّجْتَمِعُونَ * لَعَلّنَا نَتّبِعُ السّحَرَةَ إِن كَانُواْ هُمُ الْغَالِبِينَ * فَلَمّا جَآءَ السّحَرَةُ قَالُواْ لِفِرْعَوْنَ أَإِنّ لَنَا لأجْراً إِن كُنّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنّكُمْ إِذاً لّمِنَ الْمُقَرّبِينَ * قَالَ لَهُمْ مّوسَىَ أَلْقُواْ مَآ أَنتُمْ مّلْقُونَ * فَأَلْقَوْاْ حِبَالَهُمْ وَعِصِيّهُمْ وَقَالُواْ بِعِزّةِ فِرْعَونَ إِنّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ * فَأَلْقَىَ مُوسَىَ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَأُلْقِيَ السّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُواْ آمَنّا بِرَبّ الْعَالَمِينَ * رَبّ مُوسَىَ وَهَارُونَ



ذكر الله تعالى هذه المناظرة الفعلية بين موسى عليه السلام والقبط في سورة الأعراف، وفي سورة طه، وفي هذه السورة، وذلك أن القبط أرادوا أن يطفئوا نور الله بأفواههم، فأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، وهذا شأن الكفر والإيمان ما تواجها وتقابلا إلا غلبه الإيمان {بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون} {وقل جاء الحق وزهق الباطل} الاَية، ولهذا لما جاء السحرة وقد جمعوهم من أقاليم بلاد مصر، وكانوا إذ ذاك من أسحر الناس وأصنعهم وأشدهم تخييلاً في ذلك، وكان السحرة جمعاً كثيراً وجماً غفيراً، قيل: كانوا اثني عشر ألفاً، وقيل خمسة عشر ألفاً، وقيل سبعة عشر ألفاً، وقيل تسعة عشر ألفاً، وقيل بضعة وثلاثين ألفاً، وقيل ثمانين ألفاً، وقيل غير ذلك، والله أعلم بعدتهم. قال ابن إسحاق: وكان أمرهم راجعاً إلى أربعة منهم وهم رؤساؤهم، وهم: سابور، وعاذور، وحطحط، ويصفى، واجتهد الناس في الاجتماع ذلك اليوم، وقال قائلهم {لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين} ولم يقولوا نتبع الحق سواء كان من السحرة أو من موسى، بل الرعية على دين ملكهم {فلما جاء السحرة} أي إلى مجلس فرعون، وقد ضربوا له وطاقاً، وجمع خدمه وحشمه ووزراءه ورؤساء دولته وجنود مملكته، فقام السحرة بين يدي فرعون يطلبون منه الإحسان إليهم والتقرب إليه إن غلبوا، أي هذا الذي جمعتنا من أجله، فقالوا {أئن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين * قال نعم وإنكم إذاً لمن المقربين} أي وأخص مما تطلبون أجعلكم من المقربين عندي وجلسائي، فعادوا إلى مقام المناطرة {قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى * قال بل ألقوا} وقد اختصر هذا ههنا، فقال لهم موسى {ألقوا ما أنتم ملقون * فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون} وهذا كما تقول الجهلة من العوام إذا فعلوا شيئاً هذ بثواب فلان، وقد ذكر الله تعالى في سورة الأعراف أنهم {سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم}. وقال في سورة طه {فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى ـ إلى قوله ـ ولا يفلح الساحر حيث أتى} وقال ههنا {فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون} أي تخطفه وتجمعه من كل بقعة وتبتلعه فلم تدع منه شيئاً. قال الله تعالى: {فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون ـ إلى قوله ـ رب موسى وهارون} فكان هذا أمراً عظيماً جداً، وبرهاناً قاطعاً للعذر، وحجة دامغة، وذلك أن الذي استنصر بهم وطلب منهم أن يغلبوا، غلبوا وخضعوا، وآمنوا بموسى في الساعة الراهنة، سجدوا لله رب العالمين الذي أرسل موسى وهارون بالحق وبالمعجزة الباهرة، فغلب فرعون غلباً لم يشاهد العالم مثله، وكان وقحاً جريئاً، عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، فعدل إلى المكابرة والعناد ودعوى الباطل، فشرع يتهددهم ويتوعدهم ويقول {إنه لكبيركم الذي علمكم السحر} وقال {إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة} الاَية





قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنّهُ لَكَبِيرُكُمُ الّذِي عَلّمَكُمُ السّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لاُقَطّعَنّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مّنْ خِلاَفٍ وَلاُصَلّبَنّكُمْ أَجْمَعِينَ * قَالُواْ لاَ ضَيْرَ إِنّآ إِلَىَ رَبّنَا مُنقَلِبُونَ * إِنّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبّنَا خَطَايَانَآ أَن كُنّآ أَوّلَ الْمُؤْمِنِينَ



تهددهم فلم يقطع ذلك فيهم، وتوعدهم فما زادهم إلا إيماناً وتسليماً، وذلك إنه قد كشف عن قلوبهم حجاب الكفر، وظهر لهم الحق بعلمهم ما جهل قومهم من أن هذا الذي جاء به موسى لا يصدر عن بشر إلا أن يكون الله قد أيده به، وجعله له حجة ودلالة على صدق ما جاء به من ربه، ولهذا لما قال لهم فرعون {آمنتم له قبل أن آذن لكم ؟} أي كان ينبغي أن تستأذنوني فيما فعلتم، ولا تفتاتوا علي في ذلك، فإن أذنت لكم فعلتم، وإن منعتكم امتنعتم فإذني أنا الحاكم المطاع {إنه لكبيركم الذي علمكم السحر} وهذه مكابرة يعلم كل أحد بطلانها، فإنهم لم يجتمعوا بموسى قبل ذلك اليوم، فكيف يكون كبيرهم الذي أفادهم صناعة السحر ؟ هذا لا يقوله عاقل

ثم توعدهم فرعون بقطع الأيدي والأرجل والصلب فقالوا {لا ضير} أي لاحرج، ولا يضرنا ذلك، ولا نبالي به {إنا إلى ربنا منقلبون} أي المرجع إلى الله عز وجل، وهو لا يضيع أجر من أحسن عملاً، ولا يخفى عليه ما فعلت بنا، وسيجزينا على ذلك أتم الجزاء، ولهذا قالوا {إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا} أي ما قارفنا من الذنوب وما أكرهتنا عليه من السحر {أن كنا أول المؤمنين} أي بسبب أنا بادرنا قومنا من القبط إلى الإيمان. فقتلهم كلهم





وَأَوْحَيْنَآ إِلَىَ مُوسَىَ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِيَ إِنّكُم مّتّبِعُونَ * فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ فِي الْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ * إِنّ هَـَؤُلآءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنّهُمْ لَنَا لَغَآئِظُونَ * وَإِنّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ * فَأَخْرَجْنَاهُمْ مّن جَنّاتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِيَ إِسْرَائِيلَ



لما طال مقام موسى عليه السلام ببلاد مصر، وأقام بها حجج الله وبراهينه على فرعون وملئه، وهم مع ذلك يكابرون ويعاندون، لم يبق لهم إلا العذاب والنكال، فأمر الله تعالى موسى عليه السلام أن يخرج ببني إسرائيل ليلاً من مصر، وأن يمضي بهم حيث يؤمر، ففعل موسى عليه السلام ما أمره به ربه عز وجل، خرج بهم بعد ما استعاروا من قوم فرعون حلياً كثيراً، وكان خروجه بهم فيما ذكره غير واحد من المفسرين وقت طلوع القمر، وذكر مجاهد رحمه الله أنه كسف القمر تلك الليلة، فالله أعلم، وأن موسى عليه السلام سأل عن قبر يوسف عليه السلام، فدلته امرأة عجوز من بني إسرائيل عليه، فاحتمل تابوته معهم، ويقال: إنه هو الذي حمله بنفسه عليهما السلام، وكان يوسف عليه السلام قد أوصى بذلك، إذا خرج بنو إسرائيل أن يحملوه معهم

وقد ورد في ذلك حديث رواه ابن أبي حاتم رحمه الله فقال: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان بن صالح، حدثنا ابن فضيل عن يونس بن أبي إسحاق، عن ابن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى قال: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعرابي فأكرمه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «تعاهدنا ؟» فأتاه الأعرابي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما حاجتك ؟» قال: ناقة برحلها وأعنز يحتلبها أهلي، فقال «أعجزت أن تكون مثل عجوز بني إسرائيل ؟» فقال له أصحابه: وما عجوز بني إسرائيل يا رسول الله ؟ قال «إن موسى عليه السلام لما أراد أن يسير ببني إسرائيل أضل الطريق، فقال لبني إسرائيل: ما هذا ؟ فقال له علماء بني إسرائيل: نحن نحدثك أن يوسف عليه السلام لما حضرته الوفاة أخذ علينا موثقاً من الله أن لا نخرج من مصر حتى ننقل تابوته معنا، فقال لهم موسى: فأيكم يدري أين قبر يوسف ؟ قالوا: ما يعلمه إلا عجوز لبني إسرائيل، فأرسل إليها فقال لها: دليني على قبر يوسف، فقالت: والله لا أفعل حتى تعطيني حكمي، فقال لها: وما حكمك ؟ قالت: حكمي أن أكون معك في الجنة، فكأنه ثقل عليه ذلك، فقيل له: أعطها حكمها ـ قال ـ فانطلقت معهم إلى بحيرة ـ مستنقع ماء ـ فقالت لهم: انضبوا هذا الماء، فلما أنضبوه قالت: احفروا، فلما حفروا استخرجوا قبر يوسف، فلما احتملوه إذا الطريق مثل ضوء النهار» وهذا حديث غريب جداً، والأقرب أنه موقوف، والله أعلم، فلما أصبحوا وليس في ناديهم داع ولا مجيب، غاظ ذلك فرعون، واشتد غضبه على بني إسرائيل لما يريد الله به من الدمار، فأرسل سريعاً في بلاده حاشرين، أي من يحشر الجند ويجمعه كالنقباء والحجاب، ونادى فيهم {إن هؤلاء} يعني بني إسرائيل {لشرذمة قليلون} أي لطائفة قليلة {وإنهم لنا لغائظون} أي كل وقت يصل منهم إلينا ما يغيظنا {وإنا لجميع حاذرون} أي نحن كل وقت نحذر من غائلتهم، وإني أريد أن أستأصل شأفتهم، وأبيد خضراءهم، فجوزي في نفسه وجنده بما أراد لهم، قال الله تعالى: {فأخرجناهم من جنات وعيون * وكنوز ومقام كريم} أي فخرجوا من هذا النعيم إلى الجحيم، وتركوا تلك المنازل العالية والبساتين والأنهار والأموال والأرزاق، والملك والجاه الوافر في الدنيا {كذلك وأورثناها بني إسرائيل} كما قال تعالى: {وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها} الاَية، وقال تعالى: {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين} الاَيتين





فَأَتْبَعُوهُم مّشْرِقِينَ * فَلَمّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىَ إِنّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلاّ إِنّ مَعِيَ رَبّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَآ إِلَىَ مُوسَىَ أَنِ اضْرِب بّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلّ فِرْقٍ كَالطّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمّ الاَخَرِينَ * وَأَنجَيْنَا مُوسَىَ وَمَن مّعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمّ أَغْرَقْنَا الاَخَرِينَ * إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مّؤْمِنِينَ * وَإِنّ رَبّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرّحِيمُ



ذكر غير واحد من المفسرين أن فرعون خرج في جحفل عظيم وجمع كبير، هو عبارة عن مملكة الديار المصرية في زمانه، أولي الحل والعقد والدول من الأمراء والوزراء والكبراء والرؤساء والجنود، فأما ما ذكره غير واحد من الإسرائيليات من أنه خرج في ألف ألف وستمائة ألف فارس، منها مائة ألف على خيل دهم، وقال كعب الأحبار: فيهم ثمانمائة ألف حصان أدهم، وفي ذلك نظر، والظاهر أن ذلك من مجازفات بني إسرائيل، والله سبحانه وتعالى أعلم، والذي أخبر به القرآن هو النافع، ولم يعين عدتهم إذ لا فائدة تحته، إلا أنهم خرجوا بأجمعهم {فأتبعوهم مشرقين} أي وصلوا إليهم عند شروق الشمس، وهو طلوعها، {فلما تراءى الجمعان} أي رأى كل من الفريقين صاحبه، فعند ذلك {قال أصحاب موسى إنا لمدركون} وذلك أنهم انتهى بهم السير إلى سيف البحر، وهو بحر القلزم، فصار أمامهم البحر وقد أدركهم فرعون بجنوده، فلهذا قالوا {إنا لمدركون * قال كلا إن معي ربي سيهدين} أي لا يصل إليكم شيء مما تحذرون، فإن الله سبحانه هو الذي أمرني أن أسير ههنا بكم، وهو سبحانه وتعالى لا يخلف الميعاد، وكان هارون عليه السلام في المقدمة، ومعه يوشع بن نون، ومؤمن آل فرعون، وموسى عليه السلام في الساقة، وقد ذكر غير واحد من المفسرين أنهم وقفوا لا يدرون ما يصنعون، وجعل يوشع بن نون أو مؤمن آل فرعون، يقول لموسى عليه السلام: يا نبي الله ههنا أمرك ربك أن تسير ؟ فيقول، نعم، فاقترب فرعون وجنوده ولم يبق إلا القليل، فعند ذلك أمر الله نبيه موسى عليه السلام أن يضرب بعصاه البحر، فضربه وقال: انفلق بإذن الله

وروى ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا صفوان بن صالح، حدثنا الوليد، حدثنا محمد بن حمزة بن محمد بن يوسف عن عبد الله بن سلام أن موسى عليه السلام لما انتهى إلى البحر قال: يا من كان قبل كل شيء، والمكون لكل شيء، والكائن بعد كل شيء، اجعل لنا مخرجاً، فأوحى الله إليه {أن اضرب بعصاك البحر}. وقال قتادة: أوحى الله تلك الليلة إلى البحر أن إذا ضربك موسى بعصاه فاسمع له وأطع، فبات البحر تلك الليلة وله اضطراب، ولا يدري من أي جانب يضربه موسى، فلما انتهى إليه موسى، قال له فتاه يوشع بن نون: يا نبي الله أين أمرك ربك عز وجل ؟ قال: أمرني أن أضرب البحر، قال: فاضربه. وقال محمد بن إسحاق، أوحى الله ـ فيما ذكر لي ـ إلى البحر أن إذا ضربك موسى بعصاه فانفلق له، قال: فبات البحر يضطرب ويضرب بعضه بعضاً فرقاً من الله تعالى، وانتظاراً لما أمره الله، وأوحى الله إلى موسى {أن اضرب بعصاك البحر} فضربه بها، ففيها سلطان الله الذي أعطاه، فانفلق، ذكر غير واحد أنه جاء فكناه، فقال: انفلق عليّ أبا خالد بحول الله

قال الله تعالى: {فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم} أي كالجبل الكبير، قاله ابن مسعود وابن عباس ومحمد بن كعب والضحاك وقتادة وغيرهم. وقال عطاء الخراساني: هو الفج بين الجبلين. وقال ابن عباس صار البحر اثني عشر طريقاً لكل سبط طريق، وزاد السدي: وصار فيه طاقات ينظر بعضهم إلى بعض، وقام الماء على حيلة كالحيطان. وبعث الله الريح إلى قعر البحر فلفحته، فصار يبساً كوجه الأرض، قال الله تعالى: {فاضرب لهم طريقاً في البحر يبساً لا تخاف دركاً ولا تخشى}. وقال في هذه القصة {وأزلفنا ثم الاَخرين} أي هنالك. قال ابن عباس وعطاء الخراساني وقتادة والسدي {وأزلفنا} أي قربنا من البحر فرعون وجنوده، وأدنيناهم إليه {وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ثم أغرقنا الاَخرين} أي أنجينا موسى وبني إسرائيل ومن اتبعهم على دينهم، فلم يهلك منهم احد، وأغرق فرعون وجنوده فلم يبق منهم رجل إلا هلك

وروى ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا شبابة، حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله هو ابن مسعود أن موسى عليه السلام حين أسرى ببني إسرائيل بلغ فرعون ذلك، فأمر بشاة فذبحت، وقال: لا والله لا يفرغ من سلخها حتى يجتمع إليّ ستمائة ألف من القبط، فانطلق موسى حتى انتهى إلى البحر، فقال له: انفرق، فقال له البحر: قد استكبرت يا موسى، وهل انفرقت لأحد من ولد آدم، فأنفرق لك ؟ قال، ومع موسى رجل على حصان له، فقال له ذلك الرجل، أين أمرت يا نبي الله ؟ قال: ما أمرت إلا بهذا الوجه، قال: والله ما كذب ولا كذبت، ثم اقتحم الثانية فسبح ثم خرج، فقال: أين أمرت يا نبي الله ؟ قال: ما أمرت إلا بهذا الوجه. قال: والله ما كذب ولا كذبت، قال: فأوحى الله إلى موسى: أن اضرب بعصاك البحر، فضربه موسى بعصاه، فانفلق، فكان فيه اثنا عشر سبطاً لكل سبط طريق يتراءون، فلما خرج أصحاب موسى، وتتام أصحاب فرعون، التقى البحر عليهم فأغرقهم

وفي رواية إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله قال: فلما خرج آخر أصحاب موسى، وتكامل أصحاب فرعون، انطم عليهم البحر، فمارئي سواد أكثر من يومئذ، وغرق فرعون لعنه الله، ثم قال تعالى: {إن في ذلك لاَية} أي في هذه القصة وما فيها من العجائب والنصر والتأييد لعباد الله المؤمنين، لدلالة وحجة قاطعة وحكمة بالغة {وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم} تقدم تفسيره





وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُواْ نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلّ لَهَا عَاكِفِينَ * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرّونَ * قَالُواْ بَلْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ * قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمُ الأقْدَمُونَ * فَإِنّهُمْ عَدُوّ لِيَ إِلاّ رَبّ الْعَالَمِينَ



هذا إخبار من الله تعالى عن عبده ورسوله وخليله إبراهيم عليه السلام إمام الحنفاء، أمر الله تعالى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم أن يتلوه على أمته ليقتدوا به في الإخلاص والتوكل، وعبادة الله وحده لا شريك له، والتبري من الشرك وأهله، فإن الله تعالى آتى إبراهيم رشده من قبل، أي من صغره إلى كبره، فإنه من وقت نشأ وشب أنكر على قومه عبادة الأصنام مع الله عز وجل {إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون} أي ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ؟ {قالوا نعبد أصناماً فنظل لها عاكفين} أي مقيمين على عبادتها ودعائها {قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون * قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون} يعني اعترفوا بأن أصنامهم لا تفعل شيئاً من ذلك، وإنما رأوا آباءهم كذلك يفعلون، فهم على آثارهم يهرعون، فعند ذلك قال لهم إبراهيم {أفرأيتم ما كنتم تعبدون * أنتم وآباؤكم الأقدمون * فإنهم عدو لي إلا رب العالمين} أي إن كانت هذه الأصنام شيئاً ولها تأثير، فلتخلص إلي بالمساءة، فإني عدو لها لا أبالي بها ولا أفكر فيها، وهذا كما قال تعالى مخبراً عن نوح عليه السلام: {فأجمعوا أمركم وشركاءكم} الاَية، وقال هود عليه السلام {إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعاً ثم لا تنظرون * إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم} وهكذا تبرأ إبراهيم من آلهتهم فقال {وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله} الاَية. وقال تعالى: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم ـ إلى قوله ـ حتى تؤمنوا بالله وحده} وقال تعالى: {وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون * إلا الذي فطرني فإنه سيهدين * وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون} يعني لا إله إلا الله





الّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالّذِي يُمِيتُنِي ثُمّ يُحْيِينِ * وَالّذِيَ أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدّينِ



يعني لا أعبد إلا الذي يفعل هذه الأشياء {الذي خلقني فهو يهدين} أي هو الخالق الذي قدر قدراً، وهدى الخلائق إليه، فكل يجري على ما قدر له، وهو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء {والذي هو يطعمني ويسقين} أي هو خالقي ورازقي بما سخر ويسر من الأسباب السماوية والأرضية، فساق المزن، وأنزل الماء وأحيا به الأرض، وأخرج به من كل الثمرات رزقاً للعباد، وأنزل الماء عذباً زلالا يسقيه مما خلق أنعاماً وأناسي كثيراً

وقوله {وإذا مرضت فهو يشفين} أسند المرض إلى نفسه، وإن كان عن قدر الله وقضائه وخلقه، ولكن أضافه إلى نفسه أدباً، كما قال تعالى آمراً للمصلي أن يقول {اهدنا الصراط المستقيم} إلى آخر السورة، فأسند الإنعام والهداية إلى الله تعالى، والغضب حذف فاعله أدباً، وأسند الضلال إلى العبيد، كما قالت الجن {وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشداً} وكذا قال إبراهيم {وإذا مرضت فهو يشفين} أي إذا وقعت في مرض، فإنه لا يقدر على شفائي أحد غيره بما يقدر من الأسباب الموصلة إليه {والذي يميتني ثم يحيين} أي هو الذي يحيي ويميت لا يقدر على ذلك أحد سواه، فإنه هو الذي يبدىء ويعيد {والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين} أي لا يقدر على غفران الذنوب في الدينا والاَخرة إلا هو، ومن يغفر الذنوب إلا الله، وهو الفعال لما يشاء





رَبّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ * وَاجْعَل لّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الاَخِرِينَ * وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنّةِ النّعِيمِ * وَاغْفِرْ لأبِيَ إِنّهُ كَانَ مِنَ الضّآلّينَ * وَلاَ تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ * إِلاّ مَنْ أَتَى اللّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ



وهذا سؤال من إبراهيم عليه السلام أن يؤتيه ربه حكماً. قال ابن عباس: وهو العلم. وقال عكرمة: هو اللب، وقال مجاهد: هو القرآن. وقال السدي: هو النبوة. وقوله {وألحقني بالصالحين} أي اجعلني مع الصالحين في الدنيا والاَخرة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عند الاحتضار «اللهم في الرفيق الأعلى» قالها ثلاثاً. وفي الحديث في الدعاء «اللهم أحينا مسلمين، وأمتنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مبدلين» وقوله {واجعل لي لسان صدق في الاَخرين} أي واجعل لي ذكراً جميلاً بعدي أذكر به ويقتدى بي في الخير، كما قال تعالى: {وتركنا عليه في الاَخرين * سلام على إبراهيم * كذلك نجزي المحسنين}

قال مجاهد وقتادة {واجعل لي لسان صدق في الاَخرين} يعني الثناء الحسن. قال مجاهد: كقوله تعالى {وآتيناه في الدنيا حسنة} الاَية، وكقوله {وآتيناه أجره في الدنيا} الاَية، قال ليث بن أبي سليم: كل ملة تحبه وتتولاه، وكذا قال عكرمة. وقوله تعالى: {واجعلني من ورثة جنة النعيم} أي أنعم عليّ في الدنيا ببقاء الذكر الجميل بعدي، وفي الاَخرة بأن تجعلني من ورثة جنة النعيم. وقوله {واغفر لأبي} الاَية، كقوله {ربنا اغفر لي ولوالدي} وهذا مما رجع عنه إبراهيم عليه السلام، كما قال تعالى: {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه ـ إلى قوله ـ إن إبراهيم لأواه حليم} وقد قطع تعالى الإلحاق في استغفاره لأبيه فقال تعالى: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه ـ إلى قوله ـ وما أملك لك من الله من شيء}

وقوله: {ولا تخزني يوم يبعثون} أي أجرني من الخزي يوم القيامة يوم يبعث الخلائق أولهم وآخرهم. وقال البخاري عند هذه الاَية: قال إبراهيم بن طهمان عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إن إبراهيم رأى أباه يوم القيامة عليه الغبرة والقترة». وفي رواية أخرى: حدثنا إسماعيل، حدثنا أخي عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «يلقى إبراهيم أباه فيقول: يا رب إنك وعدتني أنك لا تخزيني يوم يبعثون، فيقول الله تعالى: إني حرمت الجنة على الكافرين» هكذا رواه عند هذه الاَية. وفي أحاديث الأنبياء بهذا الإسناد بعينه منفرداً به، ولفظه «يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة، وعلى وجه آزر قترة وغبرة، فيقول له إبراهيم: ألم أقل لك لا تعصيني، فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك، فيقول إبراهيم: يا رب إنك وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون، فأي خزي أخزى من أبي الأبعد فيقول الله تعالى: إني حرمت الجنة على الكافرين، ثم يقال: يا إبراهيم انظر تحت رجلك، فينظر، فإذا هو بذيخ متلطخ، فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار» وقال عبد الرحمن النسائي في التفسير من سننه الكبير

وقوله {ولا تخزني يوم يبعثون} أخبرنا أحمد بن حفص بن عبد الله، حدثني أبي، حدثني إبراهيم بن طهمان عن محمد بن عبد الرحمن، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن إبراهيم رأى أباه يوم القيامة عليه الغبرة والقترة، وقال له: قد نهيتك عن هذا فعصيتني، قال: لكني اليوم لا أعصيك واحدة، قال: يا رب وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون، فإن أخزيت أباه فقد أخزيت الأبعد. قال: يا إبراهيم إني حرمتها على الكافرين فأخذ منه. قال: يا إبراهيم أين أبوك ؟ قال: أنت أخذته مني، قال: انظر أسفل منك، فنظر، فإذا ذيخ يتمرغ في نتنه، فأخذ بقوائمه فألقي في النار» وهذا إسناد غريب، وفيه نكارة، والذيخ هو الذكر من الضباع، كأنه حول آزر إلى صورة ذيخ متلطخ بعذرته فيلقى في النار كذلك، وقد رواه البزار بإسناده من حديث حماد بن سلمة عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه غرابة، ورواه أيضاً من حديث قتادة عن جعفر بن عبد الغافر عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه

وقوله {يوم لا ينفع مال ولا بنون} أي لا يقي المرء من عذاب الله ماله ولو افتدى بملء الأرض ذهباً {ولا بنون} أي ولو افتدى بمن على الأرض جميعاً، ولا ينفع يومئذ إلا الإيمان بالله وإخلاص الدين له، والتبري من الشرك وأهله، ولهذا قال {إلا من أتى الله بقلب سليم} أي سالم من الدنس والشرك. قال ابن سيرين: القلب السليم أن يعلم أن الله حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور. وقال ابن عباس {إلا من أتى الله بقلب سليم} حَيِيَ أن يشهد أن لا إله إلا الله. وقال مجاهد والحسن وغيرهما {بقلب سليم} يعني من الشرك. وقال سعيد بن المسيب: القلب السليم هو القلب الصحيح، وهو قلب المؤمن، لأن قلب المنافق مريض، قال الله تعالى: {في قلوبهم مرض}. قال أبو عثمان النيسابوري: هو القلب السالم من البدعة، المطمئن إلى السنة





وَأُزْلِفَتِ الْجَنّةُ لِلْمُتّقِينَ * وَبُرّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ * وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ * مِن دُونِ اللّهِ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ * فَكُبْكِبُواْ فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ * وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ * قَالُواْ وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ * تَاللّهِ إِن كُنّا لَفِي ضَلاَلٍ مّبِينٍ * إِذْ نُسَوّيكُمْ بِرَبّ الْعَالَمِينَ * وَمَآ أَضَلّنَآ إِلاّ الْمُجْرِمُونَ * فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ * وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ * فَلَوْ أَنّ لَنَا كَرّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مّؤْمِنِينَ * وَإِنّ رَبّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرّحِيمُ



{أزلفت الجنة} أي قربت وأدنيت من أهلها مزخرفة مزينة لناظريها، وهم المتقون الذين رغبوا فيها على ما في الدنيا، وعملوا لها في الدنيا {وبرزت الجحيم للغاوين} أي أظهرت وكشف عنها، وبدت منها عنق فزفرت زفرة بلغت منها القلوب الحناجر، وقيل لأهلها تقريعاً وتوبيخاً {أين ما كنتم تعبدون من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون} أي ليست الاَلهة التي عبدتموها من دون الله من تلك الأصنام والأنداد تغني عنكم اليوم شيئاً، ولا تدفع عن أنفسها، فإنكم وإياها اليوم حصب جهنم أنتم لها واردون

وقوله {فكبكبوا فيها هم والغاوون} قال مجاهد: يعني فَدُهْوِرُوا فيها. وقال غيره: كبوا فيها، والكاف مكررة، كما يقال صرصر، والمراد أنه ألقى بعضهم على بعض من الكفار وقادتهم الذين دعوهم إلى الشرك {وجنود إبليس أجمعون} أي ألقوا فيها عن آخرهم {قالوا وهم فيها يختصمون تالله إن كنا لفي ضلال مبين * إذ نسويكم برب العالمين} أي يقول الضعفاء للذين استكبروا: إنا كنا لكم تبعاً، فهل أنتم مغنون عنا نصيباً من النار ؟ ويقولون وقد عادوا على أنفسهم بالملامة {تالله إن كنا لفي ضلال مبين * إذ نسويكم برب العالمين} أي نجعل أمركم مطاعاً كما يطاع أمر رب العالمين، وعبدناكم مع رب العالمين {وما أضلنا إلا المجرمون} أي ما دعانا إلى ذلك إلا المجرمون {فما لنا من شافعين} قال بعضهم: يعني من الملائكة كما يقولون {فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل} وكذا قالوا {فما لنا من شافعين * ولا صديق حميم} أي قريب

قال قتادة: يعلمون والله أن الصديق إذا كان صالحاً نفع، وأن الحميم إذا كان صالحاً شفع {فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين} وذلك أنهم يتمنون أن يردوا إلى دار الدنيا ليعملوا بطاعة ربهم فيما يزعمون، والله تعالى يعلم أنهم لو ردّهم إلى دار الدنيا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون، وقد أخبر الله تعالى عن تخاصم أهل النار في سورة (ص) ثم قال تعالى: {إن ذلك لحق تخاصم أهل النار} ثم قال تعالى: {إن في ذلك لاَية وما كان أكثرهم مؤمنين} أي إن في محاجة إبراهيم لقومه وإقامة الحجج عليهم في التوحيد لاَية، أي لدلالة واضحة جلية على أن لا إله إلا الله {وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز
الرحيم}


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://abubaker.jordanforum.net
 
تفسير سورة الشعراء - من آية 1 - إلى نهاية الآية 104
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  تفسير سورة الشعراء - من آية 105- إلى نهاية الآية 212
» تفسير سورة الشعراء - من آية 213 - إلى نهاية الآية 227
» تفسير سورة طه - من آية 36 - إلى نهاية الآية 40
» تفسير سورة سبأ - من آية 1 - إلى نهاية الآية 17
» تفسير سورة طه - من آية 1 - إلى نهاية الآية 35

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الأصدقاء :: هدايات وإرشادات وتوجيهات إسلامية :: تفسير القران الكريم "ابن كثير"-
انتقل الى: