(الحمد لله رب العالمين "2" الرحمن الرحيم "3")
فاتحة الكتاب هي أم الكتاب، لا تصلح الصلاة بدونها، فأنت في كل ركعة تستطيع أن تقرأ آية من القرآن الكريم، تختلف عن الآية التي قرأتها في الركعة السابقة، وتختلف عن الآيات التي قرأتها في صلواتك .. ولكن إذا لم تقرأ الفاتحة فسدت الصلاة، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من صلى صلاة لم يقرأ فيها أم القرآن فهي خداج ثلاثا غير تام" أي غير صالحة.
فالفاتحة أم الكتاب التي لا تصلح الصلاة بدونها، والله سبحانه وتعالى يقول في حديث قدسي: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل .. فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين. قال الله عز وجل حمدني عبدي. فإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله عز وجل: أثنى علي عبدي، فإذا قال مالك يوم الدين، قال الله عز وجل مجدني عبدي .. فإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين، قال الله عز وجل هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل .. وإذا قال: "اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين" قال الله عز وجل: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل.
وعلينا أن نتنبه ونحن نقرأ هذا الحديث القدسي أن الله تعالى يقول: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي، ولم يقل قسمت الفاتحة بيني وبين عبدي، ففاتحة الكتاب هي أساس الصلاة، وهي أم الكتاب.
فاتحة الكتاب تبدأ بالحمد لله رب العالمين .. لماذا قال الله سبحانه وتعالى رب العالمين؟ نقول إن "الحمد لله" تعني حمد الألوهية. فكلمة الله تعني المعبود بحق .. فالعبادة تكليف والتكليف يأتي من الله لعبيده .. فكأن الحمد أولا لله .. ثم يقتضي بعد ذلك أن يكون الحمد لربوبية الله على إيجادنا من عدم وإمدادنا من عدم .. لأن المتفضل بالنعم قد يكون محمودا عند كل الناس .. لكن التكليف يكون شاقا على بعض الناس .. ولو علم الناس قيمة التكليف في الحياة .. لحمدوا الله أن كلفهم بافعل ولا تفعل .. لأنه ضمن عدم تصادم حركة حياتهم .. فتمضي حركة الحياة متساندة منسجمة. إذن فالنعمة الأولى هي أن المعبود أبلغنا منهج عبادته، والنعمة الثانية أنه رب العالمين.
في الحياة الدنيا هناك المطيع والعاصي، والمؤمن وغير المؤمن ..
والذين يدخلون في عطاء الألوهية هم المؤمنون ..
أما عطاء الربوبية فيشمل الجميع ..
ونحن نحمد الله على عطاء ألوهيته،
ونحمد الله على عطاء ربوبيته،
لأنه الذي خلق، ولأنه رب العالمين .
. الكون كله لا يخرج عن حكمه .
. فليطمئن الناس في الدنيا
أن النعم مستمرة لهم بعطاء ربوبيه ..
فلا الشمس تستطيع أن تغيب وتقول لن أشرق
ولا النجوم تستطيع أن تصطدم ببعضها البعض في الكون،
ولا الأرض تستطيع أن تمنع إنبات الزرع ..
ولا الغلاف الجوي يستطيع أن يبتعد عن الأرض فيختنق الناس جميعا..
إذن فالله سبحانه وتعالى يريد أن يطمئن عباده
أنه رب لكل ما في الكون
فلا مسيطر على كونه +غيره ولا مسيطرعلى كل ما خلق سواه
.
. لأنه رب العالمين وهذه توجب الحمد ..
أن يهيئ الله سبحانه وتعالى للإنسان ما يخدمه،
بل جعله سيدا في كونه ..
ولذلك فإن الإنسان المؤمن لا يخاف الغد ..
وكيف يخافه والله رب العالمين.
إذا لم يكن عنده طعام
فهو واثق أن الله سيرزقه لأنه رب العالمين ..
وإذا صادفته أزمة
فقلبه مطمئن إلي أن الله سيفرج الأزمة ويزيل الكرب
لأنه رب العالمين .
. وإذا أصابته نعمة ذكر الله فشكر عليها لأنه رب العالمين
الذي أنعم عليه.
فالحق سبحانه وتعالى يحمد على أنه رب العالمين ..
لا شيء في كونه يخرج عن مراده الفعلي ..
أما عطاء الألوهية فجزاؤه في الآخرة ..
فالدنيا دار اختيار للإيمان،
والآخرة دار الجزاء ..
ومن الناس من لا يعبد الله ..
هؤلاء متساوون في عطاء الربوبية مع المؤمنين في الدنيا ..
ولكن في الآخرة يكون عطاء الألوهية للمؤمنين وحدهم ..
فنعم الله لأصحاب الجنة،
وعطاءات الله لمن آمن ..
واقرأ قوله تبارك وتعالى:
{قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون "32" }
(سورة الأعراف)
على أن الحمد لله ليس في الدنيا فقط .. بل هو في الدنيا والآخرة ..
الله محمود دائماً ..
في الدنيا بعطاء ربوبيته لكل خلقه .
. وعطاء ألوهيته لمن آمن به
وفي الآخرة بعطائه للمؤمنين من عباده ..
واقرأ قوله جل جلاله:
{وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث تشاء فنعم أجر العاملين "47"}
(سورة الزمر)
وقوله تعالى:
{دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين"10" }
(سورة يونس)
ةةةةةةةةةةةةةةةةة