(1/114)
56 ـ سئل فضيلة الشيخ ـ حفظه الله تعالى ـ: ما سبب توقف العالم عن الفتوى؟
فأجاب فضيلته بقوله: توقف العالم عن الفتوى إذا كان أهلا للفتوى وعنده علم قد يكون لتعارض الأدلة عنده، وقد يكون لظنه أن هذا المستفتي متلاعب؛ لأن بعض المستفتين لا يستفتي للحق إنما يريد التلاعب والنظر فيما عند هذا العالم، والعالم الثاني، والعالم الثالث وهكذا، فيتوقف العالم أو يعرض عن إجابة هذا السائل الذي يعلم أو يغلب على ظنه أنه متلاعب ؛ لينظر ماذا عند الناس ، أو يريد أن يضرب أقوال الناس بعضها ببعض، وهذا أشد فيذهب ويقول: قال العالم الفلاني كذا، وقال العالم الفلاني كذا، فهذا من أسباب توقف المفتي.
57 ـ سئل فضيلة الشيخ ـ حفظه الله تعالى ـ: هناك من الناس من يفتي بغير علم، ما حكم ذلك؟
فأجاب بقوله: هذا العمل من أخطر الأمور وأعظمها إثمًا، وقد قرن الله سبحانه وتعالى ـ القول عليه بلا علم ، بالشرك به ، فقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33].
وهذا يشمل القول على الله في ذاته أو صفاته أو أفعاله أو شرائعه، فلا يحل لأحد أن يفتي بشيء حتى يعلم أن هذا هو شرع الله -عز وجل- وحتى تكون عنده أداة وملكة يعرف بها ما دلت عليه النصوص من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وحينئذٍ يفتي.
والمفتي معبِّر عن الله عز وجل ومبلِّغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا قال قولا وهو لا يعلم أو لا يغلب على ظنه ـ بعد النظر والاجتهاد والتأمل في الأدلة ـ فإنه يكون قد قال على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم قولا بلا علم ، فيتأهب للعقوبة، فإن الله ـ عز وجل يقول: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ} [العنكبوت: 68].
58 ـ سئل الشيخ وفقه الله تعالى: هل هناك دعاء لحفظ القرآن؟ وما طريقة حفظه ؟
(1/115)
ج: لا أعرف في ذلك دعاء يحفظ به القرآن إلا حديثًا، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم علمه علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه ، وفي صحته نظر1 ، قال عنه ابن كثير رحمه الله تعالى: إنه من البيّن غرابته بل نكارته.
وقال السيد محمد رشيد رضا في التعليق عليه: بل أسلوبه أسلوب الموضوعات لا أسلوب أفصح البشر محمد صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه ولا أسلوب عصرهما. ا. هـ.
وقال الذهبي: هذا الحديث منكر شاذ ، ولكن الطريق إلى حفظه هو: أن يواظب الإنسان على حفظه وللناس في حفظه طريقان:
أحدهما: أن يحفظه آية آية أو آيتين آيتين أو ثلاثًا ثلاثًا حسب طول الآيات وقصرها.
الثاني: أن يحفظه صفحة صفحة.
والناس يختلفون منهم من يفضل أن يحفظه صفحة صفحة يرددها حتى يحفظها ، ومنهم من يفضل أن يحفظ الآية ثم يرددها حتى يحفظها ثم يحفظ آية أخرى كذلك وهكذا حتى يتم.
ثم إنه أيضًا ينبغي سواء حَفِظَ بالطريقة الأولى أو الثانية ألا يتجاوز شيئًا حتى يكون قد أتقنه ؛ لئلا يبني على غير أساس، وينبغي أن يستعيد ما حفظه كل يوم خصوصًا في الصباح، فإذا عرف أنه قد أجاد ما حفظه أخذ درسًا جديدًا.
59 ـ سئل الشيخ: أريد أن أتعلم العلم الشرعي وأبدأ في التعلم ولا أعرف كيف أبدأ، فبماذا تنصحوني في ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: خير منهج لطالب العلم أن يبدأ الطالب بفهم كلام الله عز وجل من كتب
ـــــــ
1 موضوع رواه الترمذي 3570. والحاكم 1/316, 317. وابن الجوزي في الموضوعات 2/138, 139. وقال ابن الجوزي هذا حديث لا يصح وقال الألباني موضوع في الضعيفة 3374.
(1/116)
التفسير الموثوق بها كتفسير ابن كثير والبغوي ، ثم بفهم ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من السنة من الكتب الحديثة الموثوقة كبلوغ المرام والمنتقى وأصول كتب الحديث الملتزمة بالصحيح.
كصحيحي البخاري ومسلم ثم بكتب العقيدة السليمة مثل العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ثم بكتب الفقه المختصرة ليتفقه بها على المذهب الذي يراه أقرب إلى الكتاب والسنة ، وحين يترقى في العلم يقرأ الكتب المطولة ليزداد بها علمًا.
60ـ سئل الشيخ حفظه الله تعالى: هل يجوز للمرء أن يترك عمله ويتفرغ لطلب العلم ، فيكون عالة على أبيه وأخيه؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا شك أن طلب العلم من أفضل الأعمال بل هو من الجهاد في سبيل الله ، ولا سيما في وقتنا هذا حين بدأت البدع تظهر في المجتمع الإسلامي وتنتشر وتكثر ، وبدأ الجهل الكثير ممن يتطلع إلى الإفتاء بغير علم ، وبدأ الجدل من كثير من الناس ، فهذه ثلاثة أمور كلها تحتم على الشباب أن يحرص على طلب العلم:
أولا: بدع بدأت تُظهر شرورها.
ثانيًا: أناس يتطلعون إلى الإفتاء بغير علم.
ثالثًا: جدل كثير في مسائل قد تكون واضحة لأهل العلم لكن يأتي من يجادل فيها بغير علم
فمن أجل ذلك فنحن في ضرورة إلى أهل علم عندهم رسوخ وسعة اطلاع وعندهم أيضًا فقه في دين الله ، وعندهم حكمة في توجيه عباد الله؛ لأن كثيرًا من الناس الآن يحصلون على علم نظري في مسألة من المسائل ولا يهمهم النظر إلى إصلاح الخلق وإلى تربيتهم، وأنهم إذا أفتوا بكذا وكذا صار وسيلة إلى شرٍّ أكبر لا يعلم مداه إلا الله. وهاهم الصحابة رضي الله عنهم أحيانًا يُلْزَمون بأشياء قد تكون النصوص دالة على عدم الإلزام بها من أجل تربية الخلق.
(1/117)
عمر بن الخطاب رضي الله عنه ألزم الناس بإمضاء الطلاق الثلاث، كان الطلاق الثلاث في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وعهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر ، كان الطلاق الثلاث أي في مجلس واحد واحدًا ، لكن هو محرم أي طلاق المرأة ثلاثًا في مجلس واحد حرام لأنه تعدى حدود الله عز وجل قال عمر رضي الله عنه: أرى الناس قد تتايعوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم1.
وجعل الطلاق الثلاث ثلاثًا لا واحدًا بعد أن مضى عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وعهد أبي بكر وسنتان من خلافته رضي الله عنه ألزم الناس بالطلاق الثلاث ، مع أن الإنسان لو راجع زوجته بعد هذا الطلاق لكان رجوعه صحيحًا في العهدين السابقين لعهد عمر وسنتين من خلافته ، لكن رأى أن المصلحة تقتضي إمضاء الطلاق الثلاث ومنع الإنسان من الرجوع إلى زوجته أيضًا عقوبة الخمر في عهد النبي عليه الصلاة والسلام يؤتى بالرجل الشارب فيضرب بطرف الثوب أو بالجريد أو النعال نحوًا من أربعين جلدة ، وفي عهد أبي بكر يجلد أربعين، وفي عهد عمر يجلد أربعين، لكنه لما كثر الشرب جَمَع الصحابة واستشارهم فقال عبد الرحمن بن عوف: أخفّ الحدود ثمانون، فجعل عمر عقوبة شارب الخمر ثمانين جلدة2. كل هذا من أجل إصلاح الخلق ، فينبغي للمسلم أو المفتي والعالم في مثل هذه الأمور أن يراعي أحوال الناس وما يصلحهم.
61ـ وسئل الشيخ: طالب العلم المبتدئ هل يبدأ في طلب العلم بالبحث عن الأدلة أم يقلد في ذلك أئمة أحد المذاهب؟ ما توجيه سماحتكم حفظكم الله تعالى؟
فأجاب فضيلته بقوله: الطالب المبتدئ في العلم يجب عليه البحث عن الدليل بقدر إمكانه؛ لأن المطلوب الوصول إلى الدليل، ولأجل أن يحصل له التمرن على طلب الأدلة وكيفية الاستدلال فيكون سائرًا إلى الله على بصيرة وبرهان، ولا يجوز له التقليد إلا لضرورة كما لو بحث فلم يستطع الوصول إلى نتيجة أو حدثت له حادثة تتطلب
ـــــــ
1 صحيح: رواه مسلم 1472. وأحمد 1/314.
2 متفق عليه: رواه البخاري 6773. ومسلم 1706. وأحمد 3/247.
(1/118)
الفورية ، فلم يتمكن من معرفة الحكم بالدليل قبل فوات الحاجة إليها فله حينئذ أن يقلد بنيه أنه متى تبين له الدليل رجع إليه، وإذا اختلف عليه المفتون، فقيل يخيَّر، وقيل يأخذ بالأيسر ؛ لأنه الموافق لقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185].
وقيل: يأخذ بالأشد ؛ لأنه أحوط وغيره مشتبه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه" 1.
والأرجح أن يأخذ بما يغلب على ظنه أنه أقرب إلى الصواب لكون قائله أعلم وأورع، والله أعلم.
62ـ وسئل فضيلته: ما هي الكتب التي تنصح بها؟ ونرجو توجيه نصيحة للطلاب جزاكم الله خيرًا.
فأجاب فضيلته بقوله: من أحسن ما يطالعه الطلاب من الكتب ، كتب التفسير الموثوقة كتفسير ابن كثير، والشيخ عبد الرحمن السعدي، وكتب الحديث كفتح الباري شرح صحيح البخاري، وسبل السلام بلوغ المرام، ونيل الأوطار شرح منتقى الأخبار ، ورياض الصالحين.
ننصح أبناءنا الطلبة بالحرص على العلم النافع والعمل الصالح والأخلاق الحسنة، وكسب الوقت فيما فيه خيرهم وصلاحهم في دينهم ودنياهم ، وأن يمرِّنوا أنفسهم على فعل الجميل والصبر على الأمور التي فيها مصلحتهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة.
63ـ وسئل حفظه الله تعالى: بماذا تنصح من بدأ في طلب العلم على كبر سنه؟ وإن لم يتيسر له شيخ يأخذ منه ويلازمه فهل ينفعه طلب العلم بلا شيخ؟
فأجاب فضيلته بقوله: نسأل الله تعالى أن يعين من أكرمه الله بالاتجاه إلى طلب العلم، ولكن
ـــــــ
1 متفق عليه: رواه مسلم 1599. وأبو داود 3329. والنسائي 7/241, 242. والترمذي 1205.
(1/119)
العلم في ذاته صعب يحتاج إلى جهد كبير؛ لأننا نعلم أنه كلما تقدمت السن من الإنسان زاد حجمه وقل فهمه ، فهذا الرجل الذي بدأ الآن في طلب العلم ينبغي له أن يختار عالمًا يثق بعلمه ليطلب العلم عليه؛ لأن طلب العلم عن طريق المشايخ أوفر وأقرب وأيسر، فهو أوفر ؛ لأن الشيخ عبارة عن موسوعة علمية، لا سيما الذي عنده علم نافع في النحو والتفسير والحديث والفقه وغيره فبدلا من أن يحتاج إلى قراءة عشرين كتابًا يتيسر تحصيله من الشيخ ، وهو لذلك يكون أقصر زمنًا، وهو أقرب للسلامة كذلك؛ لأنه ربما يعتمد على كتاب ويكون نهج مؤلفه مخالفًا لنهج السلف سواء في الاستدلال أو في الأحكام فننصح هذا الرجل الذي يريد طلب العلم على الكبر أن يلزم شيخًا موثوقًا، ويأخذ منه؛ لأن ذلك أوفر له، ولا ييأس، ولا يقول بلغت من الكبر عتيًّا؛ لأنه بذلك يَحرم نفسه من العلم.
وقد ذُكر أن بعض أهل العلم دخل المسجد يومًا بعد صلاة الظهر فجلس، فقال له أحد الناس: قم فصل ركعتين، فقام فصلى ركعتين ، وذات يوم دخل المسجد بعد صلاة العصر فكبر ليصلي ركعتين فقال له الرجل: لا تصلِّ فهذا وقت نهي، فقال: لا بد أن أطلب العلم، وبدأ في طلب العلم حتى صار إمامًا ، فكان هذا الجهل سببًا لعلمه ، وإذا علم الله منك حسن النية ومنَّ عليك بالتوفيق فقد تجمع من العلم الشيء الكثير.
64 - سئل الشيخ: ما هي الكتب التي تنصح بها المبتدئ في طلب العلم وخاصة في العقيدة
------ يتبع ----
http://madrasato-mohammed.com/outaymin/pg_055_0009.htm