553 - وعن أنس رضي الله عنه قال: ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئا إلا أعطاه ولقد جاءه رجل فأعطاه غنما بين جبلين فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر وإن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا فما يلبث يسيرا حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها رواه مسلم .
554- وعن عمر رضي الله عنه قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قسماً، فقلت: يا رسول الله لغير هؤلاء كانوا أحق به منهم؟ فقال: "إنهم خيروني أن يسألوني بالفحش فأعطيهم، أو يبخلوني، ولست بباخل" . ((رواه مسلم)).
555- وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه أنه قال: بينما هو يسير مع النبي صلى الله عليه وسلم مقفله من حنين، فعلقه الأعراب يسألونه، حتى اضطروه إلى سمرة، فخطفت رداءه، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: “أعطونى ردائى، فلو كان لى عدد هذه العضاة نعماً، لقسمته بينكم، ثم لا تجدونى بخيلاً ولا كذاباً ولا جباناً ((رواه البخاري)).
(((2))).
556-
556 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله عز وجل رواه مسلم . قال المؤلف - رحمه الله تعالى - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا على الإسلام إلا أعطاه لأنه صلى الله عليه وسلم كان أكرم الناس، وكان يبذل ماله فيما يقرب إلى الله سبحانه وتعالى . ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم إذا سأله شخص على الإسلام يعني على التأليف على الإسلام والرغبة فيه إلا أعطاه مهما كان هذا الشيء حتى إنه سأله أعرابي فأعطاه غنما بين جبلين أي أنها غنم كثيرة أعطاه إياها الرسول عليه الصلاة والسلام لما يرجو من الخير لهذا الرجل ولمن وراءه . ولذلك ذهب هذا الرجل إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا، فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر . عليه الصلاة والسلام يعني يعطي عطاء جزيلا عطاء من لا يخشى الفقر، فانظر إلى هذا العطاء كيف أثر في هذا الرجل هذا التأثير العظيم حتى أصبح داعية إلى الإسلام . وهو إنما سأل طمعا كغيره من الأعراب فالأعراب أهل طمع يحبون المال ويسألونه ولكنه لما أعطاه عليه الصلاة والسلام هذا العطاء الجزيل صار داعية إلى الإسلام فقال: يا قوم أسلموا ولم يقل: أسلموا تدخلوا الجنة وتنجوا من النار بل قال: أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر يعني سيعطيكم ويكثر . ولكنهم إذا أسلموا من أجل المال فإنهم لا يلبثون يسيرا إلا ويصير الإسلام أحب شيء إليهم أحب من الدنيا وما فيها ولهذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام يعطي الرجل تأليفا له على الإسلام حتى يسلم وإن كانت نيته للمال إلا أنه إذا دخل في الإسلام وتعلم محاسن الإسلام وقر الإيمان في قلبه . ويؤخذ من هذا الحديث وأمثاله: أنه لا ينبغي لنا أن نبتعد عن أهل الكفر وعن أهل الفسوق وأن ندعهم للشياطين تلعب بهم بل نؤلفهم ونجذبهم إلينا بالمال واللين وحسن الخلق حتى يألفوا الإسلام فها هو الرسول عليه الصلاة والسلام يعطي الكفار يعطيهم حتى من الفيء . بل إن الله جعل لهم حظا من الزكاة نعطيهم لنؤلفهم على الإسلام حتى يدخلوا في دين الله والإنسان قد يسلم للدنيا ولكن إذا ذاق طعم الإسلام رغب فيه حتى يكون أحب شيء إليه . قال بعض أهل العلم: طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله فالأعمال الصالحة لابد أن تربي صاحبها على الإخلاص لله عز وجل والمتابعة للرسول عليه الصلاة والسلام . وإذا كان هذا دأب الإسلام فيمن يعطي على الإسلام ويؤلف فإنه ينبغي لنا أن ننظر إلى هذا نظرة جدية فنعطي من كان كافرا إذا وجدنا فيه قربا من الإسلام ونهاديه ونحسن له الخلق فإذا اهتدي فلئن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم . وهكذا أيضا الفساق هادهم انصحهم باللين وبالتي هي أحسن ولا تقل أنا أبغضهم لله وادعهم إلى الله بغضك إياهم لله لا يمنعك أن تدعوهم إلى الله عز وجل وإن كنت تكرههم فلعلهم يكونون من أحبابك في الله يوما من الأيام . ثم ذكر المؤلف الحديث الآخر أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: ما نقصت صدقة من مال إذا تصدق الإنسان فإن الشيطان يقول له: إذا تصدقت نقص مالك، عندك مائة ريال إذا تصدقت بعشرة لم يكن عندك إلا تسعون إذا نقص المال فلا تتصدق كلما تصدقت ينقص مالك . ولكن من لا ينطق عن الهوى يقول: ما نقصت صدقة من مال قد تنقصه كما لكنها تزيده كيفا وبركة، وربما هذه العشرة يأتي بدلها مائة، كما قال تعالى: وَمَا أَنْفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ أي يجعل لكم خلفا عنه عاجلا وأجرا وثوابا آجلا قال تعالى: { مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ } وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أكرم الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة . الريح المرسلة التي أمرها الله وأرسلها فهي عاصفة سريعة ومع ذلك فالرسول عليه الصلاة والسلام أسرع بالخير في رمضان من هذه الريح المرسلة فينبغي لنا أن نكثر من الصدقة والإحسان وخصوصا في رمضان فنكثر من الصدقات والزكوات وبذل المعروف وإغاثة الملهوف وغير ذلك من أنواع البر والصلة . ويزيد العامة على قوله صلى الله عليه وسلم: ما نقصت صدقة من مال قولهم: بل تزده بل تزده وهذه لا صحة لها فلم تصح عن الرسول عليه الصلاة والسلام، وإنما الذي صح عنه صلى الله عليه وسلم قوله: ما نقصت صدقة من مال . والزيادة التي تحصل بدل الصدقة إما كمية وإما كيفية . مثال الكمية: أن الله تعالى يفتح لك بابا من الرزق ما كان في حسابك . والكيفية أن ينزل الله لك البركة فيما بقي من مالك . ثم قال صلى الله عليه وسلم: وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا إذا جني عليك أحد وظلمك في مالك أو في بدنك أو في أهلك أو في حق من حقوقك فإن النفس شحيحة تأبى إلا أن تنتقم منه، وأن تأخذ بحقك وهذا لك قال تعالى: { فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } وقال تعالى: { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } ولا يلام الإنسان على ذلك لكن إذا هم بالعفو وحدث نفسه بالعفو قالت له نفسه الأمارة بالسوء: إن هذا ذل وضعف كيف تعفو عن شخص جني عليك أو اعتدى عليك ؟ وهنا يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا والعز ضد الذل وما تحدثك به نفسك أنك إذا عفوت فقد ذللت أمام من اعتدى عليك فهذا من خداع النفس الأمارة بالسوء ونهيها عن الخير فإن الله تعالى يثيبك على عفوك هذا عزا ورفعة في الدنيا والآخرة . ثم قال صلى الله عليه وسلم وما تواضع أحد لله إلا رفعه والتواضع من هذا الباب أيضا فبعض الناس تراه متكبرا ويظن أنه إذا تواضع للناس نزل ولكن الأمر بالعكس إذا تواضعت للناس فإنك تتواضع لله أولا ومن تواضع لله يرفعه ويعلي شأنه . وقوله: تواضع لله لها معنيان: المعنى الأول: أن تتواضع لله بالعبادة وتخضع وتنقاد لأمر الله . والمعنى الثاني: أن تتواضع لعباد الله من أجل الله وكلاهما سبب للرفعة سواء تواضعت لله بامتثال أمره واجتناب نهيه وذلك له وعبدته أو تواضعت لعباد الله من أجل الله لا خوفا منهم ولا مداراة لهم، ولا طلبا لمال أو غيره، إنما تتواضع من أجل الله عز وجل فإن الله تعالى يرفعك في الدنيا وفي الآخرة . فهذه الأحاديث كلها تدل على فضل الصدقة والتبرع وبذل المعروف والإحسان إلى الغير وأن ذلك من خلق النبي صلى الله عليه وسلم
الشَّرْحُ
باب النهي عن البخل والشح