باب فضل الصلوات
قال الله تعالى {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر}
[الشَّرْحُ]
قال المؤلف رحمه الله في كتابه (رياض الصالحين) باب فضل الصلوات الصلوات هي عبادات معلومة مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم وهي أكد أركان الإسلام بعد الشهادتين وأفضل أركان الإسلام بعد الشهادتين وأنفع أركان الإسلام بعد الشهادتين وهي صلة بين الإنسان وربه لأن الإنسان يقوم بين يدي الله عز وجل يناجيه يقول الحمد لله رب العالمين فيقول الله حمدني عبدي {الرحمن الرحيم} فيقول الله أثنى علي عبدي {ملك يوم الدين} فيقول الله مجدني عبدي {إياك نعبد وإياك نستعين} فيقول هذا بيني وبين عبدي نصفين {أهدنا الصراط المستقيم} هذا لعبدي ولعبدي ما سأل مجاورة مناجاة ثم هي أيضا أفعال وأقوال كلها تعظيم من حين يبدأ الإنسان بقوله الله أكبر يعني أكبر من كل شيء علما وسلطانا وكبرياء وجبروتا وكل شيء السماوات السبع والأرضون السبع في كفه كخردلة في كف
أحدنا فكل هذه السماوات على عظمها يطويها بيمينه عز وجل ويقبض الأرض على كبرها كقبضة أحدنا بيده على الشيء ثم يناجيه بكلام ثم ينحني تعظيما له بفعله ويعظمه بلسانه يقول سبحان ربي العظيم ثم يرفع ثم يسجد وهذا الرفع من أجل الفصل بين ركن التعظيم وهو الركوع وركن الذل وهو السجود ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم أما الركوع فعظموا فيه الرب ثم يسجد لله ذلا وخضوعا فيضع أشرف ما به على مستوى أقدامه التي هي أسفل ما به يضع جبهته على الأرض ذلا لله وخضوعا لله عز وجل ثم يقول سبحان ربي الأعلى تنزيها لربه سبحانه وتعالى عن السفول كأنما يقول سبحان من تنزه عن السفول فكان أعلى فوق كل شيء فالصلاة عبادة عظيمة نسأل الله أن يفتح علينا وعليكم حتى نعرف قدرها ويدلك على فضلها وعظمها ومحبة الله لها أنه ما من فريضة فضت على الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بواسطة الوحي إلا الصلاة فرضها الله على رسوله منه له مباشرة كلمه بها وفرضها عليه في أعلى مكان يصل إليه البشر وفرضها عليه في أشرف ليلة كانت لرسوله صلى الله عليه وسلم وهي ليلة المعراج وفرضها عليه عددا كبيرا خمسين صلاة في اليوم والليلة لأن الله يحبها ولأن ثوابها عظيم ولكن من لطف الله أن خففها حتى
صارت خمس صلوات عن خمسين صلاة اللهم لك الحمد الصلاة لها ثمرات جليلة عظيمة منها: 1 - ما ذكره الله تعالى في الآية التي صدر المؤلف بها هذا الباب {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} الفحشاء: فواحش الذنوب كالزنا واللواط وما أشبهها والمنكر: ما دون ذلك الصلاة تنهى عن الفحشاء المنكر..
لكن متى؟ إذا كانت صلاة مقامة على الوجه الأكمل ولهذا نجدنا كثيرا نصلي ولا نجد القلوب تتغير أو تكره الفحشاء أو المنكر أو يكون الإنسان بعد الصلاة خيرا منه قبلها لا نجد هذا لأن الصلاة التي نصليها ليست الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر وإلا فكلام الله حق ووعده صدق الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر إذا كنت قد هممت بذنب أو كان قلبك يميل إلى المعاصي فإنك إذا صليت انمحى ذلك كله لكن بشرط أن تكون الصلاة التي تراد منك والتي تريدها أنت لله عز وجل صلاة أكمل ما يكون ولهذا يجب علينا ونسأل الله أن يعيننا يجب علينا أن نعتني بصلاتنا نكملها بقدر المستطاع بجميع أركانها وشروطها وواجباتها ومكملاتها فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر قال بعض السلف من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد بها من الله إلا بعدا نسأل الله العافية لأنها ليست الصلاة المطلوبة منا الصلاة المطلوبة منا أن تكون صلاة بمعنى الكلمة كان بعض السلف إذا دخل في
صلاته لا يحس بشيء يغيب عن كل شيء إلا عن الله عز وجل حتى إن عروة بن الزبير رحمه الله وهو من فقهاء التابعين أصابت أحد أعضائه أكلة جروح تتقرح حتى تقضي على الجسم كله فقرر الأطباء أن تقطع رجله حتى لا تسري الأكلة إلى بقية البدن وكان في ذلك الوقت لا يوجد (بنج) فقال أمهلوني حتى أدخل في صلاتي فلما دخل في صلاته قطعوا رجله فلم يحس بها لأن قلبه منشغل مع الله والقلب إذا انشغل لا يحس بما يصيب البدن انظر إلى الحمالين مثلا يحملون السيارة أو يفرغونها فيصاب أحدهم بجرح في يده أو قدمه مع التحميل ولا يحس به لأنه مشغول فإذا انتهى من العمل أحس بالجرح فالإنسان في صلاته لابد أن يكون مع الله عز وجل لا يذهب قلبه يمينا وشمالا كما هي العادة عند كثير منا ولا تتسلط الهواجس ولا الوساوس إلا إذا دخل الإنسان في الصلاة جاء الشيطان يقول له اذكر كذا..
اذكر كذا ...
افعل كذا لا تفعل كذا وهذا يخل بالصلاة ربما ينصرف الإنسان ما من صلاته شيء وإن كانت تبرأ الذمة لكن ما أدرك شيئا منها وكان عمر رضي الله عنه يجهز جيشه في الصلاة فأخذ البطالون من هذا أنه لا بأس أن الإنسان وهو في صلاته يوسوس وما إلى ذلك
لكن تجهيز الجيش جهاد في سبيل الله والجهاد في سبيل الله يجوز أن يدخل على الصلاة ولهذا نجد أن الله شرع للمسلمين صلاة الخوف فعمر رضي الله عنه يجهز جيشه في صلاته وهو حاضر القلب لم يذهب قلبه يمينا ولا شمالا لأنه يعبد الله عز وجل وإن كان يجهز الجيش وهو يصلي فنسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر وأن يتقبل منا ومنكم إنه على كل شيء قدير
باب فضل الصلوات
1042 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أرأتيم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقي من درنه شيء؟ قالوا لا يبقي من درنه شيء قال فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا متفق عليه
1043 - وعن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل الصلوات الخمس كمثل نهر غمر جار على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات رواه مسلم الغمر بفتح الغين المعجمة الكثير
1044 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رجلا أصاب من امرأة قبلة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فأنزل الله تعالى {وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات} فقال الرجل ألي هذا؟ قال لجميع أمتي كلهم متفق عليه
1045 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الصلوات
الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر رواه مسلم
1046 - وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة وذلك الدهر كله رواه مسلم هذه الأحاديث من فضائل الصلوات فقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم بنهر غمر جار النهر الغمر: الكثير الماء الجاري: معروف ضد الراكد يغتسل منه الإنسان في اليوم خمس مرات فهل يبقى من وسخه شيء الجواب لا يبقى من وسخه شيء فهكذا الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا حتى يبقي الإنسان طاهرا نقيا من الخطايا ولكن كما أسلفنا فيما مضى أن هذا في الصلوات التي يتمها الإنسان ويحققها ويحضر قلبه ويشعر أنه يناجي الله سبحانه وتعالى فإذا تمت الصلاة على المطلوب حصل هذا الثواب العظيم وكذلك أيضا من فضائل الصلوات الخمس أن الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة مكفرات لما بينهن ما لم تغش الكبائر يعني ما لم
تفعل فالصلوات الخمس تكفر الصغائر لكن الكبائر لا فالغش مثلا في المعاملات كبيرة من كبائر الذنوب لأن النبي صلى الله عليه وسلم تبرأ من فاعله فقال من غش فليس منا فإذا صلى الإنسان الصلوات الخمس وهو غاش فإن الغش لا يكفر لأنه كبيرة من كبائر الذنوب الحلف الكاذب في السلعة هذا أيضا من كبائر الذنوب ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم المنان والمسبل والمنفق سلعته بحلف كاذب كذلك لو كان الإنسان ينزل ثوبه خيلاء فإن هذا من كبائر الذنوب فإنه لا يكفر عنه ذلك إذا صلى بل لو أنزله إلى أسفل من الكعب ولو لم يكن خيلاء فإنه من كبائر الذنوب فلا يغفر له بصلاته لأنه كبيرة الغيبة أيضا من كبائر الذنوب فإذا اغتاب الإنسان رجلا واحدا فقط بين صلاة الفجر والظهر مثلا فإن صلاة الظهر لا تكفر هذه الغيبة لأنها من كبائر الذنوب ولو كانت مرة واحدة لرجل واحد والغيبة هي التي يسميها العوام السبابة يعني أن يذكر أخاه بما يكره
لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عنها فقال ذكرك أخاك بما يكره قال أرأيت إن كان فيه ما أقول قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته والغيبة تختلف آثامها باختلاف آثارها وعواقبها فمثلا اغتياب العلماء أشد من العوام واغتياب ولاة الأمور أشد من اغتياب من دونهم وبهذا نعرف أن هذه النشرات التي توزع بين الناس الآن من الغيبة وأن نشرها بين الناس من كبائر الذنوب وأن الإنسان يأثم بها إثما عظيما لأنها توجب أن يكره الناس من اغتيبوا فيها وأن يتمردوا عليهم وتوجب أيضا إيغار الصدور وإيقاظ الفتن فهي والعياذ بالله غيبة لولاة الأمور من أكبر الآثام في الغيبة فالذي ينشرها أو يصورها ويوزعها آثم فاعل كبيرة والعياذ بالله عليه إثمها وإثم كل من تأثر بها نسأل الله السلامة والعافية لأن هذه الأمور لا شك أنها داخلة في الغيبة ذكرك أخاك بما يكره ثم ما مصدر هذا الكلام من قال إن هذا الكلام صحيح من يقول إنه صحيح ولذلك يوجد في بعض النشرات أشياء كذب ليست بصحيحة فتكون جامعة بين الغيبة والبهتان والعياذ بالله وثالثا ماذا يترتب على نشر هذه الأوراق هل تصلح الأمور هل يقلع الناس عما وصفوا به في هذه النشرات؟ أبدا لا يزيد الأمر إلا شدة
لذلك نرى أن توزيع مثل هذه النشرات في غيبة ولاة الأمور من كبائر الذنوب وأن الإنسان آثم إذا نشرها أو صورها أو وزعها بين الناس لما فيها من انطباق حقيقة الغيبة عليها ثم يتولد عليها مفاسد عظيمة ليست كما لو اغتبت زيدا أو اعتمرا فالأمر يكون عليه شخصيا لكن هذا يترتب عليه أنه ضرر على المغتاب شخصيا وضرر على الأمن لأنه يوجب إيغار الصدور وكراهة ولاة الأمور فنحن نحذر من نشر هذه الأوراق ونرى أن من شارك في نشرها أو توزيعها فإنه آثم فاعل كبيرة من كبائر الذنوب ولو كنا نعلم أن الأمر ستصلح بمثل هذا لكان الأمر هينا ولكن الأمور ما تزداد إلا كراهة لولاة الأمور وشرا مستطيرا نسأل الله عز وجل أن يجازي من نشرها بما يستحق إنه على كل شيء قدير
باب صلاة الصبح والعصر
1047 - عن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من صلى البردين دخل الجنة متفق عليه البردان الصبح والعصر
1048 - وعن زهير بن عمارة بن روبية رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها يعني الفجر والعصر رواه مسلم
[الشَّرْحُ]
قال المؤلف رحمه الله في كتابه رياض الصالحين باب فضل صلاة الصبح وصلاة العصر هاتان الصلاتان تميزتا بفضل ليسا في غيرهما أما الفجر فقد قال الله تبارك وتعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرءان الفجر إن قرءان الفجر كان مشهودا يشهده الله وملائكته وهذه فضيلة عظيمة واختصت أيضا بأنها مفصولة عن الصلوات الخمس منفردة بوقتها فبينها وبين صلاة العشاء نصف الليل الأخير وبينها وبين صلاة الظهر نصف النهار الأول لأن وقت العشاء ينتهي بنصف الليل ولا يمتد إلى طلوع الفجر فإذا انتصف الليل خرج وقت صلاة العشاء وبقي
هذا النصف إلى الفجر ليس وقتا لصلاة مفروضة لكنه وقت التهجد لمن وفقه الله عز وجل أما من طلوع الشمس إلى زوال الشمس فليس أيضا وقتا لصلاة مفروضة وإنما هو وقت لصلاة مطلقة كصلاة الضحى وما أشبه ذلك فتميزت بأنها مشهودة وبأنها منفردة بوقتها لا يتصل بها ما قبلها ولا تتصل بما بعدها أما صلاة العصر فتميزت بأنها الصلاة الوسطى فإن الصلاة الوسطى بنص الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم هي صلاة العصر وتميزت بأن الله تعالى نوه بفضلها وشرفها حيث خصها بالذكر بعد أن عمم فقال {حافظوا على الصلوات} هذا عام {والصلاة الوسطى} يعني صلاة العصر فخصها بالذكر لفضيلتها وهناك فضائل وميزات اشتركت فيها صلاة الفجر وصلاة العصر منها ما أشار إليه المؤلف رحمه الله في هذا الباب 1 - أن من صلى البردين دخل الجنة والبردين هما صلاة الفجر وصلاة العصر لأن الفجر يأتي في براد الليل في آخره والعصر تأتي في براد النهار في آخره ولذلك قال قال صلى الله عليه وسلم من صلى البردين دخل الجنة 2 - وكذلك أخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها يعني صلاة الفجر وصلاة العصر
ففي الأول إثبات دخول الجنة وفي الثاني انتفاء دخول النار فيكون هذا كقوله تعالى {فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز} نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من المحافظين على الصلوات والصلاة الوسطى وأن يحرمنا على النار ويدخلنا الجنة إنه على كل شيء قدير
1049 - وعن جندب بن سفيان رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى الصبح فهو في ذمة الله فانظر يا ابن آدم لا يطلبنك الله من ذمته بشيء رواه مسلم
1050 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم الله وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي فيقولون تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون متفق عليه
1051 - وعن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم
فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا متفق عليه وفي رواية فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة
1052 - وعن بريدة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله رواه البخاري
[الشَّرْحُ]
هذه الأحاديث في بيان فضيلة صلاة الفجر وصلاة العصر فمنها الحديث الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من صلى الفجر فهو في ذمة الله عز وجل يعني في عهده وأمانة فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء يعني لا تغدوا ولا تعملوا عملا سيئا فيطالبكم الله تعالى بما عهد به إليكم وهذا دليل على أن صلاة الفجر كالمفتاح لصلاة النهار بل لعمل النهار كله وأنها كالمعاهدة مع الله بأن يقوم العبد بطاعة ربه عز وجل ممتثلا لأمره مجتنبا لنهيه ومن فضائل صلاة الفجر والعصر 1 - أن الله سبحانه وتعالى وكل بالعباد ملائكة معقبات يتعاقبون فينا
يحفظوننا من أمر الله عز وجل يجتمعون في صلاة الفجر وفي صلاة العصر ثم يصعد الذين باتوا فينا إلى الله عز وجل فيسألهم وهو أعلم كيف تركتم عبادي يسألهم ذلك إظهارا لشرف العباد وتنويها بفضلهم وليس خفاء عليه لأنه يعلم السر وأخفى لكن لإظهار فضيلتهم يسألهم كيف تركتم عبادي فيقولون أتيناهم وهم يصلون وتركناهم وهم يصلون لأنهم يأتون في أول الليل وأول النهار فيتعاقبون في صلاة الفجر وصلاة العصر هؤلاء ينزلون وهؤلاء يصعدون وقيد الله سبحانه وتعالى وقت صعودهم ونزولهم بهاتين الصلاتين لفضلهما لأن صلاة العصر هي الصلاة الوسطى وصلاة الفجر هي الصلاة المشهودة 2 - ومن ذلك أيضا ما رواه جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر ليلة الرابع عشر فقال صلى الله عليه وسلم إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر يعني يوم القيامة يراه المؤمنون في الجنة كما يرون القمر ليلة البدر ليس المعنى أن الله مثل القمر لأن الله ليس كمثله شيء بل هو أعظم وأجل عز وجل وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه لكن المراد من المعنى تشبيه الرؤية بالرؤية فكما أننا نرى القمر ليلة
البدر رؤية حقيقية ليس فيها اشتباه فإننا سنرى ربنا عز وجل كما نرى هذا القمر رؤية حقيقية بالعين دون اشتباه واعلم أن ألذ نعيم وأطيب نعيم عند أهل الجنة أسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم هو النظر إلى وجه الله فلا شيء يعدله ولهذا قال عز وجل للذين أحسنوا الحسنى وزيادة فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها النظر إلى وجه الله الحسنى اسم تفضيل مؤنث يقابله أحسن في المذكر فالزيادة زيادة على الأحسن وهي النظر إلى وجه الله عز وجل فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ذكر أننا نرى ربنا كما نرى القمر ليلة البدر فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا والمراد من قوله استطعتم ألا تغلبوا على صلاة أي على أن تأتوا بهما كاملتين ومنها أن تصلي في جماعة إن استطعتم ألا تغلبوا على هذا فافعلوا وفي هذا دليل على أن المحافظة على صلاة الفجر وصلاة العصر من أسباب النظر إلى وجه الله عز وجل ويا لها من قيمة عظيمة حافظ على صلاة الفجر وصلاة العصر تنظر إلى وجه الله يوم القيامة في جنات النعيم 3 - من فضائل صلاة العصر خاصة أن من تركها فقد حبط عمله لأنها عظيمة وقد استدل بهذا بعض
العلماء على أن من ترك صلاة العصر كفر لأنه لا يحبط الأعمال إلا الردة كما قال تعالى {ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعلمون} وقال تعالى {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} فيقول بعض العلماء صلاة العصر خاصة من تركها فقد كفر وكذلك من ترك بقية الصلوات عموما فقد كفر وهذا القول ليس ببعيد من الصواب لأن حبوط العمل لا يكون إلا بالكفر والردة ففي هذا دليل على عظم شأن هذه الصلاة صلاة العصر ولذلك نص الله على المحافظة عليها من بين سائر الصلوات فقال {حافظوا على الصلوات والصلوات الوسطى} يعني صلاة العصر {وقوموا لله قانتين}
* * *