منتدى الأصدقاء
{وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }يونس25
And God calls to the House of Peace and guides whom He wills to a Straight Path} Younis 25
نحن سعداء للمشاركة في (منتدى الأصدقاء)
We are pleased to join in ( Forum Friends )
يشرفنا تسجيلك
We are honored register you
إدارة المنتدى
Management of Forum

منتدى الأصدقاء
{وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }يونس25
And God calls to the House of Peace and guides whom He wills to a Straight Path} Younis 25
نحن سعداء للمشاركة في (منتدى الأصدقاء)
We are pleased to join in ( Forum Friends )
يشرفنا تسجيلك
We are honored register you
إدارة المنتدى
Management of Forum

منتدى الأصدقاء
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى الأصدقاء
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

( أهلا وسهلا بكم في منتدى الأصدقاء Welcome to the forum Friends >> الرجاء تسجيل الدخول للتعرف على فضائل الأعمال التي يحبها الله Please log in to learn about the virtues of Business loved by God

المواضيع الأخيرة
» تعديل شاشة الكمبيوتر - الوضع الصحيح من المصنع - LG
آداب عامة  باب استحباب العزلة عند فساد الناس والزمان أو الخوف من فتنة في الدين ووقوع في حرام وشبهات ونحوها   وأخرى من 597 – إلى 612 / تابع --- I_icon_minitimeالأحد نوفمبر 05, 2017 2:53 pm من طرف abubaker

»  إن كلمة “الله” هي علم على واجب الوجود. --- آية الكرسي
آداب عامة  باب استحباب العزلة عند فساد الناس والزمان أو الخوف من فتنة في الدين ووقوع في حرام وشبهات ونحوها   وأخرى من 597 – إلى 612 / تابع --- I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 4:44 am من طرف abubaker

»  إن كلمة “الله” هي علم على واجب الوجود. --- آية الكرسي
آداب عامة  باب استحباب العزلة عند فساد الناس والزمان أو الخوف من فتنة في الدين ووقوع في حرام وشبهات ونحوها   وأخرى من 597 – إلى 612 / تابع --- I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 4:44 am من طرف abubaker

»  إن كلمة “الله” هي علم على واجب الوجود -- آية الكرسي -- تابع ----
آداب عامة  باب استحباب العزلة عند فساد الناس والزمان أو الخوف من فتنة في الدين ووقوع في حرام وشبهات ونحوها   وأخرى من 597 – إلى 612 / تابع --- I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 4:33 am من طرف abubaker

»  وكلمة (الله) عَلَمٌ على واجب الوجود؛ مَطمورة فيه كُلُّ صفات الكمال؛ / الرعد - ؛ فشاءتْ رحمتُه سبحانه أنْ سَهَّل لنا أن نفتتح أيَّ عمل باسمه الجامع لكل صفات الجمال والكمال (بسم الله الرحمن الرحيم). ولذلك يُسَمُّونه (عَلَمٌ على واجب الوجود).
آداب عامة  باب استحباب العزلة عند فساد الناس والزمان أو الخوف من فتنة في الدين ووقوع في حرام وشبهات ونحوها   وأخرى من 597 – إلى 612 / تابع --- I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 4:18 am من طرف abubaker

» أما أسماء الله فحسنى؛ لأنها بلغتْ القمة في الكمال، ولأن الأسماء والصفات التي تنطبق عليها موجودة في الخالق الأعلى سبحانه
آداب عامة  باب استحباب العزلة عند فساد الناس والزمان أو الخوف من فتنة في الدين ووقوع في حرام وشبهات ونحوها   وأخرى من 597 – إلى 612 / تابع --- I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 4:06 am من طرف abubaker

» وكلمة(اللهُ) عَلَم على واجب الوجود بكل صفات الكمال له - طه
آداب عامة  باب استحباب العزلة عند فساد الناس والزمان أو الخوف من فتنة في الدين ووقوع في حرام وشبهات ونحوها   وأخرى من 597 – إلى 612 / تابع --- I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 3:57 am من طرف abubaker

» فاعمل لوجهه يكْفك كل الأوجه وتريح نفسك أن تتنازعك قوى شتى ومختلفة، ويُغنيك عن كل غنى.
آداب عامة  باب استحباب العزلة عند فساد الناس والزمان أو الخوف من فتنة في الدين ووقوع في حرام وشبهات ونحوها   وأخرى من 597 – إلى 612 / تابع --- I_icon_minitimeالأحد يوليو 30, 2017 3:51 am من طرف abubaker

» أتدرون ما هذان الكتابان فريق في الجنة وفريق في السعير
آداب عامة  باب استحباب العزلة عند فساد الناس والزمان أو الخوف من فتنة في الدين ووقوع في حرام وشبهات ونحوها   وأخرى من 597 – إلى 612 / تابع --- I_icon_minitimeالثلاثاء يوليو 18, 2017 3:21 pm من طرف abubaker

ازرار التصفُّح
 البوابة
 الرئيسية
 قائمة الاعضاء
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 بحـث
التبادل الاعلاني

 

 آداب عامة باب استحباب العزلة عند فساد الناس والزمان أو الخوف من فتنة في الدين ووقوع في حرام وشبهات ونحوها وأخرى من 597 – إلى 612 / تابع ---

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
abubaker

abubaker


ذكر
عدد المساهمات : 18649
تاريخ التسجيل : 23/12/2010
العمر : 73
الدولـة : jordan

آداب عامة  باب استحباب العزلة عند فساد الناس والزمان أو الخوف من فتنة في الدين ووقوع في حرام وشبهات ونحوها   وأخرى من 597 – إلى 612 / تابع --- Empty
مُساهمةموضوع: آداب عامة باب استحباب العزلة عند فساد الناس والزمان أو الخوف من فتنة في الدين ووقوع في حرام وشبهات ونحوها وأخرى من 597 – إلى 612 / تابع ---   آداب عامة  باب استحباب العزلة عند فساد الناس والزمان أو الخوف من فتنة في الدين ووقوع في حرام وشبهات ونحوها   وأخرى من 597 – إلى 612 / تابع --- I_icon_minitimeالسبت أغسطس 13, 2016 9:39 pm


باب استحباب العزلة عند فساد الناس والزمان أو الخوف من فتنة في الدين ووقوع في حرام وشبهات ونحوها
قال الله تعالى: { فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } .
597 - وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي رواه مسلم والمراد بـ الغني غني النفس . كما سبق في الحديث الصحيح .
598 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رجل: أي الناس أفضل يا رسول الله ؟ قال: مؤمن مجاهد بنفسه وماله في سبيل الله قال: ثم من ؟ قال: ثم رجل معتزل في شعب من الشعاب يعبد ربه وفي وراية يتقي الله ويدع الناس من شره متفق عليه .
599 - وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتتبع بها شعف الجبال مواقع القطر يفر بدينه من الفتن رواه البخاري . قال المؤلف - رحمه الله تعالى - باب استحباب العزلة عند فساد الناس والزمان وخوف الفتنة . واعلم أن الأفضل هو المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم هذا أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم، ولكن أحيانا تحصل أمور تكون العزلة فيها خيرا من الاختلاط بالناس، من ذلك إذا خاف الإنسان على نفسه فتنة مثل أن يكون في بلد يطالب فيها بأن ينحرف عن دينه أو يدعو إلى بدعة أو يرى الفسوق الكثير فيها، أو يخشى على نفسه من الفواحش، فهنا تكون العزلة خيرا له . ولهذا أمر الإنسان أن يهاجر من بلد الشرك إلى بلد الإسلام، ومن بلد الفسوق إلى بلد الاستقامة فكذلك إذا تغير الناس والزمان، ولهذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يوشك أن يكون خير مال الرجل غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن فهذا هو التقسيم تكون العزلة هي الخير إن كان في الاختلاط شر وفتنة في الدين، وإلا فالأفضل أن الاختلاط هو الخير، يختلط الإنسان مع الناس فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يدعو إلى حق، يبين السنة للناس فهذا خير . لكن إذا عجز عن الصبر وكثرت الفتن، فالعزلة خير ولو أن يعبد الله على رأس جبل أو في قعر واد . وبين النبي عليه الصلاة والسلام صفة الرجل الذي يحبه الله عز وجل فقال: إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي التقي: الذي يتقي الله عز وجل فيقوم بأوامره ويجتنب نواهيه يقوم بأوامره من فعل الصلاة وأدائها في جماعة يقوم بأوامره من أداء الزكاة وإعطائها مستحقيها يصوم رمضان يحج البيت يبر والديه يصل أرحامه يحسن إلى جيرانه يحسن إلى اليتامى إلى غير ذلك من أنواع التقى والبر وأبواب الخير . الغني: الذي استغنى بنفسه عن الناس غنى بالله عز وجل عمن سواه لا يسأل الناس شيئا ولا يتعرض للناس بتذلل بل هو غني عن الناس مستغن بربه، لا يلتفت إلى غيره . الخفي: هو الذي لا يظهر نفسه ولا يهتم أن يظهر عند الناس أو يشار إليه بالبنان أو يتحدث الناس عنه تجده من بيته إلى المسجد، ومن مسجده إلى بيته ومن بيته إلى أقاربه وإخوانه، يخفي نفسه . ولكن لا يعني ذلك أن الإنسان إذا أعطاه الله علما أن يتقوقع في بيته ولا يعلم الناس، هذا يعارض التقي فتعليمه الناس خير من كونه يقبع في بيته ولا ينفع أحدا بعلمه أو يقعد في بيته ولا ينفع الناس بماله . لكن إذا دار الأمر بين أن يلمع نفسه ويظهر نفسه ويبين نفسه، وبين أن يخفيها، فحينئذ يختار الخفاء، أما إذا كان لابد من إظهار نفسه فلابد أن يظهرها وذلك عن طريق نشر علمه في الناس وإقامة دروس العلم وحلقاته في كل مكان، وكذلك عن طريق الخطابة في يوم الجمعة والعيد وغير ذلك، فهذا مما يحبه الله عز وجل .

الشَّرْحُ









600 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم فقال أصحابه وأنت ؟ قال: نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة رواه البخاري .
601 - وعنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من خير معاش الناس رجل ممسك عنان فرسه في سبيل الله، يطير على متنه، كلما سمع هيعة أو فزعة، طار عليه يبتغي القتل أو الموت مظانه، أو رجل في غنيمة في رأس شعفة من هذه الشعف، أو بطن واد من هذه الأودية، يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعبد ربه حتى يأتيه اليقين ليس من الناس إلا في خير رواه مسلم . يطير أي يسرع . ومتنه ظهره . و الهيعة الصوت للحرب . هذان الحديثان في باب استحباب العزلة عن فساد الناس: الأول حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم يعني ما من نبي من الأنبياء أرسله الله عز وجل إلى عباده إلا رعى الغنم، قالوا: وأنت قال: نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة حتى النبي عليه الصلاة والسلام رعى الغنم قال العلماء والحكمة من ذلك أن يتمرن الإنسان على رعاية الخلق وتوجيههم إلى ما فيه الصلاح، لأن الراعي للغنم تارة يوجهها إلى واد مزهر مخضر، وتارة إلى واد خلاف ذلك، وتارة يبقيها واقفة، فالنبي عليه الصلاة والسلام سيرعى الأمة ويوجهها إلى الخير عن علم وهدى وبصيرة كالراعي الذي عنده علم بالمراعي الحسنة، وعنده نصح وتوجيه للغنم إلى ما فيه خيرها، وما فيه غذاؤها وسقاؤها . واختيرت الغنم لأن صاحب الغنم متصف بالسكينة والهدوء والاطمئنان بخلاف الإبل، الإبل أصحابها في الغالب عندهم شدة وغلظة، لأن الإبل كذلك فيها الشدة والغلظة، فلهذا اختار الله سبحانه وتعالى لرسله أن يرعوا الغنم حتى يتعودوا ويتمرنوا على رعاية الخلق . فرسول الله صلى الله عليه وسلم رعاها على قراريط لأهل مكة وموسى عليه الصلاة والسلام رعاها مهرا لابنة صاحب مدين، فإنه قال: قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وأما الحديث الثاني: ففيه أيضا دليل على أن العزلة خير فيكون الإنسان ممسكا بعنان فرسه، يطير عليه كلما سمع هيعة فهو بعيد عن الناس يحمي ثغور المسلمين مهتم بأمور الجهاد على أتم استعداد للنفور والجهاد كلما سمع هيعة ركب فرسه فطار به أي مشى مشيا مسرعا . وكذلك من كان في مكان من الأودية والشعاب منعزلا عن الناس، يعبد الله عز وجل ليس من الناس إلا في خير فهذا فيه خير . ولكننا سبق أن قلنا إن هذه النصوص تحمل على ما إذا كان في الاختلاط فتنة وشر، وأما إذا لم يكن فيه فتنة وشر، فإن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم .




الشَّرْحُ





باب التواضع وخفض الجناح للمؤمنين
قال الله تعالى: { وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَّرْتَدَّ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ } . وقال تعالى { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ } وقال تعالى: { فَلاَ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } . وقال الله تعالى: { وَنَادَى أَصْحَابُ الأعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ، أَهَؤُلاَءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ } قال النووي - رحمه الله تعالى - في كتاب رياض الصالحين: باب التواضع وخفض الجناح للمؤمنين . التواضع: ضد التعالي وهو ألا يرتفع الإنسان ولا يرتفع على غيره بعلم ولا نسب ولا مال ولا جاه ولا إمارة ولا وزارة ولا غير ذلك، بل الواجب على المرء أن يخفض جناحه للمؤمنين أن يتواضع لهم كما كان أشرف الخلق وأعلاهم منزلة عند الله رسول الله صلى الله عليه وسلم يتواضع للمؤمنين، حتى إن الصبية لتمسك بيده لتأخذه إلى أي مكان تريد فيقضي حاجتها عليه الصلاة والسلام . وقول الله تعالى: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ وفي آية أخرى: { لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } { وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ } أي تواضع وذلك أن المتعالي والمترفع يرى نفسه أنه كالطير يسبح في جو السماء فأمر أن يخفض جناحه وينزله للمؤمنين الذين اتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم وعلم من هذا أن الكافر لا يخفض له الجناح وهو كذلك، بل الكافر ترفع عليه واعل عليه، واجعل نفسك في موضع أعلى منه، لأنك مستمسك بكلمة الله، وكلمة الله هي العليا ولهذا قال الله عز وجل في وصف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه: { أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ } يعني أنهم على الكفار أقوياء ذووا غلظة، أما فيما بينهم فهم رحماء ثم ساق المؤلف الآية الثانية وهي قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَّرْتَدَّ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ } أي من يرجع منكم عن دينه فيكون كافرا بعد أن كان مؤمنا وهذا قد يقع من الناس، أن يكون الإنسان داخلا في الإسلام عاملا به، ثم يزيغه الشيطان - والعياذ بالله - حتى يرتد عن دينه، فإذا ارتد عن دينه فإنه لا يكون وليا للمؤمنين ولا يكون معينا للمؤمنين، ولهذا قال: { فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } يعني بقوم مؤمنين { يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } . { أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ } فهم في جانب المؤمنين أذلة لا يترفعون عليهم، ولا يأخذون بالعزة عليهم، ولكنهم يذلون لهم، أما على الكفار فهم أعزة مترفعون، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه إذلالا لهم، وخذلانا لهم، لأنهم أعدى أعداء لك، وأعداء لربك، وأعداء لرسولك، وأعداء لدينك، وأعداء لكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . وفي هذه الآية: دليل على إثبات المحبة من الله عز وجل، وأن الله يحب ويحب { فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } وهذا الحب حب عظيم لا يماثله شيء تجد المحب لله عز وجل ترخص عنده الدنيا، والأهل، والأموال، بل والنفس فيما يرضى الله عز وجل، ولهذا يبذل ويعرض رقبته لأعداء الله، محبة في نصرة الله عز وجل ونصرة دينه، وهذا دليل على أن الإنسان مقدم ما يحبه ورسوله على ما تهواه نفسه . ومن علامات محبة الله: أن الإنسان يديم ذكر الله، يذكر ربه دائما بقلبه ولسانه وجوارحه . ومنها: أن يحب من أحب الله عز وجل من الأشخاص فيحب الرسول صلى الله عليه وسلم ويحب الخلفاء الراشدين، ويحب الأئمة ويحب من كان في وقته من أهل العلم والصلاح . ومنها: أن يقوم الإنسان بطاعة الله، مقدما ذلك على هواه فإذا أذن المؤذن يقول: حي على الصلاة، ترك عمله وأقبل إلى الصلاة، لأنه يحب ما يرضى الله أكثر من محبته ما ترضى به نفسه . ولمحبة الله علامات كثيرة، إذا أحب الإنسان ربه فالله عز وجل أسرع إليه حبا لأنه قال سبحان وتعالى في الحديث القدسي: ومن أتاني يمشي أتيته هرولة وإذا أحبه الله فهذا هو المقصود الأعظم . ولهذا قال تعالى: { قُلْ إِن كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ } ولم يقل: فاتبعوني تصدقوا الله بل قال: { يُحْبِبْكُمُ اللهُ } لأن هذه هي الثمرة أن يحب الرب عز وجل عبده، فإذا أحب عبده نال خيري الدنيا والآخرة جعلني الله وإياكم من أحبابه . وفي قوله: { ويحبونه } دليل على إثبات محبة العبد لربه، وهذا أمر واضح واقع مشاهد يجد الإنسان من قلبه ميلا إلى ما يرضى الله، وهذا يدل على أنه يحب الله عز وجل والإنسان المؤمن الموفق لهذه الصفة العظيمة، تجده يحب الله أكثر من نفسه أكثر من ولده أكثر من أمه أكثر من أبيه يحب الله أكثر من كل شيء ويحب الشخص لأنه يحب الله ومعلوم أن المحب يحب أحباب حبيبه فتجد هذا الرجل لمحبته لله يحب من يحبه الله عز وجل من الأشخاص، وما يحبه من الأعمال، وما يحبه من الأقوال . ثم ذكر المؤلف - رحمه الله تعالى - قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } يخاطب الله عز وجل الناس كلهم مبينا أنه خلقهم من ذكر وأنثى أي من هذا الجنس أو من هذا الشخص . يعني إما أن يكون المراد بالذكر والأنثى آدم وحواء . أو أن المراد الجنس أي أن بني آدم خلقوا كلهم من ذكر وأنثى وهذا هو الغالب وهو الأكثر . وإلا فإن الله خلق آدم من غير أم ولا أب خلقه من تراب من طين، من صلصال كالفخار، ثم نفخ فيه من روحه، خلق له روحا فنفخها فيه فصار بشرا سويا وخلق الله حواء من أب بلا أم . وخلق الله عيسى من أم بلا أب . وخلق الله سائر البشر من أم وأب . والإنسان أيضا كما أنه أربعة أنواع من جهة مادة خلقه، كذلك هو أربعة أنواع من جهة جنس الخلق، يقول الله عز وجل: { للهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَن يَّشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَّشَاءُ الذُّكُورَ، أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } هذه أيضا أربعة أقسام: { يهب لمن يشاء إناثا } بلا ذكور يعني يوجد بعض الناس يولد له الإناث ولا يولد له ذكور أبدا، كل نسله إناث . { ويهب لمن يشاء الذكور } فيكون كل نسله ذكورا بلا إناث { أو يزوجهم ذكرانا وإناثا } يزوجهم أي يصنفهم لأن الزوج يعني الصنف، كما قال تعالى: { وآخر من شكله أزواج } أي أصناف وقال: { احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ } أي أصنافهم وأشكالهم، يزوجهم أي يصنفهم ذكرانا وإناثا هذه ثلاثة أقسام . القسم الرابع: { وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا } لا يولد له لا ذكر ولا أنثى لأن الله سبحانه وتعالى له ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء لا معقب لحكمه وهو السميع العليم . يقول جل ذكره: { وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ } الشعوب: الطوائف الكبيرة كالعرب والعجم وما أشبه ذلك، والقبائل ما دون ذلك جمع قبيلة الناس بنو آدم شعوب وقبائل . شعوب: أمم عظيمة كبيرة كما تقول: العرب بجميع أصنافهم والعجم بجميع أصنافهم، كذلك القبائل دون ذلك، كما نقول: قريش بنو تميم وما أشبه ذلك، هؤلاء القبائل . { لتعارفوا } هذه هي الحكمة من أن الله جعلنا شعوبا وقبائل من أجل أن يعرف بعضنا بعضا هذا عربي وهذا عجمي هذا من بني تميم، هذا من قريش هذا من خزاعة، وهكذا فالله جعل هذه القبائل من أجل أن يعرف بعضنا بعضا، لا من أجل أن يفخر بعضنا على بعض، فيقول: أنا عربي وأنت عجمي، أنا قبيلي وأنت خضيري، أنا غني وأنت فقير، هذا من دعوى الجاهلية والعياذ بالله، لم يجعل الله هؤلاء الأصناف إلا من أجل التعارف فقط، لا من أجل التفاخر، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: إن الله أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء مؤمن تقي وفاجر شقي، أنتم بنو آدم وأدم من تراب . فالفضل في الإسلام بالتقوى أكرمنا عند الله هو الأتقى لله عز وجل فمن كان أتقى لله فهو عند الله أكرم . ولكن يجب أن نعلم أن بعض القبائل أو بعض الشعوب أفضل من بعض، فالشعب الذي بعث فيه الرسول عليه الصلاة والسلام هو أفضل الشعوب، شعب العرب أفضل الشعوب لأن الله قال في كتابه: { اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } وقال النبي صلى الله عليه وسلم: الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا . ولا يعني هذا إهدار الجنس البشري بالكلية . لا . لكن التفاخر هو الممنوع أما التفاضل فإن الله يفضل بعض الأجناس على بعض، فالعرب أفضل من غيرهم، جنس العرب أفضل من جنس العجم، لكن إذا كان العربي غير متق والعجمي متقيا، فالعجمي عند الله أكرم من العربي . ثم ساق المؤلف الآيات الأخرى { فَلاَ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } لا تزكوها: أي لا تصفوها بالزكاة افتخارا، وأما التحدث بنعمة الله على العبد مثل أن يقول القائل: كان مسرفا على نفسه، كان منحرفا فهداه الله ووفقه ولزم الاستقامة، تحدثا بنعمة الله لا تزكية لنفسه، فإن هذا لا بأس به ولا حرج فيه أن يذكر الإنسان نعمة الله عليه في الهداية والتوفيق، كما أنه لا حرج أن يذكر نعمة الله عليه بالغنى بعد الفقر . وقوله: { هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } هو أي الرب عز وجل: { هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } وكم من شخصين يقومان بعمل أو يدعان عملا وبينهما في التقى مثل ما بين السماء والأرض، ولهذا قال: { هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } تجد الشخصين يصليان كل واحد جنب الآخر، لكن بين ما في قلوبهما من التقوى مثل ما بين السماء والأرض شخصان يتجنبان الفاحشة لكن بينهما من التقوى مثل ما بين السماء والأرض، ولهذا قال: { فَلاَ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } . ثم ذكر المؤلف آية أخرى وهي قوله تعالى: { وَنَادَى أَصْحَابُ الأعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ } أصحاب الأعراف: قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم ، فلا يدخلون الجنة ولا يدخلون النار، يحشر أهل النار إلى النار، ويساق المتقون إلى الرحمن وفدا، إلى الجنة زمرا فيدخل أهل النار النار، وأهل الجنة الجنة، وأصحاب الأعراف في مكان مرتفع . فالأعراف: جمع عرف وهو المكان المرتفع، لكن ليسوا في الجنة وليسوا في النار، وهم يطلعون إلى هؤلاء وإلى هؤلاء وفي النهاية يدخلون الجنة لأنه ليس هناك إلا جنة أو نار هما الباقيتان أبدا، وأما ما سواهما فيزول . فيقول الله تعالى: { وَنَادَى أَصْحَابُ الأعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ } أي بعلامتهم معرفة تامة، { قَالُوا مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ } يعني جمعكم المال والأولاد والأهل ما أغنى عنكم هؤلاء وما أغنى عنكم جمعكم من الناس الذين هم جنودكم تجمعونهم إليكم وتستنصرون بهم، ما أغنوا عنكم شيئا { وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ } يعني وما أغنى عنكم استكباركم على الحق . { أَهَؤُلاَءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ } يعني الضعفاء وكان الملأ المكذبون للرسل يسخرون من المؤمنين ويقولون: { أَهَؤُلاَءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا } يقولون أهؤلاء أصحاب الرحمة ؟ أهؤلاء أهل الجنة ؟ يسخرون منهم { إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ، وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ، وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ انقَلَبُوا فَكِهِينَ } فيقولون لهم: { أَهَؤُلاَءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ } يعني قد قيل لهم { ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ } . إذا تواضعهم للحق واتباعهم الرسل هو الذي بلغهم هذه المنازل العالية، أما هؤلاء المستكبرون الذين فخروا بما أغناهم الله به من الجمع والمال، فإن ذلك لم يغن عنهم شيئا فدل ذلك على فضل التواضع للحق .



الشَّرْحُ



































602 - وعن عياض بن حمار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد رواه مسلم .
603 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله رواه مسلم .
605 - وعنه قال: إن كانت الأمة من إماء المدينة لتأخذ بيد النبي صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت رواه البخاري . هذه الأحاديث ذكرها المؤلف - رحمه الله - في كتاب رياض الصالحين في باب التواضع فمنها حديث عياض بن حمار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله أوحى إلي أن تواضعوا يعني أن يتواضع كل واحد للآخر ولا يترفع عليه، بل يجعله مثله أو يكرمه أكثر، وكان من عادة السلف رحمهم الله، أن الإنسان منهم يجعل من هو أصغر منه مثل ابنه ومن هو أكبر مثل أبيه ومن هو مثله مثل أخيه، فينظر إلى ما هو أكبر منه نظرة إكرام وإجلال وإلى من هو دونه نظرة إشفاق ورحمة، وإلى من هو مثله نظرة مساواة، فلا يبغي أحد على أحد وهذا من الأمور التي يجب على الإنسان أن يتصف بها، أي بالتواضع لله عز وجل ولإخوانه من المسلمين . وأما الكافر فقد أمر الله تعالى بمجاهدته والغلظة عليه وإغاظته وإهانته بقدر المستطاع، لكن من كان له عهد وذمة فإنه يجب على المسلمين أن يفوا له بعهده وذمته، وألا يقفروا ذمته، وألا يؤذوه ما دام له عهد . ثم ذكر المؤلف حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما نقصت صدقة من مال يعني أن الصدقات لا تنقص الأموال كما يتوهمه الإنسان، وكما يعد به الشيطان، فإن الشيطان كما قال الله عز وجل: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ . الفحشاء: كل ما يستفحش من بخل أو غيره فهو يعد الإنسان الفقر، إذا أراد الإنسان أن يتصدق قال: لا تتصدق هذا ينقص مالك، هذا يجعلك فقيرا، لا تتصدق، أمسك ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا بأن الصدقة لا تنقص المال، فإن قال قائل: كيف لا تنقص المال، والإنسان إذا كان عنده مائة فتصدق بعشرة صار عنده تسعون، فيقال: هذا نقص كم، ولكنها تزيد في الكيف، ثم يفتح الله للإنسان أبوابا من الرزق ترد عليه ما أنفق، كما قال الله تعالى: { وَمَا أَنْفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ } أي يجعل بدله خلفا . فلا تظن أنك إذا تصدقت بعشرة من مائة فصارت تسعين أن ذلك ينقص المال، بل يزيده، بركة ونماء، وترزق من حيث لا تحتسب . وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا يعني أن الإنسان إذا عفا عمن ظلمه فقد تقول له نفسه: إن هذا ذل وخضوع وخذلان فبين الرسول عليه الصلاة والسلام أن الله ما يزيد أحدا إلا عزا فيعزه الله ويرفع من شأنه، وفي هذا حث على العفو ولكن العفو مقيد بما إذا كان إصلاحا لقول الله تعالى: { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ } أما إذا لم يكن إصلاحا بل كان إفسادا فإنه لا يؤمر به مثال ذلك اعتدى شخص شرير معروف بالعدوان على آخر، فهل نقول للآخر الذي اعتدى عليه: اعف عن هذا الشرير ؟ لا نقول: اعف عنه لأنه شرير إذا عفوت عنه تعدى على غيرك من الغد، أو عليك أنت أيضا فمثل هذا نقول: الحزم والأفضل أن تأخذه بجريرته، يعني أن تأخذ حقك منه، وألا تعفو عنه، لأن العفو عن أهل الشر والفساد ليس بإصلاح بل لا يزيدهم إلا فسادا وشرا . فأما إذا كان في العفو خير وإحسان وربما يخجل الذي عفوت عنه ولا يتعدى عليك ولا على غيرك فهذا خير . وما تواضع أحد لله إلا رفعه هذا الشاهد من الحديث: ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله والتواضع لله له معنيان: المعنى الأول: أن تتواضع لدين الله، فلا تترفع عن الدين ولا تستكبر عنه وعن أداء أحكامه . والثاني: أن تتواضع لعباد الله من أجل الله، لا خوفا منهم، ولا رجاء لما عندهم ولكن لله عز وجل . والمعنيان صحيحان فمن تواضع لله، رفعه الله عز وجل في الدنيا وفي الآخرة وهذا أمر مشاهد أن الإنسان المتواضع يكون محل رفعة عند الناس وذكر حسن، ويحبه الناس، وانظر إلى تواضع الرسول عليه الصلاة والسلام وهو أشرف الخلق، حيث كانت الأمة من إماء المدينة تأتي إليه، وتأخذ بيده، وتذهب به حيث شاءت ليعينها في حاجتها، هذا وهو أشرف الخلق، أمة من الإماء تأتي وتأخذ بيده تذهب به حيث شاءت ليقضي حاجتها، ولا يقول أين تذهبين بي، أو يقول: اذهبي إلى غيري، بل كان يذهب معها ويقضي حاجتها، لكن مع هذا ما زاده الله عز وجل بذلك إلا عزا ورفعة صلوات الله وسلامه عليه .

الشَّرْحُ










604 - وعن أنس رضي الله عنه أنه مر على صبيان فسلم عليهم وقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله متفق عليه .
606 - وعن الأسود بن يزيد قال: سئلت عائشة رضي الله عنها: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته ؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله - يعني: خدمة أهله - فإذا حضرت الصلاة، خرج إلى الصلاة رواه البخاري .
607 - وعن أبي رفاعة تميم بن أسيد رضي الله عنه قال: انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فقلت يا رسول الله رجل غريب جاء يسأل عن دينه لا يدري ما دينه ؟ فأقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك خطبته حتى انتهى إلي، فأتي بكرسي، فقعد عليه، وجعل يعلمني مما علمه الله، ثم أتى خطبته، فأتم آخرها رواه مسلم . هذه الأحاديث ذكرها الحافظ النووي - رحمه الله تعالى - في بيان تواضع النبي صلى الله عليه وسلم منها أنه كان يسلم على الصبيان إذا مر عليهم، يسلم عليهم مع أنهم صبيان غير مكلفين، واقتدى به أصحابه رضي الله عنه فعن أنس رضي الله عنه أنه كان يمر بالصبيان فيسلم عليهم، يمر بهم في السوق يلعبون فيسلم عليهم ويقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله أي يسلم على الصبيان إذا مر عليهم، وهذا من التواضع وحسن الخلق ومن التربية وحسن التعليم والإرشاد والتوجيه، لأن الصبيان إذا سلم الإنسان عليهم، فإنهم يعتادون ذلك ويكون ذلك كالغريزة في نفوسهم . إن الإنسان إذا مر على أحد سلم عليه، وإذا كان هذا يقع من النبي صلى الله عليه وسلم على الصبيان، فإننا نأسف لقوم يمرون بالكبار البالغين ولا يسلمون عليهم والعياذ بالله، قد لا يكون ذلك هجرا أو كراهة، لكن عدم مبالاة، عدم اتباع للسنة جهل، غفلة، وهم وإن كانوا غير آثمين لأنهم لم يتخذوا ذلك هجرا، لكنهم قد فاتهم خير كثير . فالسنة أن تسلم على كل من لقيت، وأن تبدأه بالسلام، ولو كان أصغر منك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبدأ من لقيه بالسلام، وهو عليه الصلاة والسلام أكبر الناس قدرا، ومع ذلك كان يبدأ من لقيه بالسلام . وأنت إذا بدأت من لقيته بالسلام حصلت على خير كثير، منه اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ومنه أنك تكون سببا لنشر هذه السنة التي ماتت عند كثير من الناس، ومعلوم أن إحياء السنن يؤجر الإنسان عليه مرتين مرة على فعل السنة ومرة على إحياء السنة . ومنه أنك تكون السبب في إجابة هذا الرجل وإجابته فرض كفاية، فتكون سببا في إيجاد فرض الكفاية من هذا الرجل . ولهذا كان ابتداء السلام أفضل من الرد، وإن كان الرد فرضا وهذا سنة، لكن لما كان الفرض ينبني على هذه السنة، كانت السنة أفضل من هذا لفرض، لأنه مبني عليها . وهذه من المسائل التي ألغز بها بعض العلماء وقال: عندنا سنة أفضل من الفريضة لأنه من المتفق عليه أن الفرض أفضل، مثلا صلاة الفجر وركعتان أفضل من راتبتها ركعتين لأنها فرض والراتبة سنة، لكن ابتداء السلام سنة، ومع ذلك صار أفضل من رده لأن رده مبني عليه . فالمهم أنه ينبغي لنا إحياء هذه السنة أعني إفشاء السلام، وهو من أسباب المحبة، ومن كمال الإيمان، ومن أسباب دخول الجنة، قال النبي عليه الصلاة والسلام: لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم . ومن تواضع النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان في بيته في خدمة أهله يحلب الشاة يخصف النعل، يخدمهم في بيتهم، لأن عائشة سئلت ماذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته ؟ قالت: كان في مهنة أهله يعني في خدمتهم عليه الصلاة والسلام . فمثلا الإنسان إذا كان في بيته فمن السنة أن يصنع الشاي مثلا لنفسه، ويطبخ إذا كان يعرف ويغسل ما يحتاج إلى غسله كل هذا من السنة أنت إذا فعلت ذلك تثاب عليه ثواب سنة، اقتداء بالرسول عليه الصلاة والسلام وتواضعا لله عز وجل، ولأن هذا يوجد المحبة بينك وبين أهلك، إذا شعر أهلك أنك تساعدهم في مهنتهم أحبوك وازدادت قيمتك عندهم، فيكون في هذا مصلحة كبيرة . ومن تواضع الرسول عليه الصلاة والسلام أنه جاءه رجل وهو يخطب الناس فقال: رجل غريب جاء يسأل عن دينه فأقبل إليه النبي وقطع خطبته حتى انتهى إليه ثم جيء إليه بكرسي، فجعل يعلم هذا الرجل، لأن هذا الرجل جاء مشفقا محبا للعلم، يريد أن يعلم دينه حتى يعمل به فأقبل إليه النبي عليه الصلاة والسلام وقطع الخطبة ثم بعد ذلك أكمل خطبته، وهذا من تواضع الرسول عليه الصلاة والسلام وحسن رعايته . فإن قال قائل أليست المصلحة العامة أولى بالمراعاة من المصلحة الخاصة ؟ وحاجة هذا الرجل خاصة، وهو صلى الله عليه وسلم يخطب في الجماعة ؟ قلنا: نعم لو كانت مصلحة العامة تفوت لكان مراعاة المصلحة العامة أولى، لكن مصلحة العامة لا تفوت بل إنهم سيستفيدون مما يعلمه الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل الغريب، والمصلحة العامة لا تفوت . وهذا الغريب الذي جاء يسأل عن دينه إذا أقبل إليه الرسول عليه الصلاة والسلام وعلمه كان في تأليف لقلبه على الإسلام، ومحبة للإسلام، ومحبة للرسول صلى الله عليه وسلم وهذا من حكمة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه . وفق الله الجميع بما يحبه ويرضى .

الشَّرْحُ














608 - وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل طعاما لعق أصابعه الثلاث قال: وقال: إذا سقطت لقمة أحدكم، فليمط عنها الأذى، وليأكلها، ولا يدعها للشيطان وأمر أن تسلت القصعة قال: فإنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة رواه مسلم .
610 - وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو دعيت إلى كراع أو ذراع لقبلت . ولو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت رواه البخاري .
611 - وعن أنس رضي الله عنه قال: كانت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء لا تسبق، أو لا تكاد تسبق فجاء أعرابي على قعود له فسبقها فشق ذلك على المسلمين حتى عرفه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه رواه البخاري . هذه الأحاديث ذكرها الحافظ النووي - رحمه الله تعالى - في باب التواضع فمنها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من الأكل لعق أصابعه الثلاث، لعقها: أي لحسها حتى يكون ما بقى من الطعام فيها داخلا في طعامه الذي أكله من قبل وفيه فائدة ذكرها بعض الأطباء أن الأنامل تفرز عند الأكل شيئا يعين على هضم الطعام . فيكون في لعق الأصابع بعد الطعام فائدتان: فائدة شرعية: وهي الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم . وفائدة صحية طبية: وهي هذا الإفراز الذي يكون بعد الطعام يعين على الهضم . والمؤمن لا يجعل همه فيما يتعلق بالصحة البدنية، أهم شيء عند المؤمن هو اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، والاقتداء به، لأن فيه صحة القلب وكلما كان الإنسان للرسول صلى الله عليه وسلم أتبع كان إيمانه أقوى . وكذلك قال عليه الصلاة والسلام: إذا سقطت لقمة أحدكم يعني على الأرض أو على السفرة فليمط عنها الأذى وليأكلها، ولا يدعها للشيطان فإذا سقطت اللقمة، أو التمرة، أو ما أشبه ذلك على السفرة، فخذها وأزل ما فيها من الأذى إن كان فيها أذى من تراب، أو عيدان وكلها، تواضعا لله عز وجل، وامتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وحرمانا للشيطان من الأكل معك، لأنك إذا تركتها أكلها الشيطان، والشيطان ربما يشارك الإنسان في أكله في مثل هذه المسألة، وفيما إذا أكل ولم يسم، فإن الشيطان يشاركه في أكله . والثالث: أمره بإسلات الصحن أو القصعة، وهو الإناء الذي فيه الطعام، فإذا انتهيت فأسلته، بمعنى أن تتبع ما علق فيه من طعام بأصابعك وتلعقها . فهذا أيضا من السنة التي غفل عنها كثير مع الأسف حتى من طلبة العلم أيضا، إذا فرغوا من الأكل وجدت الجهة التي تليهم ما زال الأكل باقيا فيها، لا يلعقون الصحفة، وهذا خلاف ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ثم بين الرسول عليه الصلاة والسلام الحكمة من ذلك فقال: فإنكم لا تدرون في أي طعام البركة قد تكون البركة من هذا الطعام في هذا الذي سلته من القصعة . وفي هذا الحديث: حسن تعليم الرسول عليه الصلاة والسلام وأنه إذا ذكر الحكم ذكر الحكمة منه، لأن ذكر الحكمة مقرونا بالحكم يفيد فائدتين عظيمتين . الفائدة الأولى: بيان سمو الشريعة، وأنها شريعة مبنية على المصالح، فما من شيء أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم إلا والمصلحة في وجوده، وما من شيء نهى عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم إلا والمصلحة في عدمه . الفائدة الثانية: زيادة اطمئنان النفس، لأن الإنسان بشر قد يكون عنده إيمان وتسليم بما حكم الله به ورسوله لكن إذا ذكرت الحكمة ازداد إيمانا وازداد يقينا، ونشط على فعل المأمور، أو ترك المحظور . ثم ذكر المؤلف حديث أنس بن مالك رضي الله عنهم في قصة الأعرابي الذي جاء بقعود له، ناقة ليست كبيرة، أو جمل ليس بكبير، وكانت ناقة النبي صلى الله عليه وسلم العضباء وهي غير القصواء التي حج عليها هذه ناقة أخرى، وكان من هدى الرسول عليه الصلاة والسلام أنه يسمي دوابه، وسلاحه، وما أشبه ذلك . فالعضباء هذه كان الصحابة رضي الله عنهم يرون أنها لا تسبق أو لا تكاد تسبق، فجاء هذا الأعرابي بعقوده فسبق العضباء، فكأن ذلك شق على الصحابة رضي الله عنهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لما عرف ما في نفوسهم: حق على الله ألا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه فكل ارتفاع يكون في الدنيا فإنه لابد أن يؤول إلى انخفاض، فإن صحب هذا الارتفاع ارتفاع في النفوس وعلم في النفوس فإن الوضع إليه أسرع، لأن الوضع يكون عقوبة، أما إذا لم يصحبه شيء فإنه لابد أن يرجع ويوضع، كما قال الله تبارك وتعالى: إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأنْعَامُ أي ظهر فيه من كل نوع . { حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأمْسِ } ذهبت كلها، كل هذه الزينة، وكل هذا النبات الذي اختلط من كل صنف كله يزول كأن لم يكن وهكذا الدنيا كلها تزول كأن لم تكن، حتى الإنسان نفسه يبدو صغيرا ضعيفا ثم يقوى فإذا انتهت قوته عاد إلى الضعف والهرم، ثم إلى الفناء والعدم فما من شيء ارتفع من الدنيا إلا وضعه الله عز وجل . وفي قوله عليه الصلاة والسلام: من الدنيا دليل على أن ما ارتفع من أمور الآخرة فإنه لا يضعه الله، فقوله: { يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } فهؤلاء لا يعضهم الله عز وجل ما داموا على وصف العلم والإيمان، فإنه لا يمكن أن يضعهم الله . بل يرفع لهم الذكر، ويرفع درجاتهم في الآخرة .

الشَّرْحُ















باب تحريم الكبر والإعجاب
قال الله تعالى: { تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين } . وقال تعالى: { ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا } . وقال تعالى: { ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور }، ومعنى { تصعر خدك للناس } أي تميله وتعرض به عن الناس تكبرا عليهم والمرح التبختر . وقال تعالى: { إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين } . إلى قوله تعالى: { فخسفنا به وبداره الأرض } الآيات . قال المؤلف - رحمه الله -: باب تحريم الكبر والإعجاب . والكبر: هو الترفع واعتقاد الإنسان نفسه أنه كبير، وأنه فوق الناس، وأن له فضلا عليهم . والإعجاب: أن يرى الإنسان عمل نفسه فيعجب به، ويستعظمه ويستكثره . فالإعجاب يكون في العمل، والكبر يكون في النفس، وكلاهما خلق مذموم . والكبر نوعان: كبر على الحق، وكبر على الخلق، وقد بينهما النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: الكبر بطر الحق وغمط الناس فبطر الحق يعني رده والإعراض عنه، وعدم قبوله وغمط الناس يعني احتقارهم وازدراءهم، وألا يرى الناس شيئا ويرى أنه فوقهم . وقيل لرجل: ماذا ترى الناس ؟ قال: لا أراهم إلا مثل البعوض فقيل له إنهم لا يرونك إلا كذلك . وقيل لآخر ما ترى الناس قال: أرى الناس أعظم مني ولهم شأن ولهم منزلة فقيل له إنهم يرونك أعظم منهم وأن لك شأنا ومحلا . فأنت إذا رأيت الناس على أي وجه فالناس يرونك بمثل ما تراهم به، إن رأيتهم في محل الإكرام والإجلال والتعظيم، ونزلتهم منزلتهم عرفوا لك ذلك، ورأوك في محل الإجلال والإكرام والتعظيم ونزلوك منزلتك والعكس بالعكس أما بطر الحق: فهو رده وألا يقبل الإنسان الحق بل يرفضه ويرده اعتدادا بنفسه ورأيه فيرى - والعياذ بالله - أنه أكبر من الحق، وعلامة ذلك أن الإنسان يؤتى إليه بالأدلة من الكتاب والسنة، ويقال: هذا كتاب الله، هذه سنة رسول الله، ولكنه لا يقبل بل يستمر على رأيه فهذا رد الحق والعياذ بالله . وكثير من الناس ينتصر لنفسه فإذا قال قولا لا يمكن أن يتزحزح عنه، ولو رأى الصواب في خلافه، ولكن هذا خلاف العقل وخلاف الشرع . والواجب أن يرجع الإنسان للحق حيثما وجده، حتى لو خالف قوله فليرجع إليه، فإن هذا أعز له عند الله، وأعز له عند الناس، وأسلم لذمته وأبرأ . فلا تظن أنك إذا رجعت عن قولك إلى الصواب أن ذلك يضع منزلتك عند الناس، بل هذا يرفع منزلتك، ويعرف الناس أنك لا تتبع إلا الحق، أما الذي يعاند ويبقى على ما هو عليه ويرد الحق، فهذا متكبر والعياذ بالله . وهذا يقع من بعض الناس - والعياذ بالله - حتى من طلبة العلم، تبين له بعد المناقشة وجه الصواب وأن الصواب خلاف ما قاله بالأمس ولكنه يبقى على رأيه يملي عليه الشيطان أنه إذا رجع استهان الناس به وقالوا عنه إنه إمعة كل يوم له قول، وهذا لا يضر إذا رجعت إلى الصواب، فليكن قولك اليوم خلاف قولك بالأمس، فالأئمة الأجلة كان يكون لهم في المسألة الواحدة أقوال متعددة . وهذا هو الإمام أحمد - رحمه الله - إمام أهل السنة، وأرفع الأئمة من حيث اتباع الدليل وسعة الإطلاع نجد أن له في المسألة الواحدة في بعض الأحيان أكثر من أربعة أقوال، لماذا ؟ لأنه إذا تبين له الدليل رجع إليه، وهكذا شأن كل إنسان منصف عليه أن يتبع الدليل حيثما كان . ثم ذكر المؤلف - رحمه الله - آيات تتعلق بهذا الباب بين فيها - رحمه الله - أنها كلها تدل على ذم الكبر، وآخرها الآيات المتعلقة بقارون . وقارون رجل من بني إسرائيل من قوم موسى، أعطاه الله سبحانه وتعالى مالا كثيرا، حتى إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة، يعنى مفاتيح تثقل وتشق على العصبة، أي الجماعة من الرجال أولي القوة لكثرتها . إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين فإن هذا الرجل بطر - والعياذ بالله - وتكبر ولما ذكر بآيات الله ردها واستكبر { قال إنما أوتيته على علم عندي } فأنكر فضل الله عليه، وقال أنا اكتسبته بنفسي، وقوتي، وبعلم أدركت به هذا المال . وكانت النتيجة أن الله خسف به وبداره الأرض، وزال هو وأملاكه { فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين } { وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا } فتأمل نتيجة الكبر - والعياذ بالله - والعجب والاعتداد بالنفس وكيف كان عاقبة ذلك من الهلاك والدمار . ثم ذكر المؤلف عدة آيات منها قوله تعالى: { تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين } الدار الآخرة هي آخر دور بني آدم، لأن ابن آدم له أربعة دور كلها تنتهي بالآخرة . الدار الأولى: في بطن أمه . الدار الثانية: إذا خرج من بطن أمه إلى دار الدنيا . والدار الثالثة: البرزخ ما بين موته وقيام الساعة . والدار الرابعة: الدار الآخرة وهي النهاية، وهي القرار، هذه الدار قال الله تعالى عنها: { نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا } لا يريدون التعالي على الحق، ولا التعالي على الخلق وإنما هم متواضعون وإذا نفى الله عنهم إرادة العلم والفساد، فهو من باب أولى ألا يكون منهم علو ولا فساد فهم لا يعلون في الأرض ولا يفسدون ولا يريدون ذلك، لأن الناس ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: { قسم علا وفسد وأفسد، فهذا اجتمع في حقه الإرادة والفعل . 2 - وقسم لم يرد الفساد ولا العلو فقد انتفى عنه الأمران . 3 - وقسم ثالث يريد العلو والفساد ولكن لا يقدر عليه . وهذا الثالث بين الأول والثاني، لكن عليه الوزر لأنه أراد السوء فالدار الآخرة إنما تكون } للذين لا يريدون علوا في الأرض { أي تعليا على الحق أو على الخلق } ولا فسادا والعاقبة للمتقين { فإن قال قائل: ما هو الفساد في الأرض ؟ فالجواب أن الفساد في الأرض ليس هدم المنازل ولا إحراق الزرع، بل الفساد في الأرض بالمعاصي كما قال أهل العلم - رحمهم الله - في قوله تعالى: } ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها { أي لا تعصوا الله لأن المعاصي سبب الفساد . وقال الله تبارك وتعالى: } ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون { فلم يفتح الله عليهم بركات من السماء ولا من الأرض فالفساد في الأرض يكون بالمعاصي نسأل الله العافية وقال الله تبارك وتعالى: } ولا تمش في الأرض مرحا { يعني لا تمش مرحا مستكبرا متبخترا في نفسك } إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا { يعني مهما كنت فأنت لا تقدر أن تنزل في الأرض ولا تتباهى حتى تساوي الجبال، بل إنك أنت أنت . أنت ابن آدم حقير ضعيف فكيف تمشي في الأرض مرحا . وقال تعالى: } ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور { تصعير الخد للناس: أن يعرض الإنسان عن الناس، فتجده والعياذ بالله مستكبرا لاويا عنقه، تحدثه وهو يحدثك وقد صد عنك، وصعر خده . } ولا تمش في الأرض { يعني لا تمش تبخترا وتعاظما وتكبرا } إن الله لا يحب كل مختال فخور { المختال في هيئته، والفخور بلسانه وقوله فهو بهيئته مختال، في ثيابه في ملابسه في مظهره في مشيته فخور بقوله ولسانه والله تعالى لا يحب هذا إنما يحب المتواضع الغني الخفي التقي، هذا هو الذي يحبه الله عز وجل . }





الشَّرْحُ






























612 -

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://abubaker.jordanforum.net
 
آداب عامة باب استحباب العزلة عند فساد الناس والزمان أو الخوف من فتنة في الدين ووقوع في حرام وشبهات ونحوها وأخرى من 597 – إلى 612 / تابع ---
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  69- باب استحباب العزلة عند فساد الناس والزمان أو الخوف من فتنة فى الدين ووقوع فى حرام وشبهات ونحوها
» باب استحباب العزلة عند فساد الناس والزمان أو الخوف من فتنة في الدين ووقوع في حرام وشبهات ونحوها
»  العزلة عند فساد الناس والزمان 69- باب استحباب العزلة عند فساد الناس والزمان أو الخوف من فتنة في الدين أو وقوع في حرام وشبهات ونحوها
» 69- باب استحباب العزلة عند فساد الناس والزمان أو الخوف من فتنة في الدين أو وقوع في حرام وشبهات ونحوها
»  69- باب استحباب العزلة عند فساد الناس والزمان أو الخوف من فتنة في الدين أو وقوع في حرام وشبهات ونحوها

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الأصدقاء :: هدايات وإرشادات وتوجيهات إسلامية :: شرح رياض الصالحين - فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله - وأخرى-
انتقل الى: