فالبداية من الله والنهاية إلي الله سبحانه وتعالى.
الله يبدأ الخلق ثم يعيده
﴾ وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ﴿٣٩﴾ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ﴿٤٠﴾ ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى ﴿٤١﴾ وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى ﴿٤٢﴾ وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى ﴿٤٣﴾ وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا ﴿٤٤﴾ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى ﴿٤٥﴾ مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى ﴿٤٦﴾ وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى ﴿٤٧﴾ وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى ﴿٤٨﴾ وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى ﴿٤٩﴾ وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى ﴿٥٠﴾ وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى ﴿٥١﴾ وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِ
فعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه---
وغلى الغافل أن يعود إلى حظيرة الإيمان قبل فوات الأوان
(حديث مرفوع) (حديث موقوف) حَدَّثَنَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَيْمُونٍ الْقَدَّاحُ ، عَنْ طَلْحَةَ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ ، كَمَا يَفْرَحُ أَحَدُكُمْ بِضَالَّتِهِ إِذَا وَجَدَهَا " .
قال الغزاليّ: "اعلم أنّ الصّغيرة تكبر بأسباب فيها الإصرار والمواظبة: وكذلك قيل: لا صغيرة مع إصرار، ولا كبيرة مع استغفار"1، فكيف إذا كان الإصرار على الكبائر وعدم التوبة منها؟!
وقد وعد الله المستغفرين التائبين بالمغفرة والثواب العظيم فقال: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ }[آل عمران: 135-136].
وجاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ)2.
كما في حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون)3،
إن الله يفرح بتوبة العبد ورجوعه إليه واعترافه بذنبه، كما جاء في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ! أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ))5.
التفريق بين رحمة الله العامة التي تكون في الدنيا ، ورحمته الخاصة التي تكون في الآخرة ، فهو سبحانه يرحم عباده في الدنيا كلهم ، مؤمنهم وكافرهم ، طائعهم وعاصيهم ، رحمة عامة ، فيرزقهم ويطعمهم ويسقيهم ويشفهم ويعافيهم ، إلى غير ذلك من صور الرحمة التي لا تحصى ، فلولا رحمة الله ما تنفس أحد الهواء ، ولا وجد أحد شربة ماء ، ولا ما يطعمه ولا ما يكسوه ، وإذا مرض فلولا الله ما عوفي ، والناس في ذلك - من جهة العموم - سواء ، فهذه رحمة عامة ، يرحم بها وليه وعدوه .
أما رحمته الخاصة التي تكون في الآخرة فلا تكون إلا للمؤمنين ، وليس للكافرين فيها نصيب .
ثانيا :
أن الذي جعل الوالدة رحيمة لا بد أن يكون أرحم منها ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" اللَّه أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ أَرْحَمِ الْوَالِدَاتِ بِوَلَدِهَا؛ فَإِنَّ مَنْ جَعَلَهَا رَحِيمَةً أَرْحَمُ مِنْهَا " . انتهى من "مجموع الفتاوى" (16/ 448) .
وقال تعالى : ( قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ) الأعراف/ 156 .
وقال عز وجل : (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) الأعراف/ 56 .
قال ابن الجوزي رحمه الله :
" من عموم رحمته إرسال الرسل ، وإمهال المذنبين
قال صلى الله عليه وسلم : ( إن لله مائة رحمة ، أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام ، فبها يتعاطفون ، وبها يتراحمون ، وبها تعطف الوحش على ولدها ، وأخر الله تسعا وتسعين رحمة ، يرحم بها عباده يوم القيامة).
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سبي ، فإذا امرأة من السبي قد تحلب ثديها تسقي ، إذا وجدت صبيا في السبي أخذته ، فألصقته ببطنها وأرضعته ، فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم : ( أترون هذه طارحة ولدها في النار ) قلنا : لا ، وهي تقدر على أن لا تطرحه ، فقال : ( لله أرحم بعباده من هذه بولدها )
يامن أسرف على نفسه لاتقنط من رحمة الله
.. فرحمة الله تسع كل ذنوب خلقه .. وهو سبحانه وتعالى الذي يغفر الذنوب جميعا
قال الحق سبحانه وتعالى في حديث قدسي.
"أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته"
الله سبحانه وتعالى يريد أن نتذكر دائما أنه يحنو ويرزقنا .. ويفتح لنا أبواب التوبة بابا بعد آخر .. ونعصى فلا يأخذنا بذنوبنا ولا يحرمنا من نعمة .. ولا يهلكنا بما فعلنا. ولذلك فنحن نبدأ تلاوة القرآن الكريم بسم الله الرحمن الرحيم .. لنتذكر دائما أبواب الرحمة المفتوحة لنا .. نرفع أيدينا إلي السماء .. ونقول يا رب رحمتك .. تجاوز عن ذنوبنا وسيئاتنا. وبذلك يظل قارئ القرآن متصلا بأبواب رحمة الله .. كلما ابتعد عن المنهج أسرع ليعود إليه .. فمادام الله رحمانا ورحيما لا تغلق أبواب الرحمة أبدا.
.. يقال راحم ورحمن ورحيم .. إذا قيل راحم فيه صفة الرحمة .. وإذا قيل رحمن تكون مبالغة في الصفة .. وإذا قيل رحيم تكون مبالغة في الصفة .. والله سبحانه وتعالى رحمن الدنيا ورحيم الآخرة..
هذه هي صفات الكمال المطلق ..
قول الحق سبحانه وتعالى:
{إن الله لا يظلم مثقال ذرةٍ "40"}
(سورة النساء)
، ثم تأتي الآية الكريمة بقول الله جل جلاله:
{وما ربك بظلامٍ للعبيد "46"}
(سورة فصلت)
.. الآية الأولى نفت الظلم عن الحق تبارك وتعالى ولو مثقال ذرة بالنسبة للعبد .. والآية الثانية لم تقل للعبد ولكنها قالت للعبيد .. والعبيد هم كل خلق الله .. فلو أصاب كل واحدا منهم أقل من ذرة من الظلم مع هذه الأعداد الهائلة .. فإن الظلم يكون كثيراً جداً، ولو أنه قليل في كميته لأن عدد من سيصاب به هائل .. ولذلك فإن الآية الأولى نفت الظلم عن الله سبحانه وتعالى. والآية الثانية نفت الظلم أيضا عن الله تبارك وتعالى .. ولكن صيغة المبالغة استخدمت لكثرة عدد الذين تنطبق عليهم الآية الكريمة.
نأتي بعد ذلك إلي رحمن ورحيم .. رحمن في الدنيا لكثرة عدد الذين يشملهم الله سبحانه وتعالى برحمته .. فرحمة الله في الدنيا تشمل المؤمن والعاصي والكافر .. يعطيهم الله مقومات حياتهم ولا يؤاخذهم بذنوبهم، يرزق من آمن به ومن لم يؤمن به، ويعفو عن كثير .. إذن عدد الذين تشملهم رحمة الله في الدنيا هم كل خلقه. بصرف النظر عن إيمانهم.
ولكن في الآخرة الله رحيم بالمؤمنين فقط .. فالكفار والمشركون مطرودون من رحمة الله .. إذن الذين تشملهم رحمة الله في الآخرة .. أقل عددا من الذين تشملهم رحمة الله في الدنيا .. فمن أين تأتي المبالغة؟ .. تأتي المبالغة في العطاء وفي الخلود في العطاء .. فنعم الله في الآخرة اكبر كثيراً منها في الدنيا .. المبالغة هنا بكثرة النعم وخلودها .. فكأن المبالغة في الدنيا بعمومية العطاء، والمبالغة في الآخرة بخصوصية العطاء للمؤمن وكثرة النعم والخلود فيها.
وقال العلماء أن "بسم الله الرحمن الرحيم" آية من آيات القرآن الكريم .. ولكنها ليست آية من كل سورة ما عدا فاتحة الكتاب فهي آية من الفاتحة .. وهناك سورة واحدة في القرآن الكريم لا تبدأ بـ"بسم الله الرحمن الرحيم" وهي سورة التوبة وتكررت بسم الله الرحمن الرحيم في الآية 30 من سورة النمل في قوله تعالى:
{إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم "30"}
بسم الله الرحمن الرحيم .. وهي موجودة في 113 سورة من القرآن الكريم
نلاحظ أن هناك ثلاثة أسماء لله قد تكررت في بسم الله الرحمن الرحيم، وفي فاتحة الكتاب، وهذه الأسماء هي: الله. والرحمن والرحيم.
المتكلم هو الله سبحانه وتعالى ..
فهو يضع اللفظ الصحيح في مكانه الصحيح، وفي معناه الصحيح..
فقولنا: "بسم الله الرحمن الرحيم"
هو استعانة بقدرة الله حين نبدأ فعل الأشياء ..
إذن فلفظ الجلالة "الله" في بسم الله،
معناه الاستعانة بقدرات الله سبحانه وتعالى وصفاته.
لتكون عونا لنا على ما نفعل.
ولكن إذا قلنا: الحمد لله ..
فهي شكر لله على ما فعل لنا. ذلك
أننا لا نستطيع أن نقدم الشكر لله إلا إذا استخدمنا لفظ الجلالة. الجامع لكل صفات الله تعالى.
لأننا نحمده على كل صفاته ورحمته بنا حتى لا نقول بسم القهار وبسم الوهاب وبسم الكريم، وبسم الرحمن ..
نقول الحمد لله على كمال صفاته، فيشمل الحمد كمال الصفات كلها.
وهناك فرق بين "بسم الله" الذي نستعين به على ما لا قدرة لنا عليه .. لأن الله هو الذي سخر كل ما في الكون، وجعله يخدمنا،
وبين "الحمد لله" فإن لفظ الجلالة إنما جاء هنا لنحمد الله على ما فعل لنا. فكأن "بسم الله في البسملة" طلب العون من الله بكل كمال صفاته .. وكأن الحمد لله في الفاتحة تقديم الشكر لله بكل كمال صفاته.
و"الرحمن الرحيم" في البسملة لها معنى غير "الرحمن الرحيم" في الفاتحة، ففي البسملة هي تذكرنا برحمة الله سبحانه وتعالى وغفرانه حتى لا نستحي ولا نهاب أن نستعين باسم الله أن كنا قد فعلنا معصية .. فالله سبحانه وتعالى يريدنا أن نستعين باسمه دائما في كل أعمالنا. فإذا سقط واحد منا في معصية، قال كيف استعين باسم الله، وقد عصيته؟ نقول له ادخل عليه سبحانك وتعالى من باب الرحمة .. فيغفر لك وتستعين به فيجيبك.
وأنت حين تسقط في معصية تستعيذ برحمة الله من عدله، لأن عدل الله لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.
واقرأ قول الله تعالى:
{ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون ياويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحد "49"}
(سورة الكهف)
ولولا رحمة الله التي سبقت عدله. ما بقى للناس نعمة وما عاش أحد على ظهر الأرض .. فالله جل جلاله يقول:
{ولو يؤاخذ الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلي أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون "61"}
(سورة النحل)
فالإنسان خلق ضعيفا، وخلق هلوعا. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"لا يدخل أحدكم الجنة بعمله إلا أن يتغمده الله برحمته، قالوا: حتى أنت يا رسول الله قال: حتى أنا".
فذنوب الإنسان في الدنيا كثيرة .. إذا حكم فقد يظلم. وإذا ظن فقد يسئ .. وإذا تحدث فقد كذب .. وإذا شهد فقد يبتعد عن الحق .. وإذا تكلم فقد يغتاب.
هذه ذنوب نرتكبها بدرجات متفاوتة. ولا يمكن لأحد منا أن ينسب الكمال لنفسه حتى الذين يبذلون أقصى جهدهم في الطاعة لا يصلون إلي الكمال، فالكمال لله وحده. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون".
ولذلك أراد الحق سبحانه وتعالى ألا تمنعنا المعصية عن أن ندخل إلي كل عمل باسم الله ..
فعلمنا أن نقول: "بسم الله الرحمن الرحيم"
لكي نعرف أن الباب مفتوح للاستعانة بالله.
وأن المعصية لا تمنعنا من الاستعانة في كل عمل باسم الله ..
لأنه رحمن رحيم،
فيكون الله قد أزال وحشتك من المعصية في الاستعانة به سبحانه وتعالى.
ولكن الرحمن الرحيم في الفاتحة مقترنة برب العالمين، أوجدك من عدم .. وأمدك بنعم لا تعد ولا تحصى.
{وأتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار "34"}
(سورة إبراهيم)
. أنت تحمده على هذه النعم التي أخذتها برحمة الله سبحانه وتعالى في ربوبيته،
ذلك أن الربوبية ليس فيها من القسوة بقدر ما فيها من رحمة.
والله سبحانه وتعالى رب للمؤمن والكافر،
فهو الذي استدعاهم جميعا إلي الوجود.
ولذلك فإنه يعطيهم من النعم برحمته .. وليس بما يستحقون .. ف
الشمس تشرق على المؤمن والكافر .. ولا تحجب أشعتها عن الكافر وتعطيها للمؤمن فقط،
والمطر ينزل على من يبعدون الله. ومن يعبدون أوثانا من دون الله.
والهواء يتنفسه من قال لا إله إلا الله ومن لم يقلها.
وكل النعم التي هي من عطاء الربوبية لله يه في الدنيا لخلقه جميعا، وهذه رحمة ..
فالله رب الجميع من أطاعه ومن عصاه. وهذه رحمة،
والله قابل للتوبة، وهذه رحمة
إذن ففي الفاتحة تأتي "الرحمن الرحيم"
بمعنى رحمة الله في ربوبيته لخلقه،
فهو يمهل العاصي ويفتح أبواب التوبة لكل من يلجأ إليه.
وقد جعل الله رحمته تسبق غضبه.
وهذه رحمة تستوجب الشكر.
فمعنى "الرحمن الرحيم" في البسملة يختلف عنها في الفاتحة.
فإذا انتقلنا بعد ذلك إلي قوله تعالى: "الحمد لله رب العالمين"
فالله محمود لذاته ومحمود لصفاته،
ومحمود لنعمه، ومحمود لرحمته،
ومحمود لمنهجه، ومحمود لقضائه،
الله محمود قبل أن يخلق من يحمده.
ومن رحمة الله سبحانه وتعالى أنه جعل الشكر له في كلمتين اثنتين هما الحمد لله.
والعجيب
أنك حين تشكر بشرا على جميل فعله
تظل ساعات وساعات .. تعد كلمات الشكر والثناء،
وتحذف وتضيف وتأخذ رأي الناس.
حتى تصل إلي قصيدة أو خطاب ملئ بالثناء والشكر.
ولكن الله سبحانه وتعالى
جلت قدرته وعظمته نعمه لا تعد ولا تحصى،
علمنا أن نشكره في كلمتين اثنتين هما: الحمد لله ..
نشكر الله لعظيم نعمه علينا بكلمتين هما: الحمد لله،
ومن رحمة الله سبحانه وتعالى
أنه علمنا صيغة الحمد.
فلو أنه تركها دون أن يحددها بكلمتين ..
لكان من الصعب على البشر أن يجدوا الصيغة المناسبة
ليحمدوا الله على هذا الكمال الإلهي
فمهما أوتي الناس من بلاغة وقدرة على التعبير.
فهم عاجزون على أن يصلوا إلي صيغة الحمد التي تليق بجلال المنعم ..
فكيف نحمد الله والعقل عاجز أن يدرك قدرته
والعقل عاجز أن يحصي نعمه
والعقل عاجز أن يحيط برحمته؟
فإن ما يكشفه الله لنا من أسرار كونه وما به من دقة صنعه وإحكام خلقه ليزيدنا إيمانا أن طلاقة قدرة الله فوق كمال قدرات العقول
وإن العقل ليعجز عن تحديد طلاقة قدرة الله
وإن العقل ليعجز أن يحصي تمام نعمة الله
وإن العقل ليعجز أن يحيط بشيء من علم الله إلا بإذن الله
وإن العقل ليعجز عن إيجاد صيغة شكر تليق بجلال الله
وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم صورة العجز البشري عن إيجاد صيغة شكر تليق بجلال الله فقال: "لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك".
ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعطانا صورة العجز البشري عن حمد كمال الألوهية لله، فقال: "لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك".
ولكن الحق تبارك وتعالى شاء عدله أن يسوي بين عباده جميعا في صيغة الحمد له ..
فيعلمنا في أول كلماته في القرآن الكريم ..
أن نقول "الحمد لله"
ليعطي الفرصة المتساوية لكل عبيده
بحيث يستوي المتعلم وغير المتعلم في عطاء الحمد
ومن أوتي البلاغة ومن لا يحسن الكلام.
وكلمتا الحمد لله، ساوى الله بهما بين البشر جميعا،
فلو أنه ترك الحمد بلا تحديد،
لتفاوتت درجات الحمد بين الناس بتفاوت قدراتهم على التعبير.
فهذا أمي لا يقرأ ولا يكتب لا يستطيع أن يجد الكلمات التي يحمد بها الله.
وهذا عالم له قدرة على التعبير يستطيع أن يأتي بصيغة الحمد بما أوتي من علم وبلاغة.
وهكذا تتفاوت درجات البشر في الحمد .. طبقا لقدرتهم في منازل الدنيا.
ولذلك فإننا نحمد الله سبحانه وتعالى على أنه علمنا كيف نحمده
وليظل العبد دائما حامدا.
ويظل الله دائما محمودا ..
فالله سبحانه وتعالى قبل أن يخلقنا خلق لنا موجبات الحمد من النعم،
فخلق لنا السماوات والأرض
وأوجد لنا الماء والهواء.
ووضع في الأرض أقواتها إلي يوم القيامة ..
وهذه نعمة يستحق الحمد عليها
لأنه جل جلاله جعل النعمة تسبق الوجود الإنساني،
فعندما خلق الإنسان كانت النعمة موجودة تستقبله.
بل أن الله جل جلاله قبل أن يخلق آدم أبا البشر جميعا
سبقته الجنة التي عاش فيها
لا يتعب ولا يشقى.
فقد خلق فوجد ما يأكله وما يشربه
وما يقيم حياته وما يتمتع به موجودا وجاهزا ومعدا قبل الخلق ..
وحينما نزل آدم وحواء إلي الأرض
كانت النعمة قد سبقتهما.
فوجدا ما يأكلانه وما يشربانه، وما يقيم حياتهما ..
ولو أن النعمة لم تسبق الوجود الإنساني وخلقت بعده
لهلك الإنسان وهو ينتظر مجيء النعمة.
بل أن العطاء الإلهي للإنسان
يعطيه النعمة بمجرد أن يخلق في رحم أمه