الإيمان باليوم الآخر، وما فيه من حساب وجزاء، وأمور عظيمة وأهوال.
وهو مشتمل على مراحل ومواقف تبدأ بقيام الناس من قبورهم، وحشرهم إلى أرض المحشر، ووقوفهم حفاة عراة غرلا، ثم مجيئهم للأنبياء طلباً للشفاعة، ثم شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الموقف جميعاً لإراحتهم من هول الوقوف وشدته.
ثم الحساب وفيه تطاير الصحف، ونصب الموازين، واتباع الأمم الكافرة ما كانت تعبد في الدنيا، وتساقطهم في النار، وبقاء المؤمنين مع المنافقين، ثم التمييز بينهم بسور باطنه فيه الرحمة، وظاهره من قبله العذاب، ثم المرور على الصراط، ثم وقوف الناجين على قنطرة المظالم للمقاصة فيما بينهم، ثم دخول الجنة.
فقد أخبر الله تعالى عن يوم القيامة وأهواله فقال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ*يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج:1-2]. إلى غير ذلك من الآيات الدالة على شدة الأمر وفظاعته، ولهذا لا غرابة في كون المؤمن الذي بُشر بالجنة في قبره يكون خائفاً وَجِلاً في الموقف، بل الأنبياء والمرسلون الذين هم في ظل الرحمن يوم القيامة، يفزع الناس إليهم ليطلبوا من الله تعالى فصل القضاء، فكل منهم يقول نفسي نفسي.
والمؤمن حين يأخذ كتابه بيمينه لا يعلم مصير سيئاته، وهل ترجح على حسناته أم لا؟ وهل يؤاخذ بها أم لا؟
بل ولو رجحت حسناته فإنه لا يدري، حاله على الصراط، فناج مسلَّم، ومخدوش مرسل، ومكردس في نار جهنم، والنبي صلى الله عليه وسلم قائم على الصراط يقول:رب سلم سلم، حتى تعجز أعمال العباد، حتى يجئ الرجل ولا يستطيع السير إلا زحفا. رواه مسلم ، وفي الصحيحين: يضرب الصراط بين ظهري جهنم فأكون أنا وأمتي أول من يجيزها، ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل، ودعوى الرسل يومئذ اللهم سلم سلم. وإضافة إلى ما ينتظره بعد الصراط من المقاصة بينه وبين إخوانه المؤمنين على قنطرة المظالم، كما في الحديث الذي رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا خلص المؤمنون من النار، حبسوا بقنطرة بين الجنة والنار، فيتقاصون مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا نقوا وهذبوا أذن لهم بدخول الجنة. فوالذي نفس محمد بيده، لأحدهم بمسكنه في الجنة أدل بمنزله كان في الدنيا.
وبهذا يعلم أن الأمر جد عظيم، يفزع منه الناس جميعاً، ولا يأمن العبد على نفسه حتى يدخل جنة الله، فنسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل جنته ورضوانه.
ومما يحسن ذكره في هذا المقام ما قاله الإمام القرطبي -رحمه الله- عن الصراط في كتابه "التذكرة" قال رحمه الله: تفكر الآن فيما يحل بك من الفزع بفؤادك إذا رأيت الصراط ودقته، ثم وقع بصرك على سواد جهنم من تحته،ثم قرع سمعك شهيق النار وتغيظها، وقد كلفت أن تمشي على الصراط، مع ضعف حالك واضطراب قلبك، وتزلزل قدمك، وثقل ظهرك بالأوزار المانعة لك من المشي على بساط الأرض، فضلاً عن حدة الصراط ، فكيف بك إذا وضعت عليه إحدى رجليك، فأحسست بحدته واضطررت إلى أن ترفع قدمك الثاني، والخلائق بين يديك يزلون، ويتعثرون، وتتناولهم زبانية النار بالخطاطيف والكلاليب، وأنت تنظر إليهم كيف ينكسون إلى جهة النار رؤوسهم وتعلو أرجلهم، فيا له من منظر ما أفظعه، ومرتقى ما أصعبه، ومجال ما أضيقه، فاللهم سلم سلم.
مما سبق تعلم أن من نجا من مرحلة معينة من مراحل الحساب لم يدخل الجنة مباشرة، حتى يمر ببقية المراحل، إلا أنه قد ورد النص على أن بعض الناس يُعفى من شيء منها، كأولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب، لكنهم يمرون على الصراط ولابد.
وحاصل ما ذكره العلماء في مراحل يوم القيامة ما يلي: حشر الخلائق جميعاً إلى الموقف العظيم - الشفاعة العظمى - أخذ الكتاب بالأيمان والشمائل - الميزان - الحوض - المرور على الصراط - المرور على قنطرة المظالم - دخول الجنة أو النار.
فإن الكوثر نهر في الجنة أعطاه الله للنبي صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ {الكوثر: 1}.
وفي الحديث: بينما أنا أسير في الجنة إذا أنا بنهر حافتاه قباب الدر المجوف قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربك... رواه البخاري.
وأما الحوض، فإنه خارج الجنة يرده المسلمون قبل دخولهم الجنة، كما هو ظاهر كلام شراح الحديث ويشخب فيه ميزابان من الجنة، كما في حديث مسلم.
قال ابن حجر في الفتح :ظاهر الحديث أن الحوض بجانب الجنة لينصب فيه الماء من النهر الذي داخلها، ثم صرح بعد كلام أن النهر الذي يصب في الحوض من الجنة هو الكوثر، وبمثل ذلك قال ابن أبي العز في شرح الطحاوية.
وبناء عليه، فإن الكوثر غير الحوض الذي يرده المسلمون قبل الجنة، ولكن هذا الحوض يستمد من الكوثر الذي هو داخل الجنة، كما يفيده كلام ابن حجر وابن أبي العز.