وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدّونَ إِلَىَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشّهَادَةِ فَيُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
قال مجاهد: هذا وعيد يعني من الله تعالى للمخالفين أوامره بأن أعمالهم ستعرض عليه تبارك وتعالى وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين. وهذا كائن لا محالة يوم القيامة كما قال: {يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية} وقال تعالى: {يوم تبلى السرائر} وقال: {وحصل ما في الصدور} وقد يظهر الله تعالى ذلك للناس في الدنيا، كما قال الإمام أحمد: حدثنا حسن بن موسى، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد مرفوعاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس لها باب ولا كوة لأخرج الله عمله للناس كائناً ما كان» وقد ورد: أن أعمال الأحياء تعرض على الأموات من الأقرباء والعشائر في البرزخ، كما قال أبو داود الطيالسي: حدثنا الصلت بن دينار عن الحسن عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن أعمالكم تعرض على أقربائكم وعشائركم في قبورهم، فإن كان خيراً استبشروا به، وإن كان غير ذلك قالوا: اللهم ألهمهم أن يعملوا بطاعتك» وقال الإمام أحمد: أنبأنا عبد الرزاق عن سفيان عمن سمع أنساً يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات فإن كان خيراً استبشروا به وإن كان غير ذلك قالوا اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا»
وقال البخاري قالت عائشة رضي الله عنها: إذا أعجبك حسن عمل امرىء مسلم فقل {اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} وقد ورد في الحديث شبيه بهذا، قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا حميد عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا عليكم أن تعجبوا بأحد حتى تنظروا بم يختم له، فإن العامل يعمل زماناً من عمره أو برهة من دهره بعمل صالح لو مات عليه دخل الجنة ثم يتحول فيعمل عملاً سيئاً، وإن العبد ليعمل البرهة من دهره بعمل سيء لو مات عليه دخل النار ثم يتحول فيعمل عملاً صالحاً، وإذا أراد الله بعبده خيراً استعمله قبل موته» قالوا: يا رسول الله وكيف يستعمله ؟ قال: «يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه» تفرد به الإمام أحمد من هذا الوجه
وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأمْرِ اللّهِ إِمّا يُعَذّبُهُمْ وَإِمّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة والضحاك وغير واحد: هم الثلاثة الذين خلفوا أي عن التوبة، وهم مرارة بن الربيع وكعب بن مالك وهلال بن أمية، قعدوا عن غزوة تبوك في جملة من قعد كسلاً وميلاً إلى الدعة والحفظ وطيب الثمار والظلال لا شكاً ونفاقاً، فكانت منهم طائفة ربطوا أنفسهم بالسواري كما فعل أبو لبابة وأصحابه، وطائفة لم يفعلوا ذلك وهم هؤلاء الثلاثة المذكورون، فنزلت توبة أولئك قبل هؤلاء وأرجي هؤلاء عن التوبة، حتى نزلت الاَية الاَتية وهي قوله {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار} الاَية، {وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت} الاَية، كما سيأتي بيانه في حديث كعب بن مالك، وقوله {إما يعذبهم وإما يتوب عليهم} أي هم تحت عفو الله إن شاء فعل بهم هذا وإن شاء فعل بهم ذاك، ولكن رحمته تغلب غضبه {والله عليم حكيم} أي عليم بمن يستحق العقوبة ممن يستحق العفو، حكيم في أفعاله وأقواله لا إله إلا هو ولا رب سواه